المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: إنكار البعث - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث الأول: إنكار البعث

‌المبحث الأول: إنكار البعث

لا شك أن إنكار البعث مناقض للإيمان، مهما تنوعت صوره وأمثلته، فقد يكون إنكارا لبعث الأرواح والأجساد، وقد يكون إنكارا لمعاد الأجساد مع الاعتراف بمعاد الأرواح، وتارةً يكون إنكار البعث بالقول بتناسخ الأرواح، ونقلها إلى أجسام أخرى، وتارة أخرى يكون هذا الإنكار بإنكار معاد النفوس الجاهلة دون العالمة. ومن صور هذا الإنكار ما زعمه بعضهم أن البعث عبارة عن خلق أبدان جديدة مغايرة تماماً للأبدان الفانية (1).

وسنورد الآن بعضاً من أوجه كون إنكار البعث ناقضاً من نواقض الإيمان على النحو التالي:

أ- أخبر الله عز وجل أن إنكار البعث كفر برب العالمين، فقال تعالى: وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ [الرعد:2 - 5].

وقال المؤمن للكافر الذي قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْرًا مِّنْهَا مُنقَلَبًا [الكهف:36]، فقال له: أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً [الكهف:37](2).

وقال تعالى: وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء:97 - 98].

وقال سبحانه: وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُم بِلِقَاء رَبِّهِمْ كَافِرُونَ [السجدة:10].

وقال تعالى: وَأَقْسَمُواْ بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللهُ مَن يَمُوتُ بَلَى وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ [النحل:38 - 40].

فإنكار البعث يناقض الإيمان، وينافي تصديق القلب وإقرار اللسان.

ب- تضمن إنكار البعث تعطيلاً لأسماء الله وصفاته ومقتضاها، وإنكاراً لعلم الله تعالى وقدرته وحكمته.

قال الله تعالى: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115 - 116].

يقول ابن القيم عن هذه الآيات: فجعل كمال ملكه، وكونه سبحانه الحق، وكونه لا إله إلا هو، وكونه رب العرش المستلزم لربوبيته لكل ما دونه، مبطلاً لذلك الظن الباطل، والحكم الكاذب.

(1) انظر توضيحاً لهذه الأمثلة: ((الشفا)) للقاضي عياض (2/ 1067)، ((الدرة)) لابن حزم (ص: 206)، ((الرد على المنطقيين)) لابن تيمية (ص: 458)، و ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/ 283، 314، 9/ 35، 36)((الفوائد)) لابن القيم (ص5)، و ((مفتاح دار السعادة)) لابن القيم (2/ 35).

(2)

انظر: ((أعلام الموقعين)) لابن القيم (1/ 147).

ص: 498

- إلى أن قال: فإنّ ملكه الحق يستلزم أمره ونهيه، وثوابه وعقابه، وكذلك يستلزم إرسال رسله، وإنزال كتبه، وبعث المعاد ليوم يجزى فيه المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، فمن أنكر ذلك فقد أنكر حقيقة ملكه، ولم يثبت له الملك الحق، ولذلك كان منكراً لذلك كافراً بربه، وإن زعم أنه يُقرّ بصانع العالم، فلم يؤمن بالملك الحق الموصوف بصفات الجلال، والمستحق لنعوت الكمال (1).

ويقول في موضع آخر: وهو سبحانه يقرر المعاد بذكر كمال علمه، وكمال قدرته، وكمال حكمته، فإنّ شبه المنكرين له كلها تعود إلى ثلاثة أنواع:

أحدهما: اختلاط أجزائهم بأجزاء الأرض على وجه لا يتميز ولا يحصل معها تميز شخص عن شخص.

الثاني: أن القدرة لا تتعلق بذلك.

الثالث: أن ذلك أمر لا فائدة فيه، أو إنما الحكمة اقتضت دوام هذا النوع الإنساني شيئاً بعد شيء، هكذا أبداً كلما مات جيل، خلفه جيل آخر، فأما أن يميت النوع الإنساني كله، ثم يحييه بعد ذلك فلا حكمة في ذلك، فجاءت براهين المعاد في القرآن مبنية على ثلاثة أصول:

أحدهما: تقرير كمال علم الرب سبحانه، كما قال في جواب من قال: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ [يس:78 - 79]، وقال: قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الأَرْضُ مِنْهُمْ [ق:4].

