المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: العذر بالجهل - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

‌المبحث الأول: العذر بالجهل

الجهل نوعان:

جهل يعذر فيه الإنسان، وجهل لا يعذر فيه، فما كان ناشئاً عن تفريط وإهمال مع قيام المقتضي للتعلم، فإنه لا يعذر فيه، سواء في الكفر أو في المعاصي، وما كان ناشئاً عن خلاف ذلك، أي أنه لم يهمل ولم يفرط ولم يقم المقتضي للتعلم بأن كان لم يطرأ على باله أن هذا الشيء حرام فإنه يعذر فيه فإن كان منتسباً إلى الإسلام، لم يضره، وإن كان منتسباً إلى الكفر، فهو كافر في الدنيا، لكن في الآخرة أمره إلى الله على القول الراجح، يمتحن، فإن أطاع دخل الجنة، وإن عصى دخل النار.

فعلى هذا من نشأ ببادية بعيد ليس عنده علماء ولم يخطر بباله أن هذا الشيء حرام، أو أن هذا الشيء واجب، فهذا يعذر، وله أمثلة:

منها: رجل بلغ وهو صغير وهو في بادية ليس عنده عالم، ولم يسمع عن العلم شيئاً، ويظن أن الإنسان لا تجب عليه العبادات إلا إذا بلغ خمس عشرة سنة، فبقي بعد بلوغه حتى تم له خمس عشرة سنة وهو لا يصوم ولا يصلي ولا يتطهر من جنابه، فهذا لا نأمره بالقضاء لأنه معذور بجهله الذي لم يفرط فيه بالتعلم ولم يطرأ له على بال، وكذلك لو كانت أنثى أتاها الحيض وهي صغيرة وليس عندها من تسأل ولم يطرأ على بالها أن هذا الشيء واجب إلا إذا تم لها خمس عشرة سنة، فإنها تعذر إذا كانت لا تصوم ولا تصلي.

وأما من كان بالعكس كالساكن في المدن يستطيع أن يسأل، لكن عنده تهاون وغفلة، فهذا لا يعذر، لأن الغالب في المدن أن هذه الأحكام لا تخفى عليه، ويوجد فيها علماء يستطيع أن يسألهم بكل سهولة، فهو مفرط، فيلزمه القضاء ولا يعذر بالجهل. القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/ 204

إن من شروط الإيمان عند أهل السنة والجماعة وجود العلم والمعرفة عند الشخص المؤمن به؛ لذا فمن أنكر أمراً من أمور الشرع جاهلاً به، ولم يبلغه ما يوجب العلم بما جهله؛ فإنه لا يكفر؛ حتى لو وقع في مظهر من مظاهر الشرك أو الكفر:

لأنه لم يكن يعلم بهذا المكفر قبل إسلامه. أو يعيش في بلد فاش فيه الجهل، أو بعيد عن ديار العلم وأهله، أو نشأ في بلد انقلبت فيه موازين الشرع؛ فصار الشرك فيه هو التوحيد، والبدعة فيه هي السنة، وكثر فيه الانحراف، وزين فيه الباطل والكفر، ولبس عليهم. أو أنه وقع في المكفر وهو غير قاصد له، أو أن هذا المكفر من المسائل الخفية التي لا يطلع عليها إلا العلماء.

فمثل هذا الشخص لا يستحق العقوبة حتى تقام عليه الحجة؛ لأن الجهل ببعض الأمور العقدية قد وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم مع بعض الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك لم يكفرهم صلى الله عليه وسلم.

وأهل السنة والجماعة؛ يراعون اختلاف أحوال الناس، وأماكنهم وزمانهم؛ من حيث انتشار العلم، أو عدم انتشاره، لأنهم لا يشتركون جميعاً في معرفة الأمور الضرورية على درجة واحدة؛ بل قد يعرف البعض ما لا يعرفه الآخرون؛ أو قد يكون بعض المسائل من المسلمات عند البعض مع أن غيرهم يجهلها.

