المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالا) - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالا)

‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

أجمع أهل السنة والجماعة على كفر من استخف بالمصحف واستهان به، سواء كان ذلك بالقول أو الفعل.

ومن المعلوم بالضرورة لكل مسلم أنه يجب الإيمان بالقرآن الكريم، وتعظيمه وإجلاله، ولا شك أن الاستهانة بالمصحف تناقض هذا الإيمان بالكلية؛ لأن الإيمان خضوع وانقياد، والاستخفاف إهانة وإذلال، ومحال أن يجتمع هذان الضدان في قلب واحد.

يقول شيخ الإسلام رحمه الله: (إن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدان، فمتى حصل في القلب أحدهما انتفى الآخر، فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد)(1).

وأيضاً فإن الاستهانة بالقرآن استهانة بمن تكلم به، وهو رب العزة عز وجل، فمن فعل ذلك كان كافراً مباح الدم بإجماع المسلمين.

نص الإجماع الذي حكاه شيخ الإسلام: نقل رحمه الله إجماع المسلمين على كفر من استخف بالمصحف، بقوله:(وقد اتفق المسلمون على أن من استخف بالمصحف مثل أن يلقيه في الحش أو يركضه برجله إهانة له أنه كافر مباح الدم)(2).

ذكر من نقل الإجماع أو نص على المسألة ممن سبق شيخ الإسلام: اجتمعت كلمة أهل العلم على أن ما في المصحف هو كلام الله، فيجب احترامه وإجلاله، لأن الإيمان مبني على إجلال الله وتعظيم كلامه، والاستهانة بالمصحف تناقض هذا الإيمان.

وممن نقل هذا الإجماع القاضي عياض رحمه الله حيث يقول: (واعلم أن من استخف بالقرآن أو المصحف، أو بشيء منه، أو سبهما، أو جحده أو حرفاً منه أو آية، أو كذب به، أو بشيء منه، أو كذب بشيء مما صرح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك، أو شك في شيء من ذلك فهو كافر عند أهل العلم بإجماع، قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 41 - 42])(3).

وقرر الإمام النووي رحمه الله أن الاستخفاف بالمصحف يعتبر من الأفعال الموجبة للكفر، والتي تصدر عن تعمد واستهزاء صريح بالدين حيث قال:(والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريح، كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات)(4).

ومن المعلوم أن الاستخفاف والاستهانة ليست محصورة في السب والتنقص فقط، بل الأمر يتعدى ذلك إلى التحريف أو التصحيف أو الزيادة أو النقص، فكل ذلك من الاستهانة (5).

وقد ذكر ابن حزم رحمه الله اتفاق العلماء على: (أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفاً من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفاً، أو بدل منه حرفاً مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمداً لكل ذلك عالماً بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر)(6).

ومثل هذه الأمور لا يمكن أن تصدر من المسلم المنقاد لأمر الله، المعظم لكلام الله وإنما هي من فعل من قد خبثت طويته، وفسدت عقيدته.

وقد نقل ابن قدامة رحمه الله اتفاق المسلمين على تعظيم المصحف وتبجيله (7)، ولا شك أن الاستخفاف ينافي هذا التعظيم ويناقضه.

(1)((الصارم المسلول)) (3/ 969).

(2)

((مجموع الفتاوى)) (8/ 425).

(3)

((الشفا)) (2/ 304).

(4)

((روضة الطالبين)) (10/ 64).

(5)

انظر: ((نواقض الإيمان القولية والعملية)) (ص: 398).

(6)

((مراتب الإجماع)) (ص: 270).

(7)

((حكاية المناظرة في القرآن مع بعض أهل البدع)) (ص: 49).

ص: 486

مستند الإجماع في المسألة: لقد حكم الله تعالى بالكفر على من استهزأ بشيء من آياته فقال عز وجل في كتابه العزيز: يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ [التوبة: 64 - 66].

ولا ريب أن الاستهزاء بآيات الله استخفاف واستهانة.

وقد توعد الله من اتخذ آياته هزواً بالعذاب المهين، كما في قوله تعالى: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الجاثية: 9]، ولم يجئ إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار.

