الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح
مجمَل أقوالِ العلماءِ تنحصر في خمس عباراتٍ:
1 -
أنَّ الكفرَ يكون بالقول أو الفعل. فلم يقيّدوه بالاعتقادِ (1).
2 -
أنَّ الكفرَ يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد. فغايروا بينها (2).
3 -
أنَّ الكفرَ يكون بالقول أو الفعل ولو لم يُعْتَقَد، فنصُّوا على عدمِ شرطيَّةِ الاعتقاد (3).
4 -
أنَّ الكفرَ يكون بالقول والفعل ولو لحظٍّ من حظوظِ الدُّنيا (4).
5 -
ردودٌ أو إنكارٌ على الجهميّة والمرجئة الذين يشترطونَ الاعتقاد أو الاستحلال (5).
ومن تأمَّل هذه العبارات يجد أن مؤداها واحدٌ وإنْ كان بعضُها أصرح من بعضٍ في بيان المقصود. التوسط والاقتصاد في أن الكفر يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد لعلوي بن عبد القادر السقاف – ص: 16
(1) ومن هؤلاء: نافع مولى ابن عمر، الشافعي، إسحاق بن راهويه، محمد بن سحنون، ابن جرير الطبري، أبو الحسن الأشعري، البربهاري، الجصّاص، ابن عبد البرّ، الجويني، البزدوي، إلكيا الهرَّاسي، ابن العربي، الرازي، الكاساني، الفرغان صاحب فتاوى قاضيخان، ابن الجوزي، القرطبي، القرافي، ابن القيّم، ابن مفلح، ابن رجب، البزاز صاحب الفتاوى البزازية، ابن حجر العسقلاني، المرداوي، الحموي، العدوي، الشوكاني، رشيد رضا، الحكمي، الشنقيطي.
(2)
ومن هؤلاء: ابن شاس، ابن قدامة، ابن الحاجب، الوردي، السبكي، خليل بن إسحاق، العثماني، ابن فرحون، الطرابلسي، المحلّي، الأقفهسي، الرصَّاع، ابن قاسم الغزي، زكريّا الأنصاري، ابن النجّار، المليباري، المناوي، مرعي بن يوسف، البهوتي، محمد بن غريب، البجيرمي، الدسوقي، عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ، البكري، القنوجي، أحمد بن عيسى، ابن ضويان، ابن سعدي، اللجنة الدائمة للإفتاء، بكر أبو زيد.
(3)
ومن هؤلاء: أبو ثور، السمرقندي، ابن حزم، القاضي عياض، ابن مازه، النووي، ابن تيميّة، علاء الدين البخاري، المحبوبي، الأندربتي الدهلوي، التفتازاني، الزركشي، ابن الوزير، ابن الهمّام، المنهاجي الأسيوطي، الأقفهسي، ابن أمير الحاج، منلا خسرو، عميرة، ابن نجيم، الهيتمي، الخطيب الشربيني، القليوبي، زاده داماد، الكفوي، المقبلي، الصنعاني، الجمل، محمد بن عبد الوهّاب، الشرقاوي، الرحيباني، عبدالله بن محمد بن عبد الوهّاب، ابن عابدين، البيجوري، أبابطين، عليش، حمد بن عتيق، جمال الدين القاسمي، الألوسي، الكشميري، محمد بن إبراهيم، ابن عثيمين، ابن جبرين، الفوزان، بكر أبو زيد، الموسوعة الفقهيّة الكويتيّة. ومن ألفاظهم: ولو لم يعتقد، وإن لم يعتقد، ولا معتقدٍ له، من غير اعتقادٍ له، وسواء اعتقدوه أو لم يعتقدوه، سواء (لا فرق) صدر (قاله) عن اعتقاد أو عناد أو .. ، سواء كان يعتقد أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، ولا ينفعه ما في قلبه، وإن كان قلبه مطمئناً بالإيمان، جادّاً أو هازلاً (لاعباً)(مازحاً)، الردّ على من قال أن مبنى الرّدّة على الاعتقاد، الردّ على من قال لا يكفر حتى يعتقد. إلى غير ذلك من الألفاظ.
(4)
وممن صرَّح بذلك: ابن تيميّة، ابن كثير، محمد بن عبدالرحمن المغربي، المقبلي، محمّد بن عبد الوهّاب، سليمان بن عبدالله آل الشيخ، حمد بن عتيق، محمّد بن إبراهيم، الفوزان. ومن ألفاظهم: وإن كان سببه حبّ الدّنيا على الآخرة، بسبب إيثار الدّنيا لا بسبب العقيدة، طمعاً في الدّنيا، من أجل التّجارة، خوفاً من نقصِ مال، مدارة لأحد، أو لغير ذلك من الأغراض، سببه حظّاً من حظوظ الدّنيا، من أجل ماله أو بلده أو أهله، سببه قوة الشهوة. إلى غير ذلك من الألفاظ.
