المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

السلف لهم في الاستثناء صيغ متعددة، فمنهم من يستثني بقول: إن شاء الله، أو أرجو، أو آمنت بالله

، أو لا إله إلا الله أو نحو ذلك من الصيغ، وجميع هذه الصيغ مؤداها واحد، وهو عدم القطع بالإيمان المطلق الكامل، وتفويض ذلك إلى الله سبحانه.

وفيما يلي أنقل بعض ما ورد عن السلف في ذلك، مصنفاً أقوالهم حسب الصيغ الواردة عنهم في الاستثناء.

1 -

استثناؤهم بقول: (إن شاء الله):

(أ) عن عبدالرحمن بن عصمة قال: (كنت عند عائشة رضي الله عنها فأتاها رسول معاوية رضي الله عنه بهدية فقال: أرسل بها إليك أمير المؤمنين، فقالت: أنتم المؤمنون إن شاء الله تعالى، وهو أميركم وقد قبلت هديته)(1).

(ب) وعن أحمد بن حنبل قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: (إذا سئل أمؤمن أنت إن شاء الله لم يجبه، وسؤالك إياي بدعة، ولا أشك في إيماني، وقال: إن شاء الله ليس يكره، وليس بداخل في الشك)(2).

(ج) وقال جرير بن عبدالحميد: (كان الأعمش ومنصور ومغيرة وليث وعطاء بن السائب وإسماعيل بن خالد وعمارة بن القعقاع والعلاء بن المسيب وابن شبرمة وسفيان الثوري وأبو يحيى - صاحب الحسن - وحمزة الزيات يقولون: نحن مؤمنون إن شاء الله، ويعيبون من لم يستثن)(3).

(د) (وسئل أحمد ما تقول في الاستثناء في الإيمان؟ قال: نحن نذهب إليه.

قيل: الرجل يقول: أنا مؤمن إن شاء الله؟ قال: نعم) (4).

(وسُئل عن الرجل يقال له: أمؤمن أنت؟ قال: سؤاله إياك بدعة، يقول: إن شاء الله)(5).

(وسئل عن الرجل يسألني: مؤمن أنت؟ قال: تقول: نعم إن شاء الله)(6).

2 -

استثناؤهم بقول: (أرجو):

(أ) عن سعيد بن جبير قال: (سألت ابن عمر، قال: قلت: أغتسل من غسل الميت؟ قال: مؤمن هو؟ قلت: أرجو، قال: فتمسح بالمؤمن ولا تغتسل منه)(7).

(ب) عن إبراهيم النخعي قال: (قال رجل لعلقمة: أمؤمن أنت؟ قال: أرجو)(8).

(ج) وعن إبراهيم النخعي (عن علقمة – وتكلم عنده رجل من الخوارج بكلام كرهه – فقال علقمة: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا [الأحزاب: 58] فقال له الخارجي: أَوَمنهم أنت؟ فقال: أرجو)(9).

(د) وعن الحسن بن عبيدالله قال: (قال إبراهيم النخعي: إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: أرجو)(10).

(هـ)(وسُئل أحمد بن حنبل عمن يقال له أنت مؤمن؟ فقال: سؤاله إياك بدعة، وقل: أنا مؤمن أرجو)(11).

3 -

استثناؤهم بقول: (آمنت بالله وملائكته .. ):

(1) رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 349).

(2)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 310).

(3)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 335)، والآجري في الشريعة (ص: 139)، وابن بطة في الإبانة (2/ 871).

(4)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 594).

(5)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 602).

(6)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 602).

(7)

رواه ((ابن أبي شيبة في مصنفه)) (3/ 267)، وعبدالله في ((السنة)) (1/ 321).

(8)

رواه أبو عبيد في ((الإيمان)) (ص: 68)، وابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (ص: 9)، وفي ((المصنف)) (11/ 15)، وعبدالله في ((السنة)) (1/ 340)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 136).

(9)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 322)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 141)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 870).

(10)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 340)، والطبري في ((تهذيب الآثار)) (برقم 1000)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 141)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 879).

(11)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 602).

ص: 91

(أ) عن علقمة بن الأسود قال: (قال رجل عند عبدالله: إني مؤمن. قال: قل: إني في الجنة، ولكنا نقول: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله)(1).

(ب) وعن ابن طاووس عن أبيه (أنه كان إذا قيل له: أمؤمن أنت؟ قال: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولا يزيد على هذا)(2).

(ج) وعن سفيان بن محل قال: قال لي إبراهيم: (إذا قيل لك: أمؤمن أنت فقل: آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله)(3).

