المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

إن مجمل قول أهل السنة والجماعة في هذه المسألة هو أن الاستثناء في الإيمان جائز مشروع؛ لأن الإيمان عندهم شامل للاعتقادات والأقوال والأعمال، فإذا سئل أحدهم هذا السؤال استثنى في إيمانه مخافة عدم تكميل الأعمال التي بكمالها يكمل الإيمان؛ فيقول أحدهم إذا أجاب: أنا مؤمن إن شاء الله، أو مؤمن أرجو، أو نحو ذلك.

وليس هذا منهم شكاً في أصل الإيمان معاذ الله. فهم أعلى وأرفع من ذلك، وإنما هو ترك لتزكية النفس والشهادة لها بتكميل الأعمال، لهذا وقع منهم الاستثناء في الإيمان.

ولهم على ذلك دلائل وشواهد كثيرة من الكتاب والسنة

وعلى هذا مضى مذهبهم واتفقت كلمتهم.

وقال الوليد بن مسلم: (سمعت أبا عمرو يعني الأوزاعي ومالك بن أنس وسعيد بن عبدالعزيز ينكرون أن يقول: أنا مؤمن، ويأذنون في الاستثناء أن يقول: أنا مؤمن إن شاء الله)(1).

وقال البيهقي: (وقد روينا هذا - يعني الاستثناء في الإيمان - عن جماعة من الصحابة والتابعين والسلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين)(2).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وأما مذهب سلف أصحاب الحديث كابن مسعود وأصحابه، والثوري، وابن عيينة، وأكثر علماء الكوفة، ويحيى بن سعيد القطان فيما يرويه عن علماء أهل البصرة، وأحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة؛ فكانوا يستثنون في الإيمان، وهذا متواتر عنهم

) (3).

وقال: (والمأثور عن الصحابة وأئمة التابعين وجمهور السلف، وهو مذهب أهل الحديث، وهو المنسوب إلى أهل السنة؛ أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وأنه يجوز الاستثناء فيه)(4).

وقال: (الاستثناء في الإيمان سنة عند أصحابنا وأكثر أهل السنة)(5)، ومعنى قوله الاستثناء سنة أي: جائز، رداً على من نهى عنه وحرمه

وأما مأخذ السلف في الاستثناء، ووجه استثنائهم في الإيمان، فالمتأمل لأقوالهم الواردة في ذلك يجد أنهم عندما كانوا يستثنون يلحظون أموراً أربعة - وإن كان في بعضها نوع تداخل

وهي:

1 -

أن الإيمان المطلق الشامل لكل ما أمر الله به والبعد عن كل ما ينهى عنه، ولا يدعي أحد إنه جاء بذلك كله على التمام والكمال.

2 -

أن الإيمان النافع هو المتقبل عند الله.

3 -

البعد عن تزكية النفس، وليس هناك تزكية لها أعظم من التزكية بالإيمان.

4 -

أن الاستثناء يكون في الأمور المتيقنة غير المشكوك فيها كما جاءت بذلك السنة.

فهذا مجمل الأمور التي كان يستثني من أجلها السلف في إيمانهم، وتفصيل هذه الأمور كما يلي:

1 -

فالمأخذ الأول:

للسلف في استثنائهم في الإيمان هو اعتبارهم أن الإيمان المطلق يتضمن فعل ما أمر الله به عبده كله، وترك المحرمات كلها، فإذا قال الرجل: أنا مؤمن، بهذا الاعتبار فقد شهد لنفسه بأنه من الأبرار المتقين القائمين بفعل جميع ما أمروا به وترك كل ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله (6). ولا يدعي مسلم عاقل هذا لنفسه.

لهذا كان السلف يستثنون مخافة واحتياطاً أن لا يكونوا كملوا الأعمال وأتوا بها على وجهها المطلوب، فقول أنا مؤمن عندهم كقول أنا وليّ أو أنا تقيّ، ولا يجزم أحد أنه كمل مراتب التقوى، وأتم مراتب الولاية إلا من خسف عقله وقلّ خوفه، فكذلك لا يجزم أنه كمل مراتب الإيمان وأتم درجاته، فعندئذ لزمه الاستثناء في إيمانه مخافة واحتياطاً.

(1) رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 347)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 873).

(2)

((شعب الإيمان)) للبيهقي (1/ 212).

(3)

((الفتاوى)) (7/ 438، 439).

(4)

((الفتاوى)) (7/ 505).

(5)

((الفتاوى)) (7/ 666).

