الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم
من هزل بالله أو بآياته الكونية أو الشرعية أو برسله؛ فهو كافر، لأن منافاة الاستهزاء للإيمان منافاة عظيمة.
كيف يسخر ويستهزئ بأمر يؤمن به؟! فالمؤمن بالشيء لابد أن يعظمه وأن يكون في قلبه من تعظيمه ما يليق به.
والكفر كفران: كفر إعراض، وكفر معارضة، والمستهزئ كافر كفر معارضة، فهو أعظم ممن يسجد لصنم فقط، وهذه المسألة خطيرة جداً، ورُبّ كلمة أوقعت بصاحبها البلاء بل والهلاك وهو لا يشعر، فقد يتكلم الإنسان بالكلمة من سخط الله عز وجل لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار.
فمن استهزأ بالصلاة ولو نافلة، أو بالزكاة، أو الصوم، أو الحج، فهو كافر بإجماع المسلمين، كذلك من استهزأ بالآيات الكونية بأن قال مثلاً: إن وجود الحر في أيام الشتاء سفه، أو قال: إن وجود البرد في أيام الصيف سفه، فهذا كفر مخرج عن الملة، لأن الرب عز وجل كل أفعاله مبنية على الحكمة وقد لا نستطيع بلوغها بل لا نستطيع بلوغها.
ثم اعلم أن العلماء اختلفوا فيمن سب الله أو رسوله أو كتابه: هل تقبل توبته؟ على قولين:
القول الأول: أنها لا تقبل، وهو المشهور عن الحنابلة، بل يقتل كافراً، ولا يصلى عليه، ولا يدعى له بالرحمة، ويدفن في محل بعيد عن قبور المسلمين، ولو قال: إنه تاب أو إنه أخطأ، لأنهم يقولون: إن هذه الردة أمرها عظيم وكبير لا تنفع فيها التوبة.
وقال بعض أهل العلم: إنها تقبل إذا علمنا صدق توبته إلى الله، وأقر على نفسه بالخطأ، ووصف الله تعالى بما يستحق من صفات التعظيم، وذلك لعموم الأدلة الدالة على قبول التوبة، كقوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، ومن الكفار من يسبون الله، ومع ذلك تقبل توبتهم.
وهذا هو الصحيح، إلا أن سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم تقبل توبته ويجب قتله، بخلاف من سب الله، فإنها تقبل توبته ولا يقتل، لا لأن حق الله دون حق الرسول صلى الله عليه وسلم، بل لأن الله أخبرنا بعفوه عن حقه إذا تاب العبد إليه بأنه يغفر الذنوب جميعاً، أما سابّ الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه يتعلق به أمران:
الأول: أمر شرعي لكونه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن هذا الوجه تقبل توبته إذا تاب.
الثاني: أمر شخصي لكونه من المرسلين، ومن هذا الوجه يجب قتله لحقه صلى الله عليه وسلم، ويقتل بعد توبته على أنه مسلم، فإذا قتل، غسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين.
وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد ألّف كتاباً في ذلك اسمه:(الصارم المسلول في حكم قتل ساب الرسول)، أو (الصارم المسلول على شاتم الرسول)، وذلك لأنه استهان بحق الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذا لو قذفه، فإنه يقتل ولا يجلد.
فإن قيل: أليس قد ثبت أن من الناس من سبّ الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل منه وأطلقه؟
أجيب: بلى، هذا صحيح لكن هذا في حياته صلى الله عليه وسلم، وقد أسقط حقه، أما بعد موته، فلا ندري، فننفذ ما نراه واجباً في حق من سبه صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: احتمال كونه يعفو عنه أو لا يعفو موجب للتوقف؟
أجيب: إنه لا يوجب التوقف، لأن المفسدة حصلت بالسب، وارتفاع أثر هذا السب غير معلوم، والأصل بقاؤه.
