المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث السابع: من استهزأ بشيء جاء به النبي صلى الله عليه وسلم - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيء جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

من هزل بالله أو بآياته الكونية أو الشرعية أو برسله؛ فهو كافر، لأن منافاة الاستهزاء للإيمان منافاة عظيمة.

كيف يسخر ويستهزئ بأمر يؤمن به؟! فالمؤمن بالشيء لابد أن يعظمه وأن يكون في قلبه من تعظيمه ما يليق به.

والكفر كفران: كفر إعراض، وكفر معارضة، والمستهزئ كافر كفر معارضة، فهو أعظم ممن يسجد لصنم فقط، وهذه المسألة خطيرة جداً، ورُبّ كلمة أوقعت بصاحبها البلاء بل والهلاك وهو لا يشعر، فقد يتكلم الإنسان بالكلمة من سخط الله عز وجل لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار.

فمن استهزأ بالصلاة ولو نافلة، أو بالزكاة، أو الصوم، أو الحج، فهو كافر بإجماع المسلمين، كذلك من استهزأ بالآيات الكونية بأن قال مثلاً: إن وجود الحر في أيام الشتاء سفه، أو قال: إن وجود البرد في أيام الصيف سفه، فهذا كفر مخرج عن الملة، لأن الرب عز وجل كل أفعاله مبنية على الحكمة وقد لا نستطيع بلوغها بل لا نستطيع بلوغها.

ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فيمن سب الله أو رسوله أو كتابه: هل تقبل توبته؟ على قولين:

القول الأول: أنها لا تقبل، وهو المشهور عن الحنابلة، بل يقتل كافراً، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ويدفن في محل بعيد عن قبور المسلمين، ولو قال: إنه تاب أو إنه أخطأ، لأنهم يقولون: إن هذه الردة أمرها عظيم وكبير لا تنفع فيها التوبة.

وقال بعض أهل العلم: إنها تقبل إذا علمنا صدق توبته إلى الله، وأقر على نفسه بالخطأ، ووصف الله تعالى بما يستحق من صفات التعظيم، وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة، كقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، ومن الكفار من يسبون الله، ومع ذلك تقبل توبتهم.

وهذا هو الصحيح، إلا أن سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويجب قتله، بخلاف من سب الله، فإنها تقبل توبته ولا يقتل، لا لأن حق الله دون حق الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد إليه بأنه يغفر الذنوب جميعاً، أما سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يتعلق به أمران:

الأول: أمر شرعي لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الوجه تقبل توبته إذا تاب.

الثاني: أمر شخصي لكونه من المرسلين، ومن هذا الوجه يجب قتله لحقه صلى الله عليه وسلم، ويقتل بعد توبته على أنه مسلم، فإذا قتل، غسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين.

وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد ألّف كتاباً في ذلك اسمه:(الصارم المسلول في حكم قتل ساب الرسول)، أو (الصارم المسلول على شاتم الرسول)، وذلك لأنه استهان بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذا لو قذفه، فإنه يقتل ولا يجلد.

فإن قيل: أليس قد ثبت أن من الناس من سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل منه وأطلقه؟

أجيب: بلى، هذا صحيح لكن هذا في حياته صلى الله عليه وسلم، وقد أسقط حقه، أما بعد موته، فلا ندري، فننفذ ما نراه واجباً في حق من سبه صلى الله عليه وسلم.

فإن قيل: احتمال كونه يعفو عنه أو لا يعفو موجب للتوقف؟

أجيب: إنه لا يوجب التوقف، لأن المفسدة حصلت بالسب، وارتفاع أثر هذا السب غير معلوم، والأصل بقاؤه.

فإن قيل: أليس الغالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عمن سبه؟

ص: 458

أجيب: بلى، وربما كان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عفا قد تحصل المصلحة ويكون في ذلك تأليف، كما أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أعيان المنافقين ولم يقتلهم، لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، لكن الآن لو علمنا أحداً بعينه من المنافقين لقتلناه.

قال ابن القيم: إن عدم قتل المنافق المعلوم إنما هو في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط.

وقول الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65 - 66].

قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: سألت هؤلاء الذين يخوضون ويلعبون بالاستهزاء بالله وكتابه ورسوله والصحابة.

قوله: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أي: ما لنا قصد، ولكننا نخوض ونلعب، واللعب يقصد به الهزء، وأما الخوض، فهو كلام عائم لا زمام له.

هذا إذا وصف بذلك القول، وأما إذا لم يوصف به القول، فإنه يكون الخوض في الكلام، واللعب في الجوارح.

وقوله: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ: إِنَّمَا: أداة حصر، أي: ما شأننا وحالنا إلا أننا نخوض ونعلب.

قوله: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ الاستفهام للإنكار والتعجب، فينكر عليهم أن يستهزئوا بهذه الأمور العظيمة، ويتعجب كيف يكون أحق الحق محلاً للسخرية؟

قوله: أَبِاللَّهِ أي: بذاته وصفاته.