ومع هذا فلا يعني أن الجهل عندهم عذر مقبول لكل من ادعاه؛ فالجهل عندهم درجات مختلفة، فجهل ما هو معلوم من الدين بالضرورة، غير جهل ما دونه.

والجاهل العاجز عن السؤال والعلم؛ غير الجاهل المتمكن المفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله تعالى.

وكون الرجل يعذر بالجهل عندهم لا يعني ذلك إبقاء منزلته كما هي؛ بل تنحط منزلته، وينقص إيمانه بقدر بعده عن الحق. الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري–ص: 265

ص: 307

كثيراً ما يقال: هذه من مسائل العقيدة التي لا يعذر من يجهلها، أو من مسائل الأصول، أو هذه مسألة قطعية لا عذر فيها ونحو ذلك، وهذا التعبير غير دقيق وغير منضبط فمن قال: هذه من مسائل الأصول التي لا يعذر جاهلها، يقال له: ماذا تقصد بمسائل الأصول؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل العقيدة، ومسائل الفروع هي مسائل العمل، يقال له: هناك من مسائل العمل كوجوب الصلاة والزكاة وتحريم الفواحش .. الخ، ما هو أعظم من كثير من مسائل الاعتقاد وأقوى وأوضح دليلاً ولا يعذر من يجهلها في دار الإسلام وهناك من مسائل الاعتقاد، اختلف السلف فيها ولم يورث اختلافهم تضليلاً ولا تبديعاً ولا تفسيقاً، كمسألة: هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه ليلة الإسراء والعذاب في القبر على الروح وإلا على الروح والبدن، وهل إبليس من الجن أو الملائكة الخ

وإن قال: الأصول هي المسائل القطعية (أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة) والفروع ليست قطعية، فيقال له: كون المسألة قطعية أو ظنية أمر نسبي إضافي، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية:(فكون الشيء معلوماً من الدين ضرورة أمر إضافي، فحديث العهد بالإسلام ومن نشأ ببادية بعيدة قد لا يعلم هذا بالكلية، فضلاً عن كونه يعلمه بالضرورة، وكثير من العلماء يعلم بالضرورة أن النبي- صلى الله عليه وسلم –سجد للسهو، وقضى بالدية على العاقلة، وقضى أن الولد للفراش، وغير ذلك مما يعلمه الخاصة بالضرورة، وأكثر الناس لا يعلمه البتة)(1).

ولكن مما ينبغي التنبيه إليه، أن هناك أموراً تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف (2)، وأموراً لا تعلم من الدين بالضرورة بلا خلاف، ويبقى بينهما أمور ومسائل تختلف حولها الأنظار والأفهام، ولذلك يمكن أن نقول: إن هذا التعبير غير دقيق لأننا لا نستطيع أن نضع حداً منضبطاً لا يختلف حوله والله أعلم.

الجهل يأتي بعدة معاني منها: خلو النفس من العلم (3) وهو المشهور، ومنها: اعتقاد الشيء بخلاف ما هو عليه (4)، ومنها: فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل سواء اعتقد فيه اعتقاداً صحيحاً أو فاسداً (5)، ومنه قوله سبحانه: فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ [الحجرات:6]، ومقصود العلماء بالجهل الذي يعذر صاحبه أو لا يعذر، أن يقول قولاً أو يفعل فعلاً بخلاف ما حقه أن يفعل، أو يعتقد اعتقاداً بخلاف ما هو عليه من الحق.

(1)((مجموع الفتاوي)) (13/ 118) وانظر (19/ 211)((منهاج السنة)) (5/ 87 - 95)((مختصر الصواعق المرسلة)) (ص: 613).

