المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

؟

هل الإسلام هو الإيمان؟ وهل الإيمان هو الإسلام؟ أو غيره. فهذا مما افترقت فيه الطوائف، كافتراقهم في مسمى الإيمان.

فقالت الوعيدية: إن الإسلام هو الإيمان والعكس صحيح (1).

وقيل: الإسلام هو الكلمة أي كلمة التوحيد بالشهادتين. والإيمان هو العمل.

وهذان القولان لهما وجه صحيح يتضح عند التحقيق في معناهما.

وذهب الأشاعرة إلى أن الإيمان خصلة من خصال الإسلام، بأن كل إيمان إسلام وليس كل إسلام إيمانا (2).

وهذا القول فيه حق وباطل .....

والقول الصواب الذي عليه أهل التحقيق القول بالتفصيل، وهو إجمالاً: الإسلام والإيمان إذا اجتمعا افترقا. وإذا افترقا اجتمعا. ومعناه: أن الإسلام والإيمان إذا اجتمعا في نص واحد من كتاب أو سنة فإن لكل واحد منهما معنى يختص به. فالإسلام: الأعمال الظاهرة ومنها الشهادتان والصلاة .. والإيمان: الأعمال الباطنة من الاعتقادات كالتوكل والخوف والمحبة والرغبة والرهبة وغيرها. وقد دل على هذا دلائل كثيرة منها اكتفاءً واختصاراً:

قوله تعالى في سورة الحجرات: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات: 14] فاجتمعا في نص واحد، ونفى عنهم الإيمان، وأثبت لهم الإسلام؛ فدل على افتراقهما أنهم مسلمون لكن لم يبلغوا أن يكونوا مؤمنين.

وحديث جبريل عليه السلام المشهور وفيه ذكر الإسلام: بالأركان الخمسة، والإيمان: بالأصول الستة.

فإنهما اجتمعا في نص واحد، أجاب النبي صلى الله عليه وسلم لكلٍ بمعنى غير الآخر؛ فدل على افتراقهما.

وأركان الإسلام الخمسة أعمال ظاهرة، وأصول الإيمان الستة أعمال باطنة، ولا بد منهما جميعاً.

وحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: ((أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطاً وسعد جالسٌ، فترك رجلاً هو أعجبهم إليَّ، فقلت: يا رسول الله مالك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمناً. فقال: أو مسلماً مالك عن فلان، ثم غلبني ما أعلم منه، فعدت لمقالتي، فقلت: مثل ذلك وأجابني بمثله، ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي، وعاد صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا سعد إني لأُعطي الرجل، وغيره أحب إليَّ منه، خشية أن يكبه الله في النار)) (3)

ووجه الدلالة كما في دلالة آية الحجرات، بتفريقه صلى الله عليه وسلم بين المؤمن والمسلم في نص واحد، مما يدل أن لكل منهما معنى يختص به

ومن هنا قال الحافظ بن رجب في جامع العلوم والحكم: قال المحققون من العلماء: كل مؤمن مسلم، فإن من حقَّق الإيمان، ورسخ في قلبه، قام بأعمال الإسلام، كما قال صلى الله عليه وسلم:((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب)) (4) فلا يتحقق القلب بالإيمان إلا وتنبعث الجوارح بالأعمال.

وليس كل مسلم مؤمناً، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفاً فلا يتحقق القلب به تحقيقاً تاماً، مع عمل جوارحه أعمال الإسلام فيكون مسلماً، وليس بمؤمن الإيمان التام. اهـ. (5).

(1) كما في ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب (ص26).

(2)

وهو قول أبي بكر الباقلاني نقله عنه بلفظه شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (7/ 154) وما بعدها وقال قبله: ((فصل: قال الذين نصروا مذهب جهم في الإيمان من المتأخرين كالقاضي أبي بكر وهذا لفظه .. )).اهـ. فذكره.

(3)

رواه البخاري (27)، ومسلم (150). من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري (52)، ومسلم (1599). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(5)

((جامع العلوم والحكم)) شرح الحديث الثاني: حديث جبريل المشهور (ص28)، وانظر:((منهج الحافظ ابن رجب)) ص (428) وما بعدها.

