الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثالث: دعاء الموتى
إن الدعاء عبادة من أعظم العبادات، وأجل الطاعات، وإنه يجب صرفه لله تعالى وحده لا شريك له، فإن من دعا أو استغاث أو استعان أو استعاذ (1) بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فقد كفر وخرج من الملة، سواء كان هذا الغير نبيًّا، أو وليًّا، أو ملكاً، أو جنيًّا، أو غير ذلك من المخلوقات.
كما قال الله تعالى: وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَاّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس: 106 - 107].
وقوله تعالى: فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ [العنكبوت: 17].
وقال تعالى: فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء: 213]، وقال عز وجل: وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا إِلَهَ إِلَاّ هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [القصص: 88].
وقال سبحانه: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5 - 6].
وقال سبحانه وتعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18].
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يدعو لله ندًّا دخل النار)). (2) ولذا يقول ابن تيمية: (ومن أعظم الاعتداء والعدوان والذل والهوان، أن يدعى غير الله، فإن ذلك من الشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، وإن الشرك لظلم عظيم، فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف: 110])(3).
ويبين ابن القيم شناعة هذا الشرك فيقول:
(ومن أنواعه (الشرك الأكبر) طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، وهذا أصل شرك العالم، فإن الميت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعاً، فضلاً عمن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها، وهذا من جهله بالشافع والمشفوع له عنده) (4).
ويجب أن يعلم أن من قصد غير الله بدعاء أو استعاذة أو استعانة فهو كافر، وإن لم يعتقد فيمن قصده تدبيراً، أو تأثيراً، أو خلقاً، فمشركو العرب الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يقولون عن معبوداتهم أنها تخلق، وترزق، وتدبر أمر من قصدها، بل كانوا يعلمون أن ذلك لله وحده كما حكاه عنهم في غير موضع من كتابه بل كانوا يدعونها، ويستغيثون بها مع إقرارهم بأن الله هو المدبر الخالق الرزاق
…
(5)
(1) يقول ابن تيمية: ((الاستعاذة، والاستجارة، والاستغاثة كلها من نوع الدعاء أو الطلب، وهي ألفاظ متقاربة)) ، انظر ((مجموع الفتاوى)) (15/ 227).
(2)
[9963])) رواه البخاري (4497).
(3)
((الرد على البكري)) (ص: 95).
(4)
((مدارج السالكين)) (1/ 346).
(5)
انظر في مناقشة من زعم جواز دعاء الأموات ما دام الداعي يعترف بأن الله هو الخالق: ((تفسير المنار)) (2/ 65)، و ((الدر النضيد)) للشوكاني (ص: 16 - 19) و ((ضوابط التكفير)) للقرني (ص: 139 - 148).
ولذا يقول ابن تيمية: (كان من أتباع هؤلاء (المشركين) من يسجد للشمس والقمر، والكواكب ويدعوها كما يدعو الله تعالى يصوم لها، وينسك لها، ويتقرب إليها، ثم يقول: إن هذا ليس بشرك، وإنما الشرك إذا اعتقدت أنها هي المدبرة لي، فإذا جعلتها سبباً وواسطة لم أكن مشركاً. ومن المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام أن هذا شرك) (1).
وقد تمادى دعاة الوثنية في تجويز الاستغاثه بغير الله تعالى بحجة أن هؤلاء المستغيثين لا يعتقدون التأثير لغير الله تعالى، حتى نفوا التأثير وأسقطوا الأسباب، فليس دعاء الأموات سبباً في حصول المطلوب، ولكنه مقترن (فقط) بحصول المطلوب!! (2)
ويقول حسين بن مهدي النعمي: (لا يشترط في التنديد: أن ينتحل للسوى من الصفات والأسماء والفعال ما يختص به الحميد المجيد، بل هو أن تتكيف لذلك السوى بكيفية العابدية، وتتحقق أنت له بصفة المربوبية، وتقضي له بحالتك التي صنعتها، وصورة نعتك في عبادتك إياه فقط بأنه يربك ويربيك)(3).