(2)

كثيراً ما يعبر عن هذه الأمور: (بوجوب الواجبات الظاهرة المتواترة، وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة) انظر ((الفتاوى)) (12/ 496، 7/ 610، 11/ 406)، و ((جامع العلوم والحكم)) (ص: 64) ، وغيرها إذاً لابد من شرطين أن تكون ظاهرة ومتواترة، ولذلك اعتبرت كثير من المسائل المتواترة غير الظاهرة مما يعذر بجهلها في دار الإسلام، ومن أشهر الأمثلة التي يذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب وتلامذته، مسألة الصرف والعطف رغم اعتباره السحر ومنه الصرف والعطف، من نواقض الإسلام، انظر ((مجموع الشيخ)) (9/ 12)، و ((فتاوى ومسائل)) (12/ 213).

(3)

انظر ((المفردات)) (ص: 102) و ((لسان العرب)) (11/ 129).

(4)

انظر ((المفردات)) (ص: 102)، و ((التعريفات)) (ص: 84).

(5)

انظر ((المفردات)) (ص: 102).

ص: 308

والعذر بالجهل كما هو معلوم له حالات، فهو يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص، والأشخاص يختلفون فمنهم من قامت عليه الحجة، ومنهم من لم تقم عليه باعتباره مثلاً حديث عهد بإسلام أو نشأ ببادية بعيدة، وكذلك الجهل يختلف إن كان جهلاً بما هو معلوم من الدين بالضرورة أو ما دون ذلك نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي – 1/ 225

إنَّ من أظهر الأدلة في اعتبار الجهل عذراً، ما ثبت في (الصحيح) من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((إن رجلاً لم يعمل خيراً قط فقال لأهله إذا مات فأحرقوه، ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر، فوالله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين، فلما مات الرجل، فعلوا به كما أمرهم، فأمر الله البر فجمع ما فيه، وأمر البحر فجمع ما فيه، فإذا هو قائم بين يديه، ثم قال: لم فعلت هذا؟ قال: من خشيتك يارب وأنت أعلم فغفر الله له)) (1)

ويقول ابن قتيبة: عن هذا الحديث: (وهذا رجل مؤمن بالله، مقر به، خائف له، إلا أنه جهل صفة من صفاته، فظن أنه إذا أحرق وذري في الريح أنه يفوت الله تعالى، فغفر الله تعالى له بمعرفته ما بنيته، وبمخافته من عذابه جهله بهذه الصفة من صفاته)(2).

ويقول ابن تيمية: (وكنت دائماً أذكر هذا الحديث .. فهذا رجل شك في قدرة الله، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد، وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك)(3).

ويفصل ابن تيمية ذلك بقوله: (فهذا الرجل كان قد وقع له الشك والجهل في قدرة الله تعالى على إعادة ابن آدم، بعدما أحرق وذري، وعلى أنه يعيد الميت ويحشره إذا فعل به ذلك. وهذان أصلان عظيمان، أحدهما: متعلق بالله تعالى، وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير، والثاني: متعلق باليوم الآخر، وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله، ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه غفر الله بما كان منه من الإيمان بالله، واليوم الآخر، والعمل الصالح)(4). ويضيف ابن تيمية في بيان هذا الحديث قائلاً: (فإن هذا الرجل جهل قدرة الله على إعادته ورجا أن لا يعيده بجهل ما أخبر به من الإعادة، ومع هذا لما كان مؤمناً بالله وأمره ونهيه ووعده ووعيده، خائفاً من عذابه، وكان جهله بذلك جهلاً لم تقم عليه الحجة التي توجب كفر مثله، غفر الله له، ومثل هذا كثير في المسلمين، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يخبر بأخبار الأوّلين، ليكون ذلك عبرة لهذه الأمة)(5).

(1) الحديث رواه البخاري (3478) ومسلم (2756) بلفظ مقارب.

(2)

((تأويل مختلف الحديث)) (ص 136) ت: محمد الأصفر.

(3)

((مجموع الفتاوى)) (3/ 231)، وانظر ((مجموع الفتاوى)) (28/ 501، 11/ 409، 410) وانظر ((الفصل)) لابن حزم (3/ 296).

(4)

((مجموع الفتاوى)) (12/ 491) وانظر ((السبعينية)) ((بغية المرتاد)) (ص 342).

