الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أنواع التقليد
1 -
التقليد المباح: يكون في حق العامي الذي لا يعرف طرق الأحكام الشرعية، ويعجز عن معرفتها، ولا يمكنه فهم أدلتها، ولكن له طلب الدليل الشرعي من المفتي؛ لأن المسلم من حقه أن يستوثق من أمر دينه.
2 -
التقليد المذموم: هو تقليد رجل واحد معين دون غيره من العلماء في جميع أقواله، أو أفعاله، ولا يرى الحق إلا فيه.
ذهب جمهور أئمة أهل السنة والجماعة إلى جواز التقليد في العقائد والأحكام للعامي، والذي يعجز عن فهم الحجة والنظر والاستدلال.
ويحرم التقليد على العالم، أو الذي يستطيع النظر والاستدلال؛ إذا اجتهد وبان له الحق في المسألة أن يقلد غيره، سواء كان ذلك في العقائد أو الأحكام؛ لورود الأدلة في ذم التقليد والمقلدين.
واتفقوا على أن التقليد من موانع التكفير؛ لأن المقلد جاهل لا يفهم الدليل أو الحجة، ولا بصيرة له ولا فقه؛ فهو معذور حتى تقام عليه الحجة ويعلم. الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري – ص272
يلخص شيخ الإسلام – رحمه الله – مذهب جماهير الأمة في التقليد والاجتهاد، فيقول: (
…
والذي عليه جماهير الأمة أن الاجتهاد في الجملة، والتقليد جائز في الجملة، لا يوجبون الاجتهاد على كل أحد ويحرمون التقليد، ولا يوجبون التقليد على كل أحد ويحرمون الاجتهاد، وأن الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد، والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد، فأما القادر على الاجتهاد، فهل يجوز له التقليد؟
هذا فيه خلاف، والصحيح أنه يجوز حيث عجز الاجتهاد: إما لتكافؤ الأدلة، وإما لضيق الوقت عن الاجتهاد، وإما لعدم ظهور دليل له، فإنه حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وانتقل إلى بدله وهو التقليد، كما لو عجز عن الطهارة بالماء، وكذلك العامي إذا أمكنه الاجتهاد في بعض المسائل جاز له الاجتهاد، فإن الاجتهاد منصب يقبل التجزئ والانقسام، فالعبرة بالقدرة والعجز
…
) (1)، ويقول الإمام ابن عبد البر – رحمه الله – بعدما ساق من الأدلة والأقوال في إبطال التقليد وفساده -:(هذا كله لغير العامة، فإن العامة لابد لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها، لأنها لا تبين موقع الحجة ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله أعلم، ولم تختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها)(2). وفصل الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله في بيان التقليد الجائز وغير الجائز.
(1)((مجموع الفتاوى)) (20/ 203 - 204).
(2)
((جامع بيان العلم وفضله)) (2/ 114،115).
فقال: (والتحقيق أن التقليد منه ما هو جائز، ومنه ما ليس بجائز، ومنه ما خالف فيه المتأخرون المتقدمين من الصحابة وغيرهم من القرون الثلاثة المفضلة، أما التقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين فهو تقليد العامي عالماً أهلاً للفتيا في نازلة نزلت به، وهذا النوع من التقليد كان شائعاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا خلاف فيه، فقد كان العامي، يسأل من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكم النازلة تنزل به، فيفتيه فيعمل بفتياه، وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصحابي الذي أفتاه أولاً، بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يعمل بفتياه، وأما ما لا يجوز من التقليد بلا خلاف، فهو تقليد المجتهد الذي ظهر له الحكم باجتهاد، مجتهد آخر يرى خلاف ما ظهر له هو، للإجماع على أن المجتهد إذا ظهر له الحكم باجتهاده، لا يجوز له أن يقلد غيره المخالف لرأيه (1)، أما نوع التقليد الذي خالف فيه المتأخرون الصحابة وغيرهم من القرون المشهود لهم بالخير، فهو تقليد رجل واحد معين غيره من جميع العلماء، فإن هذا النوع من التقليد، لم يرد به نص من كتاب ولا سنة، ولم يقل به أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير، وهو مخالف لأقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله، فلم يقل أحد منهم بالجمود على قول رجل واحد معين دون غيره من جميع علماء المسلمين، فتقليد العالم المعين من بدع القرن الرابع، ومن يدعي خلاف ذلك فليعين لنا رجلاً واحداً من القرون الأولى التزم مذهب رجل واحد معين ولن يستطيع ذلك أبداً، لأنه لم يقع ألبتة
…
) (2).
والخلاصة مما سبق، أن التقليد يجوز العامي العاجز عن فهم الحجة، ويحرم على العالم إذا اجتهد وبان له الحق في المسألة أن يقلد مجتهداً مثله، أما إذا لم يجتهد في المسألة مع قدرته فيجوز له التقليد في حالات معينة على الصحيح والله أعلم. نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي– 2/ 39
(1) يقول شيخ الإسلام – رحمه الله – في بيان حكم تقليد المجتهد لمجتهد مثله: (ولهذا نقل غير واحد الإجماع على أنه لا يجوز للعالم أن يقلد غيره إذا كان قد اجتهد واستدل وتبين له الحق الذي جاء به الرسول، فهناك لا يجوز له تقليد من قال خلاف ذلك بلا نزاع، ولكن هل يجوز مع قدرته على الاستدلال أن يقلد هذا فيه قولان.)((الفتاوى)) (19/ 261).
(2)
((أضواء البيان)) (7/ 487 – 489)، وهذا هو التقليد الذي تكلم الأئمة المحققون في بيان فساده وبطلانه.