(5)
ومن هؤلاء: ابن عيينة، الشافعي، الحميدي، أحمد بن حنبل، ابن حزم، ابن تيميّة، الفوزان.
قال الشيخ عبدالرحمن بن سعدي: فكلُّ اعتقادٍ أو قولٍ أو عملٍ ثبت أنَّه مأمورٌ به من الشارع فصرفُه لله وحده توحيدٌ وإيمانٌ وإخلاصٌ، وصرفُه لغيره شركٌ وكفرٌ. فعليك بهذا الضابط للشِّرك الأكبر الَّذي لا يشذُّ عنه شيءٌ)) (1) القول السديد في مقاصد التوحيد لعبد الرحمن بن ناصر السعدي – ص 54
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة الفتوى رقم (20212) وتاريخ 7/ 2/1419هـ:
((وأنَّ الكفر يكون بالقول والفعل والتَّرك والاعتقاد والشكِّ كما قامت على ذلك الدَّلائل من الكتاب والسُّنَّة)) (2).
قال الإمام سفيان بن عيينة – رحمه الله تعالى – عندما سئل عن الإرجاء:
(يقولون: الإيمان قول، ونحن نقول: الإيمان قول وعمل، والمرجئة أوجبوا الجنة لمن شهد أن لا إله إلا الله؛ مصراً بقلبه على ترك الفرائض، وسموا ترك الفرائض ذنباً بمنزلة ركوب المحارم، وليس بسواء؛ لأن ركوب المحارم من غير استحلال معصية، وترك الفرائض متعمداً من غير جهل ولا عذر هو كفر)(3).
قال الإمام الشافعي رحمه الله حين سئل عمن هزل بشيء من آيات الله تعالى: (هو كافر) واستدل بقول الله تعالى: قُلْ أَبِاللهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لَا تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65 - 66](4).
قال الإمام عبد الله بن الزبير الحميدي رحمه الله:
(أخبرت أن ناساً يقولون: من أقر بالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، ولم يفعل من ذلك شيئاً حتى يموت، أو يصلي مستدبر القبلة حتى يموت؛ فهو مؤمن ما لم يكن جاحداً. إذا كان يقر بالفرائض واستقبال القبلة؛ فقلت: هذا الكفر الصراح، وخلاف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفعل المسلمين، قال عز وجل:
وَمَا أُمِرُوا إِلَاّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5](5).
قال الإمام إسحاق بن راهويه رحمه الله:
(ومما أجمعوا على تكفيره، وحكموا عليه كما حكموا على الجاحد؛ فالمؤمن الذي آمن بالله تعالى، وبما جاء من عنده، ثم قتل نبياً، أو أعان على قتله، وإن كان مقراً، ويقول: قتل الأنبياء محرم؛ فهو كافر، وكذلك من شتم نبياً، أو رد عليه قوله من غير تقية ولا خوف)(6).
قال الإمام الفقيه أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي رحمه الله:
(فاعلم - يرحمنا الله وإياك - أن الإيمان تصديق بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالجوارح. وذلك أنه ليس بين أهل العلم خلاف في رجل لو قال: أشهد أن الله عز وجل واحد، وأن ما جاءت به الرسل حق، وأقر بجميع الشرائع، ثم قال: ما عقد قلبي على شيء من هذا، ولا أصدق به؛ أنه ليس بمسلم.
ولو قال: المسيح هو الله، وجحد أمر الإسلام، وقال: لم يعتقد قلبي على ذلك؛ أنه كافر بإظهار ذلك، وليس بمؤمن) (7).
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله عندما سأله ابنه عبدالله عن رجل قال لرجل: يا ابن كذا وكذا أنت ومن خلقك: (هذا مرتد عن الإسلام) وسأله: تضرب عنقه؟ قال: (نعم تضرب عنقه)(8).
(1)((القول السَّديد في مقاصد التَّوحيد)) (ص: 54).
(2)
وقع على هذه الفتوى كلٌ من الشيخ: ابن باز، عبد العزيز آل الشيخ، ابن غديان، بكر أبو زيد، الفوزان.
(3)
((كتاب السنة)) الإمام عبدالله بن أحمد: (1/ 347)(745).
