المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل - الموسوعة العقدية - جـ ٦

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المبحث الأول: الأدلة من القرآن الكريم

- ‌المبحث الثاني: الأدلة من السنة المطهرة

- ‌الفصل الثاني: أقوال أهل السنة في مسمى الإيمان، وما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الأول: أقوال أئمة أهل السنة والجماعة في مسمى الإيمان وزيادته ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: نقل الإجماع على أن الإيمان قول وعمل ويزيد وينقص

- ‌المطلب الثاني: أقوال السلف في أن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص

- ‌المبحث الثاني: ما يدخل في مسمى الإيمان من الأوامر والنواهي

- ‌المبحث الثالث: ما روي عن الإمام مالك في زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الأول: أوجه زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: تعلم العلم النافع

- ‌المطلب الثاني: التأمل في آيات الله الكونية

- ‌المطلب الثالث: الاجتهاد في القيام بالأعمال الصالحة

- ‌المبحث الثالث: أسباب نقصان الإيمان

- ‌المبحث الأول: شعب الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الأدلة على أن الإيمان مركب من شعب

- ‌الفصل الخامس: الاستثناء في الإيمان

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: بيان قول أهل السنة في الاستثناء ومأخذهم فيه وأدلتهم عليه

- ‌المبحث الثاني: نقل أقوال السلف في الاستثناء مع التوفيق بينها

- ‌المبحث الثالث: ما ورد عنهم من تبديع السؤال بـ (أمؤمن أنت)

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الشهادتان

- ‌المبحث الثاني: الصلاة

- ‌المبحث الثالث: الزكاة

- ‌المبحث الرابع: الصوم

- ‌المبحث الخامس: الحج

- ‌المبحث السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

- ‌الفصل الثاني: هل الإسلام يزيد وينقص

- ‌الفصل الثالث: الاستثناء في الإسلام

- ‌المبحث الأول: هل الإسلام هو الإيمان

- ‌المبحث الثاني: حالات ورود لفظ الإيمان والإسلام في كلام الله ورسوله

- ‌المبحث الثالث: التلازم بين الإيمان والإسلام

- ‌المبحث الرابع: ثمرة التفريق بين الإسلام والإيمان

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: أصل الإيمان، أو الإيمان المجمل، أو مطلق الإيمان

- ‌المبحث الثاني: الإيمان الواجب، أو الإيمان المفصل، أو الإيمان المطلق، أو حقيقة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: الإيمان المستحب، أو الإيمان الكامل بالمستحبات

- ‌المبحث الرابع: الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان

- ‌المبحث الخامس: دخول الأعمال في هذه المراتب الثلاثة

- ‌المبحث السادس: حكم التقصير في كل مرتبة من المراتب الثلاث

- ‌الفصل الثاني: التلازم بين الظاهر والباطن

- ‌المبحث الأول: مرتبة الإسلام

- ‌المبحث الثاني: مرتبة الإيمان

- ‌المبحث الثالث: مرتبة الإحسان

- ‌تمهيد

- ‌المسألة الأولى: تعريف الصغائر

- ‌المسألة الثانية: الإصرار على الصغائر

- ‌المسألة الأولى: تعريف الكبيرة والفرق بينها وبين الصغيرة

- ‌المسألة الثانية: حكم الإصرار على المعصية

- ‌المبحث الثاني: الفاسق الملي

- ‌المطلب الأول: تعريف الفسق

- ‌المطلب الثاني: المقصود بالفاسق الملي

- ‌المبحث الثالث: حكم أهل الكبائر (الفاسق الملي) عند أهل السنة

- ‌المطلب الأول: هل عاصي أهل القبلة يوصف بالإيمان التام

- ‌المطلب الثاني: هل القول بعدم تكفير عصاة الموحدين على إطلاقه أم مقيد

- ‌المطلب الثالث: ما ورد من الذنوب تسميته كفرا، أو فيه نفي الإيمان عن صاحبه أو البراءة منه

- ‌المطلب الأول: أحكام الدنيا

- ‌المطلب الثاني: أحكام الآخرة من ثواب وعقاب

- ‌تمهيد:

- ‌المبحث الأول: أدلة أهل السنة على هذا الأصل

- ‌المبحث الثاني: ضوابط أهل السنة في مسألة اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد

- ‌المبحث الثالث: اجتماع الإيمان وبعض شعب الكفر في الشخص الواحد وأثره في مسألة الولاء والبراء

