المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

قوله: ((وإنه سيكون من أمتي كذابون ثلاثون)) (1)، حصرهم النبي صلى الله عليه وسلم بعدد، وكلهم يزعم أنه نبي أوحي إليه، وهم كذابون، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ولا نبي بعده، فمن زعم أنه نبي بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، فهو كاذب كافر حلال الدم والمال، ومن صدقه في ذلك، فهو كافر حلال الدم والمال، وليس من المسلمين ولا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أنه أفضل من محمد، وأنه يتلقى من الله مباشرةً ومحمد صلى الله عليه وسلم يتلقى منه بواسطة الملك، فهو كاذب كافر حلال الدم والمال. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/ 585

قال السفارييني (2):

ولا تنال رتبة النبوة

بالكسب والتهذيب والفتوة

لكنها فضل من المولى الأجل

لما يشاء من خلقه إلى الأجل

- وإذا كان الأمر كذلك، فإن ادعاء النبوة - كذباً وزوراً - من أشنع الكذب وأقبحه، كما يقول ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: إن النبوة إنما يدعيها أصدق الصادقين، أو أكذب الكاذبين، ولا يلتبس هذا بهذا إلا على أجهل الجاهلين، بل قرائن أحوالهما تعرب عنهما، وتعرف بهما، والتمييز بين الصادق والكاذب له طرق كثيرة فيما دون دعوى النبوة، فكيف بدعوى النبوة؟ (3).

ويتحدث ابن تيمية عن هذه المسألة قائلاً: معلوم أن مدعي الرسالة إما أن يكون من أفضل الخلق وأكملهم، وإما أن يكون من أنقص الخلق وأرذلهم، ولهذا قال أحد أكابر ثقيف للنبي صلى الله عليه وسلم لما بلغهم الرسالة ودعاهم إلى الإسلام: والله لا أقول لك كلمة، إن كنت صادقاً فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذباً فأنت أحقر من أن أرد عليك (4). فكيف يشتبه أفضل الخلق وأكملهم بأنقص الخلق وأرذلهم، وما أحسن قول حسان (5):

لو لم تكن فيه آيات مبينة

كانت بديهته تأتيك بالخبر

وما من أحد ادعى النبوة من الكذابين، إلا وقد ظهر عليه من الجهل والكذب والفجور، واستحواذ الشياطين عليه ما ظهر لمن له أدنى تمييز، وما من أحدٍ ادّعى النبوة من الصادقين إلا وقد ظهر عليه من العلم والصدق والبر وأنواع الخيرات ما ظهر لمن له أدنى تمييز (6).

(1) رواه أبو داود (4252)، والترمذي (2219)، وابن ماجه (3952)، وأحمد (5/ 278)(22448)، والحاكم (4/ 496). من حديث ثوبان رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (906) - كما أشار لذلك في مقدمته -. وحسّنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (3/ 406) – كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.

(2)

((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 267).

(3)

((شرح العقيدة الطحاوية)) (1/ 140).

(4)

انظر: ((تفسير البغوي)) (7/ 265)، و ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (16/ 210).

(5)

ونسبه ابن تيمية في ((الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح)) لعبدالله بن رواحة (4/ 316)، انظر: تعليق محقق ((الطحاوية)) (1/ 141).

(6)

((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص89)، وانظر:((الجواب الصحيح)) (1/ 29، 30).

ص: 440

ويقول أيضاً: والنبوة مشتملة على علوم وأعمال لابد أن يتصف الرسول بها، وهي أشرف العلوم وأشرف الأعمال، فكيف يشتبه الصادق فيها بالكاذب، ولا يتبين صدق الصادق، وكذب الكاذب، من وجوهٍ كثيرة، لاسيما والعالم لا يخلو من آثار نبي من لدن آدم إلى زماننا، وقد علم جنس ما جاءت به الأنبياء والمرسلون وما كانوا يدعون إليه، ويأمرون به، ولم تزل آثار المرسلين في الأرض، ولم يزل عند الناس من آثار الرسل ما يعرفون به جنس ما جاءت به الرسل، ويفرقون بين الرسل وغير الرسل (1).

ويذكر ابن كثير الفرق الشاسع بين النبي الصادق والمتنبئ الكذاب، عند تفسيره لقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس: 17].