(6)

انظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 446).

ص: 84

فهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون في الإيمان؛ لأن الإيمان عندهم قول وعمل، والقول كل يجزم أنه أتى به، وأما العمل فلا، إذ الناس متفاوتون في القيام به تفاوتاً عظيماً، وأقوال السلف في هذا كثيرة.

قال الإمام أحمد: (أذهب إلى حديث ابن مسعود في الاستثناء في الإيمان، لأن الإيمان قول وعمل، والعمل الفعل، فقد جئنا بالقول ونخشى أن نكون قد فرطنا في العمل، فيعجبني أن نستثني في الإيمان بقول: أنا مؤمن إن شاء الله)(1).

وقال: (لو كان القول كما تقول المرجئة أن الإيمان قول ثم استثنى بعد على القول لكان هذا قبيحاً أن تقول لا إله إلا الله إن شاء الله ولكن الاستثناء على العمل)(2).

وقال: (لا نجد بداً من الاستثناء؛ لأنه إذا قال: أنا مؤمن، فقد جاء بالقول، فإنما الاستثناء بالعمل لا بالقول)(3).

وقال له رجل: قيل لي أمؤمن أنت؟ قلت: نعم. هل علي في ذلك شيء هل الناس إلا مؤمن وكافر؟ فغضب أحمد وقال: هذا كلام الإرجاء، قال الله عز وجل: وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ [التوبة: 106] من هؤلاء؟ ثم قال أحمد: أليس الإيمان قولاً وعملاً؟ فقال الرجل: بلى، قال فجئنا بالعمل؟ قال: لا. قال: كيف تعيب أن تقول إن شاء الله وتستثني (4)؟

وعن الميموني أنه سأل أبا عبدالله عن قوله ورأيه في مؤمن إن شاء الله. قال: (أقول مؤمن إن شاء الله ومؤمن أرجو؛ لأنه لا يدري كيف أداؤه للأعمال على ما افترضت عليه أم لا)(5).

وقال الإمام أحمد: (إنما نصير الاستثناء على العمل؛ لأن القول قد جئنا به)(6).

قال شيخ الإسلام بعد أن ذكر طائفة من هذه النقول: (ومثل هذا كثير في كلام أحمد وأمثاله)(7).

وقال محمد بن حسين الآجري: ( .. هذا طريق الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان، عندهم أن الاستثناء في الأعمال، لا يكون في القول، والتصديق بالقلب، وإنما الاستثناء في الأعمال الموجبة لحقيقة الإيمان، والناس عندهم على الظاهر مؤمنون، به يتوارثون، وبه يتناكحون، وبه تجري أحكام ملة الإسلام، ولكن الاستثناء منهم على حسب ما بيناه لك، وبينه العلماء من قبلنا. روي في هذا سنن كثيرة)(8).

2 -

وأما المأخذ الثاني:

فهو الاستثناء بالنظر إلى تقبل الأعمال من الله تعالى، إذ إن من قام بالعمل وأتى به لا يدري هل تقبل منه عمله أو لا؟

قال تعالى في وصف المؤمنين: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ [المؤمنون: 60].

وقد سألت عائشة رضي الله عنها النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء فقالت: يا رسول الله أهو الرجل يزني ويسرق ويشرب الخمر، ويخاف أن يعذب؟ قال:((لا، يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصلي ويصوم ويتصدق ويخاف أن لا يقبل منه)) (9).

(1) رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 600)، و ((ابن هانئ في مسائله)) (2/ 162)، وذكره شيخ الإسلام، وانظر:((الفتاوى)) (7/ 447).

(2)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 601).

(3)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 597).

(4)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 597)، و ((أبو داود في مسائله)) (ص: 273)، وبنحوه الآجري في ((الشريعة)) (ص: 137).

(5)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 601) وذكره شيخ الإسلام ((الفتاوى)) (7/ 448)، وانظر تعليق شيخ الإسلام عليه.

(6)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 308).

(7)

((الفتاوى)) (7/ 448).

(8)

((الشريعة)) للآجري (ص: 136).

(9)

رواه الترمذي (3175)، وابن ماجه (3403)، وأحمد (6/ 205)(25746)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1/ 477). قال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/ 258)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

ص: 85

وهكذا كان دأب السلف الصالح من صحابة وتابعين، يقومون بالأعمال الكثيرة الجليلة، ثم يخافون أن لا تكون قد تقبلت منهم.

