الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: أنواع الإكراه
قسم جمهور الأصوليين والفقهاء الإكراه إلى نوعين إكراه ملجئ وهو الإكراه التام، وإكراه غير ملجئ، وهو الإكراه الناقص.
أ-الإكراه الملجئ (التام):
وهو الذي يقع على نفس المكره: ولا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار: كأن يهدد الإنسان بقتله أو بقطع عضو من أعضائه كيده أو رجله، أو بضرب شديد يفضي إلى هلاكه أو بإتلاف جميع ماله، فمتى غلب على ظنه أن ما هدد به سيقع عليه، جاز له القيام بما دفع إليه بالتهديد، باعتباره في حالة ضرورة شرعية (1).
ب-الإكراه غير الملجئ (الناقص):
وهو التهديد أو الوعيد بما دون تلف النفس أو العضو، كالتخويف بالضرب أو القيد أو الحبس أو إتلاف بعض المال، وهذا النوع يفسد الرضا، ولكنه لا يفسد الاختيار لعدم الاضطرار إلى مباشرة ما أكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هدد به (2).
وقد يلحق بهذا النوع، التهديد بحبس الأب أو الابن أو الزوجة والأخت والأم والأخ، وهناك نزاع في اعتبار هذا القسم من أقسام الإكراه (3)، فالقياس يقتضي عدم اعتباره من الإكراه لأن الضرر فيه لا يلحق بالمكره – والأصل في اعتبار المكره به (وسيلة الإكراه) – أن يلحق المكره بالتهديد به، الخوف والمشقة والضيق، أما الاستحسان فيعده من الإكراه، لأن المكره يلحقه الغم والاهتمام والحزن والحرج إذا أصاب أحداً من محارمه مكروه، فيندفع إلى الإتيان بما أمر به كما لو وقع الضرر به أو أشد (4).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (وإن توعد بتعذيب ولده، فقد قيل ليس بإكراه لأن الضرر لاحق بغيره، والأولى أن يكون إكراهاً لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله، والوعيد بذلك إكراه فكذلك هذا)(5).
قال في (الإنصاف): (ضرب ولده وحبسه ونحوهما: إكراه لوالده، على الصحيح من المذهب، صححه في الفروع، والقواعد الأصولية، وغيرهما)(6). نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي- 2/ 7
ويمكن تقسيمه باعتبار آخر إلى:
1 -
الإلجاء حيث ينعدم الرضا والاختيار، وتنتفي الإرادة والقصد، وذلك بالوقوع تحت التعذيب الشديد أو نحو ذلك، وهذه الحالة هي التي نزلت فيها آية النحل: مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلَاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان (265)[سورة النحل: 106].
2 -
التهديد: حيث ينعدم الرضا، ولا ينعدم الاختيار تماماً وهذه في مثل الحالة التي يختار فيها الإنسان أخف الضررين مثل حال شعيب عليه السلام مع قومه إذ خيروه بين العودة إلى الكفر أو الخروج من قريتهم.
(1)) [9657]) انظر ((الإكراه وأثره في عقود المفاوضات المالية)) د. إبراهيم العروان، ((البدائع)) للكاساني (7/ 175)((حاشية ابن عابدين)) (5/ 109)، وانظر في ((الفرق بين الإكراه والضرورة))، التشريع الجنائي (1/ 576،577)، و ((الإكراه وأثره في التصرفات))، د. محمد المعيني (ص: 37 - 44).
(2)
) [9658]) انظر ((كشف الأسرار)) للبزودي (4/ 383)، ((تبيين الحقائق)) للزيلعي (5/ 181)، ((حاشية ابن عابدين)) (5/ 109).
(3)
) [9659]) ذهب بعض الأحناف إلى اعتبار هذا القسم نوعاً ثالثاً، أما بقية الفقهاء فقد أدخلوه في النوعين السابقين، انظر ((كشف الأسرار)) (4/ 383)، ((الإكراه وأثره في التصرفات)) د. عيسى شقره (ص: 61).
(4)
) [9660]) انظر ((الإكراه وأثره في التصرفات))، د. عيسى شقره (ص: 60، 61)، وانظر في ترجيح ذلك المبسوط للسرخسي (24/ 143، 144).
(5)
) [9661]) ((المغني)) (7/ 120)، انظر في ذلك ((مغني المحتاج)) للشربيني (3/ 290)، ((أسني المطالب)) (3/ 283)، ((فتح الباري)) (12/ 324).
(6)
) [9662]) ((الإنصاف)) للمرداوي (8/ 141).
قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنا كَارِهِينَ قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُم بَعْدَ إِذْ نَجانَا اللهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلَاّ أَن يَشَاء اللهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [سورة الأعراف: 88 - 89].
فلا تجوز الاستجابة لمثل هذا الإكراه لهذا النص ولقوله تعالى: وَمِنَ الناسِ مَن يَقُولُ آمَنا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ الناسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنا كُنا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (266)[العنكبوت: 10].
3 -
الاستضعاف: وهنا لا تعذيب ولا تهديد ولكن المستضعف داخل تحت وضع مفروض عليه من غيره كالمقيم في مكة بعد هجرة المسلمين عنها، فإذا كان دخوله تحت هذا الوضع لعجزه عن دفعه وعن الخروج منه، ولو أمكنه ذلك لفعل مهما كانت تضحياته وتكاليفه فهذا قد عفا الله عنه (267).
…
قال ابن تيمية: تأملت المذاهب فوجدت الإكراه يختلف باختلاف المكره عليه فليس الإكراه المعتبر في كلمة الكفر كالإكراه المعتبر في الهبة ونحوها، فإن أحمد قد نص في غير موضع، إن الإكراه على الكفر لا يكون إلا بالتعذيب من ضرب وقيد، ولا يكون الكلام إكراهاً (268). الولاء والبراء في الإسلام لسعيد بن علي بن وهف القحطاني – ص: 372