فيقول: يقول تعالى لا أحد أظلم، ولا أعتى، ولا أشد إجراماً ممن افترى على الله كذباً وتقوّل على الله، وزعم أن الله أرسله، ولم يكن كذلك، فليس أحد أكبر جرماً، ولا أعظم ظلماً من هذا، ومثل هذا لا يخفى أمره على الأغبياء، فكيف يشتبه حال هذا بالأنبياء؟ فإن من قال هذه المقالة صادقاً، أو كاذباً فلا بد أن الله ينصب عليه من الأدلة على بره أو فجوره ما هو أظهر من الشمس، فإن الفرق بين محمد صلى الله عليه وسلم، وبين مسيلمة الكذاب لمن شاهدهما أظهر من الفرق بين وقت الضحى، وبين نصف الليل في حندس الظلام (2).

- وادعاء النبوة قد يكون بأن يدعي شخص النبوة لنفسه كذباً وافتراءً، إما استقلالاً، أو شركة مع نبيٍ آخر، وقد يكون بتصديق من ادعاها، أو القول بتجويزها بعد ختمها بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو زعم أنه يمكن اكتسابها، أو ادعى أنه يوحى إليه، أو ينكر ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم. فكل هذه الصور - وما يلحق بها من أمثالها - من نواقض الإيمان القولية في النبوات، وذلك لعدة اعتبارات منها ما يلي:

أ- أن ادعاء النبوة من أظلم الظلم، وأعظم الافتراء والكذب على الله تعالى، فلا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً ممن افترى على الله كذباً، فزعم أن الله أرسله، وهو ليس كذلك، ولقد قرر القرآن أن هذا الافتراء من صفات الكافرين المكذبين، الذين لا يؤمنون بآيات الله، ومن ثم فلا أحد أشد عقوبة منهم، فقد توعد الله تعالى من ادعى النبوة بالعذاب المهين. وكما قال ابن تيمية: ولم يجئ إعداد العذاب المهين في القرآن إلا في حق الكفار

(3). وأيضاً: قد نُفي الفلاح عن هذا الصنف، وقد قال الشنقيطي:(الفلاح لا يُنفى بالكلية نفياً عاماً إلا عمن لا خير فيه، وهو الكافر)(4).

وقد دل

استقراء آيات القرآن الكريم، فنسوق بعضها مع كلام المفسرين في بيانها على النحو التالي:

1 -

يقول الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ [الأنعام:21].

يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية: أي لا أظلم ممن تقوّل على الله، فادّعى أن الله أرسله، ولم يكن أرسله، ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (أي لا يفلح هذا ولا هذا، ولا المفتري، ولا المكذب)(5).

(1)((شرح العقيدة الأصفهانية)) (ص91).

(2)

((تفسير ابن كثير)) (2/ 392)، وانظر:(3/ 475).

(3)

((الصارم المسلول)) (ص52).

(4)

((أضواء البيان)) (4/ 442).

(5)

((تفسير ابن كثير)) (2/ 120)، وانظر:((تفسير المنار)) (7/ 343، 344)، و ((تفسير السعدي)) (2/ 385).

ص: 441

2 -

ويقول تبارك وتعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللهُ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ [الأنعام:93].

يقول ابن عطية: هذه ألفاظ عامة، فكل من واقع شيئاً مما يدخل تحت هذه الألفاظ فهو داخل في الظلم الذي قد عظمه الله بقوله: وَمَنْ أَظْلَمُ أي لا أحد أظلم

إلى أن قال: وقد خصص المتأولون في هذه الآية ذكر قوم قد يمكن أن كانوا أسباب نزولها، ثم هي إلى يوم القيامة، تتناول من تعرض شيئاً من معانيها كطليحة الأسدي، والمختار بن أبي عبيد، وسواهما (1).

ويقول السعدي: لا أحد أعظم ظلماً، ولا أكبر جرماً، ممن كذب على الله، فإنه نسب إلى الله قولاً أو حكماً، وهو تعالى بريء منه، وإنما كان هذا أظلم الخلق؛ لأن فيه من الكذب، وتغيير الأديان أصولها وفروعها، ونسبة ذلك إلى الله وهو من أكبر المفاسد، ويدخل في ذلك ادعاء النبوة، وأن الله يوحي إليه وهو كاذب في ذلك، فإنه مع كذبه على الله، وجرأته على عظمته وسلطانه، يوجب على الخلق أن يتبعوه. ويجاهدهم على ذلك، ويستحل دماء من خالفه وأموالهم.