(د) وعن عبدالرحمن بن بكير السلمي قال: (كنت عند محمد بن سيرين وعنده أيوب فقلت له: يا أبا بكر يقول لي: أمؤمن أنت؟ أقول: مؤمن، فانتهرني أيوب، فقال محمد: وما عليك أن تقول آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله)(4).

(هـ) وعن حبيب بن الشهيد قال: قال محمد بن سيرين: (إذا قيل لك: أنت مؤمن؟ فقل: آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق)(5).

(و)(وعن أحمد بن أصرم المزني أن أبا عبدالله قيل له: إذا سألني الرجل أمؤمن أنت؟ فقال: سؤاله إياك بدعة، لا شك في إيماننا. قال المزني: وحفظي أن أبا عبدالله قال: أقول كما قال طاووس: آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله)(6).

4 -

استثناؤهم بقول (لا إله إلا الله):

(أ) عن سوار بن شبيب قال (جاء رجل إلى ابن عمر فقال: إن هاهنا قوماً يشهدون علي بالكفر، قال: ألا تقول لا إله إلا الله فتكذبهم)(7).

(ب) وعن الحسن بن عمرو عن إبراهيم النخعي قال: (إذا قيل لك: أمؤمن أنت؟ فقل: لا إله إلا الله)(8).

فجميع هذه النقول تدل بوضوح على أن الاستثناء في الإيمان سنة ماضية عند السلف الصالح بصيغ مختلفة، مدارها على البعد عن تزكية النفس والشهادة لها بتكميل الأعمال وإتمام الإيمان.

ولا يشكل على هذا ما نقل عن بعض السلف أنه أجاب بأنه مؤمن دون استثناء مثل:

1 -

ما نقل عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه خطبهم فقال: (أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة، والله إني لأطمع أن يكون عامة من تصيبون بفارس والروم في الجنة، فإن أحدهم يعمل الخير فيقول: أحسنت بارك الله فيك أحسنت رحمك الله، والله يقول: وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ [الشورى: 26])(9).

فهذا الأثر خوطب فيه الجماعة ولم يعين به شخص، وفي آخره رجع إلى الاستثناء في دخول الجنة فقال:(إني لأطمع)(10).

2 -

وعن ابن أبي كثير عن رجل لم يسمه عن أبيه قال: (سمعت ابن مسعود يقول: أنا مؤمن)(11).

وإسناد هذا الأثر ضعيف فالرجل الذي لم يسم وأبوه مجهولان.

(1) رواه أبو عبيد في ((الإيمان)) (ص: 67)، وابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (ص: 9)، وعبدالله في ((السنة)) (1/ 322).

(2)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 23)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 142)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 878).

(3)

رواه أبو عبيد في ((الإيمان)) (ص: 68)، وعبدالله في ((السنة)) (1/ 320)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 141)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 878).

(4)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 320) وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 878).

(5)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 320)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 141)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 879).

(6)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 601).

(7)

رواه ابن أبي شيبة في ((الإيمان)) (ص: 10)، وفي ((المصنف)) (11/ 30).

(8)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 321)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 141)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 878).

(9)

رواه الحاكم (2/ 444)، والبيهقي في ((الشعب)) (1/ 213)، وقال الحاكم صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

(10)

انظر: ((شعب الإيمان)) للبيهقي (1/ 214).

(11)

رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) ((11/ 29)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: 10).

ص: 92

3 -

وعن عبدالله بن يزيد الأنصاري قال: (تسموا باسمكم الذي سماكم الله بالحنيفية والإسلام والإيمان)(1).

4 -

وعن أبي عبدالرحمن الشيباني قال: (لقيت عبدالله بن معقل فقلت له: إن أناساً من أهل الصلاح يعيبون علي أن أقول: أنا مؤمن، فقال عبدالله: لقد خبت وخسرت إن لم تكن مؤمناً)(2).

5 -

وعن إبراهيم التميمي قال: (وما على أحدكم أن يقول: أنا مؤمن، فوالله لئن كان صادقاً لا يعذبه الله على صدقه، وإن كان كاذباً لما دخل عليه من الكفر أشد عليه من الكذب)(3).

ومراده بـ (أنا مؤمن) أصل الإيمان كما يدل على ذلك آخر كلامه قوله: (لما دخل عليه من الكفر

).

6 -

وعن أبي عبدالرحمن السلمي قال: (إذا سئل أحدكم: أمؤمن أنت؟ فلا يشك في إيمانه)(4).