ولذا فقد غلط مرجئة المتكلمين ومن تبعهم عندما زعموا أن الشرك في الدعاء لا يكون شركاً إلا مع اعتقاد شريك مع الله سواء في ذاته أو في صفاته أو في أفعاله (4)
وأما وجه كون دعاء غير الله من نواقض الإيمان، وكذا الاستغاثة والاستعانة والاستعاذة بغيره تعالى من نواقض الإيمان، فمن وجوه عديدة، منها ما يلي:
(أ) من المعلوم أن الله تعالى هو الإله الحق، وأن معنى لا إله إلا الله أي لا معبود بحق إلا الله تعالى وحده، فهو سبحانه وحده المستحق لجميع أنواع العبادة، والدعاء من أجل العبادات وأعظمها شأناً، وقد سماه الله تعالى عبادة، كما قال تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60].
وقال سبحانه وتعالى في شأن إبراهيم عليه السلام: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَاّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ [مريم: 48 - 49].
وقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5 - 6].
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال:
(1)((درء التعارض)) (1/ 227، 228).
(2)
انظر لمعرفة أقوالهم والرد عليهم في كتاب ((دعاوى المناوئين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)) لعبد العزيز العبد اللطيف (ص: 247 - 250، 270 - 275).
(3)
((معارج الألباب)) (ص: 243) وانظر (ص: 214).
(4)
انظر لمزيد من التفصيل رسالة ((ضوابط التكفير)) للقرني (ص: 173).
((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر: 60])) (1).
فدعاء الله وحده إيمان وتوحيد، ودعاء غيره كفر وتنديد، فمن استغاث بغير الله تعالى فقد اتخذ مع الله ندًّا، وقد قال تعالى في حال من أشرك وجعل لله أنداداً ليضل عن سبيله: قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّار [الزمر: 8] فكفره تعالى باتخاذ الأنداد، وهم الشركاء في العبادة (2)
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من مات وهو يدعو لله ندًّا دخل النار)) (3).
وإذا كان الدعاء عبادة لا يجوز صرفها إلا لله وحده، فمن أثبت لغير الله تعالى ما لا يكون إلا لله فهو كافر (4)، وقد تقدم أن حد الشرك الأكبر هو صرف نوع أو فرد من العبادة لغير الله تعالى.
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
(ومن أنواع العبادة الدعاء، كما كان المؤمنون يدعون الله وحده ليلاً ونهاراً في الشدة والرخاء، ولا يشك أحد أن هذا من أنواع العبادة، فتفكر رحمك الله فيما حدث في الناس اليوم من دعاء غير الله. في الشدة والرخاء، فهذا تلحقه الشدة في البر أو البحر، فيستغيث بعبد القادر أو شمسان أو نبي من الأنبياء، أو ولي من الأولياء أن ينجيه من هذه الشدة، فيقال لهذا الجاهل: إن كنت تعرف أن الإله هو المعبود، وتعرف أن الدعاء من العبادة، فكيف تدعو مخلوقاً ميتاً، وتترك الحي القيوم الحاضر الرؤوف الرحيم القدير؟)(5).
وجاء في كتاب (التوضيح عن توحيد الخلاق):
(والداعي غير الله فيما لا يقدر عليه غيره سبحانه وتعالى جاعل لله ندًّا من خلقه فيما يستحقه تعالى من الألوهية المقتضية للرهبة والرغبة، والاستعاذة، وذلك كفر بإجماع الأمة، لأن الله سبحانه هو المستحق للعبادة لذاته، فإنه المألوه المعبود الذي تألهه القلوب بالرغبة لديه، والفزع عند الشدائد، وما سواه فهو مفتقر بالعبودية مقهور بها، فكيف يصلح أن يكون إلهاً مرغوباً مرهوباً مدعوًّا؟)(6).
