الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين
من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم كفر وقتل من سبه .. ولهذا عندما أغلظ رجل على أبي بكر الصديق، فقال أبو برزة الأسلمي:(ألا أضرب عنقه؟ فانتهره أبو بكر، وقال: ما هي لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم (1).
نص كلام شيخ الإسلام في المسألة: قال شيخ الإسلام –رحمه الله: (إن الساب إن كان مسلماً فإنه يكفر ويقتل بغير خلاف)(2).
ذكر من نقل الإجماع من أهل العلم أو نص على المسألة ممن سبق شيخ الإسلام:
قال الإمام إسحاق بن راهويه – رحمه الله: (أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله صلى الله عليه وسلم .. أنه كافر بذلك وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله)(3).
وقال الإمام محمد بن سحنون – رحمه الله: (أجمع العلماء على أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل ومن شك في كفره وعذابه كفر)(4).
وقال ابن المنذر – رحمه الله: (وأجمعوا على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم أن له القتل)(5).
وقال ابن حزم – رحمه الله: (كل من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كافر مرتد يقتل ولابد)(6).
وقد نقل شيخ الإسلام في (الصارم المسلول) عن غير هؤلاء حكايتهم للإجماع على قتل وتكفير شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم (7).
ذكر مستند الإجماع على أن من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين فإنه يكفر ويقتل:
قال تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 61] إلى قوله تعالى: أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ [التوبة: 63]. فإيذاء رسول الله بسبه وتنقصه محادة لله ورسوله، وحكم الله عز وجل لمن يحادد الله ورسوله بأن له نار جهنم خالداً فيها، والخلود للكافرين، قال ابن جرير الطبري في تأويل هذه الآية:(إنه من يحارب الله ورسوله، ويخالفهما فيناوئهما بالخلاف عليهما فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ في الآخرة خَالِدًا فِيهَا .. لابثاً فيها مقيماً إلى غير نهاية)(8)، وهذا الوصف الذي ذكره الإمام الطبري لا يتحقق إلا في الكافرين فهم الذين يقيمون في النار إلى غير نهاية.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد ذكره للآيات السابقة: ( .. دل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر، لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها ولم يقل: وهي جزاؤه، وبين الكلامين فرق)(9).
وقال تعالى: وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65 - 66] الآية، فالاستهزاء برسول الله كفر وردة بنص القرآن، فسب رسول الله أعظم من الاستهزاء لما فيه من التنقص والإيذاء العظيم له عليه الصلاة والسلام، فهو كفر من باب أولى.
(1) رواه البخاري (3443)، ومسلم (2365).
(2)
((الصارم المسلول)) (2/ 16).
(3)
نقلاً من كتاب ((الصارم المسلول)) (2/ 15).
(4)
نقلاً من كتاب ((الصارم المسلول)) (2/ 15).
(5)
((الإجماع)) لابن المنذر (ص: 76) كتاب المرتد، رقم:(720).
(6)
((المحلى)) (11/ 414).
(7)
((الصارم المسلول)) (2/ 13 - 19).
(8)
((تفسير الطبري)) (6/ 407).
(9)
((الصارم المسلول)) (2/ 58).