7 -

وعن سيف بن ميمون قال: قلت لعطاء: (إن قبلنا قوماً نعدهم من أهل الصلاح إن قلنا: نحن مؤمنون عابوا ذلك علينا، قال: فقال عطاء: نحن المسلمون المؤمنون، وكذلك أدركنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون)(5).

فهذه الآثار لا تشكل على ما ذكرته آنفاً من أن مذهب السلف هو جواز الاستثناء في الإيمان، لأنها لا تخلو من أحد أمور:

1 -

إما أن تكون ضعيفة الإسناد غير ثابتة عن الصحابي أو التابعي المروية عنه كما في بعض الآثار المتقدمة.

2 -

أو أن يكون قاله على سبيل التعميم كما في الأثر الأول، وهذا لا إشكال فيه إذ أهل القبلة كلهم مؤمنون باعتبار الظاهر منهم، وبذلك يتوارثون ويتناكحون ويتعاملون بالأخوة الإيمانية.

3 -

أو أن يكون قصد بذلك أصل الإيمان لإتمامه وكماله، بل هذا هو مقصودهم عند إطلاق القول (أنا مؤمن) أو (أنت مؤمن)، لأن اسم الإيمان عند السلف على ضربين: مطلق ومقيد.

فإذا استعمل مطلقاً شمل جميع ما يحبه الله ورسوله من أقوال العبد وأعماله الظاهرة والباطنة.

وإذا استعمل مقيداً يكون متناولاً لأصل الإيمان وأساسه، وهو الإيمان الباطن بأركانه الستة الواردة في حديث جبريل المشهور (6).

وللإيمان عندهم أصل وفرع؛ فأصل الإيمان في القلب وهو قول القلب وعمله، وفرعه الأعمال الظاهرة بأنواعها (7).

وعلى هذا فإن من استثنى من السلف في إيمانه قصد به الإيمان التام الكامل المقبول عند الله، ومن لم يستثن قصد الإيمان الباطن الذي هو أصل الإيمان وأساسه وهذا لا استثناء فيه.

وعلى هذا ينبغي لمن سئل هل هو مؤمن أو لا؟ أن يستفصل من السائل ماذا يريد بالإيمان؟ هل يريد بذلك الإيمان الكامل التام المقبول عند الله الذي أهله يقيناً في الجنة؟ أو يريد الإيمان المقيد الذي هو أصل الإيمان وأساسه؟

فإن أراد الأول فلا بد من الاستثناء، وإن أراد الثاني فلا استثناء

وتأكيداً لما ذكرت أنقل بعض أقوال السلف المؤكدة لذلك والمؤيدة له، والمبينة أن مقصودهم بترك الاستثناء في الإيمان أصله، وبالاستثناء فيه تمامه وكماله.

(1) رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/ 30)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: 10).

(2)

رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/ 29)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: 10).

(3)

رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/ 15)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: 23).

(4)

رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/ 29)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: 9).

(5)

رواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (11/ 35)، وفي كتاب ((الإيمان)) (ص: 16).

(6)

الحديث في الصحيحين؛ رواه البخاري (50)، ومسلم (106). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(7)

انظر: ((الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 642 وما بعدها).

ص: 93

فعن تمام بن نجيح قال سأل رجل الحسن البصري عن الإيمان فقال: (الإيمان إيمانان فإن كنت تسألني عن الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والجنة والنار والبعث والحساب فأنا مؤمن، وإن كنت تسألني عن قول الله عز وجل إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا [الأنفال: 2 - 4] فوالله ما أدري أنا منهم أم لا)(1).

قال البيهقي معلقاً: (فلم يتوقف الحسن في أصل إيمانه في الحال، وإنما توقف في كماله الذي وعد الله عز وجل لأهله الجنة بقوله: لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال: 4])(2).

وقال سفيان الثوري: (الناس عندنا مؤمنون في الأحكام والمواريث ونرجو أن يكونوا كذلك، ولا ندري ما حالنا عند الله عز وجل (3).

وعن وكيع قال: (كان سفيان الثوري يقول أنا مؤمن وأهل القبلة كلهم مؤمنون في النكاح والدية والمواريث، ولا يقول مؤمن عند الله عز وجل (4).

وعن قتيبة بن سعيد قال: (هذا قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة بقولهم

ونقول: الناس عندنا مؤمنون بالاسم الذي سماهم الله في الإقرار والحدود والمواريث، ولا نقول: حقاً، ولا نقول: عند الله ولا نقول: كإيمان جبريل وميكائيل؛ لأن إيمانهم متقبل) (5).