الثاني: تقرير كمال قدرته، لقوله: أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم [يس:81] وقوله: بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَن نُّسَوِّيَ بَنَانَهُ [القيامة:4]، وقوله ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج:6].

الثالث: كمال حكمته، كقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الدخان:38]، وقوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً [ص:27]، وقوله: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].

ولهذا كان الصواب أن المعاد معلوم بالعقل مع الشرع، وأن كمال الرب تعالى وكمال أسمائه وصفاته تقتضيه وتوجبه، وأنه منزّه عما يقوله منكروه، كما ينزّه كماله عن سائر العيوب والنقائص (2).

إضافة إلى ذلك فإنكار البعث سوء ظن بالله عز وجل، كما قال ابن القيم: ومن ظنّ أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في دارٍ يجازي المحسن فيها بإحسانه، والمسيء بإساءته، ويبيّن لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر للعالمين كلهم صدقه، وصدق رسله، وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين، فقد ظن به ظن السوء (3).

وسوء الظن بالله تعالى ذنب عظيم، وعقابه شديد، حتى قال ابن القيم أيضاً: ولم يجئ في القرآن وعيد أعظم من وعيد من ظن به ظن السوء.

قال تعالى: وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [الفتح: 6] إلخ (4).

(1)((التبيان في أقسام القرآن)) (ص101).

(2)

((الفوائد)) (ص6 - 7).

(3)

((زاد المعاد)) (3/ 230).

(4)

((الصواعق المرسلة)) (4/ 1356).

ص: 499

جـ- أن إنكار البعث تكذيب ظاهر لآيات القرآن الصريحة في إثبات البعث، كما أن هذا الإنكار رد للأخبار الصحيحة في وقوع البعث، وتكذيب لما اتفقت عليه دعوة الرسل عليهم السلام. ونزلت به الكتب السماوية، وقد قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء:56].

وقال عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ [الأعراف40].

وقال سبحانه: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ [الحج:57]

يقول ابن أبي العز الحنفي: الإيمان بالمعاد مما دلّ عليه الكتاب والسنة، والعقل والفطرة السليمة، فأخبر الله سبحانه عنه في كتابه العزيز، وأقام الدليل عليه، ورد على منكريه في غالب سور القرآن (1).

وجاء في حديث أبي هريرة مرفوعاً أن الله تعالى يقول: ((يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني ويكذبني وما ينبغي له، أما شتمه فقوله إن لي ولداً، وأما تكذيبه فقوله لن يعيدني كما بدأني)) (2).

وقد أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقسم بربه عز وجل على وقوع المعاد ووجوده في ثلاثة مواضع:

الأول: في سورة يونس في قوله تعالى: وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ [يونس:53].

الثاني: في سورة سبأ في قوله تعالى:- وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ [سبأ:3]

الثالث: في سورة التغابن في قوله تعالى:- زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ [التغابن:7](3).

وقد أقسم الله تعالى في مواضع كثيرة على وقوع البعث، كقوله تعالى: اللهُ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ [النساء:86].

وذم سبحانه المكذبين بالمعاد،؛ فقال سبحانه: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللهِ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [يونس:45].

وتوعدهم بالعذاب والضلال البعيد؛ فقال تبارك وتعالى: بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلالِ الْبَعِيدِ [سبأ:8].

وقد تنوعت الأدلة، وتعددت البراهين في إثبات المعاد، وصحة وقوعه كما جاء مفصلاً في موضعه (4).

د- انعقد الإجماع على إثبات البعث، كما أجمع علماء هذه الأمة على تكفير منكري البعث، وقد حكى هذا الإجماع غير واحد من أهل العلم نذكرهم فيما يلي:

يقول ابن حزم: وأما من زعم أن الأرواح تنتقل إلى أجساد أخر فهو قول أصحاب التناسخ، وهو كفر عند جميع أهل الإسلام (5).

