الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين
أطفال المؤمنين الذين لم يبلغوا الحلم هم في الجنة إن شاء الله تعالى بفضل الله ورحمته. قال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور: 21].
واستدل علي بن أبي طالب بقوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر: 38]. على أن أطفال المؤمنين في الجنة، لأنهم لم يكتسبوا فيرتهنوا بكسبهم. وقد عقد البخاري في (صحيحه) باباً عنون له بقوله:(باب فضل من مات له ولد فاحتسب). وساق فيه حديث أنس رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الناس مسلم يتوفي له ثلاث لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم)) (1). وحديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يوماً، فوعظهن، وقال:((أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجاباً من النار. قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان)). (2) وعقد باباً آخر عنوانه: (باب ما قيل في أولاد المشركين) وساق فيه حديث أنس السابق، وحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:((من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا له حجاباً من النار أو دخل الجنة)). (3) وحديث البراء رضي الله عنه قال: لما توفى إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنّ له مرضعاً في الجنة)). (4) ووجه الدلالة في الأحاديث التي ساقها البخاري على أن أطفال المؤمنين في الجنة – كما يقول – ابن حجر -: (إن من يكون سبباً في حجب النار عن أبويه أولى بأن يحجب هو. لأنه أصل الرحمة وسببها). (5) وحديث أبي هريرة عند أحمد في (مسنده) مرفوعاً: ((ما من مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهما الله وآبائهم بفضل رحمته الجنة)). (6) وروى مسلم في (صحيحه)، وأحمد في (مسنده) عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((صغارهم دعاميص الجنة، يتلقى أحدهم أباه أو قال: أبويه، فيأخذ بثوبه، أو قال بيده، كما آخذ أنا بصنفة ثوبك هذا، فلا يتناهى، أو قال: فلا ينتهي حتى يدخله الله وإياه الجنة)). (7) وروى الإمام أحمد، وابن حبان، والحاكم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ذراري المسلمين في الجنة يكفلهم إبراهيم صلى الله عليه وسلم)(8) وروى أبو نعيم في أخبار أصبهان، والديلمي، وابن عساكر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((أطفال المؤمنين في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة، حتى يدفعوهم إلى آبائهم يوم القيامة)) (9) وقد نقل النووي إجماع من يعتد به من علماء المسلمين على أن من مات من أطفال المسلمين في الجنة، ونقل عنه أنه توقف بعضهم في ذلك. (10)
(1) رواه البخاري (1248).
(2)
رواه البخاري (1249).
(3)
رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم قبل حديث (1381). وانظر كلام ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (2/ 498 - 499).
(4)
رواه البخاري (1382).
(5)
انظر: ((فتح الباري)) (3/ 244).
(6)
رواه أحمد (2/ 510)(10630). قال شعيب الأرناؤوط محققه: صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين.
(7)
رواه مسلم (2635).
(8)
رواه أحمد (2/ 326)(8307)، وابن حبان (16/ 481)، والحاكم (2/ 401) كلاهما بلفظ:(ذراري المؤمنين). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1467): إسناده حسن.
(9)
رواه أبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (8/ 145) بلفظ: (أطفال المسلمين)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (40/ 414) بلفظ مقارب. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1467): وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير مؤمل بن إسماعيل وهو صدوق سيء الحفظ.
(10)
انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (16/ 183) ..
وحكى القرطبي التوقف عن حماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وإسحاق ابن راهويه قال النووي: توقف فيه بعضهم لحديث عائشة، يعني الذي أخرجه مسلم بلفظ: ((توفي صبي من الأنصار، فقلت: طوبى له لم يعمل سوءاً ولم يدركه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أغير ذلك يا عائشة، إن الله خلق للجنة أهلاً
…
)). (1) قال: (والجواب عنه أنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير دليل، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة). (2) أقول: لعل الصواب أن الحديث يسير إلى أنه لا يجوز أن نجزم لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، وإن كنا نشهد لهم مطلقاً بالجنة. والأمر الثاني هو عدم الهجوم على ذلك كي لا يتجرأ الناس على مثل هذا كما هو حاصل في زماننا، إذ يزعم نعاة الموتى أن ميتهم في الجنة، وإن كان أفسق الناس. يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى:(لا يشهد لكل معين من أطفال المؤمنين بأنه في الجنة، وإن شهد لهم مطلقاً)(3) الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص197
وقال أبو المظفر السمعاني: (وأما اعتقاد أهل السنة في أمر الأطفال فهو ما نطق به الحديث من توقيف الأمر فيهم يفعل الله بهم ما يريد)(4).
والأظهر أن الله لا يعذبهم لقوله تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء: 15]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:((رُفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصبي حتى يحتلم، والمجنون حتى يفيق)) (5).
وقال النووي: (أجمع من يُعتد به من علماء المسلمين أن من مات من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة لأنه ليس مكلفا، وتوقف فيهم بعض من لا يعتد به لحديث عائشة هذا وأجاب العلماء عنه بأنه لعله نهاها عن المسارعة إلى القطع من غير أن يكون عندها دليل قاطع)(6). اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث لمحمد بن عبد الرحمن الخميس – ص173
(1) رواه مسلم (2662).
(2)
انظر: ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (16/ 207).
(3)
انظر: ((مجموع الفتاوى)) لشيخ الإسلام ابن تيمية (4/ 281).
(4)
انظر: الحجة في بيان المحجة (2/ 39).
(5)
رواه أبو داود (4398)، والنسائي (6/ 156)، وابن ماجه (2041)، وأحمد (6/ 100)(24738)، والحاكم (2/ 67). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قال الشيخ الألباني في ((إرواء الغليل)) (297): وهو كما قالا فإن رجاله كلهم ثقات احتج بهم مسلم برواية بعضهم عن بعض. والحديث روي أيضاً من طريق علي بن أبي طالب وأبي قتادة الأنصاري رضي الله عنهما.
(6)
((شرح صحيح مسلم)) للنووي (16/ 207).