ص: 140

ومعنى افتراقهما: أن يأتي أحدهما في نص دون الآخر، فعندئذٍ يكون أحدهما بمعنى الآخر، فالإسلام هو الإيمان والعكس صحيح.

ولهذا أدلة كثيرة في الوحيين: منها قوله تعالى في سورة آل عمران: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [آل عمران: 85].

وفي أولها قوله سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلَامُ [آل عمران: 19]. فاقتضينا أن الدين عند الله الإيمان، ومن يبتغ غير الإيمان ديناً فلن يقبل منه.

ومنه قوله تعالى في خطابه للمؤمنين في آيات كثيرة: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ فإن الخطاب أيضاً متوجه للذين أسلموا ولما يدخل الإيمان في قلوبهم، مما يدل على تناول أحدهما الآخر عند الانفراد.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الإيمان بضع وستون شعبة، والحياء شعبة من الإيمان)) (1) وفي لفظ آخر: ((الإيمان بضع وسبعون)) (2).

فإن الإيمان هنا متناول للإسلام لاشتماله على الصلاة والصيام والحج والزكاة.

ولما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يرفعه إليه صلى الله عليه وسلم: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)) (3).

وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شغف الجبال ومواقع القطر، يفر بدينه من الفتن)) (4).

ففي كلا الحديثين المسلم يشمل المؤمن، مما يدل على أنهما بمعنى واحد عند الاجتماع.

ومن أصرح الأدلة من السنة على كون افتراقهما يُصِّيرُ معناهما واحداً حديث وفد عبد القيس، المتفق على صحته من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنهم جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من مضر ولا نستطيع أن نأتيك إلا في الأشهر الحرم، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا، وندخل به الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم:((آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتصوموا رمضان، وأن تعطوا من المغنم الخمس)) الحديث (5).

فإن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرهم في الحديث – في هذا الحال المهم، والسؤال الأهم – عن الإيمان بأركان الإسلام، فدل على أنهما بمعنى واحد، مما يفيد أن أحدهما يغني عن الآخر عند الافتراق. مسألة الإيمان لعلي بن عبد العزيز الشبل – بتصرف – ص: 23

(1) رواه البخاري (9)، ومسلم (35).

(2)

رواه مسلم (35).

(3)

رواه البخاري (10)، ومسلم (40).

(4)

رواه البخاري (19).

(5)

رواه البخاري (53) وهذا لفظه، ومسلم (17). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

ص: 141

واعلم أن (الإيمان والإسلام) يجتمع فيهما الدين كله وقد كثر كلام الناس في (حقيقة الإيمان والإسلام) ونزاعهم واضطرابهم; وقد صنفت في ذلك مجلدات؛ والنزاع في ذلك من حين خرجت الخوارج بين عامة الطوائف. ونحن نذكر ما يستفاد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم مع ما يستفاد من كلام الله تعالى فيصل المؤمن إلى ذلك من نفس كلام الله ورسوله فإن هذا هو المقصود. فلا نذكر اختلاف الناس ابتداء؛ بل نذكر من ذلك - في ضمن بيان ما يستفاد من كلام الله ورسوله - ما يبين أن رد موارد النزاع إلى الله وإلى الرسول خير وأحسن تأويلا وأحسن عاقبة في الدنيا والآخرة. فنقول: قد فرق النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام بين مسمى (الإسلام) ومسمى (الإيمان) ومسمى (الإحسان). فقال: ((الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. وقال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره)). و (الفرق) مذكور في حديث عمر الذي انفرد به مسلم (1) وفي حديث أبي هريرة الذي اتفق البخاري ومسلم عليه (2) وكلاهما فيه: أن جبرائيل جاءه في صورة إنسان أعرابي فسأله. وفي حديث عمر: أنه جاءه في صورة أعرابي. وكذلك فسر (الإسلام) في حديث ابن عمر المشهور قال: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان)) (3). وحديث جبرائيل يبين أن (الإسلام المبني على خمس) هو الإسلام نفسه ليس المبني غير المبني عليه؛ بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات: أعلاها (الإحسان) وأوسطها (الإيمان) ويليه (الإسلام) فكل محسن مؤمن وكل مؤمن مسلم وليس كل مؤمن محسنا ولا كل مسلم مؤمنا كما سيأتي بيانه - إن شاء الله - في سائر الأحاديث كالحديث الذي رواه حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من أهل الشام عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أسلم تسلم. قال: وما الإسلام؟ قال: أن تسلم قلبك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك. قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: الإيمان. قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالبعث بعد الموت. قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: الهجرة. قال: وما الهجرة؟ قال: أن تهجر السوء. قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: الجهاد. قال: وما الجهاد؟ قال: أن تجاهد أو تقاتل الكفار إذا لقيتهم ولا تغلل ولا تجبن. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عملان هما أفضل الأعمال إلا من عمل بمثلهما - قالها ثلاثا - حجة مبرورة أو عمرة)) (4) ولهذا يذكر هذه المراتب الأربعة فيقول: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم والمهاجر من هجر السيئات والمجاهد من جاهد نفسه لله)) (5). وقد ثبت عنه من غير وجه أنه قال: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) (6).