وأيضاً فقد توعد الله عز وجل المستهزئين بآياته بالخلود في النار، ولا يخلد فيها إلا الكافر قال الله تعالى: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لَا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الجاثية: 34 - 35].

وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو حتى لا يقع في أيديهم فيكون عرضة للاستخفاف والاستهانة.

فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو)(1). وفي رواية مسلم: (مخافة أن يناله العدو)(2).

قال ابن عبد البر رحمه الله: (ومعلوم أن من تنزيه القرآن وتعظيمه إبعاده عن الأقذار والنجاسات، وفي كونه عند أهل الكفر تعريض له بذلك وإهانة له، وكلهم أنجاس لا يغتسلون من الجنابة، ولا يعافون ميتة)(3). المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع لمجموعة مؤلفين – ص: 732

والاستهانة بالمصحف تناقض هذا الإيمان، وتنافيه بالكلية، والمقصود بالاستهانة - هاهنا - الاستخفاف والاستهزاء والاحتقار (4).

والاستهانة بالمصحف قد تكون أقوالاً (5)، وقد تكون أعمالاً.

والاستهانة العملية بالقرآن الكريم أن يفعل عامداً ما يتضمن احتقاراً أو استخفافاً بهذا القرآن، أو إسقاطاً لحرمته، ولهذه الاستهانة عدة أمثلة منها: أن يضع المصحف تحت قدمه، أو يلقيه في القاذورات، أو يسعى إلى تغييره وتبديله بزيادةٍ أو نقصانٍ ......

لقد تكفّل الله تعالى بحفظ كتابه عن كل ما لا يليق من زيادة، أو نقصان، أو تصحيف أو تحريف ونحوه، ومن ثم فإن هذا القرآن لا اختلاف فيه ولا اضطراب ولا تعارض.

ولذا فإن المناسب أن نورد بعض النصوص الشرعية التي تقرر حفظ الله تعالى لكتابه العزيز، ونسوق أقوالاً مختارة لبعض الأئمة في ذلك.

(1) رواه البخاري (2990)، ومسلم (1869).

(2)

رواه البخاري (1869).

(3)

((التمهيد)) (15/ 255).

(4)

انظر: ((لسان العرب)) (13/ 438)، و ((المصباح المنير)) (ص795)، و ((مختار الصحاح)) للرازي (ص2، 7).

(5)

انظر أمثلة على تلك الأقوال الكفرية: ((شرح الفقه الأكبر)) لملا علي قاري (ص249 - 254)، و ((الفتاوى البزازية)) (بهامش الفتاوى الهندية)(3/ 338)، و ((الإعلام)) للهيتمي (ص359).

ص: 487

يقول الله تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82]، يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية: يعني جل ثناؤه بقوله: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ: أفلا يتدبر المبيتون غير الذي تقول لهم يا محمد كتاب الله فيعملوا حجة الله عليهم في طاعتك واتباع أمرك، وأن الذي أتيتهم به من التنزيل من عند ربهم لاتِّساق معانيه، وائتلاف أحكامه وتأييد بعضه بعضاً بالتصديق، وشهادة بعضه لبعض بالتحقيق، فإن ذلك لو كان من عند غير الله لاختلفت أحكامه، وتناقضت معانيه، وأبان بعضه عن فساد بعض (1).

ويقول ابن عطية: قوله: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ هذا أمر بالنظر والاستدلال ثم عرف تعالى، بمواقع الحجة، أي: لو كان من كلام البشر لدخله ما في كلام البشر من القصور وظهر فيه تناقض والتنافي الذي لا يمكن جمعه، إذ ذلك موجود في كلام البشر والقرآن منّزه عنه إذ هو كلام المحيط بكل شيءٍ علماً.

فإن عرضت لأحد شبهة وظن اختلافاً في شيءٍ من كتاب الله، فالواجب أن يتَّهم نظره ويسأل من هو أعلم منه (2).

ويقول محمد رشيد رضا: وإن تعجب فعجب أن تمر السنون والأحقاب، وتكر القرون والأجيال، وتتسع دوائر العلوم والمعارف، وتتغير أحوال العمران ولا تنقض كلمة من كلمات القرآن، لا في أحكام الشرع، ولا في أحوال الناس وشؤون الكون، ولا في غير ذلك من فنون القول (3).

