الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار
يقول داعيهم الباطني سنان بن راشد الدين: إن الإنسان متى عرف الصورة الدينية فقد عرف حكم الكتاب، ورفع عنه الحساب، وسقط عنه التكليف، وسائر الأسباب (1).
ويقول الداعي الإسماعيلي طاهر بن إبراهيم الحارثي اليماني: حجج الليل هم أهل الباطن المحض، المرفوع عنهم في أدوار الستر التكاليف لعلو درجاتهم (2)، وينسبون إلى جعفر بن محمد الباقر قوله: من عرف الباطن فقد سقط عنه عمل الظاهر
…
ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر (3)، ويقول أحد الدعاة الباطنيين: من عرف هذا الباطن فقد عمل الظاهر وإنما وضعت الأصفاد والأغلال على المقصرين، أما من بلغ وعرف هذه الدرجات التي قرأتها عليك فقد أعتقته من الرق ورفعت عنه الأغلال والأصفاد وإقامة الظاهر (4).
هذا عن الباطنية، أما المتصوفة فقد قال عنهم الإمام الأشعري رحمه الله: وفي النسّاك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى درجة تزول فيها عنهم العبادات، وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم (5).
(1) كتاب ((شيخ الجبل الثالث المصطفي غالب)) (ص: 141)، نقلاً عن ((أصول الإسماعيلية)) (2/ 831)، رسالة دكتوراه، د. سليمان السلومي (مخطوط).
(2)
((الأنوار اللطيفة)) (ص: 102).
(3)
((الهفت الشريف)) للمفضل الجعفي (ص: 42)، تحقيق غالب الإسماعيلي.
(4)
((الهفت الشريف)) (ص: 65).
(5)
((مقالات الإسلاميين)) (ص: 289).
وقالوا: إذا وصلت إلى مقام اليقين سقطت عنك العبادة، مؤولين قول الله عز وجل: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99](1)، وقال عنهم الإمام ابن حزم: (ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل، وقالوا: من بلغ من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة، وغير ذلك، وحلت له المحرمات كلها من الزنا والخمر وغير ذلك، واستباحوا بهذا نساء غيرهم، وقالوا: بأننا نرى الله، ونكلمه، وكل ما قذف في قلوبنا فهو حق
…
) (2)، وصور الإمام ابن الجوزي حال هؤلاء فقال: (إن قوماً منهم داموا على الرياضة مدة فرأوا أنهم قد تجوهروا فقالوا: لا نبالي الآن ما عملنا وإنما الأوامر والنواهي رسوم للعوام، ولو تجوهروا لسقطت عنهم، قالوا: وحاصل النبوة ترجع إلى الحكمة والمصلحة والمراد منها ضبط العوام، ولسنا من العوام، فندخل في حجر التكليف لأنا قد تجوهرنا وعرفنا الحكمة
…
) (3)، وأطال شيخ الإسلام في وصف حال هؤلاء فقال: (ومن هؤلاء من يستحل بعض الفواحش: كاستحلال مؤاخاة النساء الأجانب، والخلو بهن، زعماً منه أنه يحصل لهن البركة بما يفعله معهن، وإن كان محرماً في الشريعة، وكذلك يستحل ذلك مع المردان ويزعم أن التمتع بالنظر إليهم ومباشرتهم هو طريق لبعض السالكين حتى يترقى من محبة المخلوق إلى محبة الخالق، ويأمرون بمقدمات الفاحشة الكبرى، وقد يستحلون الفاحشة الكبرى
…
) (4)، وقال عنهم:(ومن هؤلاء من يحتج بقوله تعالى: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، ويقول معناه: اعبد ربك حتى يحصل لك العلم والمعرفة، فإذا حصل ذلك سقطت العبادة، وربما قال بعضهم: اعمل حتى يحصل لك حال، فإذا حصل لك حال تصوفي سقطت عنك العبادة، وهؤلاء فيهم من إذا ظن حصول مطلوبه من المعرفة والحال استحل ترك الفرائض، وارتكاب المحارم)(5)، وربما احتج بعضهم: بقصة موسى والخضر فيحتجون بها على وجهين: أحدهما: أن يقولون: إن الخضر كان مشاهداً للإرادة الربانية الشاملة، والمشيئة الإلهية العامة، وهي (الحقيقة الكونية)؛ فلذلك سقط عنه الملام فيما خالف فيه الأمر والنهي الشرعي،
…
وأما الوجه الثاني: فإن من هؤلاء من يظن: أن من الأولياء من يسوغ له الخروج عن الشريعة النبوية، كما ساغ للخضر الخروج عن متابعة موسى، وأنه قد يكون للولي في المكاشفة والمخاطبة ما يستغني به عن متابعة الرسول في عموم أحواله أو في بعضها، وكثير منهم يفضل الولي في زعمه إما مطلقاً، وإما من بعض الوجوه على النبي، زاعمين أن قصة الخضر حجة لهم
…
(6).
(1)((إتحاف السادة)) للزبيدي (8/ 278).
(2)
((الفصل)) (4/ 226).