ويدخل في هذه الآية كل من ادعى النبوة كمسيلمة الكذاب، والأسود العنسي والمختار وغيرهم ممن اتصف بهذا الوصف (2).

3 -

وقال سبحانه: وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ عِندَ اللهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ [الأنعام:124].

يقول ابن كثير: هذا وعيد شديد من الله، وتهديد أكيد لمن تكبر عن اتباع رسله، والانقياد له فيما جاؤوا به فإنه سيصيبه يوم القيامة بين يدي الله صغار، وهو الذلة الدائمة (3).

4 -

ويقول الحق تبارك وتعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ [يونس:17].

يقول ابن كثير: يقول تعالى لا أحد أظلم، ولا أعتى ولا أشد إجراماً ممن افترى على الله كذباً، وتقوّل على الله، وزعم أن الله أرسله، ولم يكن كذلك، فليس أحد أكبر إجراماً ولا أعظم ظلماً من هذا (4).

ومن الآيات القرآنية في هذا الشأن قوله تعالى: إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ [النحل:105].

وقوله سبحانه: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ [العنكبوت:68].

وقوله تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ [الزمر:32].

(1)((تفسير ابن عطية)) (6/ 108، 109) بتصرف يسير، وانظر:((تفسير ابن كثير)) (2/ 149)، و ((تفسير البيضاوي)) (1/ 321)، وانظر:((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/ 86).

(2)

((تفسير السعدي)) (2/ 434).

(3)

((تفسير ابن كثير)) (2/ 165).

(4)

((تفسير ابن كثير)) (2/ 392).

ص: 442

ولذا يقول ابن تيمية: ومن ادعى النبوة وهو كاذب، فهو من أكفر الكفار، وأظلم الظالمين، وشر خلق الله تعالى، قال تعالى: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ [الأنعام:144].

وقال تعالى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:60](1)

ب- أن ادعاء النبوة تكذيب لصريح القرآن الكريم، حيث نص القرآن نصاً قطعياً ظاهراً على أن محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فلا نبي بعده.

يقول تعالى: مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [الأحزاب:40].

يقول ابن كثير: هذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده، فلا رسول بالطريق الأولى والأحرى؛ لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة، فإن كل رسول نبي ولا ينعكس (2).

وقال القرطبي: قال ابن عطية: هذه الألفاظ عند جماعة علماء الأمة خلفاً وسلفاً متلقاة على العموم التام مقتضية نصاً أنه لا نبي بعده صلى الله عليه وسلم (3).

وقال الشربيني: أي آخرهم الذي ختم؛ لأن رسالته عامة، ومعها إعجاز القرآن، فلا حاجة إلى استنباء ولا إرسال، فلا يأتي بعده نبي مطلقاً بشرع جديد، ولا يتجدد بعده مطلقاً استنباء، وهذه الآية مثبتة لكونه خاتماً على أبلغ وجه وأعظمه، وذلك أنها في سياق الإنكار بأن يكون بينه وبين أحد من رجالهم بنوة حقيقية أو مجازية، ولو كانت بعده لأحد لم يكن ذلك إلا لولده (4).

ويقول الألوسي: والمراد بكونه عليه الصلاة والسلام خاتمهم انقطاع حدوث وصف النبوة في أحد من الثقلين بعد تحلِّيه عليه الصلاة والسلام بها في هذه النشأة (5).

جـ- أن ادعاء النبوة تكذيب وإنكار لما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبوة ختمت بمحمد صلى الله عليه وسلم، ومنكر هذا المتواتر كافر، فختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم أمر معلوم من الدين بالضرورة.

وإذا كان إسحاق بن راهويه يقول: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته، ثم رده بغير تقية فهو كافر (6).

كما أن ابن الوزير يقول: إن التكذيب لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مع العلم أنه حديث كفر صحيح (7)، فما بالك بمن أنكر أحاديث متواترة وصحيحة تقطع بأن محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فلا نبي بعده؟ عدا أن عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية من الأمور الواجبة المعلومة من الدين بالضرورة عند المسلمين.

يقول عبد القاهر البغدادي: كل من أقر بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أقر بأنه خاتم الأنبياء والرسل، وأقر بتأييد شريعته، ومنع من نسخها. وقد تواترت الأخبار عنه بقوله:((لا نبي بعدي)) (8) ومن رد حجة القرآن والسنة فهو الكافر (9).

