المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تمهيد ذهب جمهور أهل السنة إلى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌ ‌تمهيد ذهب جمهور أهل السنة إلى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر،

‌تمهيد

ذهب جمهور أهل السنة إلى انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر، وحكى الإمام ابن القيم الإجماع على ذلك حيث قال: والذنوب تنقسم إلى صغائر وكبائر بنص القرآن والسنة وإجماع السلف وبالاعتبار. (1). واستدلوا لذلك بعدة أدلة منها:

قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء: 31].

قال القرطبي: لما نهى تعالى في هذه السورة عن آثام هي كبائر وعد على اجتنابها التخفيف من الصغائر، دل هذا على أن في الذنوب كبائر وصغائر وعلى هذا جماعة أهل التأويل وجماعة الفقهاء (2).

وقال الإمام الشوكاني: أي إن تجتبوا كبائر الذنوب التي نهاكم الله عنها نكفر عنكم سيئاتكم أي ذنوبكم التي هي صغائر، وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطاً لتكفير السيئات (3).

(1)((مدارج السالكين)) (1/ 342)، وانظر:((الجواب الكافي)) (ص186).

(2)

((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (5/ 158).

(3)

((فتح القدير)) (1/ 457، 458).

ص: 186

قوله عز وجل: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَاّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم: 32]، هذه الآية صريحة الدلالة في تقسيم الذنوب إلى كبائر وصغائر على خلاف بين العلماء في المقصود باللمم. فقد اختلف السلف في معنى (اللمم) على قولين مشهورين، قال الإمام ابن القيم رحمه الله:(فأما اللمم فقد روي عن جماعة من السلف: أنه الإلمام بالذنب مرة، ثم لا يعود إليه، وإن كان كبيراً: قال البغوي: هذا قول أبي هريرة ومجاهد والحسن ورواية عطاء عن ابن عباس. والجمهور على أن اللمم مادون الكبائر، وهو أصح الروايتين عن ابن عباس، كما في (صحيح البخاري) من حديث طاووس عنه قال: ما رأيت أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك أو يكذبه)) (1)(2) .. إلى أن قال رحمه الله: والصحيح: قول الجمهور: أن اللمم صغائر الذنوب، كالنظرة، والغمزة، والقبلة، ونحو ذلك. هذا قول جمهور الصحابة ومن بعدهم، وهو قول أبي هريرة وعبد الله بن مسعود، وابن عباس ومسروق والشعبي، ولا ينافي هذا قول أبي هريرة وابن عباس في الرواية الأخرى:((إنه يلم بالكبيرة ثم لا يعود إليها)) فإن (اللمم) إما أنه يتناول هذا وهذا ويكون على وجهين، كما قال الكلبي، أو أن أباهريرة وابن عباس ألحقا من ارتكب الكبيرة مرة واحدة – ولم يصر عليها، بل حصلت منه فلتة في عمره – باللمم، ورأيا أنها إنما تتغلظ وتكبر وتعظم في حق من تكررت منه مراراً عديدة، وهذا من فقه الصحابة – رضي الله عنهم – وغور علومهم، ولا ريب أن الله يسامح عبده المرة والمرتين والثلاث، وإنما يخاف العنت على من اتخذ الذنوب عادته، وتكرر منه مراراً عديدة (3)، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية الآيات الدالة على انقسام الذنوب (4) ومنها قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ [الشورى: 37] وقوله عز وجل: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا [الكهف: 49] وقوله تعالى: وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ [القمر: 53]

3 -

قوله صلى الله عليه وسلم ((الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر)) (5). قال النووي: وتنقسم -أي المعاصي- باعتبار ذلك إلى ما تكفره الصلوات الخمس أو صوم رمضان أو الحج أو العمرة أو الوضوء أو صوم عرفة أو صوم عاشوراء أو فعل الحسنة أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة، وإلى ما لا يكفره ذلك كما ثبت في الصحيح ما لم يغش كبيرة فسمى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر ومالا تكفره كبائر (6) ومثله قوله صلى الله عليه وسلم:((ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم يؤت كبيرة وذلك الدهر كله)) (7).

(1) رواه البخاري (6243)، ومسلم (2657). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (5/ 158).

(3)

((مدارج السالكين)) (1/ 343 - 345)، وانظر:((تفسير القرآن العظيم)) لابن كثير (4/ 255، 256).

(4)

((الفتاوى)) (11/ 659).

(5)

رواه مسلم (233). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

((شرح صحيح مسلم)) للنووي (2/ 85).

(7)

رواه مسلم (228). من حديث عثمان رضي الله عنه.

ص: 187

4 -

ومن الأدلة على انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر الأحاديث الكثيرة في ذكر الكبائر من مثل حديث أنس رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الكبائر أو سئل عن الكبائر فقال: ((الشرك بالله وقتل النفس، وعقوق الوالدين .. الحديث)) (1)(فخص الكبائر ببعض الذنوب، ولو كانت الذنوب كلها كبائر لم يسغ ذلك)(2)

فالنصوص السابقة كما ترى صريحة في انقسام الذنوب إلى كبائر وصغائر ومع ذلك فقد نقل عن بعض الأشاعرة إنكارهم تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر، وقالوا: إن سائر المعاصي كبائر، منهم أبو إسحاق الإسفرائيني، والباقلاني، وإمام الحرمين وابن القشيري والتقي السبكي، بل حكاه ابن فورك عن الأشاعرة واختاره في (تفسيره)(3)، ونسبه ابن بطال إلى الأشعرية، وحكاه القاضي عياض عن المحققين (4)

ولقد لخص الإمام ابن بطال أدلتهم تلخيصاً جيداً فقال: انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر هو قول عامة الفقهاء، وخالفهم من الأشعرية أبو بكر بن الطيب وأصحابه فقالوا: المعاصي كلها كبائر، وإنما يقال لبعضها صغيرة بالإضافة إلى ما هو أكبر منها، كما يقال القبلة المحرمة صغيرة بإضافتها إلى الزنا وكلها كبائر.