قال ابن بطة العكبري: (فهذه سبيل المؤمنين وطريق العقلاء من العلماء لزوم الاستثناء والخوف والرجاء لا يدرون كيف أحوالهم عند الله ولا كيف أعمالهم أمقبولة هي أم مردودة؟ قال الله عز وجل: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ [المائدة: 27] وأخبر عن عبده الصالح سليمان عليه السلام في مسألته إياه وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ [النمل: 19].

أفلا تراه كيف يسأل الله الرضا منه بالعمل الصالح لأنه قد علم أن الأعمال ليست بنافعة وإن كانت في منظر العين صالحة إلا أن يكون الله عز وجل قد رضيها وقبلها، فهل يجوز لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجزم أن أعماله الصالحة من أفعال الخير وأعمال البر كلها مرضية وعنده زكية ولديه مقبولة، هذا لا يقدر على حتمه وجزمه إلا جاهل مغتر بالله، نعوذ بالله من الغرة بالله والإصرار على معصية الله.

أما ترون رحمكم الله إلى الرجل من المسلمين قد صلى الصلاة فأتمها وأكملها وربما كانت في جماعة وفي وقتها وعلى تمام طهارتها فيقال له: صليت؟ فيقول: قد صليت إن قبلها الله، وكذلك القوم يصومون شهر رمضان؛ فيقولون في آخره: صمنا إن كان الله قد تقبله منا، وكذلك يقول من قدم من حجه بعد فراغه من حجه وعمرته، وقضاء جميع مناسكه إذا سئل عن حجه إنما يقول: قد حججنا ما بقي غير القبول، وكذلك دعاء الناس لأنفسهم ودعاء بعضهم لبعض: اللهم تقبل صومنا وصلاتنا وزكاتنا، وبذلك يلقى الحاج فيقال له: قبل الله حجك وزكى عملك، وكذا يتلاقى الناس عند انقضاء شهر رمضان فيقول بعضهم لبعض: قبل الله منا ومنك.

بهذا مضت سنة المسلمين وعليه جرت عادتهم وأخذه خلفهم عن سلفهم، فليس يخالف الاستثناء في الإيمان ويأبى قبوله إلا رجل خبيث مرجئ ضال قد استحوذ الشيطان على قلبه نعوذ بالله منه) (1).

وقال شيخ الإسلام: (وخوف من خاف من السلف أن لا يتقبل منه، لخوفه أن لا يكون أتى بالعمل على وجهه المأمور، وهذا أظهر الوجوه في استثناء من استثنى منهم في الإيمان وفي أعمال الإيمان كقول أحدهم: أنا مؤمن إن شاء الله، وصليت إن شاء الله، لخوف أن لا يكون أتى بالواجب على الوجه المأمور به، لا على جهة الشك فيما بقلبه من التصديق)(2).

(وسُئل ابن المبارك فقيل له: إن قوماً يقولون: إن سفيان الثوري حين كان يقول إن شاء الله كان ذاك منه شك، فقال ابن المبارك: أترى سفيان كان يستثني في وحدانية الرب أو في محمد صلى الله عليه وسلم، إنما كان استثناؤه في قبول إيمانه وما هو عند الله)(3).

وقد نقل الإمام أحمد عن سليمان بن حرب أنه كان يستثني ويحمل هذا على التقبل يقول: (نحن نعمل، ولا ندري يتقبل منا أو لا؟)(4)

فهذا وجه من أوجه الاستثناء عند السلف الصالح وهو النظر إلى التقبل، وهو في الحقيقة عند التأمل يعود إلى الوجه الأول، وهو النظر إلى الأعمال وتكميلها؛ لأن القبول متعلق بالإتيان بالأعمال على الوجه المطلوب، فمن كان عمله كذلك قبل منه.

(1)((الإبانة)) لابن بطة (2/ 872، 873).

(2)

((الفتاوى)) (7/ 496)، وانظر ((السلسلة الصحيحة)) للألباني (1/ 257).

(3)

رواه إسحاق بن راهويه في مسنده (3/ 670).

(4)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 597)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 873).

ص: 86

لذا يقول شيخ الإسلام عقب ذكره لأثر سليمان بن حرب المتقدم: (والقبول متعلق بفعله كما أمر. فكل من اتقى الله في عمله، ففعله كما أمر فقد تقبل منه لكن هو لا يجزم بالقبول، لعدم جزمه بكمال الفعل)(1) ثم ذكر حديث عائشة المتقدم.