(1)((الجواب الصحيح)) (1/ 30)، و (4/ 272) بتصرف.

(2)

((تفسير ابن كثير)) (3/ 474).

(3)

((تفسير القرطبي)) (14/ 196).

(4)

((تفسير الشربيني)) (3/ 237، 238).

(5)

((روح المعاني)) (22/ 34).

(6)

((الإحكام)) لابن حزم (1/ 89).

(7)

((العواصم والقواصم)) (2/ 374).

(8)

رواه البخاري (3455)، ومسلم (1842). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(9)

((أصول الدين)) (ص162، 163) بتصرف يسير.

ص: 443

ويقول ابن حزم: قد صحّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل الكواف التي نقلت نبوته وأعلامه وكتابه أنه أخبر أنه لا نبي بعده

فوجب الإقرار بهذه الجملة، وصحّ أن وجود النبوة بعده عليه السلام باطل لا يكون ألبتة (1).

ويقول ابن كثير: قد أخبر الله تبارك وتعالى في كتابه ورسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المتواترة عنه أنه لا نبي بعده، ليعلموا أن كل من ادعى هذا المقام بعده فهو كذاب أفاك دجال ضال مضل (2).

ونسوق طرفاً من هذه الأحاديث؛ فعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((وإنه سيكون في أمتي كذابون كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي)) (3).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كشف رسول الله صلى الله عليه وسلم الستار والناس صفوف خلف أبي بكر رضي الله عنه فقال: ((أيها الناس إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له)) (4).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما هلك نبي خلفه نبي، وأنه لا نبي بعدي)) (5).

وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومثلي ومثل الأنبياء كرجلٍ بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون، ويقولون لولا موضع اللبنة))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((فأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء)) (6).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة (7).

د- أن ادعاء النبوة يتضمن أنواعاً كثيرة من المخالفات المناقضة لدين الله تعالى وآياته ورسوله.

فادعاء النبوة يناقض حقيقة كمال الدين وتمامه، وقد قال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينًا [المائدة:3]

يقول ابن كثير: هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أكمل تعالى لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه، ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء، وبعثه إلى الإنس والجن، فلا حلال إلا ما أحله، ولا حرام إلا ما حرمه (8).

يقول ابن حزم: اتفقوا أن دين الإسلام هو الذي لا دين لله في الأرض سواه، وأنه ناسخ لجميع الأديان قبله، وأنه لا ينسخه دين بعده أبداً، وأن من خالفه ممن بلغه كافر مخلد في النار أبداً (9).

(1)((الفصل)) (1/ 146).

(2)

((تفسير ابن كثير)) (3/ 475).

(3)

رواه أبو داود (4252)، والترمذي (2219)، وابن ماجه (3952)، وأحمد (5/ 278)(22448)، والحاكم (4/ 496). من حديث ثوبان رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وصحح إسناده عبد الحق الإشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (ص: 906) - كما أشار لذلك في مقدمته -. وحسّنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (3/ 406) – كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.

(4)

رواه مسلم (479).

(5)

رواه البخاري (3455) ومسلم (1842).

(6)

رواه البخاري (3534)، ومسلم (2287).

(7)

انظر مثلاً كتاب ((عقيدة ختم النبوة بالنبوة المحمدية)) لأحمد سعد الغامدي (ص30 - 55)، حيث ساق في هذا الموضوع أكثر من ستين حديثاً رواها سبعة وثلاثون صحابياً.

(8)

((تفسير ابن كثير)) (2/ 13).

(9)

((مراتب الإجماع)) (ص: 167، 173).

ص: 444

وادعاء النبوة يناقض كون القرآن حجة على كل من بلغه، حيث قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللهِ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغ [الأنعام:19].

فالقرآن نذير لكل من بلغه من العالمين، فمن ادَّعى النبوة فقد طعن في كون القرآن نذيراً لكل من بلغه من الثقلين، كما أن ادعاء النبوة طعن في حفظ القرآن الكريم عن الزيادة والنقصان، يقول تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].