ويقول الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

يقول ابن جرير في تفسير هذه الآية: يقول تعالى ذكره: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وهو القرآن وإنا وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه، أو ينقص منه ما هو منه من أحكامه وحدوده وفرائضه (4).

ويقول أبو السعود: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ من كل ما لا يليق به فيدخل فيه تكذيبهم له واستهزاؤهم به دخولاً أولياً، فيكون وعيداً للمستهزئين، وأما الحفظ عن مجرد التحريف والزيادة والنقص وأمثالها فليس بمقتضى المقام، فالوجهُ الحملُ على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطعن فيه، والمجادلة في حقّيته، ويجوز أن يراد حفظه بالإعجاز دليلاً على التنزيل من عنده تعالى، إذ لو كان من عند غير الله لتطرّق عليه الزيادة والنقص والاختلاف (5).

ويقول الألوسي: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ، أي: من كل ما يقدح فيه كالتحريف والزيادة والنقصان وغير ذلك، حتى إن الشيخ المهيب لو غيّر نقطة يردّ عليه الصبيان ويقول له من كان: الصواب كذا.

ولم يحفظ سبحانه كتاباً من الكتب كذلك، بل استحفظها جلّ وعلا الربانيين والأحبار فوقع فيها ما وقع، وتولّى حفظ القرآن بنفسه سبحانه فلم يزل محفوظاً أولاً وآخراً (6).

وعقد الإمام البخاري في (صحيحه) باباً بعنوان: (باب من قال: لم يترك النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما بين الدفتين) وساق بسنده إلى عبدالعزيز بن رفيع حيث قال: دخلت أنا وشداد بن معقل على ابن عباس رضي الله عنهما، فقال شداد بن معقل: أترك النبي صلى الله عليه وسلم من شيءٍ؟ قال: ما ترك إلا ما بين الدفتين؛ قال: ودخلنا على محمد بن الحنفية فسألناه، فقال: ما ترك إلا ما بين الدفتين (7).

(1)((تفسير الطبري)) (8/ 567).

(2)

((تفسير ابن عطية)) (4/ 187، 188).

(3)

((تفسير المنار)) (5/ 289).

(4)

((تفسير الطبري)) (17/ 68). وانظر: ((تفسير ابن كثير)) (2/ 528)، و ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (10/ 5).

(5)

((تفسير أبي السعود)) (3/ 296). وانظر: ((فتح القدير)) للشوكاني (3/ 122).

(6)

((روح المعاني)) (14/ 16) باختصار.

(7)

رواه البخاري (5019).

ص: 488

يقول الحافظ ابن حجر: وهذه الترجمة للرد على من زعم أن كثيراً من القرآن ذهب لذهاب حملته، وهو شيء اختلقه الروافض لتصحيح دعواهم أن التنصيص على إمامة علي، واستحقاقه الخلافة عند موت النبي صلى الله عليه وسلم كان ثابتاً في القرآن وأن الصحابة كتموه، وهي دعوى باطلة؛ لأنهم لم يكتموا مثل:((أنت عندي بمنزلة هارون من موسى)) (1)، وغيرها من الظواهر التي قد يمسك بها من يدعي إمامته (2).

ويقول الشاطبي: إن هذه الشريعة المباركة معصومة، كما أن صاحبها معصوم، وكما كانت أمته فيما اجتمعت عليه معصومة.

ويتبين ذلك من وجهتين:

أحدهما: الأدلة الدالة على ذلك تصريحاً وتلويحاً، كقوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقوله: أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ [هود:1]

والثاني: الاعتبار الوجودي الواقع من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الآن، وذلك أن الله عز وجل وفّر دواعي الأمة للذّبِّ عن الشريعة، والمناضلة عنها بحسب الجملة والتفصيل.

أما القرآن الكريم فقد قيض الله له حفظة بحيث لو زيد فيه حرف واحد لأخرجه آلاف من الأطفال الأصاغر، فضلاً عن القراء الأكابر (3).