وعن إسماعيل بن سعيد قال: (سألت أحمد من قال: أنا مؤمن عند نفسي من طريق الأحكام والمواريث ولا أعلم ما أنا عند الله عز وجل، قال: ليس هذا بمرجئ)(6).

فبهذه النقول يعلم ما سبق ذكره عن مذهب السلف أنهم يجوزون الاستثناء باعتبار، ويمنعونه باعتبار، حسب مراد القائل بكلمة الإيمان.

ولهذا كان من السلف من يرى أن الاستثناء وتركه سواء على المعنى الذي أشرت إليه.

قال الأوزاعي: (من قال أنا مؤمن فحسن، ومن قال: أنا مؤمن إن شاء الله فحسن، لقول الله عز وجل: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ [الفتح: 27]. وقد علم أنهم داخلون)(7).

ولا يتنافى هذا مع ما جاء عن بعضهم من كراهة ترك الاستثناء كما روي ذلك عن سفيان الثوري أنه ينكر ويكره أن يقول: (أنا مؤمن)(8)، و

عن جمع من السلف أنهم كانوا يعيبون من لا يستثني.

قال أبو عبيد: (وإنما كراهتهم عندنا أن يثبتوا الشهادة بالإيمان مخافة ما أعلمتكم في الباب الأول من التزكية والاستكمال عند الله، وأما على أحكام الدنيا فإنهم يسمون أهل الملة جميعاً مؤمنين؛ لأن ولايتهم وذبائحهم وشهاداتهم ومناكحتهم وجميع سنتهم إنما هي على الإيمان، ولهذا كان الأوزاعي يرى الاستثناء وتركه جميعاً واسعين)(9).

ولكن لما كان ترك الاستثناء شعاراً للمرجئة، ومتضمناً لتزكية النفس والثناء عليها وهذا منهي عنه شرعاً، فإني أرى أن لزوم الاستثناء أولى وأكمل، وأن لا يترك الاستثناء إلا إذا بين المقصود والمراد.

ولهذا كان الإمام أحمد لا يعجبه ترك الاستثناء (10)، بل قال مرة لحسين بن منصور: من قال من العلماء: أنا مؤمن؟ قلت: ما أعلم رجلاً أثق به. قال: لم تقل شيئاً لم يقله أحد من أهل العلم قبلنا (11).

قال شيخ الإسلام: (

ولهذا كان الصحيح أنه يجوز أن يقول: أنا مؤمن بلا استثناء إذا أراد ذلك – أي أصل الإيمان – لكن ينبغي أن يقرن كلامه بما يبين أنه لم يرد الإيمان المطلق، ولهذا كان أحمد يكره أن يجيب على المطلق بلا استثناء يقدمه) (12).

ولم يكن أحمد رحمه الله ينكر على من ترك الاستثناء إذا لم يكن قصده قصد المرجئة أن الإيمان مجرد القول، قال الأثرم:(قلت لأبي عبدالله: فكأنك لا ترى بأساً أن لا يستثني، فقال: إذا كان ممن يقول: الإيمان قول وعمل فهو أسهل عندي، ثم قال أبو عبدالله: إن قوماً تضعف قلوبهم عن الاستثناء، فتعجب منهم)(13). زيادة الإيمان ونقصانه وحكم الاستثناء فيه -لعبدالرزاق البدر – بتصرف - ص 479

(1) رواه البيهقي في ((الاعتقاد)) (ص: 120)، وفي ((الشعب)) (1/ 218).

(2)

((الاعتقاد)) (ص: 120).

(3)

رواه عبدالله في ((السنة)) (1/ 311)، وأبو داود في ((مسائل الإمام أحمد)) (ص: 274)، والآجري في ((الشريعة)) (ص: 138)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 872).

(4)

رواه البيهقي في ((الشعب)) (1/ 219).

(5)

رواه البيهقي في ((الشعب)) (1/ 219).

(6)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 574).

(7)

رواه أبو عبيد في ((الإيمان)) (ص: 69)، وبنحوه الخلال في ((السنة)) (3/ 598).

(8)

رواه الآجري في ((الشريعة)) (ص: 138)، وابن بطة في ((الإبانة)) (2/ 871).

(9)

((الإيمان)) (ص: 68).

(10)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 598).

(11)

رواه الخلال في ((السنة)) (3/ 566).

(12)

((الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 449).

(13)

ذكره شيخ الإسلام في ((الفتاوى)) (7/ 225، 669)، وانظر أيضاً (7/ 449).

ص: 94