- ‌الفصل الثالث: أسباب ترك الإيمان والإعراض عنه

- ‌الفصل الأول: هل الإيمان مخلوق

- ‌الفصل الثاني: حكم إيمان المقلدين

- ‌الفصل الثالث: حكم من مات من أطفال المسلمين

- ‌الفصل الرابع: حكم من مات من أطفال المشركين

- ‌الفصل الخامس: حكم أهل الفترة

- ‌تمهيد في تعريف الناقض

- ‌الباب الأول: تعريف الكفر والردة، وضوابط إجراء الأحكام

- ‌المبحث الأول: تعريف الكفر

- ‌المبحث الثاني: أنواع الكفر

- ‌المبحث الثالث: ضابط التفريق بين الكفر الأكبر والأصغر

- ‌المبحث الرابع: قواعد في معرفة أنواع الكفر

- ‌المبحث الخامس: الكفر يكون قولاً باللسان، واعتقاداً بالقلب، وعملاً بالجوارح

- ‌الفصل الثاني: تعريف الردة

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: الحكم بالظاهر وأدلته

- ‌المبحث الثاني: تكفير المعين والفرق بينه وبين تكفير المطلق

- ‌المطلب الأول: التكفير والتعذيب يكون بعد قيام الحجة

- ‌المطلب الثاني: كيفية قيام الحجة على المعين

- ‌المطلب الثالث: قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص

- ‌المبحث الرابع: عدم التكفير بكل ذنب

- ‌المبحث الخامس: اعتبار المقاصد

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول: العذر بالجهل

- ‌المطلب الأول: تعريف الخطأ لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: الفرق بين الخطأ وبين الجهل

- ‌المطلب الثالث: أدلة العذر بالخطأ

- ‌المطلب الأول: تعريف التأويل لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتأويل

- ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

- ‌المطلب الرابع: التكفير بالمآل أو بلازم المذهب

- ‌المطلب الأول: تعريف الإكراه لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع الإكراه

- ‌المطلب الثالث: شروط الإكراه

- ‌المطلب الرابع: الإكراه على الكفر

- ‌المطلب الأول: تعريف التقليد لغة واصطلاحا

- ‌المطلب الثاني: أنواع التقليد

- ‌المطلب الثالث: التقليد في العقيدة وهل يعتبر عذرا

- ‌المبحث السادس: العجز

- ‌المطلب الأول: تعريف التقية

- ‌المطلب الثاني: العذر بالتقية

- ‌الباب الثاني: نواقض الإيمان في باب التوحيد

- ‌المبحث الأول: ما يناقض قول القلب

- ‌المطلب الأول: الشرك في الربوبية

- ‌المطلب الثاني: الشرك في الألوهية

- ‌المطلب الثالث: إنكار اسم أو صفة لله تعالى

- ‌المطلب الرابع: الإعراض عن دين الله

- ‌المطلب الخامس: الشك في حكم من أحكام الله أو خبر من أخباره

- ‌المطلب الأول: كفر الإباء والاستكبار

- ‌المطلب الثاني: الشرك الأكبر بعمل القلب

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالاعتقاد

- ‌المطلب الأول: حكم سب الله تعالى أو الاستهزاء به:

- ‌المطلب الثاني: هل من سب الله تقبل توبته وهل يستتاب كالمرتد

- ‌المبحث الثاني: أمثلة لنواقض الإيمان بالقول

- ‌المطلب الأول: الذبح والنذر الركوع والسجود والطواف

- ‌المطلب الثاني: الاستغاثة بغير الله تعالى

- ‌المطلب الثالث: دعاء الموتى

- ‌المبحث الثاني: شرك التشريع والحكم بغير ما أنزل الله

- ‌المبحث الثالث: أمثلة أخرى لنواقض الإيمان بالفعل

- ‌تمهيد

- ‌المطلب الأول: رأي من يعتقد هذا الاعتقاد باختصار

- ‌المطلب الثاني: الرد على هذا الادعاء

- ‌المطلب الثالث: حكم من اعتقد هذا الاعتقاد

- ‌المبحث الثاني: ادعاء النبوة

- ‌المبحث الثالث: إنكار الكتب المنزلة أو شيء منها

- ‌المبحث الرابع: بغض أو كراهية بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الخامس: اعتقاد أن هدي غير النبي صلى الله عليه وسلم أكمل وأفضل

- ‌المبحث السادس: كفر من سوغ اتباع شريعة غير شريعة محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث السابع: من استهزأ بشيءٍ جاء به النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن: تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم أو الشك في رسالته

- ‌المبحث التاسع: كفر من أقر بنبوة بعض الأنبياء دون بعض

- ‌المطلب الأول: كفر وقتل من سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين

- ‌أولاً: الأدلة من القرآن على كفر ساب الرسول

- ‌ثانياً: الأدلة من السنة على قتل ساب الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثاني: من كذب على رسول الله

- ‌المبحث الثالث: سب الأنبياء

- ‌الفصل الثالث: النواقض العملية في باب النبوات (الاستهانة بالمصحف مثالاً)

- ‌الفصل الأول: إنكار الملائكة والجن

- ‌المبحث الأول: إنكار البعث

الفصل: ‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

‌المطلب الثالث: الموقف من أهل التأويل

الخلاف بين العلماء في حدود التأويل المقبول وغير المقبول، أدى إلى خلاف بينهم في الحكم على الفرق المتأوّلة، ونحن لن نبحث تفصيل الحكم على كل فرقة، وهل الراجح تكفيرها أو عدمه، وإنما مقصودنا الإشارة المجملة إلى إعذار الأئمة للمتأوّلين المعينين، مهما بلغ خطؤهم إذا لم تقم عليهم الحجة.