إضافة إلى ذلك، فإن ادعاء النبوة طعن في عموم الرسالة المحمدية، وقد قال تعالى: قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا [الأعراف:158]

فهو صلى الله عليه وسلم رسول إلى جميع الناس، كما جاءت بذلك الكثير من النصوص والأحاديث الصحيحة، وهو أمر معلوم من دين الإسلام بالضرورة، فالثقلان مطالبون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم مخالفته، فما بالك بمن افترى على الله كذباً، فزعم أنه نبي يوحي إليه؟

هـ- أن ادعاء النبوة تكذيب للإجماع، فقد أجمع العلماء على أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين، فلا نبي بعده، كما أجمعوا على تكفير من ادعى النبوة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونورد جملة من أقوال أهل العلم ممن حكى هذا الإجماع على النحو التالي:

يقول عبد القاهر البغدادي: أجمع المسلمون وأهل الكتاب على أن أول من أرسل من الناس آدم عليه السلام، وآخرهم عند المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم (1).

ويقول ابن حزم: واتفقوا على أنه لا نبي مع محمد صلى الله عليه وسلم ولا بعده أبداً (2).

ويقول في موضع آخر: وأما من قال أن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبياً غير عيسى ابن مريم، فإنه لا يختلف اثنان في تكفيره لصحة قيام الحجة بكل هذا على كل أحد (3).

ويقول في موضع ثالث: من ادعى نبوة لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حاشا عيسى ابن مريم - فهو كافر، ولا خلاف في ذلك من أحد من أهل الإسلام، وذلك لخلافه القرآن، والثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

ويقول القاضي أبو يعلى: ونبينا صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء، ولا يبعث الله نبياً بعد نبينا، خلافاً لأهل التناسخ، والخرمية (5) في قولهم: يجوز أن يبعث الله نبياً بعد نبينا، وإن الأنبياء لا ينقطعون عن الخلق أبداً، والدلالة عليه إجماع الأمة أن نبينا خاتم النبيين، وقد قال الله تعالى وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40].

وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأكمله إلا موضع لبنة من زاوية، فقال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)) (6)(7).

(1)((أصول الدين)) (ص159).

(2)

((مراتب الاجماع)) (ص173).

(3)

((الفصل)) (3/ 293) بتصرف يسير.

(4)

((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص206)، وانظر:(ص414، 415).

(5)

الخرمية: أتباع بابك الخرمي الذي ظهر بناحية أذربيجان، وكان يستحل المحرمات، ويظهر الإلحاد، وهم فرقة خارجة عن الإسلام كبقية فرق الباطنية. انظر:((التبصير في الدين)) (ص135)، و ((اعتقادات فرق المسلمين)) (ص79).

(6)

رواه البخاري (3535)، ومسلم (2286).

(7)

((المعتمد في أصول الدين)) (ص167).

ص: 445

ويقول القاضي عياض: وكذلك من ادّعى نبوة أحد مع نبينا صلى الله عليه وسلم، أو بعده كالعيسوية من اليهود، القائلين بتخصيص رسالته إلى العرب، وكالخرمية القائلين بتواتر الرسل، وكأكثر الرافضة القائلين بمشاركة علي في الرسالة للنبي صلى الله عليه وسلم عليه وسلم وبعده، وكذلك كل إمام عند هؤلاء يقوم مقامه في النبوة والرسالة

أو من ادعى النبوة لنفسه، أو جوز اكتسابها، والبلوغ بصفاء القلب إلى مرتبتها.

وكذلك من ادّعى منهم أنه يوحى إليه، وإن لم يدع النبوة .. فهؤلاء كلهم كفار مكذبون للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه خاتم النبيين لا نبي بعده، وأخبر عن الله تعالى أنه خاتم النبيين، وأنه أرسل كافة للناس.

وأجمعت الأمة على حمل هذا الكلام على ظاهره، وأن مفهومه المراد منه دون تأويل ولا تخصيص، فلا شك في كفر هؤلاء الطوائف كلها قطعاً إجماعاً وسمعاً (1).

ويقول ابن نجيم: إذا لم يعرف أن محمداً صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فليس بمسلم؛ لأنه من الضروريات (2).

ويقول ملا علي قاري: ودعوى النبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم كفر بالإجماع (3).

ويقول الألوسي: وكونه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين مما نطق به الكتاب، وصدعت به السنة، وأجمعت عليه الأمة، فيكفر مدعي خلافه، ويقتل إن أصر (4).