وقد ذكر ابن حزم في كتابه المحلى وبإسناده فقال: حدثنا صمام نا عباس
…
عن عروة بن محمد عن رجل بن بلقين قال: ((كان رجل يشتم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: من يكفيني عدواً لي؟ فقال خالد بن الوليد: أنا. فبعثه النبي صلى الله عليه وسلم فقتله)). (1) المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين – ص: 799
وقد حكى أبو بكر الفارسي من أصحابِ الشافعي إجماعَ المسلمين على أنَّ حدَّ من يَسبّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم القتلُ كما أن حدَّ من سَبَّ غيرَه الجلدُ (2) وهذا الإجماعُ الذي حكاه هذا محمولٌ على إجماعِ الصَّدْرِ الأول مِن الصحابة والتابعين، أو أنه أرادَ به إجماعَهم على أن سَابَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يجبُ قتلُه إذا كان مسلماً، وكذلك قَيَّدَه القاضي عِيَاضٌ، فقال: أجمعت الأمةُ على قَتْل متنقِّصِه من المسلمين وسابِّه،
…
تحرير القول في حكم الساب:
وتحرير القول فيها: أنَّ السابَّ إن كان مسلماً فإنه يَكفُرُ ويُقْتَلُ بغير خلاف، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم،
…
وممن حكى الإجماع على ذلك من الأئمة
…
: إسحاقُ بن رَاهُوْيَه وغيره، وإن كان ذمِّيّاً فإنه يقتل أيضاً في مذهب مالكٍ وأهْلِ المدينة،
…
وهو مذهبُ أحمد وفقهاءِ الحديث
…
نصوص الإمام أحمد:
وقد نَصَّ أحمدُ على ذلك في مواضعَ متعددة. قال حَنْبَل: سمعت أبا عبدالله يقول: كلُّ من شتم النبي صلى الله عليه وسلم أو تنقَّصه - مسلماً كان أو كافراً - فعليه القتلُ، وأرى أن يُقتل ولا يُستتاب.
قال: وسمعت أبا عبدالله يقول: كلُّ مَن نَقَضَ العهدَ وأحدث في الإسلام حَدَثاً مثل هذا رأيتُ عليه القتل، ليس على هذا أعْطُوا العهدَ والذِّمَّة. وكذلك قال أبو الصقر: سألت أبا عبدالله عن رجل من أهل الذمَّة شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ماذا عليه؟ قال: إذا قامت عليه البينة يقتل مَنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم، مسلماً كان أو كافراً. رواهما الخَلَاّل.
وقال في رواية عبدالله وأبي طالب وقد سُئل عمّن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: يُقتل، قيل له: فيه أحاديث؟ قال: نعم، أحاديث منها: حديثُ الأعمى الذي قَتَلَ المرأة، قال: سمعتها تَشتمُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم (3)
…
وذلك أنه من شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم فهو مُرْتَدٌّ عن الإسلام، ولا يشتم مسلمٌ النبيَّ صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (5/ 237) عن عكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما مرسلاً. وصححه ابن حزم في ((المحلى)) (11/ 413).
(2)
تكملة ((المجموع)) للمطيعي (19/ 427).
(3)
رواه أبو داود (4361)، والنسائي (7/ 107)، والحاكم (4/ 394). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن دقيق العيد في ((الإلمام)) (2/ 744): صحيح على طريقة بعض أهل الحديث - كما اشترط على نفسه في المقدمة -، وقال ابن حجر في ((بلوغ المرام)) (ص: 363): رواته ثقات. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
زاد عبدُالله: سألتُ أبي عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، يُستتاب؟ قال: قد وجب عليه القتلُ، ولا يُستتاب؛ خالد بن الوليد قَتَلَ رجلاً شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يَسْتَتِبْه، (رواهما) أبو بكر في (الشافي)، وفي رواية أبي طالب: سئل أحمدُ عمن شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: يُقْتَلُ، قد نَقَضَ العَهْدَ. وقال حرب: سألتُ أحمد عن رجلٍ من أهل الذمة شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، قال: يقتل، إذا شتم النبيَّ صلى الله عليه وسلم. رواهما الخَلَاّل، وقد نص على هذا في (غير) هذه الجوابات.
فأقوالُه كلُّها نصٌّ في وجوب قتله، وفي أنه قد نقض العهد، وليس عنه في هذا اختلافٌ.
وكذلك ذَكَرَ عامةُ أصحابه متقدمُهُمْ ومتأخرهم، لم يختلفوا في ذلك.