ص: 332

يلخص شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله موقف الأئمة من الفرق المشهورة فيقول: (وأما السلف والأئمة فلم يتنازعوا في عدم تكفير (المرجئة) و (الشيعة المفضلة) ونحو ذلك، ولم تختلف نصوص أحمد في أنه لا يكفر هؤلاء، وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع – من هؤلاء وغيرهم – خلافاً عنه، أو في مذهبه، حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم وهذا غلط على مذهبه، وعلى الشريعة، ومنهم من لم يكفر أحداً من هؤلاء إلحاقاً بأهل المعاصي، قالوا: فكما أن من أصول أهل السنة والجماعة أنهم لا يكفرون أحداً بذنب، فكذلك لا يكفرون أحداً ببدعة، والمأثور عن السلف والأئمة إطلاق أقوال بتكفير (الجهمية المحضة) الذين ينكرون الصفات، وأما الخوارج والروافض ففي تكفيرهم نزاع وتردد عن أحمد وغيره، وأما القدرية الذين ينفون الكتابة والعلم فكفروهم، ولم يكفروا من أثبت العلم ولم يثبت خلق الأفعال) (1)، ثم بين سبب التنازع، فيقول:(وسبب هذا التنازع تعارض الأدلة، فإنهم يرون أدلة توجب إلحاق أحكام الكفر بهم، ثم إنهم يرون من الأعيان، الذين قالوا تلك المقالات من قام به من الإيمان ما يمتنع أن يكون كافراً، فيتعارض عندهم الدليلان، وحقيقة الأمر أنهم أصابوا في ألفاظ العموم في كلام الأئمة، ما أصاب الأولين في ألفاظ العموم في نصوص الشارع، كلما رأوهم قالوا: من قال كذا فهو كافر، اعتقد المستمع أن هذا اللفظ شامل لكل من قاله، ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وإن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين، إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع، بين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة، الذين أطلقوا هذه العمومات (2)، ولم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه .. ) (3)، ثم ضرب مثالاً كرره في عدة مواضع – وهو موقف الإمام أحمد من أعيان الجهمية فقال:(مع أن أحمد لم يكفر أعيان الجهمية، ولا كل من قال: إنه جهمي كفره، ولا كل من وافق الجهمية في بعض بدعهم، بل صلى خلف الجهمية الذين دعوا إلى قولهم، وامتحنوا الناس وعاقبوا من لم يوافقهم بالعقوبات الغليظة، لم يكفرهم أحمد وأمثاله، بل كان يعتقد إيمانهم، وإمامتهم، ويدعو لهم، ويرى الائتمام بهم في الصلاة خلفهم، والحج والغزو معهم، والمنع من الخروج عليهم ما يراه لأمثالهم من الأئمة، وينكر ما أحدثوا من القول الباطل الذي هو كفر عظيم، وإن لم يعلموا هم أنه كفر، وكان ينكره ويجاهدهم على رده بحسب الإمكان، فيجمع بين طاعة الله ورسوله في إظهار السنة والدين، وإنكار بدع الجهمية الملحدين، وبين رعاية حقوق المؤمنين من الأئمة والأمة، وإن كانوا جهالاً مبتدعين، وظلمة فاسقين)(4)،

(1)((مجموع الفتاوى)) (3/ 351، 352)، (282)، وانظر (7/ 507).

(2)

مثل قولهم، من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة فهو كافر ونحو ذلك.

(3)

((الفتاوى)) (12/ 487، 488).

(4)

((الفتاوى)) (7/ 507، 508))، وانظر (12/ 488)، (489، 23/ 348، 349) ..

ص: 333

أما تكفير الإمام أحمد لبعض أعيان الجهمية، فبين شيخ الإسلام ذلك بقوله:(وهذه الأقوال والأعمال منه ومن غيره من الأئمة صريحة في أنهم لم يكفروا المعينين من الجهمية، الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق، وأن الله لا يرى في الآخرة، وقد نقل عن أحمد ما يدل على أنه كفر به قوماً معينين، فإما أن يذكر عنه في المسألة روايتان ففيه نظر، أو يحمل الأمر على التفصيل، فيقال: من كفر بعينه، فليقام الدليل على أنه وجدت فيه شروط التكفير، وانتفت موانعه، ومن لم يكفره بعينه فلانتفاء ذلك في حقه، هذا مع إطلاق قوله بالتكفير على سبيل العموم)(1).