- إذا تقرر وجه كون ادعاء النبوة ناقضاً من نواقض الإيمان القولية في موضوع النبوات، فإننا نسوق طرفاً من كلام العلماء في تقرير هذا الأمر:

يقول أحمد الدردير المالكي: ويكفر إذا جوز اكتساب النبوة، أي تحصيلها بسبب رياضة؛ لأنه يستلزم جواز وقوعها بعد النبي (5).

ويقول محمد عليش المالكي: ويكفر بأن ادّعى شركاً أي: شخصاً مشاركاً مع نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لمخالفته قوله تعالى وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ويكفر إن جوّز اكتساب النبوة بتصفية القلب، وتهذيب النفس، والجدّ في العبادة، لاستلزامه جوازها بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وتوهين ما جاء به الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم (6).

وقال النووي: إذا ادّعى النبوة بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، أو صدّق مدعياً لها

فكل هذا كفر (7).

وقال الشربيني: من نفى الرسل، بأن قال لهم: لم يرسلهم الله، أو نفى نبوة نبي، أو ادّعى النبوة بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، أو صدّق مدعيها، أو قال: النبوة مكتسبة، أو تنال رتبتها بصفاء القلوب، أو أوحي إليه ولم يدع النبوة

فقد كفر (8).

ويقول ابن قدامة: من ادّعى النبوة، أو صدّق من ادّعاها فقد ارتد؛ لأن مسيلمة لما ادّعى النبوة، فصدقه قومه، صاروا بذلك مرتدين، وكذلك طليحة الأسدي ومصدقوه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً كلهم يزعم أنه رسول الله)) (9)(10).

(1)((الشفا)) (2/ 1070، 1071).

(2)

((الأشباه والنظائر)) (ص192).

(3)

((شرح الفقه الأكبر)) (ص244).

(4)

((روح المعاني)) (22/ 41).

(5)

((الشرح الصغير)) (6/ 149) بتصرف يسير.

(6)

((شرح منح الجليل)) (4/ 464) بتصرف، وانظر:((حاشية الدسوقي على الشرح الكبير)) (4/ 269).

(7)

((روضة الطالبين)) (10/ 64، 65).

(8)

((مغني المحتاج)) (4/ 135) بتصرف، وانظر:((نهاية المحتاج)) للرملي (7/ 395)، و ((قليوبي وعميرة)) (4/ 175).

(9)

رواه البخاري (3609)، ومسلم (157). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)).

(10)

((المغني)) (8/ 150).

ص: 446

ويقول ابن تيمية: ومعلوم أن من كذب على الله بأن زعم أنه رسول الله أو نبيه، أو أخبر عن الله خبراً كذب فيه كمسيلمة والعنسي ونحوهما من المتنبئين، فإنه كافر حلال الدم (1).

ويقول أيضاً: أما من اقترن بسبه - أي: للصحابة - دعوى أن علياً إله، أو أنه كان هو النبي، وإنما غلط جبرائيل عليه السلام في الرسالة، فهذا لا شك في كفره، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره. (2).

ويقول منصور البهوتي: من ادّعى النبوة، أو صدّق من ادّعاها كفر؛ لأنه مكذب لله تعالى في قوله: وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ [الأحزاب:40] ولحديث: ((لا نبي بعدي)) (3)، وفي الخبر:((لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً كلهم يزعم أنه رسول الله)) (4)(5). نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبداللطيف - ص184

(1)((الصارم المسلول)) (ص148).

(2)

((الصارم المسلول)) (ص518). وأشار ابن تيمية - في عدة مواضع من كتبه - إلى ادّعاء ملاحدة الفلاسفة والصوفية اكتساب النبوة

انظر مثلاً: ((الصفدية)) (1/ 229، 284)، و ((درء التعارض)) (1/ 318)، و (5/ 22)، و ((الرد على المنطقيين)) (ص487)، و ((الأصفهانية)) (ص106).

(3)

رواه البخاري (3455)، ومسلم (1842). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري (3609)، ومسلم (157). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ:((لا تقوم الساعة حتى يبعث دجالون كذابون قريباً من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله)).

(5)

((شرح منتهى الإرادات)) للبهوتي (3/ 386)، وانظر:((المبدع شرح المقنع)) لابن مفلح المؤرخ (9/ 171)، و ((الإقناع)) للحجاوي (4/ 297).

ص: 447