(1)[9971])) رواه أبو داود (1479) والترمذي (2969) وابن ماجه (3828) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 450) وأحمد (4/ 267)(18378) وابن حبان (890) والطبراني في ((المعجم الصغير)) (2/ 208) والحاكم (1/ 667) ، والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، وقال البغوي في ((شرح السنة)) (3/ 158): حسن لا يعرف إلا من حديث ذر، وقال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (1/ 64): إسناده جيد، وقال الشوكاني في ((فتح القدير)) (1/ 273): ثابت، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(2)
انظر ((الدرر السنية)) (2/ 95، 96).
(3)
[9973])) رواه البخاري (4497).
(4)
انظر ((الرد على البكري)) لابن تيمية (ص 214).
(5)
((الدرر السنية)) (2/ 54).
(6)
((التوضيح عن توحيد الخلاق)) لعبد الله بن محمد بن عبد الوهاب وآخرين، (ص 129)
ويقول الشيخ عبد الرحمن بن حسن (1) موضحاً أن الطلب من الأموات شرك
…
(إن الاستمداد بالأموات والغائبين هو الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، فإن الاستمداد عبادة، والعبادة لا يجوز أن يصرف منها شيء لغير الله، وذلك أن الاستمداد نتيجته الاعتماد، والاعتماد هو معنى التوكل الذي هو من خصائص الإلهية وأجمعها لأعمال القلوب.
كما أن مورد العبادة القلب واللسان والأركان، والمستمد لا يكون إلا داعياً وراغباً، وراهباً، وخاشعاً، ومتذللاً، ومستعيناً، فإن الاستمداد طلب المدد بالقلب، واللسان، والأركان ولابد، وهذه الأعمال هي أنواع العبادة، فإذا كانت لله وحده، فقد آلهه العبد، فإذا صرف لغير الله تعالى، صار مألوها له) (2).
ويقول الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبو بطين في هذا الشأن:
(فمن صرف لغير الله شيئاً من أنواع العبادة، فقد عبد ذلك الغير واتخذه إلهاً، وأشركه مع الله في خالص حقه، وإن فر من تسمية فعله ذلك تألهاً وعبادة وشركاً، ومعلوم عند كل عاقل أن حقائق الأشياء لا تتغير بتغير أسمائها
…
فالشرك إنما حرم لقبحه في نفسه، وكونه متضمناً مسبة للرب، وتنقصه وتشبيهه بالمخلوقين، فلا تزول هذه المفاسد بتغيير اسمه، كتسميته توسلاً، وتشفعاً، وتعظيماً للصالحين، وتوقيراً لهم ونحو ذلك، فالمشرك مشرك شاء أم أبى
…
) (3).
(ب) قد سمى الله تعالى دعاء غيره شركاً وكفراً، وقد جاء هذا في آيات كثيرة، منها قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ [الأنعام: 40 - 41]
وقوله سبحانه وتعالى: قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ [الأنعام: 63،- 64].
وقوله عز وجل: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُواْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ [الأعراف: 37].
وقوله تبارك وتعالى: وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [النمل: 53 - 54].
وقوله تعالى: فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ وَلِيَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ [العنكبوت: 65 - 66].
(1) هو عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب، ولد في الدرعية سنة 1193هـ، وتولى القضاء، وبعد سقوط الدرعية انتقل إلى مصر، ودرس على علمائها، ثم عاد إلى نجد، له مؤلفات، توفي بالرياض سنة 1282 هـ. انظر:((مشاهير علماء نجد)) (ص 78)، و ((علماء نجد)) (1/ 56).
(2)
((الدرر السنية)) (9/ 152) بتصرف يسير
(3)
((الدرر السنية)) (2/ 143، 144) بتصرف يسير
وقوله سبحانه: وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ [الروم: آية 35].
وقوله عز وجل: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 13 - 14].
وقوله تعالى: وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِّنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِن قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَندَادًا لِّيُضِلَّ عَن سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ [الزمر: 8].