فإن قيل: أليس الغالب أن الرسول صلى الله عليه وسلم عفا عمن سبه؟
أجيب: بلى، وربما كان في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عفا قد تحصل المصلحة ويكون في ذلك تأليف، كما أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أعيان المنافقين ولم يقتلهم، لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، لكن الآن لو علمنا أحداً بعينه من المنافقين لقتلناه.
قال ابن القيم: إن عدم قتل المنافق المعلوم إنما هو في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم فقط.
وقول الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65 - 66].
قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، أي: سألت هؤلاء الذين يخوضون ويلعبون بالاستهزاء بالله وكتابه ورسوله والصحابة.
قوله: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أي: ما لنا قصد، ولكننا نخوض ونلعب، واللعب يقصد به الهزء، وأما الخوض، فهو كلام عائم لا زمام له.
هذا إذا وصف بذلك القول، وأما إذا لم يوصف به القول، فإنه يكون الخوض في الكلام، واللعب في الجوارح.
وقوله: إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ: إِنَّمَا: أداة حصر، أي: ما شأننا وحالنا إلا أننا نخوض ونعلب.
قوله: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ الاستفهام للإنكار والتعجب، فينكر عليهم أن يستهزئوا بهذه الأمور العظيمة، ويتعجب كيف يكون أحق الحق محلاً للسخرية؟
قوله: أَبِاللَّهِ أي: بذاته وصفاته.
قوله: وآياته: جمع آية، ويشمل: الآيات الشرعية، كالاستهزاء بالقرآن، بأن يقال: هذا أساطير الأولين والعياذ بالله، أو يستهزئ بشيءٍ من الشرائع، كالصلاة والزكاة والصوم والحج.
والآيات الكونية، كأن يسخر بما قدره الله تعالى، كيف يأتي هذا في هذا الوقت؟ كيف يخرج هذا الثمر من هذا الشيء؟ كيف يخلق هذا الذي يضر الناس ويقتلهم؟ استهزاء وسخرية.
قوله: وَرَسُولِهِ المراد هنا: محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: لَا تَعْتَذِرُوا المراد بالنهي: التيئيس، أي: انههم عن الاعتذار تيئيساً لهم بقبول اعتذارهم.
قوله: قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ أي: بالاستهزاء وهم لم يكونوا منافقين خالصين بل مؤمنين، ولكن إيمانهم ضعيف، ولهذا لم يمنعهم من الاستهزاء بالله وآياته ورسوله.
قوله: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ.
نَعْفُ: ضمير الجمع للتعظيم، أي: الله عز وجل.
وقوله: عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ قال بعض أهل العلم: هؤلاء حضروا وصار عندهم كراهيةً لهذا الشيء لكنهم داهنوا فصاروا في حكمهم لجلوسهم إليه، لكنهم أخف لما في قلوبهم من الكراهة، ولهذا عفا الله عنهم وهداهم للإيمان وتابوا.
قوله: نُعَذِّبْ طَائِفَةً هذا جواب الشرط، أي: لا يمكن أن نعفو عن الجميع، بل إن عفونا عن طائفة، فلابد أن نعذب الآخرين.
قوله: بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ الباء للسببية، أي: بسبب كونهم مجرمين بالاستهزاء وعندهم جرم والعياذ بالله، فلا يمكن أن يوفقوا للتوبة حتى يعفي عنهم.
ويستفاد من الآيتين:
…
أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله من أعظم الكفر، بدليل الاستفهام والتوبيخ.
أن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله أعظم استهزاء وقبحاً، لقوله: أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ وتقديم المتعلق يدل على الحصر كأنه ما بقي إلا أن تستهزئوا بهؤلاء الذين ليسوا محلاً للاستهزاء، بل أحق الحق هؤلاء الثلاثة.
أن المستهزئ بالله يكفر، لقوله: لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ.
استعمال الغلظة في محلها، وإلا فالأصل أن من جاء يعتذر يرحم، لكنه هنا ليس أهلاً للرحمة.