(1) رواه مسلم (8).

(2)

رواه البخاري (50)، ومسلم (9، 10).

(3)

رواه البخاري (8)، ومسلم (16).

(4)

رواه أحمد (4/ 114)(17068)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (1/ 55). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (3/ 476): رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الألباني في ((الإيمان)) لابن تيمية (ص5): صحيح بشواهده.

(5)

رواه عبد بن حميد في مسنده (336). وقال الألباني في ((الإيمان)) لابن تيمية (ص6): صحيح. والحديث روى بعضه البخاري (10)، ومسلم (40). من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(6)

رواه الترمذي (2627)، والنسائي (8/ 104)، وأحمد (2/ 379) (8918) .. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو ما قاله الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).

ص: 142

ومعلوم أن من كان مأمونا على الدماء والأموال؛ كان المسلمون يسلمون من لسانه ويده ولولا سلامتهم منه لما ائتمنوه. وفي حديث عبد الله بن عبيد بن عمير أيضا عن أبيه عن جده أنه ((قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما الإسلام؟ قال: إطعام الطعام وطيب الكلام. قيل: فما الإيمان؟ قال: السماحة والصبر. قيل: فمن أفضل المسلمين إسلاما؟ قال: من سلم المسلمون من لسانه ويده. قيل: فمن أفضل المؤمنين إيمانا؟ قال: أحسنهم خلقا. قيل فما أفضل الهجرة؟ قال: من هجر ما حرم الله عليه. قال: أي الصلاة أفضل؟ قال: طول القنوت. قال: أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد مقل. قال: أي الجهاد أفضل؟ قال: أن تجاهد بمالك ونفسك؛ فيعقر جوادك ويراق دمك. قال أي الساعات أفضل؟ قال: جوف الليل الغابر)) (1). ومعلوم أن هذا كله مراتب بعضها فوق بعض؛ وإلا فالمهاجر لابد أن يكون مؤمنا وكذلك المجاهد ولهذا قال: ((الإيمان: السماحة والصبر)). وقال في الإسلام: ((إطعام الطعام وطيب الكلام)). والأول مستلزم للثاني؛ فإن من كان خلقه السماحة فعل هذا بخلاف الأول؛ فإن الإنسان قد يفعل ذلك تخلقا ولا يكون في خلقه سماحة وصبر. وكذلك قال: (أفضل المسلمين من سلم المسلمون من لسانه ويده. وقال: أفضل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا. ومعلوم أن هذا يتضمن الأول؛ فمن كان حَسِن الخلق فعل ذلك. قيل للحسن البصري: ما حسن الخلق؟ قال: بذل الندى وكف الأذى وطلاقة الوجه. فكف الأذى جزء من حسن الخلق. وستأتي الأحاديث الصحيحة بأنه جعل الأعمال الظاهرة من الإيمان كقوله: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)) (2). وقوله لوفد عبد القيس: ((آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله وحده؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأن تؤدوا خمس ما غنمتم)) (3). ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيمانا بالله بدون إيمان القلب؛ لما قد أخبر في غير موضع أنه لا بد من إيمان القلب فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان

وقال صلى الله عليه وسلم: ((إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب)) (4). فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً بخلاف العكس