(جـ) إن دعاء المخلوق وقصده هو تشبيه للمخلوق الضعيف العاجز بالخالق القوي القادر، إذ الدعاء حق خالص لله وحده لا شريك له، فمن دعا غير الله فقد تنقص الرب جل وعلا، ووقع في أعظم الظلم وأشنعه كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13].
وأيضاً فمن سأل مخلوقاً ما لا يقدر عليه إلا الله فهو من جنس مشركي العرب الذين يدعون الملائكة والأنبياء والتماثيل، ومن جنس سؤال النصارى للمسيح وأمه.
وقد وضح ابن القيم حقيقة هذا التشبيه فقال: (حقيقة الشرك هو التشبه بالخالق والتشبيه للمخلوق به هذا هو التشبيه في الحقيقة، لا إثبات صفات الكمال التي وصف الله بها نفسه، ووصفه بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعكس من نكس الله قلبه، وأعمى عين بصيرته وأركسه بلبسه الأمر، وجعل التوحيد تشبيهاً، والتشبيه تعظيماً وطاعة، فالمشرك مشبه للمخلوق بالخالق في خصائص الإلهية، فإن من خصائص الإلهية التفرد بملك الضر والنفع، والعطاء والمنع، وذلك يوجب تعليق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل به وحده، فمن علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق)(1).
إلى أن قال: (ومن خصائص الإلهية الكمال المطلق من جميع الوجوه الذي لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده، والتعظيم والإجلال والخشية والدعاء والرجاء والتوكل والاستعانة
…
كل ذلك يجب عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لله وحده ويمنع عقلاً وشرعاً وفطرة أن يكون لغيره، فمن جعل شيئاً من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن لا شبيه له، ولا ند له، وذلك أقبح التشبيه وأبطله، ولشدة قبحه، وتضمنه غاية الظلم، أخبر سبحانه عباده أنه لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة) (2).
ويذكر ابن القيم المشبهة بقوله: (المشبهة هم الذين يشبهون المخلوق بالخالق في العبادة، والتعظيم والخضوع، والسجود له، والاستغاثة به
…
فهؤلاء هم المشبهة حقاً) (3).
ويقول ابن القيم أيضاً: (فأما القادر على كل شيء، الغني عن كل شيء، الرحمن الرحيم، الذي وسعت رحمته كل شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه نقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن سوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع في العقول والفطر، وقبحه مستقر في الفطر السليمة فوق كل قبيح، يوضح هذا أن العابد معظم لمعبوده، متأله خاضع، ذليل له والرب تعالى وحده هو الذي يستحق كمال التعظيم والجلال والتأله والخضوع، وهذا خالص حقه، فمن أقبح الظلم أن يعطى حقه لغيره، أو يشرك بينه وبينه فيه)(4).
وعندما تحدث ابن تيمية عن معنى الواسطة بين الله تعالى وخلقه
…
كان مما قاله:
(1)((الجواب الكافي)) (ص: 182).
(2)
((الجواب الكافي)) (ص: 182، 183).
(3)
((إغاثة اللهفان)) (2/ 340، 341) باختصار
(4)
((الجواب الكافي)) (ص: 186).
(وإن أثبتم وسائط بين الله وبين خلقه، كالحجاب الذين بين الملك ورعيته، بحيث يكونون هم يرفعون إلى الله حوائج خلقه، فالله إنما يهدي عباده ويرزقهم بتوسطهم، فالخلق يسألونهم، وهم يسألون الله، كما أن الوسائط عند الملوك، يسألون الملوك الحوائج للناس، لقربهم منهم، والناس يسألونهم أدباً منهم أن يباشروا سؤال الملك، أو لأن طلبهم من الوسائط أنفع لهم من طلبهم من الملك، لكونهم أقرب إلى الملك من الطالب للحوائج، فمن أثبتهم وسائط على هذا الوجه، فهو كافر مشرك، يجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهؤلاء مشبهون لله، شبهوا المخلوق بالخالق، وجعلوا لله أنداداً
…
) (1)
ويقول في موضع آخر:
(من أثبت وسائط بين الله وبين خلقه، كالوسائط التي تكون بين الملوك والرعية، فهو مشرك، بل هذا دين المشركين عباد الأوثان، كانوا يقولون: إنها تماثيل الأنبياء والصالحين وأنها وسائل يتقربون بها إلى الله، وهو من الشرك الذي أنكره الله على النصارى)(2).