(4)
((الصارم المسلول)) ابن تيمية: (3/ 956).
(5)
((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) الإمام اللالكائي: (5/ 887).
(6)
((تعظيم قدر الصلاة)) الإمام المروزي: (2/ 930)(991).
(7)
((شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) الإمام اللالكائي: (4/ 849).
(8)
((مسائل الإمام أحمد)) رواية ابنه عبد الله: (2/ 1291).
قال الإمام محمد بن سحنون المالكي رحمه الله:
(أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المنتقص له؛ كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة: القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر)(1).
قال الإمام البربهاري رحمه الله:
(ولا يخرج أحد من أهل القبلة من الإسلام، حتى يرد آية من كتاب الله عز وجل، أو يرد شيئاً من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يذبح لغير الله، أو يصلي لغير الله، وإن فعل شيئاً من ذلك؛ فهو مؤمن ومسلم بالاسم لا بالحقيقة)(2).
قال الإمام النووي رحمه الله في تعريف الردة:
(هي قطع الإسلام، ويحصل ذلك تارة بالقول الذي هو كفر، وتارة بالفعل، والأفعال الموجبة للكفر هي التي تصدر عن تعمد واستهزاء بالدين صريحاً؛ كالسجود للصنم أو للشمس، وإلقاء المصحف في القاذورات، والسحر الذي فيه عبادة الشمس ونحوها. قال الإمام: في بعض التعاليق عن شيخي إن الفعل بمجرده لا يكون كفراً، قال: وهذا زلل عظيم من المعلق ذكرته للتنبيه على غلطه، وتحصل الردة بالقول الذي هو كفر؛ سواء صدر عن اعتقاد أو عناد أو استهزاء)(3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
(إن من سب الله، أو سب رسوله كفرا ظاهراً وباطناً؛ سواءً كان الساب يعتقد أن ذلك محرم، أو كان ذاهلاً عن اعتقاده، هذا مذهب الفقهاء وسائر أهل السنة القائلين بأن الإيمان قول وعمل)(4).
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية (106 - 109) من سورة النحل:
(أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر، وشرح صدره بالكفر واطمأن به؛ أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه، وأن لهم عذاباً عظيماً في الدار الآخرة؛ لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة، فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق؛ فطبع على قلوبهم، فهم لا يعقلون بها شيئاً ينفعهم).
قال الإمام الحافظ ابن رجب الحنبلي رحمه الله:
(فقد يترك دينه، ويفارق الجماعة، وهو مقر بالشهادتين، ويدعي الإسلام؛ كما إذا جحد شيئاً من أركان الإسلام، أو سب الله ورسوله، أو كفر ببعض الملائكة، أو النبيين، أو الكتب المذكورة في القرآن مع العلم بذلك)(5).
وقال أيضاً رحمه الله في شرحه لحديث ((بني الإسلام على خمس
…
)) (6):
(وهذا الحديث دل على أن الإسلام مبني على خمسة أركان
…
وأن الإسلام مثله كبنيان، وهذه الخمس: دعائم البنيان وأركانه التي يثبت عليها البنيان
…
وأما هذه الخمس؛ فإذا زالت كلها سقط البنيان ولم يثبت بعد زوالها، وكذلك إن زال منها الركن الأعظم وهو الشهادتان، وزوالهما يكون بالإتيان بما يضادهما ولا يجتمع معهما.
وأما زوال الأربع البواقي: فاختلف العلماء
…
وكثير من علماء أهل الحديث يرى تكفير تارك الصلاة.
وحكاه إسحاق بن راهويه إجماعاً منهم حتى إنه جعل قول من قال: لا يكفر بترك هذه الأركان مع الإقرار بها من أقوال المرجئة .. وبيان ذلك في أمر آدم وإبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.
(1)((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) للقاضي عياض (2/ 214).
(2)
((شرح السنة)) البربهاري: (ص73)(50).
(3)
((روضة الطالبين)) النووي: (10/ 64).
(4)
((الصارم المسلول)) ابن تيمية: (3/ 955).
(5)
((جامع العلوم والحكم)) ابن رجب: (شرح الحديث الرابع عشر من الأربعين النووية).
(6)
رواه البخاري (8)، ومسلم (16). من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
وروي عن عطاء ونافع - مولى ابن عمر - أنهما سئلا عمن قال: الصلاة فريضة ولا أصلي، فقالا: هو كافر. وكذا قال الإمام أحمد (1).