(5)

((الصفدية)) (1/ 233)، وانظر:((مدارج السالكين)) (1/ 338، 339)((إيثار الحق على الخلق)) لابن الوزير (ص 436) وانظر ((مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب)) (3/ 11)((الفتاوى)) ((ومجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن عثيمين)) (3/ 605).

ص: 309

ومما يجدر ذكره هاهنا، أننا في زمان قد تهيأت فيه الأسباب لتبليغ ونشر دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في البلدان عن طريق الوسائل المختلفة، التي جعلت سائر أقطار العالم كالبلد الواحد (1) إلا أن العذر بالجهل لا يزال ظاهراً في عصرنا، حيث قل أهل العلم العاملون، وكثر الأدعياء الذين يزينون الباطل والكفر للعامة، ويلبسون عليهم، وقد أشار ابن تيمية إلى أهل زمانه وهو بلا شك أقل سوء من زماننا الحاضر وما كان عليه الكثير من الوقوع في أنواع من الكفر، ومع ذلك عذرهم بهذا الجهل قائلاً:

(وهؤلاء الأجناس وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات، يثاب الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه، ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف ((يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاةً، ولا صياماً، ولا حجاً، ولا عمرة، إلا الشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة، ويقولون: أدركنا آباءنا وهم يقولون لا إله إلا الله، فقيل لحذيفة بن اليمان: ما تغني عنهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار)) (2)(3).).

وعندما نقرر أن للعذر بالجهل اعتباراً في مسألة التكفير، فلا يعني أن الجهل عذر مقبول لكل من ادعاه. ولذا يقول الإمام الشافعي:(إن من العلم ما لا يسع بالغاً غير مغلوب على عقله جهله، مثل الصلوات الخمس، وأن لله على الناس صوم شهر رمضان، وحج البيت إذا استطاعوه، وزكاة في أموالهم، وأنه حرم عليهم الزنا والقتل، والسرقة والخمر، وما كان في معنى هذا)(4).

(1) انظر ((المنتخبات من مكتوبات أحمد السر هندي)) (ص 68).

(2)

رواه ابن ماجه (4049)، والحاكم (4/ 550). وقال صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال البوصيرى في ((مصباح الزجاجة)) (4/ 194): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات. وصححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)).

(3)

((الفتاوى)) (35/ 165).

(4)

((الرسالة)) (ص 357).

ص: 310

وكما يقول ابن قدامه: أثناء كلامه عن تارك الصلاة (فإن كان جاحداً لوجوبها (أي الصلاة) نظر فيه، فإن كان جاهلاً به، وهو ممن يجهل ذلك كالحديث بالإسلام، والناشئ ببادية، عرف وجوبها وعلم ذلك، ولم يحكم بكفره لأنه معذور، فإن لم يكن ممن يجهل ذلك كالناشئ من المسلمين في الأمصار والقرى، لم يعذر ولم يقبل منه إدعاء الجهل، وحكم بكفره؛ لأن أدلة الوجوب ظاهرة في الكتاب والسنة، والمسلمين يفعلونها على الدوام، فلا يخفى وجوبها على من هذا حاله، ولا يجحدها إلا تكذيباً لله تعالى، ورسوله وإجماع الأمة، وهو يصير مرتداً عن الإسلام، ولا أعلم في هذا خلافاً) (1). ومن المهم أن يعلم أن العذر بالجهل تكتنفه وتتعلق به عدة أمور، منها نوعية المسألة المجهولة (2)، كأن تكون من المسائل الخفية، وكذلك حال الجاهل كحديث عهد بالإسلام، أو الناشئ في البادية، ومن حيث حال البيئة، ففرق بين وجود مظنة العلم أو عدمه.

يقول ابن تيمية: (إن الأمكنة والأزمنة التي تفتر فيها النبوة، لا يكون حكم من خفيت عليه آثار النبوة حتى أنكر ما جاءت به خطأ، كما يكون حكمه في الأمكنة والأزمنة التي ظهرت فيها آثار النبوة)(3).