ويقول أيضاً:
(والعجب من ذي عقل سليم يستوحي من هو ميت، ويستغيث به، ولا يستغيث بالحي الذي لا يموت، فيقول أحدهم: إذا كانت لك حاجة إلى ملك توسلت إليه بأعوانه، فهكذا يتوسل إليه بالشيوخ. وهذا كلام أهل الشرك والضلال فإن الملك لا يعلم حوائج رعيته، ولا يقدر على قضائها وحده، ولا يريد ذلك إلا لغرض يحصل له بسبب ذلك، والله أعلم بكل شيء، يعلم السر وأخفى، وهو على كل شيء قدير، فالأسباب منه وإليه)(3).
ويذكر ابن تيمية أن دعاء غير الله هو من جنس أفعال الكفار فيقول:
(وأما من يأتي إلى قبر نبي أو صالح، أو من يعتقد فيه أنه قبر نبي أو رجل صالح وليس كذلك، ويسأله حاجته مثل أن يسأله أن يزيل مرضه، أو مرض دوابه، أو يقضي دينه، أو ينتقم له من عدوه، أو يعافي نفسه وأهله ودوابه، ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل، فهذا شرك صريح، يجب أن يستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل.
وإن قال: أنا أسأله لكونه أقرب إلى الله مني ليشفع لي في هذه الأمور، لأني أتوسل إلى الله به كما يتوسل إلى السلطان بخواصه وأعوانه. فهذا من أفعال المشركين والنصارى، فإنهم يزعمون أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم شفعاء، يستشفعون بهم في مطالبهم، وكذلك أخبر الله عن المشركين أنهم قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 3]) (4).
(د) أجمع أهل العلم على أن من دعا غير الله أو استغاث به فيما لا يقدر عليه إلا الله تعالى فهو كافر خارج من الملة الإسلامية.
يقول ابن تيمية:
(فمن جعل الملائكة والأنبياء وسائط يدعوهم، ويتوكل عليهم، ويسألهم جلب المنافع، ودفع المضار، مثل أن يسألهم غفران الذنوب، وهداية القلوب، وتفريج الكروب، وسد الفاقات، فهو كافر بإجماع المسلمين)(5).
(1)((مجموع الفتاوى)) (1/ 126).
(2)
((مجموع الفتاوى)) (1/ 126).
(3)
((مجموع الفتاوى)) (1/ 126).
(4)
((مجموع الفتاوى)) (27/ 72) بتصرف يسير، وانظر (27/ 67، 81 - 90، 3/ 275). و ((قاعدة جليلة في التوسل)) (ص 49) و ((الرد على البكري)) (55).
(5)
((مجموع الفتاوى)) (1/ 124) وانظر ((الإنصاف للمرداوي)) (10/ 327) و ((كشاف القناع)) للبهوتي (6/ 168) و ((غاية المنتهى)) (3/ 337) والفروع (3/ 553)
ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب (1) معلقاً على هذا الإجماع: (وهو إجماع صحيح، معلوم بالضرورة من الدين، وقد نص العلماء من أهل المذاهب الأربعة، وغيرهم في باب حكم المرتد على أن من أشرك بالله فهو كافر، أي عبد مع الله غيره بنوع من أنواع العبادة)(2).