قبول توبة المستهزئ بالله؛ لقوله: إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ، وهذا أمر قد وقع، فإن من هؤلاء من عفي عنه وهُدي للإسلام وتاب الله عليه، وهذا دليل للقول الراجح أن المستهزئ بالله تقبل توبته، لكن لابد من دليل بيّن على صدق توبته، لأن كفره من أشد الكفر أو هو أشد الكفر، فليس مثل كفر الإعراض أو الجحود.
وهؤلاء الذين حضروا السبّ مثل الذين سبّوا، قال تعالى: وَقَدْ نزلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140] وهم يستطيعون المفارقة، والنبي صلى الله عليه وسلم امتثل أمر الله بتبليغهم، حتى إن الرجل الذي جاء يعتذر صار يقول له: أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65 - 66]، ولا يزيد على هذا أبداً مع إمكان أن يزيده توبيخاً وتقريعاً.
عن ابن عمر ومحمد بن كعب وزيد بن أسلم وقتادة، دخل حديث بعضهم في بعض: أنه قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائناً هؤلاء، أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عن اللقاء (يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء). فقال له عوف بن مالك: كذبت، ولكنك منافق، لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره، فوجد القرآن قد سبقه، فجاء ذلك الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد ارتحل وركب ناقته، فقال: يا رسول الله! إنما كنا نخوض ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق. قال ابن عمر: كأني أنظر إليه متعلقاً بنسعةِ ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة تنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب. فيقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ [التوبة:67]، ما يلتفت إليه وما يزيده عليه (1).
قوله: (ما رأينا) تحتمل أن تكون بصرية، وتحتمل أن تكون علمية قلبية.
قوله: (مثل قرائنا) .. والمراد بهم الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قوله: (أرغب بطوناً) .. أي: أوسع، وإنما كانت الرغبة هنا بمعنى: السعة، لأنه كلما اتسع البطن رغب الإنسان في الأكل.
قوله: (ولا أكذب ألسناً) الكذب: هو الإخبار بخلاف الواقع، والألسن: جمع لسان، والمراد: ولا أكذب قولاً، واللسان يطلق على القول كثيراً في اللغة العربية، كما في قوله تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ [إبراهيم:4] أي: بلغتهم.
(1) رواه الطبري في ((تفسيره)) (14/ 333)، وابن أبي حاتم في ((تفسيره)) (7/ 313).
قوله: (ولا أجبن عند اللقاء) الجبن: هو خور في النفس يمنع المرء من الإقدام على ما يكره، فهو خلق نفسي ذميم، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ منه (1) لما يحصل فيه من الإحجام عما ينبغي الإقدام إليه، فلهذا كان صفة ذميمة، وهذه الأوصاف تنطبق على المنافقين لا على المؤمنين، فالمؤمن يأكل بمعيٍ واحد: ثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه، والكافر يأكل بسبعة أمعاء، والمؤمن أصدق الناس لساناً ولاسيما النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن الله وصفهم بالصدق في قوله: لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ [الحشر:8].
والمنافقون أكذب الناس، كما قال الله فيهم: وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ [الحشر:11]، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم الكذب من علامات النفاق (2)، والمنافقون من أجبن الناس، قال تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ .. [المنافقون:4]، فلو سمعوا أحداً ينشد ضالته، لقالوا: عدو عدو، وهم أحب الناس للدنيا، إذ أصل نفاقهم من أجل الدنيا ومن أجل أن تحمي دماؤهم وأموالهم وأعراضهم.
قوله: (كذبت) أي: أخبرت بخلاف الواقع، وفي ذلك دليل على تكذيب الكذب مهما كان الأمر، وأن السكوت عليه لا يجوز.
قوله: (ولكنك منافق) لأنه لا يطلق هذه الأوصاف على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رجل تسمى بالإسلام إلا منافق، وبهذا يعرف أن من يسبّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كافر، لأن الطعن فيهم طعن في الله ورسوله وشريعته.
فيكون طعناً في الله، لأنه طعن في حكمته، حيث اختار لأفضل خلقه أسوأ خلقه.