3 -

المأخذ الثالث:

في الاستثناء عند السلف، هو البعد عن تزكية النفس (2)، وليس هناك تزكية للنفس وراء الشهادة لها بالإيمان، الذي قال الله في وصف أهله: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 2 - 4].

فمن قال عن نفسه إنه مؤمن فقد زكاها بأعظم تزكية ونعتها بأكمل الصفات وأجملها، والله قد نهى عن ذلك في محكم تنزيله، قال تعالى: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 3].

قال الحسن في معنى الآية: (علم الله من كل نفس ما هي صانعة وإلى ما هي صائرة، فلا تزكوا أنفسكم فلا تبرئوها عن الآثام ولا تمدحوها بحسن أعمالها)(3).

فإذا علم أن الله قد نهى عباده عن الثناء على أنفسهم وتزكيتها، فأي وصف وثناء أبلغ من الثناء عليها بالإيمان وأي تزكية أعظم من هذا، يقول الخليل النحوي:(إذا قلت إني مؤمن فأي شيء بقي)(4).

ومن لطيف ما روي في هذا (أن أعرابياً سئل أمؤمن أنت؟ فقال: أزكي نفسي)(5). وتأمل كيف وفق هذا الأعرابي بفطرته السليمة إلى هذا الفقه المسدد، الذي لا يتهيأ مثله لمن شغل أوقاته بالفلسفات الكلامية والآراء المنطقية، التي هي أشد ما يكون خطراً على الإيمان والفطر.

فينبغي للعقلاء أهل الإيمان أن يتجنبوا قول ما فيه تزكية نفوسهم، كما قال ابن بطة رحمه الله في ذكر بعض أوصاف أهل الإيمان: (اعلموا رحمنا الله وإياكم أن من شأن المؤمنين وصفاتهم وجود الإيمان فيهم، ودوام الإشفاق على إيمانهم، وشدة الحذر على أديانهم، فقلوبهم وجلة من خوف السلب، قد أحاط بهم الوجل، لا يدرون ما الله صانع بهم في بقية أعمارهم، حذرين من التزكية، متبعين لما أمرهم به مولاهم الكريم حين يقول: فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم: 32]

) (6).

فهذا مأخذ ثالث للسلف في الاستثناء، يستثنون مخافة تزكية النفس، فكلمة مؤمن تعدل عندهم كلمة بر وتقي ومن أهل الجنة.

قال شيخ الإسلام: (فإذا قال الرجل: أنا مؤمن، بهذا الاعتبار فقد شهد لنفسه بأنه من الأبرار المتقين القائمين بفعل جميع ما أمروا به، وترك كل ما نهوا عنه، فيكون من أولياء الله، وهذا من تزكية الإنسان لنفسه، وشهادته لنفسه بما لا يعلم، ولو كانت هذه الشهادة صحيحة لكان ينبغي له أن يشهد لنفسه بالجنة؛ فشهادته لنفسه بالإيمان كشهادته لنفسه بالجنة إذا مات على هذه الحال، وهذا مأخذ عامة السلف الذين كانوا يستثنون)(7).

4 -

المأخذ الرابع:

هو أن الاستثناء يجوز في الأمور المتيقنة التي لا شك فيها، وقد جاءت السنة بمثل هذا لما فيه من الحكمة (8).

(1)((الفتاوى)) (7/ 447).

(2)

انظر: ((الفتاوى)) (7/ 668).

(3)

((تفسير البغوي)) (4/ 253).

(4)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 568) وعبدالله في ((السنة)) (1/ 316)، واللالكائي في ((شرح الاعتقاد)) (5/ 961).

(5)

رواه اللالكائي في ((شرح الاعتقاد)) (5/ 1007).

(6)

((الإبانة)) لابن بطة (2/ 862).

(7)

((الفتاوى)) (7/ 446).

(8)

انظر: ((الفتاوى)) (7/ 450).

ص: 87

قال الإمام أحمد: قول النبي صلى الله عليه وسلم حين وقف على المقابر فقال: ((وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)) (1)، وقد نعيت إليه نفسه أنه صائر إلى الموت، وفي قصة صاحب القبر ((عليه حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله)) (2)، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:((إني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي وهي نائلة إن شاء الله من لا يشرك بالله شيئا)) (3)، وفي مسألة الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم أحدنا يصبح جنباً يصوم فقال:((إني لأفعل ذلك ثم أصوم)) فقال: إنك لست مثلنا أنت قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك، فقال:((والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله)) (4)، وهذا كثير وأشباهه على اليقين.