فعلم أن القلب إذا صلح بالإيمان؛ صلح الجسد بالإسلام وهو من الإيمان؛ يدل على ذلك أنه قال في حديث جبرائيل: ((هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم)) (5) فجعل (الدين) هو الإسلام والإيمان والإحسان. فتبين أن ديننا يجمع الثلاثة لكن هو درجات ثلاث: (مسلم) ثم (مؤمن) ثم (محسن) كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32] والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة بخلاف الظالم لنفسه. وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع تصديق القلب؛ لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن؛ فإنه معرض للوعيد

وأما (الإحسان) فهو أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أصحابه من الإيمان. (والإيمان) أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أصحابه من الإسلام.

(1) ذكره ابن تيمية في ((الإيمان)) (ص7) وقال الألباني: صحيح.

(2)

رواه البخاري (9)، ومسلم (35) واللفظ له. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

رواه البخاري (53) وهذا لفظه، ومسلم (17). من حديث ابن عباس رضي الله عنه.

(4)

رواه البخاري (52)، ومسلم (1599). من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

(5)

رواه البخاري (50)، ومسلم (9).

ص: 143

فالإحسان يدخل فيه الإيمان والإيمان يدخل فيه الإسلام والمحسنون أخص من المؤمنين والمؤمنون أخص من المسلمين؛ وهذا كما يقال: في (الرسالة والنبوة) فالنبوة داخلة في الرسالة والرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها؛ فكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا؛ فالأنبياء أعم والنبوة نفسها جزء من الرسالة فالرسالة تتناول النبوة وغيرها بخلاف النبوة؛ فإنها لا تتناول الرسالة. والنبي صلى الله عليه وسلم فسر (الإسلام والإيمان) بما أجاب به؛ كما يجاب عن المحدود بالحد إذا قيل ما كذا؟ قيل: كذا وكذا مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - بتصرف- 7/ 5

كذلك أيضا مما يتعلق بالإيمان مسألة الإسلام

والخلاف في مسماه،

على ثلاثة أقوال:

طائفة قالت: الإسلام هو الكلمة، أي الشهادتان، وهذا مروي عن الزهري (1)، وبعض أهل السنة قالوا: الإسلام هو الكلمة، والإيمان هو العمل، المذهب الثاني: طائفة قالوا الإسلام والإيمان مترادفان، وهذا مروي عن بعض أهل السنة، ويتزعمهم البخاري، وهو أيضا ذهب إليه الخوارج والمعتزلة.

المذهب الثالث: أن الإسلام هو العمل والإيمان هو التصديق والإقرار، جعلوا الإسلام هو الأعمال الظاهرة والإيمان الأعمال الباطنة، واستدلوا بحديث جبريل (2)، والصواب في المسألة أن الإيمان والإسلام تختلف دلالتهما بحسب الإفراد والاقتران، فإذا أطلق الإسلام وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا أطلق الإيمان وحده دخل فيه الأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، وإذا اجتمعتا، فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة، وفسر الإيمان بالأعمال الباطنة كما في حديث جبريل، فإن جبريل لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام فسره بالأعمال الظاهرة، ولما سأله عن الإيمان فسره بالأعمال الباطنة.

هذا هو الصواب أن الإسلام إذا أطلق وحده دخل فيه الإيمان، والإيمان إذا أطلق وحده دخل فيه الإسلام، وإذا اجتمعا فسر الإسلام بالأعمال الظاهرة والإيمان بالأعمال الباطنة، أما الأدلة والمناقشات يأتي الكلام عليها إن شاء الله.

قلنا إن الناس في مسمى الإسلام لهم أقوال: القول الأول: من يقول: إن الإسلام هو الكلمة والإيمان هو العمل، يقول: مسمى الإسلام هو الكلمة، يعني الشهادتين، وهذا مروي عن الزهري وبعض أهل السنة، قالوا الإسلام الكلمة، والإيمان العمل، واحتج هؤلاء بقول الله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32] قالوا فالمسلم الذي لم يقم بواجب الإيمان هو الظالم لنفسه والمقتصد، هو المؤمن المطلق الذي أدى الواجب وترك المحرم.