.... قولُه سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُوا أنَّهُ مَنْ يُحَادِد اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلكَ الخِزْيُ العَظِيم [التوبة:63]، فإنه يدلُّ على أنَّ أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم مُحَادَّةٌ لله ولرسوله؛ لأنه قال هذهِ الآيةَ (عَقِبَ) قوله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة:61]. ثم قال: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [التوبة:62 - 63]، فلو لم يكونوا بهذا الأذى مُحَادِّين لم يحسن أن يوعَدُوا بأنَّ للمحاد نار جهنَّم؛ لأنه يمكن حينئذٍ أن يقال: قد علموا أن للمحاد نارَ جهنَّم؛ لكنهم لم يحادّوا، وإنما آذَوْا، فلا يكون في الآية وعيدٌ لهم؛ فعُلِم أنَّ هذا الفعل لابُدَّ أن يندرج في عموم المحادَّة؛ ليكون وعيدُ المحادِّ وعيداً له ويلتئمُ الكلامُ.
ويدلُّ على ذلك أيضاً ما روى الحاكمُ (صحيحه) بإسناد صحيح عن ابن عباس أنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ في ظِلِّ حُجْرَةٍ من حُجرِهِ، وَعِنْدَهُ نَفَرٌ مِنَ المسْلِمينَ، فَقَالَ:((إنَّهُ سَيَأْتِيكُمْ إنْسَانٌ يَنْظُر إليكم بِعَيْنِ شَيْطَانٍ، فَإذَا أَتَاكُمْ فَلا تُكَلِّمُوهُ، فَجَاء رَجُلٌ أزْرَقُ، فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: عَلامَ تَشْتُمُني أنْتَ وَفُلانٌ وَفُلانٌ، فانْطَلَقَ الرَّجُلُ، فَدَعَاهُمْ فَحَلَفُوا بِاللهِ وَاعْتَذَرُوا إلَيْهِ فأنزل اللهُ تعالى: يوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ [المجادلة:18]، ثم قال بعدَ ذلك: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [المجادلة:5] فعُلم أنَّ هذا داخلٌ في المحادَّةِ)) (1)
…
وإذا كان الأذى مُحَادَّةً للهِ ولرسولِهِ فقد قالَ اللهُ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ [المجادلة:20 - 21] والأذلُّ: أبلغُ مِن الذليلِ، ولا يكون أذلَّ حتى يخاف على نفسه وماله إنْ أظهر المحادَّة؛ لأنه (إنْ) كان دمُه ومالُه معصوماً لا يُسْتَبَاح فليس بأذلَّ،
…
وأما الآيات الدَّالة على كفر الشاتم وقتله، أو على أحدهما، إذا لم يكن مُعَاهِداً - إن كان مظهراً للإسلام - فكثيرة، مع أن هذا مُجْمَعٌ عليه الصارم المسلول لابن تيمية - بتصرف - 2/ 13
(1) رواه الحاكم (2/ 524)، والحديث: رواه أحمد (1/ 350)(3277). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.
أذى الرسول صلى الله عليه وسلم أو عيبه ولمزه:
وهذا داخل في سبّه صلى الله عليه وسلم لأن السب: هو الكلام الذي يقصد به الانتقاص والاستخفاف .... (1) والعيب، واللمز فيه انتقاص.
قال تعالى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ [التوبة:58]
نزلت هذه الآية في ذي الخويصرة التميمي حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقسم غنائم حنين، فقال: اعدل يا رسول الله، فقال:((ويلك، ومن يعدل إذ لم أعدل؟)) قال عمر بن الخطاب: دعني أضرب عنقه، قال:((دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته وصيامه مع صيامه، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))
…
قال أبو سعيد: أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علياً قتلهم وأنا معه، جيء بالرجل على النعت الذي نعته النبي صلى الله عليه وسلم قال: فنزلت فيه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ (2).