(ودخل عليه شيخ فسأله عن الإيمان فقال: قول وعمل، فقال له: يزيد، قال: يزيد وينقص. فقال له: أقول مؤمن إن شاء الله؟ قال نعم، فقال له: إنهم يقولون لي: إنك شاك. قال: بئس ما قالوا. ثم خرج فقال: ردوه، فقال: أليس يقولون: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، قال: نعم. قال هؤلاء مستثنون، قال له: كيف يا أبا عبدالله؟ قال: قل لهم: زعمتم أن الإيمان قول وعمل، فالقول قد أتيتم به، والعمل فلم تأتوا به، فهذا الاستثناء لهذا العمل، فقيل له: فيستثنى في الإيمان؟ قال: نعم، أقول: أنا مؤمن إن شاء الله، استثني على اليقين لا على الشك، ثم قال: قال الله عز وجل: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27] فقد علم تبارك وتعالى أنهم داخلون المسجد الحرام)(5).

قال شيخ الإسلام - معلقاً على كلام أحمد هذا منبهاً على ما فيه من فوائد -: (فقد بين أحمد في كلامه أنه يستثني مع تيقنه بما هو الآن موجود فيه، يقوله بلسانه وقلبه لا يشك في ذلك، ويستثني لكون العمل من الإيمان وهو لا يتيقن أنه أكمله بل يشك في ذلك، فنفى الشك وأثبت اليقين فيما يتيقنه من نفسه وأثبت الشك فيما لا يعلم وجوده، وبيّن أن الاستثناء مستحب لهذا الثاني الذي لا يعلم هل أتى به أم لا، وهو جائز أيضاً لما يتيقنه، فلو استثنى لنفس الموجود في قلبه جاز كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((والله لأرجو أن أكون أخشاكم لله)) (6) وهذا أمر موجود في الحال ليس بمستقبل وهو أخشانا، فإنه لا يرجو أن يصير أخشانا لله، بل هو يرجو أن يكون حين هذا القول أخشانا لله، كما يرجو المؤمن إذا عمل عملاً أن يكون الله تقبله منه ويخاف أن لا يكون تقبله منه) (7).

(1) جزء من حديث رواه أحمد (2/ 300)(7980). والحديث رواه مسلم في صحيحه (607). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

جزء من حديث رواه أحمد (6/ 139)(25133). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 278)، والسيوطي في ((شرح الصدور)) (193): إسناده صحيح، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1968).

(3)

رواه أحمد (2/ 426)(9500). والحديث رواه مسلم (512). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه أحمد (6/ 67)(24430). والحديث رواه مسلم (2649). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 595، 596).

(6)

رواه أحمد (6/ 67)(24430). والحديث رواه مسلم (2649). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

((الفتاوى)) (7/ 452).

ص: 88

وعن محمد بن الحسن بن هارون قال: (سألت أبا عبدالله عن الاستثناء في الإيمان؟ فقال: نعم الاستثناء على غير معنى شك مخافةً واحتياطاً للعمل، وقد استثنى ابن مسعود وغيره وهو مذهب الثوري، قال الله عز وجل لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((إني لأرجو أن أكون أتقاكم لله)) (1) وقال في البقيع: ((عليه تبعث إن شاء الله)) (2).) (3).

قال شيخ الإسلام موضحاً كلام الإمام أحمد هذا: (فقد بين أحمد أنه يستثني مخافة واحتياطاً للعمل، فإنه يخاف أن لا يكون قد كمل المأمور به، فيحتاط بالاستثناء وقال على غير معنى شك يعني من غير شك مما يعلمه الإنسان من نفسه، وإلا فهو يشك في تكميل العمل الذي خاف أن لا يكون كمله، فيخاف من نقصه ولا يشك في أصله)(4).

وقال الفضل بن زياد سمعت أبا عبدالله يقول: إذا قال أني مؤمن إن شاء الله ليس هو بشاك، قيل له: إن شاء الله ليس هو شكاً؟ قال: معاذ الله أليس قد قال الله عز وجل: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27] وفي علمه أنهم يدخلون، وصاحب القبر إذ قال:((عليه تبعث إن شاء الله)) (5) فأي شك هاهنا وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)) (6)(7).

وقال حرب بن إسماعيل سمعت أحمد يقول في التسليم على أهل القبور أنه قال: ((وإنا إن شاء الله بكم لاحقون)) (8) قال: هذا حجة في الاستثناء في الإيمان؛ لأنه لا بدّ من لحوقهم ليس فيه شك، وقال الله عز وجل: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ [الفتح: 27] وهذه حجة أيضاً لأنه لابد داخلوه (9).