ويقول أيضاً: (لا يكفر العلماء من استحل شيئاً من المحرمات لقرب عهده بالإسلام، أو لنشأته ببادية بعيدة، فإن حكم الكفر لا يكون إلا بعد بلوغ الرسالة، وكثير من هؤلاء قد لا يكون قد بلغته النصوص المخالفة لما يراه، ولا يعلم أن الرسول بعث بذلك)(4).

ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (إن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهد بالإسلام والذي نشأ ببادية، أو يكون ذلك في مسألة خفية مثل الصرف والعطف (5) فلا يكفر حتى يعرف، وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن، فمن بلغه فقد بلغته الحجة) (6).

ويقول في موضع آخر: (إن الشخص المعين إذا قال ما يوجب الكفر، فإنه لا يحكم بكفره حتى تقوم عليه الحجة التي يكفر تاركها، وهذا في المسائل الخفية التي قد يخفى دليلها على بعض الناس وأما ما يقع منهم في المسائل الظاهرة الجلية، أو ما يعلم من الدين بالضرورة فهذا لا يتوقف في كفر قائله، ولا تجعل هذه الكلمة عكازة تدفع بها في نحر من كفر البلدة الممتنعة عن توحيد العبادة والصفات، بعد بلوغ الحجة ووضوح المحجة)(7).

(1)((المغني)) (2/ 442).

(2)

يقسم بعضهم تلك المسائل _ بهذا الاعتبار _ إلى أربعة أقسام: _ الأول: ما يكفر به مطلقاً ولا يعذر بجهله وهي الأمور الظاهرة والمعلومة من الدين بالضرورة. الثاني: ما لا يكفر بجهله وهي المسائل الخفية التي اختلف فيها، ولم يجمع عليها. الثالث: ما لا يكفر به إذا فعله جاهلاً، إلا بعد إعلامه بحكم الله فيه، وهو مما أجمع عليه .. ولكن تعرض فيه شبهه وسوء فهم. الرابع: المسائل الاجتهادية التي ليس فيها نص قطعي الرواية والدلالة، فهذه يعذر فيها كل مجتهد باجتهاده. انظر:((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (4/ 520، 521).

(3)

((بغية المرتاد)) (ص: 311).

(4)

((مجموع الفتاوى)) (28/ 501) وانظر (11/ 407).

(5)

الصرف والعطف من السحر، فيزعمون أنه يحبب المرأة لزوجها فلا ينصرف عنها.

(6)

((مجموعة مؤلفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب)) (3/ 11)((الفتاوى))، وانظر ((الفتاوى)) (4/ 54، 12/ 180) لابن تيمية، وانظر تعليق الشيخ محمد رشيد رضا في ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (4/ 517) وانظر ((مجموع فتاوى ابن باز)) (4/ 26، 27).

(7)

((الدرر السنية)) (8/ 244) ، وانظر ((فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم)) (1/ 73، 74).

ص: 311

وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء: (يختلف الحكم على الإنسان بأنه يعذر بالجهل في المسائل الدينية أو لا يعذر، باختلاف البلاغ وعدمه، وباختلاف المسألة نفسها وضوحاً وخفاء، وتفاوت مدارك الناس قوة وضعفا)(1).

كما ورد في نفس الفتوى ما يلي: (ومن عاش في بلاد يسمع فيها بالدعوة إلى الإسلام وغيره، ثم لا يؤمن ولا يطلب الحق من أهله، فهو في حكم من بلغته الدعوة الإسلامية، وأصر على الكفر)(2).

(أما من عاش في بلاد غير إسلامية، ولم يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن القرآن الكريم والإسلام، فهذا على تقدير وجوده، حكمه حكم أهل الفترة، يجب على علماء المسلمين أن يبلغوه شريعة الإسلام أصولاً وفروعاً، إقامة للحجة، وإعذاراً إليه، ويوم القيامة يعامل معاملة من لم يكلف في الدنيا لجنونه، أو بلهه، أو صغره، وعدم تكليفه، وأما ما يخفى من أحكام الشريعة من جهة الدلالة، أو لتقابل الأدلة وتجاذبها، فلا يقال لمن خالف فيه آمن وكفر، ولكن يقال: أصاب وأخطأ)(3).