وتحدث ابن حزم عما يجب اعتقاده في مسألة حفظ الله تعالى لكتابه فقال: إن القرآن المقروء المكتوب في المصاحف حق نزل به جبريل على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، وأنه كلام الله عز وجل، حقاً لا مجازاً، وهو علم الله تعالى، وأنه محفوظ لم يُغيّر منه شيء ولا حرف، ولا زيد فيه حرف فما فوقه، ولا نقص منه حرف فما فوقه، قال الله عز وجل: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ [الشعراء:193 - 194]، وقال تعالى: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [العنكبوت:49].

وقال تعالى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَاّ يَمَسُّهُ إِلَاّ الْمُطَهَّرُونَ تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ [الواقعة:77 - 79].

وقال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

فمن قال إن القرآن نقص منه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف، أو زيد فيه حرف، أو بُدّل منه حرف، أو أن هذا المسموع أو المحفوظ أو المكتوب أو المنزّل ليس هو القرآن، أو قال: إن القرآن لم ينزل به جبريل صلى الله عليه وسلم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، أو أنه ليس هو كلام الله تعالى؛ فهو كافر، خارج عن دين الإسلام؛ لأنه خالف كلام الله عز وجل، وسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع أهل الإسلام (4).

إن الاستهانة بالقرآن ناقض من نواقض الإيمان لجملة من الاعتبارات نذكر منها ما يلي:

أ- أن الاستهانة بالمصحف تناقض الإيمان، فالإيمان مبني على إجلال الله تعالى وتعظيم كلامه، والاستهانة استخفاف واستهزاء، يقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ [التوبة: 65، 66]، والإيمان: انقياد وخضوع، والاستهانة بالمصحف لا تجتمع مع هذا الانقياد والخضوع، فمن استهان بالمصحف، امتنع أن يكون منقاداً لأمر الله تعالى.

يقول ابن تيمية: إن الانقياد إجلال وإكرام، والاستخفاف إهانة وإذلال، وهذان ضدّان، فمتى حصل في القلب أحدهما، انتفى الآخر فعلم أن الاستخفاف والاستهانة به ينافي الإيمان منافاة الضد للضد (5).

(1) رواه البخاري (3706)، ومسلم (2404).

(2)

((فتح الباري)) (9/ 65).

(3)

((الموافقات)) (2/ 58، 59) باختصار.

(4)

((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص218 - 221) باختصار يسير.

(5)

((الصارم المسلول)) (ص521).

ص: 489

ب- أن الله تعالى توعد من اتخذ آياته هزواً بالعذاب المهين، ولم يجئ إعداد العذاب المهين إلا في حق الكفار (1).

كما توعد أولئك المستهينين بآياته بالخلود في النار. فقال تعالى: وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الجاثية:9]

وقال سبحانه: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ ذَلِكُم بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَغَرَّتْكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ [الجاثية:34، 35].

جـ- أن الاستهانة بالمصحف تكذيب لله تعالى في خبره، ومناقضة لما أمر الله تعالى به من تعظيم كلامه عز وجل، والاستهانة بالقرآن استهانة بمن تكلم به تعالى (2).

يقول الله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]

ويقول سبحانه: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء: 82].

وقال تعالى: - قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88].

وقال سبحانه: - وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَاّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ [الحج:52] فأخبر تعالى أنه يحفظ آياته، ويحكمها حتى لا يخالطها غيرها ولا يداخلها التغيير ولا التبديل (3).

فمن استهان بالمصحف سواء كان بتحريف، أو تصحيف أو زيادة، أو نقص فهو مكذّب بمثل الآيات الكريمة التي سبق ذكرها، ولقد حكم الله تعالى - ولا معقب لحكمه - بالكفر على من جحد آياته، وأخبر تعالى بأنه لا أحد أظلم ممن كذب بآيات الله تعالى، وأنهم لا تفتح لهم أبواب السماء، ولا يدخلون الجنة.

يقول الحليمي: إن الله حفظ القرآن، فقال عند ذكره إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وقال: وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42].

فمن أجاز أن يتمكن أحد من زيادة شيءٍ في القرآن أو نقصانه منه، أو تحريفه أو تبديله، فقد كذب الله في خبره، وأجاز الوقوع فيه، وذلك كفر (4).