ونقل حرب عن إسحاق قال: غلب المرجئة حتى صار من قولهم: إن قوماً يقولون: من ترك الصلوات المكتوبات، وصوم رمضان، والزكاة، والحج، وعامة الفرائض من غير جحود لها لا نكفره، يرجى أمره إلى الله بعد؛ إذ هو مقر؛ فهؤلاء الذين لا شك فيهم - يعني في أنهم مرجئة.
وظاهر هذا: أنه يكفر بترك هذه الفرائض.
وممن قال بذلك: ابن المبارك، وأحمد - في المشهور عنه -، وإسحاق، وحكى عليه إجماع أهل العلم - كما سبق - وقال أيوب: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه (2).
وقال عبدالله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة. خرجه الترمذي (3).
وقد روي عن علي، وسعد، وابن مسعود وغيرهم قالوا: ((من ترك الصلاة فقد كفر
…
)) (4)(5).
قال الإمام العلامة مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي رحمه الله في تعريف الردة:
وهو من كفر بعد إسلامه، ويحصل الكفر بأحد أربعة أمور: بالقول كسب الله تعالى ورسوله، أو ملائكته، أو ادعاء النبوة، أو الشرك له تعالى، وبالفعل كالسجود للصنم ونحوه وكإلقاء المصحف في قاذورة، وبالاعتقاد كاعتقاده الشريك له تعالى، أو أن الزنا أو الخمر حلال، أو أن الخبز حرام، ونحو ذلك، ومما أجمع عليه إجماعاً قطعياً، وبالشك في شيء من ذلك. (6) الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري – 305
وشعب الإيمان قسمان: قوليّة، وفعليّة، وكذلك شُعَبُ الكفر نوعان: قوليّة وفعليّة، ومن شعَبِ الإيمان القوليَّة: شعبةٌ يوجب زوالها زوالَ الإيمان فكذلك من شعبِهِ الفعليّة ما يوجب زوالَ الإيمان. وكذلك شعبُ الكفر القوليَّة والفعليَّة، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً، وهي شعبة من شعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شعبةٍ من شُعبه كالسُّجود للصَّنم، والاستهانَة بالمصحفِ، فهذا أصل. الكفر ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والحياء شعبة من الإيمان، وقلة الحياء شعبة من شعب الكفر، والصدق شعبة من شعب الإيمان، والكذب شعبة من شعب الكفر، والصلاة والزكاة، والحج، والصيام من شعب الإيمان، وتركها من شعب الكفر، والحكم بما أنزل الله من شعب الإيمان، والحكم بغير ما أنزل الله من شعب الكفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان كتاب الصلاة لابن القيم – ص: 53
ولإيضاح هذه المسألة المهمة أقول:
(1)((السنة)) لعبد الله بن أحمد (1/ 382 - 383).
(2)
رواه محمد بن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 925). وصححه الألباني في ((صحيح الترغيب والترهيب)) (1/ 230).
(3)
رواه الترمذي (2622) ورواه ابن أبي شيبة في ((المصنف)) (6/ 172) ومحمد بن نصر في ((تعظيم قدر الصلاة)) (2/ 904). قال النووي في ((المجموع)) (3/ 16)، والعراقي في ((طرح التثريب)) (2/ 146)، والسخاوي في ((الأجوبة المرضية)) (2/ 819): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(4)
رواه الطبراني (9/ 191). من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه موقوفاً. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 295): و [فيه] القاسم لم يسمع من ابن مسعود.
(5)
((فتح الباري)) لابن رجب: (1/ 22)، حديث رقم (8) شرك كتاب الإيمان.
(6)
((دليل الطالب)): (ص317).
1 -
مما يدل على أن الكفر يكون كلاما باللسان قوله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ [التوبة:65 - 66]
قال شيخ الإسلام: فبين أنهم كفارٌ بالقول، مع أنهم لم يعتقدوا صحته (1).
وقوله تعالى: وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ [التوبة:74]
وقوله تعالى: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:106]
ومعلوم أنه لم يرد بالكفر هنا اعتقاد القلب فقط، لأن ذلك لا يكره الرجل عليه، وهو قد استثنى من أُكره، ولم يُرد من قال واعتقد؛ لأنه استثنى المكره، وهو لا يكره على العقد والقول، وإنما يكره على القول فقط، فعُلم أنه أراد: من تكلم بكلمة الكفر فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم، إلا من أكره وهو مطمئن بالإيمان، ولكن من شرح بالكفر صدرا من المكرهين فإنه كافر أيضا، فصار كل من تكلم بالكفر كافرا إلا من أكره فقال بلسانه كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان) (2).