وقال أبو بكر الأثرم: (سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل سُئل عن الاستثناء في الإيمان ما تقول فيه؟ قال: أما أنا فلا أعيبه، قال أبو عبدالله: إذا كان تقول أن الإيمان قول وعمل فاستثني مخافة واحتياطاً، ليس كما يقولون على الشك، إنما يستثنى للعمل، قال الله عز وجل: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27] فهذا استثناء بغير شك، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله عز وجل)(10) قال: هذا كله تقوية للاستثناء في الإيمان) (11).

(1) رواه أحمد (6/ 67)(24430). والحديث رواه مسلم (2649). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. بلفظ: ((أخشاكم)) بدلاً من ((أتقاكم)).

(2)

جزء من حديث رواه أحمد (6/ 139)(25133). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 278)، والسيوطي في ((شرح الصدور)) (193): إسناده صحيح، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1968).

(3)

((السنة)) للخلال (3/ 593 - 594)

(4)

((الفتاوى)) (7/ 450).

(5)

جزء من حديث رواه أحمد (6/ 139)(25133). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 278)، والسيوطي في ((شرح الصدور)) (193): إسناده صحيح، والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع الصغير (1968).

(6)

جزء من حديث رواه أحمد (2/ 300)(7980). والحديث رواه مسلم في صحيحه (607). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

رواه الآجري في ((الشريعة)) (ص: 132)

(8)

جزء من حديث رواه أحمد (2/ 300)(7980). والحديث رواه مسلم في صحيحه (607). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(9)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 595).

(10)

رواه أحمد (6/ 67)(24430). والحديث رواه مسلم (2649). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(11)

رواه الآجري في ((الشريعة)) (ص: 137)، وذكره شيخ الإسلام في ((الفتاوى)) (7/ 254).

ص: 89

وقال المروذي: (قيل لأبي عبدالله إن استثنيت في إيماني أكن شاكاً؟ قال: لا)(1).

وقال حماد بن زيد: (يسموننا الشكاك، والله ما شككنا في ديننا قط، ولكن جاءت أشياء، أليس ذكر أن اليسير من الرياء شرك، فأينا لم يراء؟)(2).

فبهذه النقول الجليلة والأقوال الجميلة، يندفع عن أهل السنة والجماعة شناعة المشنعين من أهل البدع والأهواء بأنهم شكّاك، وحاشاهم رحمهم الله، بل هم أهل دين وورع وعلم ويقين.

وبعد، فهذه وجوه أربعة من أجلها استثنى من استثنى من السلف في إيمانه، وملخص هذه الوجوه ما ذكره شيخ الإسلام بقوله:(فإذا كان مقصوده - أي المستثني في إيمانه - إني لا أعلم أني قائم بكل ما أوجب الله علي، وأنه يقبل أعمالي، ليس مقصوده الشك فيما في قلبه فهذا استثناؤه حسن، وقصده أن لا يزكي نفسه، وأن لا يقطع بأنه عمل عملاً كما أمر فقبل منه، والذنوب كثيرة والنفاق مخوف على عامة الناس)(3). فجمع رحمه الله في كلمته هذه الجامعة الوجوه الأربعة التي كان يلحظها السلف عند استثنائهم في الإيمان.

وعلى كل فهذا ما كان يستثنى السلف لأجله في إيمانهم ولم يكن أحد من السلف يستثني في إيمانه بحسب الموافاة كما يظنه بعض أهل الأهواء بل هذا من الغلط عليهم، وفي بيان سبب هذا الغلط يقول شيخ الإسلام:(فهؤلاء لما اشتهر عندهم عن السلف أنهم يستثنون في الإيمان، ورأوا أن هذا لا يمكن إلا إذا جعل الإيمان هو ما يموت العبد عليه، وهو ما يوافي به العبد ربه، ظنوا أن الإيمان عند السلف هو هذا، فصاروا يحكون هذا عن السلف، وهذا القول لم يقل به أحد من السلف، ولكن هؤلاء حكوه عنهم بحسب ظنهم، لما رأوا أن قولهم لا يتوجه إلا على هذا الأصل .. )(4). زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه لعبدالرزاق البدر - ص 463

(1) رواه ابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 905).

(2)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 347).

(3)

((الفتاوى)) (13/ 41).

(4)

((الفتاوى)) (7/ 436).

ص: 90