(1) رواه أبو داود (4684)، وابن حبان (1/ 380)، والحميدي في ((المسند)) (1/ 37)، وعبد بن حميد في ((المسند)) (1/ 77). قال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح الإسناد مقطوع.

(2)

رواه البخاري (50)، ومسلم (9، 10).

ص: 144

والسابق بالخيرات هو المحسن الذي عبد الله كأنه يراه، ولكن وجهة نظر الزهري هي أن من أتى بالشهادتين صار مسلما، يتميز عن اليهود والنصارى، تجري عليه أحكام الإسلام التي تجري على المسلمين. والزهري لم يرد أن الإسلام الواجب هو الكلمة وحدها؛ فإن الزهري أجل من أن يخضع لذلك، ولهذا فإن أحمد رحمه الله في أحد أجوبته لم يجب بهذا، خوفا من أن يظن أن الإسلام ليس هو إلا الكلمة، وقد رد محمد بن نصر على من قال بهذا القول، فقال من زعم أن الإسلام هو الإقرار، وأن العمل ليس منه فقد خالف الكتاب والسنة، فإن النصوص كلها تدل على أن الأعمال من الإسلام كحديث جبريل، وفيه بني الإسلام على خمس، وذكر الأعمال الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم والحج شرح العقيدة الطحاوية لعبد العزيز بن عبد الله الراجحي - 1/ 246

ويمكن أن نجمل ما سبق في قاعدتين: القاعدة الأولى: لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له.

والمقصود هنا الإيمان والإسلام المقبولان عند الله عز وجل.

قال أبو طالب المكي: ( .. فمثل الإسلام من الإيمان، كمثل الشهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحكم، فشهادة الرسول، غير شهادة الوحدانية، فهما شيئان في الأعيان، وإحداهما مرتبطة بالأخرى في المعنى والحكم كشيء واحد، كذلك الإيمان والإسلام أحدهما مرتبط بالآخر، فهما كشيء واحد، لا إيمان لمن لا إسلام له، ولا إسلام لمن لا إيمان له، إذ لا يخلو المسلم من إيمان به يصح إسلامه، ولا يخلو المؤمن من إسلام به يحقق إيمانه، من حيث اشترط الله للأعمال الصالحة الإيمان، واشترط للإيمان الأعمال الصالحة، فقال في تحقيق ذلك: فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ [الأنبياء: 94]

وقال في تحقيق الإيمان بالعمل: وَمَن يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى [طه: 75](1). ويقول ابن أبي شيبة: لا يكون الإسلام إلا بإيمان، ولا إيمان إلا بإسلام

(2).وقال الإمام البغوي في تعليقه على حديث جبريل عليه السلام: جعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الإسلام اسماً لما ظهر من الأعمال، وجعل الإيمان اسماً لما بطن من الاعتقاد، وليس ذلك لأن الأعمال ليست من الإيمان، أو التصديق بالقلب ليس من الإسلام (3)، بل ذلك تفصيل لجملة هي كلها شيء واحد، وجماعها الدين ولذلك قال:((ذاك جبريل أتاكم يعلمكم أمر دينكم)) (4) والتصديق والعمل يتناولهما اسم الإيمان والإسلام جميعاً

) (5).

إذاً يمكن تلخيص هذه القاعدة بما يلي:

إن بين الإسلام والإيمان تلازماً فلا يمكن أن يوجد أحدهما بدون الآخر، فلا يصح الإسلام ولا يوجد بدون أصل الإيمان، فإذا انتفى أصل الإيمان بطل الإسلام، كذلك لا يصح ولا يوجد إيمان بدون إسلام (أي عمل الجوارح، وعمل القلب) فلو انتفى العمل لدل ذلك على بطلان الإيمان وفساده.

القاعدة الثانية: أن الاسم الواحد ينفي ويثبت بحسب الأحكام المتعلقة به، فلا يجب إذا أثبت أو نفى في حكم أن يكون كذلك في سائر الأحكام

كذلك كل ما يكون له مبتدأ وكمال، ينفي تارة باعتبار انتفاء كماله، ويثبت تارة باعتبار ثبوت مبدئه (6).

(1)((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 333).

(2)

((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (2/ 528).