قال الإمام الشوكاني في تفسيرها: قوله: ومنهم من يلمزك، يقال: لمزه يلمزه: إذا عابه، قال الجوهري: اللمز العيب، وأصله الإشارة بالعين ونحوها، ومعنى الآية: ومن المنافقين من يعيبك في الصدقات: أي في تفريقها وقسمتها (3).
وقال في آيةٍ أخرى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة:61] إلى قوله سبحانه: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ [التوبة:63]
قال شيخ الإسلام رحمه الله: فعلم أن إيذاء رسول الله محادة لله ولرسوله لأن ذكر الإيذاء هو الذي اقتضى ذكر المحادة، فيجب أن يكون داخلاً فيه، ولولا ذلك لم يكن الكلام مؤتلفاً،
…
ودل ذلك على أن الإيذاء والمحادة كفر لأنه أخبر أن له نار جهنم خالداً فيها
…
(4) وقال الشوكاني رحمه الله في تفسير هذه الآية: قوله: ومنهم؛ هذا نوع آخر مما حكاه الله من فضائح المنافقين وقبائحهم، وذلك أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم على وجه الطعن والذم هو أذن، قال الجوهري: يقال رجل أذن: إذا كان يسمع مقال كل أحد، يستوي فيه الواحد والجمع ومرادهم، أقمأهم الله، أنهم إذا آذوا النبي صلى الله عليه وسلم وبسطوا فيه ألسنتهم، وبلغه ذلك اعتذروا له وقبل ذلك منهم، لأنه يسمع كل ما يقال له فيصدقه، وإنما أطلقت العرب على من يسمع ما يقال له فيصدقه أنه أذن مبالغة، لأنهم سموه بالجارحة التي هي آلة السماع، حتى كأن جملته أذن سامعة،
…
وإيذاؤهم له وهو قولهم هُوَ أُذُنٌ لأنهم نسبوه إلى أنه يصدق كل ما يقال له ولا يفرق بين الصحيح والباطل اغتراراً منهم بحلمه عنهم، وصفحه عن خباياهم كرماً وحلماً وتغاضياً
…
(5).
وهذه الآية والتي قبلها ذكرهما شيخ الإسلام ضمن الآيات الدالات على كفر شاتم الرسول وقتله.
وذكر أن إيذاء الرسول ولمزه من الصفات الدالة على نفاق صاحبها فقال رحمه الله: وذلك أن الإيمان والنفاق، أصله في القلب، وإنما الذي يظهر من القول والفعل فرع له ودليل عليه، فإذا ظهر من الرجل شيء من ذلك ترتب الحكم عليه، فلما أخبر سبحانه أن الذين يلمزون النبي صلى الله عليه وسلم، والذين يؤذونه من المنافقين، ثبت أن ذلك دليل على النفاق وفرع له، معلوم أنه إذا حصل فرع الشيء ودليله حصل أصل المدلول عليه، فثبت أنه حيث ما وجد ذلك كان صاحبه منافقاً سواء كان منافقاً قبل هذا القول أو حدث له النفاق بهذا القول (6) وهذا السبّ من الإيذاء واللمز والاستخفاف منافٍ لعمل القلب من الانقياد والاستسلام ومحال أن يهين القلب من قد انقاد له وخضع واستسلم أو يستخف به، فإذا حصل في القلب استخفاف واستهانة امتنع أن يكون فيه انقياد واستسلام، فلا يكون فيه إيمان، وهذا هو بعينه كفر إبليس، فإنه سمع أمر الله فلم يكذب رسولاً ولكن لم ينقد للأمر ولم يخضع له واستكبر عن الطاعة فصار كافرا (7). نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – 2/ 161
(1)((الصارم المسلول)) (ص: 561).
(2)
رواه البخاري (6933)، ومسلم (1064). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(3)
((فتح القدير)) (2/ 540).
(4)
((الصارم المسلول)) (ص: 38).
(5)
((فتح القدير)) (2/ 546).
(6)
((الصارم المسلول)) (ص: 35).
(7)
((الصارم المسلول)) (ص: 521).