وطعناً في الرسول صلى الله عليه وسلم: لأنهم أصحابه، والمرء على دين خليله، والإنسان يستدل على صلاحه أو فساده أو سوء أخلاقه أو صلاحها بالقرين.
وطعناً في الشريعة: لأنهم الواسطة بيننا وبين الرسول صلى الله عليه وسلم في نقل الشريعة، وإذا كانوا بهذه المثابة، فلا يوثق بهذه الشريعة.
قوله: (فوجد القرآن قد سبقه) أي: بالوحي من الله تعالى، والله عليمٌ بما يفعلون وبما يريدون وبما يبيتون، قال تعالى: يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ [النساء:108].
قوله: (وقد ارتحل وركب ناقته) الظاهر أن هذا من باب عطف التفسير، لأن ركوب الناقة هو الارتحال.
قوله: (كأني أنظر إليه) كأن إذا دخلت على مشتق، فهي للتوقع، وإذا دخلت على جامد، فهي للتشبيه، وهنا دخلت على جامد، والمعنى: كأنه الآن أمامي من شدة يقيني به.
قوله: (بنسعة) هي الحزام الذي يربط به الرحل.
قوله: (والحجارة تنكب رجليه) أي: يمشي والحجارة تضرب رجليه وكأنه والله أعلم يمشي بسرعة، ولكنه لا يحس في تلك الحال، لأنه يريد أن يعتذر.
قوله: (وما يزيده عليه) أي: لا يزيده على ما ذكر من توبيخ امتثالاً لأمر الله عز وجل، وكُفي بالقول الذي أرشد الله إليه نكاية وتوبيخاً.
فيه مسائل:
الأولى: وهي العظيمة: أن من هزل بهذا كافر. أي من هزل: بالله وآياته ورسوله.
(1) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرا يقول:((اللهم إنى أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال)) رواه البخاري (2893).
(2)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)) رواه البخاري (33)، ومسلم (59).
الثانية: أن هذا هو تفسير الآية فيمن فعل ذلك كائناً من كان. أي: سواء كان منافقاً أو غير منافق ثم استهزأ، فإنه يكفر كائناً من كان. ا. هـ. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 3/ 30
حكم من استهزأ بالصلاة أو المصلين وسائر العبادات:
فإذا استهزأ بالصلاة كفر، أو استهزأ بالزكاة كفر، أو استهزأ بالصوم كفر، أو استهزأ بالمصلين؛ كأن يسخر بالصلاة التي يصليها المسلم كفر، أو يستهزئ باللحية، كراهة لما جاء به الإسلام من الأمر بإعفاء اللحية، فإنه يكفر؛ لأن الله شرعها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وشرع إعفاءها. أما إذا سخر من الشخص لذاته أو لشخصه فلا يكفر.
حكم من استهزأ بالجنة والنار:
وكذلك إذا استهزأ بالجنة أو النار، فالجنة ثواب للمؤمنين والنار عقاب للكافرين، فإذا استهزأ وسخر، وقال: ما الجنة؟ وما النار؟ مستهزئا فإنه يكفر والعياذ بالله.
[حكم من استهزأ بثواب الأعمال الصالحة:]
ومن استهزأ بثواب الأعمال الصالحة؛ كمن سمع أو قرأ مثلاً حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من قال سبحان الله وبحمده. في يوم مائة مرة، حطت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر)) (1). فاستهزأ بهذا الثواب وسخر به لا أنه لم يصح عنده، فإنه يكفر.
فإذا استهزأ بشيء من دين الرسول عليه الصلاة والسلام، أو استهزأ بالثواب الذي أعده الله للمطيع، أو أعده الله على العمل الصالح، أو العقوبة التي أعدها الله للعاصي، أو للكافر فإنه يكفر، والدليل قول الله تعالى في سورة التوبة: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُون لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُم [التوبة: 65 - 66] فأثبت لهم الكفر بعد الإيمان. تبصير الأنام بشرح نواقض الإسلام لعبد العزيز الراجحي ص41
(1) رواه البخاري (6405).