ومن الكفر بالقول: دعاء غير الله تعالى من الأموات والغائبين؛ لقوله تعالى: وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117].
وقوله: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ [الأعراف:37]، وقوله: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13 - 14] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن هذا الدعاء كفر وشرك بالله تعالى.
وفي ذلك يقول شيخ الإسلام: (فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم، وسألهم جلب المنافع ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنب وهداية القلوب وتفريج الكروب وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين)(3).
(1)((الصارم المسلول)) (3/ 976).
(2)
((الصارم المسلول)) (3/ 977).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (1/ 123).
وقال: (وكذلك الغلو في بعض المشايخ: إما في الشيخ عدي ويونس القتي أو الحلاج وغيرهم، بل الغلو في علي بن أبى طالب ونحوه، بل الغلو في المسيح ونحوه. فكل من غلا في حي أو في رجل صالح كمثل علي أو عدي أو نحوه، أو فيمن يعتقد فيه الصلاح، كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر، أو يونس القتي ونحوهم، وجعل فيه نوعا من الإلهية مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده، أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي أو يعبده بالسجود له أو لغيره، أو يدعوه من دون الله تعالى، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال، التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى؛ فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل فإن الله إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له ولا نجعل مع الله إلها آخر. والذين كانوا يدعون مع الله آلهة أخرى - مثل: الشمس والقمر والكواكب والعزير والمسيح والملائكة واللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ويغوث ويعوق ونسر أو غير ذلك - لم يكونوا يعتقدون أنها تخلق الخلائق، أو أنها تنزل المطر، أو أنها تنبت النبات، وإنما كانوا يعبدون الأنبياء والملائكة والكواكب والجن والتماثيل المصورة لهؤلاء، أو يعبدون قبورهم ويقولون: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله زلفى، ويقولون: هم شفعاؤنا عند الله فأرسل الله رسله تنهى أن يدعى أحد من دونه، لا دعاء عبادة، ولا دعاء استغاثة)(1).
2 -
ومن الكفر الذي هو فعل: السجود أو الذبح لغير الله تعالى، أو إلقاء مصحف في قذر، أو قتل نبي من الأنبياء
3 -
وأما كفر الاعتقاد المناقض لقول القلب أو عمله، فكتكذيب النبي باطنا، أو بغضه ومعاداته مع اعتقاد صدقه، أو اعتقاد حل الزنا أو الخمر، أو اعتقاد أن أحدا يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، أو غير ذلك من الاعتقادات المكفرة التي تناقض قول القلب أو عمله.
لكن ينبغي أن يُعلم أن كفر التكذيب قليل في أعداء الرسل، قال ابن القيم رحمه الله:(فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل، وهذا القسم قليل في الكفار؛ فإن الله تعالى أيد رسله وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة، قال الله تعالى عن فرعون وقومه: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، وقال لرسوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [الأنعام:33] وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح؛ إذ هو تكذيب باللسان)(2).
وقال شيخ الإسلام: وعامة من كذب الرسل علموا أن الحق معهم وأنهم صادقون، لكن إما لحسدهم، وإما لإرادتهم العلو والرياسة، وإما لحبهم دينهم الذي كانوا عليه، وما يحصل لهم به من الأغراض، كأموال ورياسة وصداقة أقوام وغير ذلك، فيرون في اتباع الرسل ترك الأهواء المحبوبة إليهم، أو حصول أمور مكروهة إليهم، فيكذبونهم ويعادونهم، فيكونون من أكفر الناس، كإبليس، وفرعون، مع علمهم بأنهم على الباطل، والرسل على الحق (3).
4 -
والكفر يكون بالترك، كترك الصلاة عند جمهور السلف، بل هو إجماع الصحابة
…
،
ومن ذلك ترك عمل الجوارح بالكلية، كمن يعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يزكي ولا يصوم ولا يحج ولا يفعل شيئا من الواجبات أو المستحبات، فهذا كافر ٌكفرا لا يثبت معه توحيد، ولا يكون هذا إلا مع زوال عمل القلب، والمرجئة تنازع في كفر هذا وتأباه، جهلا منهم بحقيقة الإيمان، وإنكارا للتلازم بين الظاهر والباطن الإيمان عند السلف وعلاقته بالعمل وكشف شبهات المعاصرين لمحمد بن محمود آل خضير- 1/ 134
(1)((مجموع الفتاوى)) (3/ 395).
(2)
((مدارج السالكين)) (1/ 346).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (7/ 191).