قوله: وآياته: جمع آية، ويشمل: الآيات الشرعية، كالاستهزاء بالقرآن، بأن يقال: هذا أساطير الأولين والعياذ بالله، أو يستهزئ بشيءٍ من الشرائع، كالصلاة والزكاة والصوم والحج.

والآيات الكونية، كأن يسخر بما قدره الله تعالى، كيف يأتي هذا في هذا الوقت؟ كيف يخرج هذا الثمر من هذا الشيء؟ كيف يخلق هذا الذي يضر الناس ويقتلهم؟ استهزاء وسخرية.

قوله: وَرَسُولِهِ المراد هنا: محمد صلى الله عليه وسلم.

قوله: لَا تَعْتَذِرُوا المراد بالنهي: التيئيس، أي: انههم عن الاعتذار تيئيساً لهم بقبول اعتذارهم.

قوله: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ أي: بالاستهزاء وهم لم يكونوا منافقين خالصين بل مؤمنين، ولكن إيمانهم ضعيف، ولهذا لم يمنعهم من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله.

قوله: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ.

نَعْفُ: ضمير الجمع للتعظيم، أي: الله عز وجل.

وقوله: عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ قال بعض أهل العلم: هؤلاء حضروا وصار عندهم كراهيةً لهذا الشيء لكنهم داهنوا فصاروا في حكمهم لجلوسهم إليه، لكنهم أخف لما في قلوبهم من الكراهة، ولهذا عفا الله عنهم وهداهم للإيمان وتابوا.

قوله: نُعَذِّبْ طَائِفَةً هذا جواب الشرط، أي: لا يمكن أن نعفو عن الجميع، بل إن عفونا عن طائفة، فلابد أن نعذب الآخرين.

قوله: بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ الباء للسببية، أي: بسبب كونهم مجرمين بالاستهزاء وعندهم جرم والعياذ بالله، فلا يمكن أن يوفقوا للتوبة حتى يعفي عنهم.

ويستفاد من الآيتين:

أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله من أعظم الكفر، بدليل الاستفهام والتوبيخ.

أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله أعظم استهزاء وقبحاً، لقوله: أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ وتقديم المتعلق يدل على الحصر كأنه ما بقي إلا أن تستهزئوا بهؤلاء الذين ليسوا محلاً للاستهزاء، بل أحق الحق هؤلاء الثلاثة.

ص: 459

أن المستهزئ بالله يكفر، لقوله: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.

استعمال الغلظة في محلها، وإلا فالأصل أن من جاء يعتذر يرحم، لكنه هنا ليس أهلاً للرحمة.

قبول توبة المستهزئ بالله؛ لقوله: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ، وهذا أمر قد وقع، فإن من هؤلاء من عفي عنه وهُدي للإسلام وتاب الله عليه، وهذا دليل للقول الراجح أن المستهزئ بالله تقبل توبته، لكن لابد من دليل بيّن على صدق توبته، لأن كفره من أشد الكفر أو هو أشد الكفر، فليس مثل كفر الإعراض أو الجحود.

وهؤلاء الذين حضروا السبّ مثل الذين سبّوا، قال تعالى: وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140] وهم يستطيعون المفارقة، والنبي صلى الله عليه وسلم امتثل أمر الله بتبليغهم، حتى إن الرجل الذي جاء يعتذر صار يقول له: أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65 - 66]، ولا يزيد على هذا أبداً مع إمكان أن يزيده توبيخاً وتقريعاً.

عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة، دخل حديث بعضهم في بعض: أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائناً هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عن اللقاء (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء). فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق. قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعةِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:67]، ما يلتفت إليه وما يزيده عليه (1).

قوله: (ما رأينا) تحتمل أن تكون بصرية، وتحتمل أن تكون علمية قلبية.

قوله: (مثل قرائنا) .. والمراد بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

قوله: (أرغب بطوناً) .. أي: أوسع، وإنما كانت الرغبة هنا بمعنى: السعة، لأنه كلما اتسع البطن رغب الإنسان في الأكل.

قوله: (ولا أكذب ألسناً) الكذب: هو الإخبار بخلاف الواقع، والألسن: جمع لسان، والمراد: ولا أكذب قولاً، واللسان يطلق على القول كثيراً في اللغة العربية، كما في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] أي: بلغتهم.

(1) رواه الطبري في ((تفسيره)) (14/ 333)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (7/ 313).

ص: 460

قوله: (ولا أجبن عند اللقاء) الجبن: هو خور في النفس يمنع المرء من الإقدام على ما يكره، فهو خلق نفسي ذميم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه (1) لما يحصل فيه من الإحجام عما ينبغي الإقدام إليه، فلهذا كان صفة ذميمة، وهذه الأوصاف تنطبق على المنافقين لا على المؤمنين، فالمؤمن يأكل بمعيٍ واحد: ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، والكافر يأكل بسبعة أمعاء، والمؤمن أصدق الناس لساناً ولاسيما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن الله وصفهم بالصدق في قوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8].