(1) انظر: ((الصارم المسلول)) (ص52).

(2)

انظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني (4/ 136).

(3)

انظر: ((الموافقات)) للشاطبي (2/ 58).

(4)

((المنهاج في شعب الإيمان)) (1/ 320).

ص: 490

ويقول القرطبي: لا خلاف بين الأمة ولا بين الأئمة أهل السنة أن القرآن اسم لكلام الله تعالى الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم معجزة له، وأنه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف، معلومة على الاضطرار سوره وآياته، مبرأ من الزيادة والنقصان حروفه وكلماته، فلا يحتاج في تعريفه بحد، ولا في حصره بعد، فمن ادعى زيادة عليه أو نقصاناً منه فقد أبطل الإجماع، وبهت الناس، ورد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من القرآن المنزل عليه، ورد قوله تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88]، وأبطل آية رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه إذا ذاك يصير القرآن مقدوراً عليه، حين شيب بالباطل، ولما قدر عليه لم يكن حجة ولا آية، وخرج عن أن يكون معجزاً. (1).

(د) أن الاستهانة بالمصحف - تحريفاً أو تبديلاً - استهانةً بالدين، وهدم لأصول هذه الشريعة وفروعها، وهو طعن في تمام دين الإسلام وكماله.

ولذا يقول ابن حزم: والدين قد تمّ فلا يُزاد فيه ولا يُنقص منه، ولا يبدّل.

قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]

وقال تعالى: لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ [يونس:64]، والنقص والزيادة تبديل (2).

ويقول الشيخ محمد بن عبدالوهاب: ومن اعتقد عدم صحة حفظه (أي: المصحف) من الإسقاط، واعتقد ما ليس منه أنه منه، قد كفر، ويلزم من هذا رفع الوثوق بالقرآن كله، وهو يؤدي إلى هدم الدين، ويلزمهم عدم الاستدلال به، والتعبد بتلاوته، لاحتمال التبدل، ما أخبث قول قوم يهدم دينهم. (3).

وعندما تحدث محمود شكري الألوسي عن القرآن الكريم، وأنه محفوظ عن الزيادة والنقصان، ثم ذكر معتقد الاثني عشرية في القرآن

قال بعد ذلك: والحقّ ما ذهب إليه أهل السنة وجمهور الفرق الإسلامية أنه ليس في القرآن تحريف ولا نقصان، وذلك لأن الله تعالى قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

وإذا كان الله تعالى الحافظ له، فكيف يتمكن أحد من تحريفه؟! (ذلك) لأن تبليغ القرآن كان واجباً على الرسول عليه الصلاة والسلام إلى كافة الناس، أو بمن اتبعه

ولم يزل المسلمون يتعبدون بتلاوته آناء الليل، وأطراف النهار، ويرون ذلك من أفضل الطاعات والأعمال من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى زمننا هذا، وكل ما في هذا شأنه لا يمكن تغييره ولا إسقاط شيء منه، ولأنه لو كان فيه تحريف بتغيير أو نقصان لم يبق وثوق بالأحكام (4).

هـ- أجمع العلماء على كفر من استهان بالمصحف، وخروجه عن الملة، وقد نقل هذا الإجماع جماعة من أهل العلم ونورد هاهنا ما يلي:

ذكر ابن حزم أن العلماء اتفقوا على: أن كل ما في القرآن حق، وأن من زاد فيه حرفاً من غير القراءات المروية المحفوظة المنقولة نقل الكافة، أو نقص حرفاً، أو بدل منه حرفاً مكان حرف، وقد قامت عليه الحجة أنه من القرآن فتمادى متعمداً لكل ذلك عالماً بأنه بخلاف ما فعل فإنه كافر (5).

(1)((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (1/ 80 - 81).

(2)

((المحلى)) (1/ 31).

(3)

((رسالة في الرد على الرافضة)) (ص14).

(4)

((السيوف المشرقة مختصر الصواعق المحرقة)) (مخطوط)(ق129) باختصار.

(5)

((مراتب الإجماع)) (ص174).