قالوا: ولا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبيرة، ومرتكبه في المشيئة، غير الكفر لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء: 48]، وأجابوا عن الآية التي احتج أهل القول الأول بها وهي قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء: 31]، أن المراد الشرك وقد قال الفراء: من قرأ كبائر فالمراد بها كبير، وكبير الإثم هو الشرك، وقد يأتي لفظ الجمع والمراد به الواحد كقوله تعالى: كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ [الشعراء: 105] ولم يرسل إليهم غير نوح، قالوا: وجواز العقاب على الصغيرة لجوازه على الكبيرة (5) واستدلوا أيضاً بقول ابن عباس: (كل ما نهى الله عنه كبيرة)(6) وأجاب الجمهور عن هذه الاستدلالات بما يلي:

1 -

قال ابن أبي العز الحنفي: (ومن قال: إنها سميت كبائر بالنسبة لما دونها، أو كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة يقتضي أن الذنوب في نفسها لا تنقسم إلى صغائر وكبائر، وهذا فاسد، لأنه خلاف النصوص الدالة على تقسيم الذنوب إلى صغائر وكبائر)(7). فيكفي في بيان بطلان هذا القول مخالفته للنصوص الصريحة

2 -

أما قولهم: لا ذنب عندنا يغفر واجباً باجتناب ذنب آخر بل كل ذلك كبير، غير الشرك، وتأويلهم قوله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا [النساء: 31] أن المراد الشرك لقراءة (كبير) فيقال لهم: وماذا عن قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما اجتنبت الكبائر)) (8)، ((ما لم تغش الكبائر)) (9).

(1) رواه البخاري (5977)، ومسلم (88). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.

(2)

((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (ص5).

(3)

((الزواجر عن اقتراف الكبائر)) (ص: 5).

(4)

انظر: ((فتح الباري)) (10/ 409)، و ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (2/ 85).

(5)

نقلاً عن ((فتح الباري)) (10/ 409)، وانظر:((تفسير القرطبي)) (5/ 159).

(6)

رواه الطبري في ((تفسيره)) (8/ 214)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) 1/ 273، قال ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 410) أخرجه إسماعيل القاضي والطبري بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عباس.

(7)

((شرح الطحاوية)) (ص419)، وانظر:((مجموع الفتاوى)) (11/ 657).

(8)

رواه مسلم (233).

(9)

رواه مسلم (233) ، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

ص: 188

وماذا يجاب عن النصوص الصريحة في التفريق بين الصغائر والكبائر مثل قوله عز وجل: وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَاّ أَحْصَاهَا [الكهف: 49].

3 -

أما استدلالهم بقول ابن عباس رضي الله عنه فيجاب عنه بأنه قد ورد أيضاً عن ابن عباس أنه قال: (كل ما توعد الله عليه بالنار كبيرة)(1) فالأولى أن يكون المراد بقوله: (نهى الله عنه) محمولاً على نهي خاص وهو الذي قرن به وعيد، فيحمل مطلق كلامه رضي الله عنه على مقيده جمعاً بين قوليه (2) وقال البيهقي في تعليقه على رواية ابن عباس:(كل ما نهى الله عنه كبيرة: فيحتمل أن يكون هذا في تعظيم حرمات الله والترهيب عن ارتكابها، فأما الفرق بين الصغائر والكبائر فلابد منه في أحكام الدنيا والآخرة)(3). وطعن القرطبي في الرواية من جهة المتن. فقال: (ما أظنه يصح عن ابن عباس أن كل ما نهى الله عز وجل عنه كبيرة لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر)(ثم ذكر الآيات) إلى أن قال: (فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن؟)(4)

ولوضوح الأدلة في الفرق بينهما اعتبر الحافظ ابن حجر القول الآخر شاذاً حيث قال: (وقد اختلف السلف، فذهب الجمهور إلى أن من الذنوب كبائر وصغائر، وشذت طائفة منهم الأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني فقال: ليس في الذنوب صغيرة بل كل ما نهى الله عنه كبيرة .. )(5).

وقال أبو حامد الغزالي في كتابه (الوسيط في المذهب): إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه وقد فهما من مدارك الشرع (6). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – 1/ 103

(1) ذكر هذا الأثر ابن حجر في ((فتح الباري)) (10/ 410) وقال: وأخرج - ابن أبي حاتم - من وجه آخر متصل لا بأس برجاله.

(2)

انظر: ((فتح الباري)) (10/ 410).

(3)

((شعب الإيمان)) (2/ 94).

(4)

نقلاً عن: ((فتح الباري)) (10/ 410).

(5)

((فتح الباري)) (1/ 409).

(6)

نقلاً عن ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (2/ 85).

ص: 189