(3)
((تلبيس إبليس)) (ص: 496).
(4)
((مجموع الفتاوى)) (11/ 405).
(5)
((مجموع الفتاوى)) (11/ 417).
(6)
((مجموع الفتاوى)) (11/ 420 - 422).
وكثيراً ما يحكي الصوفية قصصاً وروايات عمن يسمونهم الأولياء، تتضمن هذه القصص سقوط الفرائض، أو بعضها عنهم، بل ويحكى عنهم فعل الفواحش والمنكرات واستحلالها، وفي (طبقات الشعراني)، و (جامع كرامات الأولياء) للنبهاني من ذلك الكثير، فمنه مثلاً: ما ذكره العطار عن ذي النون المصري أنه نصح أحد مريديه بترك الصلاة، فعلق العطار قائلاً: لو سأل سائل ما الحكمة في الأمر بترك الصلاة؟ فالجواب: إن الطريقة أحياناً تخالف ظاهر الشريعة كقتل الخضر الولد بدون سبب ظاهري، فإذاً لا إنكار في الطريقة على مثل هذه الأمور. وحكي عن العطار نفسه أنه كان تاركاً للصلاة وكان يقول: إن الله رفع عني فريضة الصلاة (1).
وذكر الشعراني (2) في آخر كتابه (الطبقات الكبرى) مشايخه الذين أدركهم في القرن العاشر، فقال:(وفيهم سيدي بركات الخياط رضي الله تعالى عنه: كان رضي الله عنه من الملامتية)(3)
قال: (مدحته للشيخ جمال الدين الصائغ مفتي الجامع الأزهر وجماعة فقالوا: امضوا بنا نزوره وكان يوم جمعة فسلم المؤذن على المنارة، فقالوا: نصلي الجمعة، فقال: ما لي عادة بذلك، فأنكروا عليه، فقال: نصلي اليوم لأجلكم
…
) (4).
(ومنهم: سيدي الشريف المجذوب رضي الله عنه ورحمه - وكان رضي الله عنه يأكل في نهار رمضان، ويقول: أنا معتوق، أعتقني ربي
…
) (5)، (ومنهم: الشيخ شعبان المجذوب، وذكر من أحواله أنه كان يقرأ سوراً غير السور التي في القرآن على كرسي المساجد يوم الجمعة وغيرها،
…
وكان يرى حلال زينة الدنيا كالحرام في الاجتناب، وكان الخلائق تعتقده اعتقاداً زائداً لم أسمع قط أحدا ينكر عليه شيئاً من حاله، بل يعدون رؤيته عيداً عندهم
…
) (6).
لعل فيما ذكرنا كفاية وغنية يتبين من خلالها إتيان الصوفية للمحظور وتركهم الواجب وادعائهم أن بعض الناس، يصل إلى درجة يسقط عنه التكليف، ويستغني عن الشريعة وعن متابعة النبي صلى الله عليه وسلم (7). نواقض الإيمان الاعتقادية لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي - 2/ 74
(1)((تذكرة الأولياء)) لفريد الدين العطار (ص: 73، 86) نقلاً عن: ((دراسات في التصوف)) إحسان إلهي ظهير رحمه الله (ص: 98).
(2)
هو: عبدالوهاب بن أحمد بن علي الشعراني، فقيه، أصولي، من أعلام الصوفية، ولد في قلقشنده بمصر سنة 898 هـ له تصانيف كثيرة منها:((الجوهر المصون والسر المرقوم)) و ((لواقح الأنوار في طبقات الأخيار)) توفي سنة 973 هـ. انظر: ((شذرات الذهب)) لابن العماد الحنبلي (8/ 372)، ((فهرس الفهارس)) للكتاني (2/ 405)، ((معجم المؤلفين)) لعمر كحالة (218).
(3)
الملامتية: ومقصودهم الظهور بين الناس بالمظاهر التي لا تتفق مع الشرع؛ كإتيان البهائم، وشرب الخمور، والسرقة ليستروا عن الناس ولايتهم - زعموا - وليستجلبوا ملامة الناس وتأنيبهم فيسقطوا من أعينهم، ومن أشهر رجالهم: حمدون القصار، وأبو حفص الحداد. انظر:((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص: 482،491)، ((دراسات في التصوف الإسلامي))، د. محمد جلال شرف، ((الكشف عن حقيقة التصوف)) لمحمود القاسم (ص: 355).
(4)
((الطبقات الكبرى)) (2/ 144).
(5)
((الطبقات الكبرى)) (2/ 150).
(6)
((الطبقات الكبرى)) (2/ 185، 186).
(7)
يراجع في هذا mm المبحث: ((التصوف المنشأ والمصادر)) لإحسان إلهي ظهير رحمه الله (260 - 273)، ((أصول الإسماعيلية)) رسالة دكتوراه (مخطوطة) د. سليمان السلومي (2/ 834 - 841)، ورسالة ((التكفير والمكفرات)) رسالة ماجستير (مخطوطة) حسن بن علي العواجي (2/ 455 - 466).