ويقول ابن تيمية أيضاً:
(سؤال الميت والغائب نبيًّا كان أو غيره من المحرمات المنكرة باتفاق المسلمين، لم يأمر الله به ولا رسوله، ولا فعله أحد من أئمة المسلمين، وهذا مما يعلم بالاضطرار من دين المسلمين أن أحداً منهم كان يقول إذا نزلت به ترة (تبعة)، أو عرضت له حاجة لميت يا سيدي فلان، أنا في حسبك، أو اقض حاجتي كما يقول بعض هؤلاء المشركين لمن يدعونهم من الموتى والغائبين، ولا أحد من الصحابة رضي الله عنهم استغاث بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، ولا بغيره من الأنبياء، لا عند قبورهم، ولا إذا بعدوا عنها) (3).
ويقول في موضع ثالث: (وأما دعاء صفات الله وكلماته فكفر باتفاق المسلمين فهل يقول مسلم يا كلام الله اغفر لي وارحمني، وأغثني، أو أعني، أو يا علم الله، أو يا قدرة الله، أو يا عزة الله، أو يا عظمة الله ونحو ذلك)(4).
ويقول رحمه الله:
(إن دعاء غير الله كفر، ولهذا لم ينقل دعاء أحد من الموتى والغائبين لا الأنبياء ولا غيرهم عن أحد من السلف وأئمة العلم، وإنما ذكره بعض المتأخرين ممن ليس من أئمة العلم المجتهدين)(5).
ويقول ابن عبد الهادي (6): (ولو جاء إنسان إلى سرير الميت يدعوه من دون الله ويستغيث به، كان هذا شركاً محرماً بإجماع المسلمين)(7).
والآن نسوق جملة من كلام أهل العلم في هذا المبحث على النحو التالي:
(قال ابن عقيل: لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام، عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم، إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم، قال: وهم كفار عندي بهذه الأوضاع، مثل: تعظيم القبور وإكرامها بما نهى الشرع عنه، ومن إيقاد النيران وتقبيلها وتخليقها، وخطاب الموتى بالألواح، وكتب الرقاع فيها: يا مولاي افعل بي كذا وكذا، وأخذ التراب تبركاً)(8).
ويقول ابن تيمية:
(فكل من غلا في حي، أو في رجل صالح
…
وجعل فيه نوعاً من الإلهية، مثل أن يقول يا سيدي فلان اغفر لي، أو ارحمني، أو انصرني، أو ارزقني، أو أغثني، أو أجرني، أو توكلت عليك، أو أنت حسبي، أو أنا في حسبك، أو نحو هذه الأقوال والأفعال، التي هي من خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله تعالى، فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل، فإن الله إنما أرسل الرسل، وأنزل الكتب لنعبد الله وحده لا شريك له، ولا نجعل مع الله إلهاً آخر) (9).
ويقول أيضاً:
(1) ولد في الدرعية عام 1200هـ اشتغل بالعلم والتدريس، وله عناية فائقة بالحديث، وتولى القضاء، وله مؤلفات، توفي مقتولاً سنة 1233 هـ انظر:((علماء نجد)) (1/ 293) و ((الأعلام)) (3/ 129)
(2)
((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 229).
(3)
((الرد على البكري)) (ص: 231)
(4)
((الرد على البكري)) (ص: 231)
(5)
((قاعدة جليلة)) (ص: 285)، وانظر ((الرد على البكري)) (ص: 312).
(6)
أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي الحنبلي، مقرئ، فقيه، أصولي محدث، له مؤلفات، توفي بدمشق سنة 744 هـ. انظر:((الدرر الكامنة)) (3/ 421)، و ((البدر الطالع)) (2/ 108).
(7)
([9995])((الصارم المنكي)(ص 436).
(8)
((تلبيس إبليس)) لابن الجوزي (ص455)
(9)
((مجموع الفتاوى)) (3/ 359) باختصار، وانظر ((قاعدة جليلة)) (ص 243، 300)، والرد على الأخنائي (ص 61) ، و ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 703) و ((مختصر الفتاوى المصرية)) (ص 191، 193، 195).