ص: 491

ويقول أيضاً: إن الأمة مجمعة كلها بلا خلاف من أحدٍ منهم وهو أنَّ كلَّ من بدّل آيةً من القرآن عامداً وهو يدري أنها في المصحف بخلاف ذلك، أو أسقط كلمة عامداً كذلك، أو زاد فيها كلمة عامداً فإنه كافر بإجماع الأمة كلها (1).

ويقول القاضي عياض: اعلم أن من استخف بالقرآن، أو المصحف، أو بشيءٍ منه، أو سبّهما، أو جحده، أو حرفاً منه، أو آيةً، أو كذّب به، أو بشيءٍ منه، أو كذّب بشيءٍ مما صرّح به فيه من حكم أو خبر، أو أثبت ما نفاه فهو كافر عند أهل العلم بإجماعٍ، قال تعالى: لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42](2).

من كلام العلماء في هذه المسألة:-

يقول ابن حزم - في الرد على اعتراض النصارى بأن الروافض يزعمون أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بدلوا القرآن

: وأما قولهم في دعوى الروافض تبديل القرآن، فإن الروافض ليسوا من المسلمين (3).

وقال محمد بن إسماعيل الرشيد الحنفي: من استخف بالقرآن أو بالمسجد أو بنحوه مما يعظم في الشرع كفر، ومن وضع رجله على المصحف حالفاً استخفافاً كفر (4).

وذكر الدردير أن من موجبات الردة: إلقاء مصحف أو بعضه ولو كلمة، وكذا حرقه استخفافاً لا صوناً، ومثل إلقائه، وتركه بمكان قذر، ولو طاهراً كبصاق أو تلطيخه به

ومثل المصحف: الحديث، وأسماء الله تعالى، وكتب الحديث، وكذا كتب الفقه إن كان على وجه الاستخفاف بالشريعة (5).

وقال النووي: الأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمّد واستهزاء بالدين صريح، كإلقاء المصحف في القاذورات (6).

وقال قليوبي شارحاً قول النووي: قوله: (كإلقاء مصحف بقاذورة) بالفعل أو بالعزم والتردد فيه ومسه بها كإلقائه فيها، وألحق بعضهم به وضع رجله عليه ونُوزع فيه، والمراد بالمصحف: ما فيه قرآن ومثله الحديث، وكل علم شرعي وما عليه اسم معظم، قال شيخنا الرملي: ولا بُدّ في غير القرآن من قرينةٍ تدل على الإهانة وإلا فعلاً، وشملت القاذورة الطاهرة كبصاق ومخاط ومني (7).

وعدّ البهوتي من نواقض الإسلام ما يلي: أو وجد منه امتهان القرآن، أو طلب تناقضه، أو دعوى أنه مختلف، أو مقدور في مثله، أو إسقاط حرمته كفر؛ لقوله تعالى: لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر:21]، وقوله: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82]، وقوله: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا [الإسراء:88](8) نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبداللطيف –ص: 393

(1)((الفصل)) (3/ 296)، وانظر:((المحلى)) (1/ 39)، و ((الإحكام في أصول الأحكام)) (1/ 86).

(2)

((الشفا)) (2/ 1101)، وانظر:(2/ 1076).

(3)

((الفصل)) (2/ 213). وانظر: ((المحلى)) (1/ 15).

(4)

((رسالة في ألفاظ الكفر)) (ص22)، ويقول ملا علي قاري معلقاً على الجملة الأخيرة: ولا يخفى أن قوله حالفاً قيد واقعي فلا مفهوم له. ((شرح الفقه الأكبر)) (ص250).

(5)

((الشرح الصغير)) (6/ 145، 146). وانظر: ((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/ 301)، و ((بلغة السالك)) (2/ 416)، و ((الخرشي على مختصر خليل)) (7/ 62، 63).

(6)

((روضة الطالبين)) (10/ 64). وانظر: ((مغني المحتاج)) للشربيني الخطيب (4/ 136)، و ((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 416).

(7)

((حاشيتا قليوبي وعميرة)) (4/ 176)، وانظر:(الأعلام) للهيتمي (ص349).

(8)

((كشاف القناع)) (6/ 137)، وانظر:((شرح منتهى الإرادات)) (3/ 387)، و ((غاية المنتهى)) لمرعي الكرمي (3/ 339).

ص: 492