(3)

لو قال: ليس شرطاً في الإسلام لكان أولى لأنه لم يرد في النصوص إطلاق الإسلام على التصديق (أي قول القلب).

(4)

رواه البخاري (50)، ومسلم (9، 10). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(5)

((شرح السنة للبغوي)) (1/ 10).

(6)

انظر هذه القاعدة وشرحها وأمثلة لها في ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (7/ 421 - 422).

ص: 145

ذكر هذه القاعدة شيخ الإسلام ابن تيمية وهذا من دقته رحمه الله وسعة بحثه واستقرائه، وقبل أن نطبقها على مسألة الإيمان نذكر مثالاً من الأمثلة التي ذكرها لتتضح القاعدة أكثر.

قال: (ولفظ النكاح وغيره في الأمر، يتناول الكامل، وهو العقد والوطء، كما في قوله: فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء: 3] وقوله: حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ [البقرة: 230] وفي النهي يعم الناقص والكامل، فينهى عن العقد مفرداً، وإن لم يكن وطء، كقوله: وَلَا تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء [النساء: 21]، وهذا لأن الآمر مقصوده تحصيل المصلحة، وتحصيل المصلحة إنما يكون بالدخول كما لو قال: اشتر لي طعاماً، فالمقصود ما يحصل إلا بالشراء والقبض، والناهي مقصوده دفع المفسدة، فيدخل كل جزء منه، لأن وجوده مفسدة، وكذلك النسب والميراث معلق بالكامل منه، والتحريم معلق بأدنى سبب حتى الرضاع)(1).

قال: (وكذلك الإيمان له مبدأ وكمال، وظاهر وباطن، فإذا علقت به الأحكام الدنيوية من الحقوق والحدود كحقن الدم، والمال، والمواريث، والعقوبات الدنيوية، الدنيوية من الحقوق والحدود كحقن الدم، والمال، والمواريث، والعقوبات الدنيوية، علقت بظاهره، لا يمكن غير ذلك، إذ تعليق ذلك بالباطن متعذر، وإن قدر أحياناً، فهو متعسر علماً وقدرة، فلا يعلم ذلك علماً يثبت به في الظاهر، ولا يمكن عقوبة من يعلم ذلك منه في الباطن

وأما مبدؤه فيتعلق به خطاب الأمر والنهي، فإذا قال الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [المائدة: 6] ونحو ذلك، فهو أمر في الظاهر لكل من أظهره، وهو خطاب في الباطن لكل من عرف من نفسه أنه مصدق للرسول، وإن كان عاصياً، وإن كان لم يقم بالواجبات الباطنة والظاهرة،

وأما كماله فيتعلق به خطاب الوعد بالجنة، والنصرة والسلامة من النار، فإن هذا الوعد إنما هو لمن فعل المأمور وترك المحظور، ومن فعل بعضاً وترك بعضاً فيثاب على ما فعله، ويعاقب على ما تركه، فلا يدخل في اسم المؤمن المستحق للحمد والثناء دون الذم والعقاب ومن نفى عنه الرسول الإيمان، فنفي الإيمان في هذا الحكم (2)، لأنه ذكر ذلك على سبيل الوعيد، إنما يكون بنفي ما يقتضي الثواب ويدفع العقاب، ولهذا ما في الكتاب والسنة من نفي الإيمان عن أصحاب الذنوب، فإنما هو في خطاب الوعيد والذم، لا في خطاب الأمر والنهي، ولا في أحكام الدنيا) (3).

وكلام المروزي .. يتفق مع هذه القاعدة حيث قال: (إن اسم المؤمن قد يطلق على وجهين: اسم بالخروج من ملل الكفر، والدخول في الإسلام، وبه تجب الفرائض .... ويجري عليه الأحكام والحدود. واسم يلزم بكمال الإيمان وهو اسم ثناء وتزكية، يجب به دخول الجنة والفوز من النار .. إلخ كلامه

) (4) نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي الوهيبي – 1/ 57

(1)((مجموع الفتاوى)) (7/ 421 - 422).

(2)

أي: حكم الآخرة.

(3)

((مجموع الفتاوى)) (7/ 423 - 424)

(4)

((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 536 - 540).

ص: 146