ومما يحسن التنبيه عليه أن العذر بالجهل فيمن قارفوا الكفر، لا يعني نفي الكفر عنهم وقد أظهروه، كما يقتضيه الحكم الدنيوي عليهم.

وفي هذا يقول ابن تيمية: (أخبر الله تعالى عن هود أنه قال لقومه: اعْبُدُواْ اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلَاّ مُفْتَرُونَ [هود:50] فجعلهم مفترين قبل أن يحكم بحكم يخالفونه، لكونهم جعلوا مع الله إلهاً آخر، فاسم المشرك ثبت قبل الرسالة، فإنه يشرك بربه ويعدل به، ويجعل معه آلهة أخرى، ويجعل له أنداداً قبل الرسول

وأما التعذيب فلا) (4).

ولما ذكر ابن القيم طبقات المكلفين، ذكر منهم طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم، فكان مما قاله عن تلك الطبقة:

(اتفقت الأمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاء بالنار، وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين، لا الصحابة ولا التابعين، ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث في الإسلام، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة)) (5) وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر، وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف في تلك الحال، وهو بمنزلة الأطفال والمجانين.

والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم، وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً) (6).

(1)((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء)) (2/ 97) ، جمع أحمد الدويش.

(2)

((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء)) (2/ 97)، جمع أحمد الدويش.

(3)

((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء)) (2/ 97) ، جمع أحمد الدويش.

(4)

((مجموع الفتاوى)) (20/ 37، 38).

(5)

رواه البخاري (3062)، ومسلم (111). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(6)

((طريق الهجرتين)) (ص: 411) باختصار

ص: 312

ويقول أيضاً: (الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول، هذا في الجملة، والتعيين موكول إلى علم الله وحكمه، هذا في أحكام الثواب والعقاب، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم)(1).

ويقول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن أبو بطين: (قد أخبر الله سبحانه بجهل كثير من الكفار، مع تصريحه بكفرهم، ووصف النصارى بالجهل مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم، ونقطع أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون، فنعتقد كفرهم، وكفر من شك في كفرهم)(2).

وجاء في فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما يلي:

(كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة، إذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي، وصاحب قبر، أو شيخ طريق يعتبر كافراً مرتداً عن الإسلام، مشركاً مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده، لإتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله، ولكنه قد يعذر لجهله، فلا تنزل به العقوبة حتى يعلم وتقام عليه الحجة، ويمهل ثلاثة أيام إعذاراً إليه ليراجع نفسه عسى أن يتوب، فإن أصر على سجوده لغير الله بعد البيان قتل لردته

فالبيان وإقامة الحجة للإعذار إليه قبل إنزال العقوبة، لا ليسمى كافراً بعد البيان، فإنه يسمى كافراً بما حدث منه من سجود لغير الله مثلاً) (3).

ومن خلال ما سبق ندرك خطأ إطلاق القول بأن الجهل عذر في أصل الدين وفي غيره، كما أن إطلاق القول بأن الجهل ليس عذراً خطأ أيضاً، بل لابد من التفريق بين ما كانت المخالفة فيه بمناقضته أصل الدين ونحوه من الأمور الظاهرة والمعلومة من الدين بالضرورة، وما كانت المخالفة فيه متعلقة بأمور تحتاج إلى بيان وتفصيل، كما أنه لابد من التفريق بين أحكام الدنيا (ظاهراً)، وأحكام الآخرة (باطناً)(4). نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف – ص60

(1)((طريق الهجرتين)) (ص: 413) وانظر ((مدارج السالكين)) (3/ 489).

(2)

((الدرر السنية)) (8/ 213).

(3)

((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)) (1/ 220) باختصار.

(4)

انظر رسالة ((ضوابط التكفير)) للقرني (ص: 298).

ص: 313