الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض
من المسلَّم به أن الرسل كلهم متفقون في أصل الدين، فلزم من ذلك أن من أقر بنبوة البعض دون الآخر فإنه كافر بالجميع، وذلك لاتفاقهم جميعاً في أصل رسالتهم، قال تعالى: شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ [الشورى: 13].
نص كلام شيخ الإسلام في المسألة: قال – رحمه الله: (المسلمون متفقون على كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض)(1).
ذكر من نقل الإجماع من أهل العلم أو نص على المسألة مما سبق شيخ الإسلام:
الرسل والأنبياء كلهم دينهم واحد بعثوا بعبادة الله وحده وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللهَ [النحل: 36] فمن كفر بواحد منهم فقد كفر بالآخرين ولهذا كان الإيمان بهم جميعاً ركناً من أركان الإيمان الستة.
قال الإمام ابن بطة العكبري – رحمه الله: (الإيمان والتصديق بجميع ما جاءت به الرسل من عند الله وبجميع ما قال الله عز وجل فهو حق لازم فلو أن رجلاً آمن بجميع ما جاءت به الرسل إلا شيئاً واحداً كان برد ذلك الشيء كافراً عند جميع العلماء)(2). وهذا الكفر في رد شيء واحد جاء به الرسول، فكيف فيمن كفر بالرسول وكل ما جاء به .. فكفره أظهر أولى.
ذكر مستند الإجماع على كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض:
قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا [النساء: 150 - 151]، قال ابن كثير – رحمه الله:(من كفر بنبي من الأنبياء فقد كفر بسائر الأنبياء، فإن الإيمان واجب بكل نبي بعثه الله إلى أهل الأرض، فمن رد نبوته للحسد أو العصبية أو التشهي تبين أن إيمانه بمن آمن به من الأنبياء ليس إيماناً شرعياً، إنما هو عن غرض وهوى وعصبية، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ فوسمهم بأنهم كفار بالله ورسله أي: وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيْنَ اللهِ وَرُسُلِهِ في الإيمان وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أي: طريقاً ومسلكاً، ثم أخبر تعالى عنهم، فقال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا أي: كفرهم محقق لا محالة بمن ادعوا الإيمان به، لأنه ليس شرعياً، إذ لو كانوا مؤمنين به لكونه رسول الله لآمنوا بنظيره، وبمن هو أوضح دليلاً وأقوى برهاناً منه، أو نظروا حق النظر في نبوته)(3). فبين الله عز وجل أن الذين يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض أنهم هم الكافرون حقاً.
(1)((منهاج السنة)) (6/ 433).
(2)
((الشرح والإبانة)) (ص: 211).
(3)
((تفسير ابن كثير)) (2/ 445).
ثم ذكر وصف المؤمنين وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا [النساء: 152] فالمؤمنون يؤمنون برسل الله ولا يفرقون بين أحد منهم وأنهم جميعاً يدعون إلى عبادة الله وحده لا شريك له، والكفر بما يعبد من دونه، وأنهم بلغوا رسالات الله بصدق وأمانة، وأن خاتمهم محمد بن عبد الله، نسخت شريعته جميع الشرائع السابقة، فنؤمن بجميع الأنبياء والرسل إجمالاً وندين بدين وشرعة محمد بن عبد الله إجمالاً وتفصيلاً، لا يقبل الله بعد بعثته ديناً سوى دينه.
وقال تعالى: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285]، فمن كذب وكفر بنبي واحد فقد كذب وكفر بسائر الأنبياء، قال تعالى عن قوم نوح: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105]، وقال تعالى: وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ [الفرقان: 37] وهم إنما كذبوا وكفروا بنوح عليه السلام، لكن لما كان تكذيب نبي واحد والكفر به بمثابة من كذب وكفر بسائر الأنبياء، قال تعالى عنهم: كَذَّبُوا الرُّسُلَ [الفرقان: 37] وكَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 123].
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، أمهاتهم شتى ودينهم واحد)) (1). فيخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الأنبياء دينهم واحد، متفقون في أصل دينهم ورسالتهم وهو التوحيد .. فمن كفر بواحد منهم كفر بالجميع. المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين – ص: 783
(1) رواه البخاري (3443)، ومسلم (2365).