(فإنا بعد معرفة ما جاء به الرسول نعلم بالضرورة أنه لم يشرع لأمته أن تدعوا أحداً من الأموات، لا الأنبياء، ولا الصالحين، ولا غيرهم لا بلفظ الاستغاثة، ولا بغيرها، ولا بلفظ الاستعاذة ولا بغيرها، كما أنه لم يشرع لأمته السجود لميت، ولا لغير ميت ونحو ذلك، بل نعلم أنه نهى عن كل هذه الأمور، وإن ذلك من الشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله، ولكن لغلبة الجهل، وقلة العلم بآثار الرسالة في كثير من المتأخرين، ولم يمكن تكفيرهم بذلك حتى يتبين لهم ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم مما يخالفه، ولهذا ما بينت هذه المسألة قط لمن يعرف أصل الإسلام إلا تفطن وقال: هذا أصل دين الإسلام)(1).
ويقول الأمير الصنعاني (2):
(من نادى الله ليلاً ونهاراً، سرًّا وجهاراً خوفاً وطمعاً، ثم نادى معه غيره، فقد أشرك في العبادة، فإن الدعاء من العبادة، وقد سماه الله تعالى عبادة في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر، آية 60]، بعد قوله: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60])(3).
ويقول حسين بن مهدي النعمي:
(هذه العبادة بكيفيتها موضوعة للرب الأحد الصمد، السميع القريب المجيب، مالك الملك، والدعاء هذا مجراه، وهذه منزلته، فدعاء غير الله تعالى إخراج للدعاء عن محله وموضوعه، كقيامه بتلك الصلاة على تلك الكيفية للمقبور والحجر، سواء بسواء، والفصل بين الصلاة والدعاء فصل بين متآخيين، وإلا فليجعلوا للمقبور صلاة وصياماً ونحوهما، يفارق الذم والتشريك، ويكون صالحاً خالياً عن الفساد والمنكر، سبحانك ربنا، هذا بهتان عظيم.
فما بال الدعاء الذي هو العلم المشهور في العبادة، وآيات التنزيل، بل هو في الحقيقة بداية الأمر ومشرعه، وقطب رحاه، سل من مركزه، واستنزل من شوامخ صياصيه، وهو أظهر وأشهر معنى من العبادة، وأكثر تنصيصاً وتعييناً!) (4).
ويقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
(فمن دعا غير الله طالباً منه ما لا يقدر عليه إلا الله من جلب نفع، أو دفع ضر فقد أشرك في عبادة الله، كما قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَاّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 6 - 7].
وقال تعالى: وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر: 14 - 15]. فأخبر تبارك وتعالى أن دعاء غير الله شرك، فمن قال يا رسول الله، أو يا عبد الله بن عباس، أو يا عبد القادر، أو يا محجوب زاعماً أنه يقضي حاجته إلى الله تعالى، أو أنه شفيعه عنده أو وسيلته إليه فهو الشرك الذي يهدر الدم، ويبيح المال إلا أن يتوب من ذلك) (5).
ويقول الشيخ حمد بن ناصر بن معمر:
(1)((الرد على البكري)) (ص: 376) وانظر ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (1/ 29).
(2)
هو محمد بن إسماعيل الصنعاني، محدث فقيه أصولي، من أئمة اليمن، رحل إلى الحرمين له مؤلفات، توفي بصنعاء سنة 1182 هـ. انظر:((البدر الطالع)) (2/ 133) و ((معجم المؤلفين)) (9/ 56).
(3)
((تطهير الاعتقاد)) (ص: 24)، وانظر (ص: 19).
(4)
((معارج الألباب)) (ص: 225).
(5)
((الدرر السنية)) (2/ 19)
(لا نعلم نوعاً من أنواع الكفر والردة، ورد فيه من النصوص مثل ما ورد في دعاء غير الله بالنهي عنه والتحذير من فعله والوعيد عليه)(1).