ويقول أيضاً: واتفقوا أن البعث حق، وأن الناس كلهم يبعثون في وقت تنقطع فيه سكناهم في الدنيا

(6).

(1)((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 589).

(2)

رواه البخاري (3193).

(3)

انظر: ((تفسير ابن كثير)) (4/ 375) ، (3/ 504).

(4)

انظر مثلاً: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (2/ 589 - 600)، و ((القواعد الحسان)) للسعدي (ص24، 25)، و ((القيامة الكبرى)) للأشقر (ص73 - 91)، و ((منهج القرآن في الدعوى للإيمان)) لعلي فقيهي (ص285 - 340).

(5)

((المحلى)) (1/ 31).

(6)

((مراتب الإجماع)) (ص175).

ص: 500

ويقول في كتاب ثالث: وأن البعث حق والحساب حق

يجمع الله تعالى يوم القيامة بين الأرواح والأجساد، كل هذا إجماع من جميع أهل الإسلام، من خرج عنه خرج عن الإسلام (1).

ثم يقول أيضاً: فمن قال إن الأرواح أعراض فانية، أو قال إنها تنتقل إلى أجسام أخر، فهو منسلخ من إجماع أهل الإسلام، لخلافه القرآن، والسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم والإجماع، وهو قول أهل التناسخ، وهو كفر بلا خلاف، وكذلك من أنكر إحياء العظام والأجساد يوم القيامة، وأنكر البعث فخارج عن دين الإسلام بلا خلاف من أحد من الأئمة (2).

ويقول في (الفصل): اتفق جميع أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة، وعلى تكفير من أنكر ذلك (3).

ويقول ابن عبد البر: وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر البعث، فلا إيمان له ولا شهادة، وفي ذلك ما ينبغي ويكفي، مع ما في القرآن من تأكيد الإقرار بالبعث بعد الموت، فلا وجه للإنكار في ذلك. (4).

ويقول القاضي عياض: وكذلك نقطع على كفر من قال بتناسخ الأرواح وانتقالها أبد الآباد في الأشخاص، وتعذيبها أو تنعيمها فيها، بحسب ذكائها وخبثها. وكذلك من أنكر البعث أو الحساب

فهو كافر بإجماعٍ للنص عليه، وإجماع الأمة على صحة نقله متواتراً (5).

ويقول ابن تيمية: وطوائف من الكفار والمشركين وغيرهم ينكرون المعاد بالكلية، فلا يقرّون لا بمعاد الأرواح، ولا الأجساد، وقد بيّن الله تعالى في كتابه على لسان رسوله أمر معاد الأرواح والأجساد، وردّ على الكافرين والمنكرين لشيءٍ من ذلك، بياناً في غاية التمام والكمال.

وأما المنافقون من هذه الأمة الذين لا يقرّون بألفاظ القرآن والسنة المشهورة، فإنهم يحرّفون الكلم عن مواضعه، ويقولون هذه أمثال ضربت لنفهم المعاد الروحاني، وهؤلاء مثل القرامطة الباطنية الذين قولهم مؤلَّف من قول المجوس والصابئة

وهؤلاء كفار يجب قتلهم باتفاق أهل الإيمان فإن محمداً صلى الله عليه وسلم قد بيّن ذلك بياناً شافياً قاطعاً للعذر

(6).

ويقول يحيى بن حمزة العلوي: اعلم أنه لا خلاف بين أهل القبلة وغيرهم - إلا شيئاً يحكى عن بعض الفلاسفة- في صحة المعاد (7).

ويقول الإيجي: أجمع أهل الملل عن آخرهم على جواز حشر الأجساد ووقوعه، وأنكرهما الفلاسفة (8).

(1)((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص206).

(2)

((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (ص211 - 215) باختصار يسير.

(3)

((الدرة فيما يجب اعتقاده)) (4/ 137).

(4)

((التمهيد)) (9/ 116).

(5)

((الشفا)) (2/ 1067، 1077) باختصار.

(6)

((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (4/ 313) باختصار. وانظر: (4/ 282، 283).

(7)

الإفحام لأفئدة الباطنية الطغام ص 123.

(8)

((المواقف في علم الكلام)) (ص372).

ص: 501