والمنافقون أكذب الناس، كما قال الله فيهم: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر:11]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الكذب من علامات النفاق (2)، والمنافقون من أجبن الناس، قال تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ .. [المنافقون:4]، فلو سمعوا أحداً ينشد ضالته، لقالوا: عدو عدو، وهم أحب الناس للدنيا، إذ أصل نفاقهم من أجل الدنيا ومن أجل أن تحمي دماؤهم وأموالهم وأعراضهم.

قوله: (كذبت) أي: أخبرت بخلاف الواقع، وفي ذلك دليل على تكذيب الكذب مهما كان الأمر، وأن السكوت عليه لا يجوز.

قوله: (ولكنك منافق) لأنه لا يطلق هذه الأوصاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رجل تسمى بالإسلام إلا منافق، وبهذا يعرف أن من يسبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كافر، لأن الطعن فيهم طعن في الله ورسوله وشريعته.

فيكون طعناً في الله، لأنه طعن في حكمته، حيث اختار لأفضل خلقه أسوأ خلقه.

وطعناً في الرسول صلى الله عليه وسلم: لأنهم أصحابه، والمرء على دين خليله، والإنسان يستدل على صلاحه أو فساده أو سوء أخلاقه أو صلاحها بالقرين.

وطعناً في الشريعة: لأنهم الواسطة بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة، وإذا كانوا بهذه المثابة، فلا يوثق بهذه الشريعة.

قوله: (فوجد القرآن قد سبقه) أي: بالوحي من الله تعالى، والله عليمٌ بما يفعلون وبما يريدون وبما يبيتون، قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء:108].

قوله: (وقد ارتحل وركب ناقته) الظاهر أن هذا من باب عطف التفسير، لأن ركوب الناقة هو الارتحال.

قوله: (كأني أنظر إليه) كأن إذا دخلت على مشتق، فهي للتوقع، وإذا دخلت على جامد، فهي للتشبيه، وهنا دخلت على جامد، والمعنى: كأنه الآن أمامي من شدة يقيني به.

قوله: (بنسعة) هي الحزام الذي يربط به الرحل.

قوله: (والحجارة تنكب رجليه) أي: يمشي والحجارة تضرب رجليه وكأنه والله أعلم يمشي بسرعة، ولكنه لا يحس في تلك الحال، لأنه يريد أن يعتذر.

قوله: (وما يزيده عليه) أي: لا يزيده على ما ذكر من توبيخ امتثالاً لأمر الله عز وجل، وكُفي بالقول الذي أرشد الله إليه نكاية وتوبيخاً.

فيه مسائل:

الأولى: وهي العظيمة: أن من هزل بهذا كافر. أي من هزل: بالله وآياته ورسوله.

(1) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول:((اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال)) رواه البخاري (2893).

(2)

عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) رواه البخاري (33)، ومسلم (59).

ص: 461

الثانية: أن هذا هو تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائناً من كان. أي: سواء كان منافقاً أو غير منافق ثم استهزأ، فإنه يكفر كائناً من كان. ا. هـ. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 3/ 30

حكم من استهزأ بالصلاة أو المصلين وسائر العبادات:

فإذا استهزأ بالصلاة كفر، أو استهزأ بالزكاة كفر، أو استهزأ بالصوم كفر، أو استهزأ بالمصلين؛ كأن يسخر بالصلاة التي يصليها المسلم كفر، أو يستهزئ باللحية، كراهة لما جاء به الإسلام من الأمر بإعفاء اللحية، فإنه يكفر؛ لأن الله شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وشرع إعفاءها. أما إذا سخر من الشخص لذاته أو لشخصه فلا يكفر.

حكم من استهزأ بالجنة والنار:

وكذلك إذا استهزأ بالجنة أو النار، فالجنة ثواب للمؤمنين والنار عقاب للكافرين، فإذا استهزأ وسخر، وقال: ما الجنة؟ وما النار؟ مستهزئا فإنه يكفر والعياذ بالله.

[حكم من استهزأ بثواب الأعمال الصالحة:]

ومن استهزأ بثواب الأعمال الصالحة؛ كمن سمع أو قرأ مثلاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال سبحان الله وبحمده. في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) (1). فاستهزأ بهذا الثواب وسخر به لا أنه لم يصح عنده، فإنه يكفر.

فإذا استهزأ بشيء من دين الرسول عليه الصلاة والسلام، أو استهزأ بالثواب الذي أعده الله للمطيع، أو أعده الله على العمل الصالح، أو العقوبة التي أعدها الله للعاصي، أو للكافر فإنه يكفر، والدليل قول الله تعالى في سورة التوبة: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم [التوبة: 65 - 66] فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان. تبصير الأنام بشرح نواقض الإسلام لعبد العزيز الراجحي ص41

(1) رواه البخاري (6405).

ص: 462