وقال الشوكاني:
(وإخلاص التوحيد لا يتم إلا بأن يكون الدعاء كله لله، والنداء والاستغاثة، والرجاء، واستجلاب الخير، واستدفاع الشر له ومنه، لا لغيره ولا من غيره فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن: 18]، لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ [الرعد: 14])(2).
ويقول أيضاً: (فإن الشرك هو دعاء غير الله الأشياء التي تختص به، أو اعتقاد القدرة لغيره فيما لا يقدر عليه سواه، أو التقرب إلى غيره بشيء مما لا يتقرب به إلا إليه، ومجرد تسمية المشركين لما جعلوه شريكاً بالصنم والوثن والإله لغير الله زيادة على التسمية بالولي والقبر والمشهد كما يفعله كثير من المسلمين، بل الحكم واحد إذا حصل لمن يعتقد في الولي والقبر ما كان يحصل لمن كان يعتقد في الصنم والوثن، إذ ليس الشرك هو مجرد إطلاق بعض الأسماء على بعض المسميات، بل الشرك هو أن يفعل لغير الله شيئاً يختص به سبحانه، سواء أطلق على ذلك الغير ما كان تطلقه عليه الجاهلية، أو أطلق عليه اسماً آخر، فلا اعتبار بالاسم قط)(3).
ويقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن في هذا المقام:
(من المستحيل شرعاً وفطرة وعقلاً أن تأتي هذه الشريعة المطهرة الكاملة بإباحة دعاء الموتى، والغائبين والاستغاثة بهم في المهمات والملمات)(4).
ويقول أيضاً:
(الأدلة والنصوص متواترة متظاهرة على أن طلب الحوائج من الموتى والتوجه إليهم شرك محرم، وأن فاعله من أسفه السفهاء، وأضل الخلق، وأنه ممن عدل بربه، وجعل له أنداداً وشركاء في العبادة التي لا تصلح لسواه، ولا تنبغي لغيره)(5).
ويقول محمد رشيد رضا:
(فمن دعا إلى عبادة نفسه، فقد دعا الناس إلى أن يكونوا عابدين له من دون الله، وإن لم ينههم عن عبادة الله
…
ومن جعل بينه وبين الله واسطة في العبادة كالدعاء فقد عبد هذه الواسطة من دون الله؛ لأن هذه الواسطة تنافي الإخلاص له وحده، ومتى انتفى الإخلاص انتفت العبادة، ولذلك قال تعالى: فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَاّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر: 2 - 3] فلم يمنع توسطهم بالأولياء إليه تعالى أن يقول إنهم اتخذوهم من دونه) (6).
ويقول أيضاً:
(ومن الناس من يسمون أنفسهم موحدين، وهم يفعلون مثل ما يفعل جميع المشركين، ولكنهم يفسدون في اللغة كما يفسدون في الدين، فلا يسمون أعمالهم هذه عبادة، وقد يسمونها توسلاً وشفاعة، ولا يسمون من يدعونهم من دون الله أو مع الله شركاء، ولكن لا يأبون أن يسموهم أولياء وشفعاء وإنما الحساب والجزاء على الحقائق لا على الأسماء.
إلى أن قال ومن تأمل تعبير الكتاب العزيز عن العبادة بالدعاء في أكثر الآيات الواردة في ذلك وهي كثيرة جداً، يعلم كما يعلم من اختبر أحوال البشر في عباداتهم أن الدعاء هو العبادة الحقيقية الفطرية التي يثيرها الاعتقاد الراسخ من أعماق النفس ولاسيما عند الشدة) نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف- ص 139
(1)((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) (4/ 602).
(2)
الدر النضيد (ضمن الرسائل السلفية)(ص: 17).
(3)
الدر النضيد (ضمن الرسائل السلفية)(ص: 18).
(4)
((دلائل الرسوخ)) (ص: 79).
(5)
((مصباح الظلام)) (ص: 252).
(6)
((تفسير المنار)) (3/ 347)