ونختم هذه النقولات عن شيخ الإسلام، بنص أشبه بالقاعدة، التي تساعدنا على فهم كلام الأئمة في التكفير أو التبديع على العموم وعلى التعيين، يقول:(فإذا رأيت إماماً قد غلظ على قائل مقالته، أو كفره فيها فلا يعتبر هذا حكماً عاماً في كل من قالها، إلا إذا حصل فيه الشرط الذي يستحق به التغليظ عليه، والتكفير له، فإن جحد شيئاً من الشرائع الظاهرة، وكان حديث العهد بالإسلام، أو ناشئاً ببلد جهل لا يكفر حتى تبلغه الحجة النبوية، وكذلك العكس إذا رأيت المقالة المخطئة، قد صدرت من إمام قديم فاغتفرت، عدم بلوغ الحجة له، فلا يغتفر لمن بلغته الحجة ما اغتفر للأول)(2).

(1)((مجموع الفتاوى)) (12/ 489) وانظر ((الإرشاد إلى معرفة الأحكام))، للسعدي (ص: 209).

(2)

((مجموع الفتاوى)) (6/ 61)

ص: 334

ونختم هذه الفقرة بتفصيل جيد ذكره الشيخ ابن سعدي – رحمه الله – بين فيه موقف السلف من المبتدعة ومن يعذر منهم ومن لا يعذر، قال:(أما أهل السنة والجماعة فيسلكون معهم ومع جميع أهل البدع المسلك المستقيم المبني على الأصول الشرعية والقواعد المرضية، ينصفونهم، ولا يكفرون منهم إلا من كفره الله ورسوله، ويعتقدون أن الحكم بالكفر والإيمان من أكبر حقوق الله وحقوق رسوله، فمن جحد ما جاء به الرسول أو جحد بعضه غير متأوّل من أهل البدع فهو كافر، لأنه كذب الله ورسوله واستكبر على الحق وعانده، فكل مبتدع من جهمي وقدري وخارجي ورافضي ونحوهم عرف أن بدعته مناقضة لما جاء به الكتاب والسنة ثم أصر عليها ونصرها فهو كافر بالله العظيم مشاق لله ورسوله من بعد ما تبين له الهدى، زمن كان من أهل البدع مؤمناً بالله ورسوله ظاهراً وباطناً معظماً لله ورسوله ملتزماً ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكنه خالف الحق وأخطأ في بعض المقالات وأخطأ في تأويله، من غير كفر وجحد للهدى الذي تبين له لم يكن كافراً، ولكنه يكون فاسقاً مبتدعاً، أو مبتدعاً ضالاً، أو معفواً عنه لخفاء المقالة، وقوة اجتهاده في طلب الحق الذي لم يظفر به، ولهذا كان الخوارج والمعتزلة والقدرية ونحوهم من أهل البدع أقساماً متنوعة: منهم من هو كافر بلا ريب كغلاة الجهمية (1)، الذين نفوا الأسماء والصفات وقد عرفوا أن بدعتهم مخالفة لما جاء به الرسول، فهؤلاء مكذبون للرسول عالمون بذلك، ومنهم من هو مبتدع ضال فاسق كالخوارج المتأولين والمعتزلة الذين ليس عندهم تكذيب للرسول ولكنهم ضلوا ببدعتهم، وظنوا أن ما هم عليه هو الحق، ولهذا اتفق الصحابة رضي الله عنهم، في الحكم على بدعة الخوارج ومروقهم كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة فيهم، واتفقوا – أيضاً على عدم خروجهم من الإسلام (2) مع أنهم استحلوا دماء المسلمين، وأنكروا الشفاعة في أهل الكبائر، وكثيراً من الأصول الدينية، ولكن تأويلهم منع من تكفيرهم، ومن أهل البدع من هو دون هؤلاء ككثير من القدرية وكالكلابية والأشعرية، فهؤلاء مبتدعة ضالون في الأصول التي خالفوا فيها الكتاب والسنة، وهي معروفة مشهورة، وهم في بدعهم مراتب بحسب بعدهم عن الحق وقربهم، وبحسب بغيهم على أهل الحق بالتكفير والتفسيق والتبديع، وبحسب قدرتهم على الوصول إلى الحق، واجتهادهم فيه، وضد ذلك، وتفصيل القول فيه يطول جداً

) (3) وخلاصة موقف السلف من المتأوِّلين أنهم لا يحكمون على جميع الفرق المتأوّلة المنتسبة لهذه الأمة، حكماً عاماً بالكفر أو عدمه، وإذا حكموا على بعضها بالكفر (كحكمهم على غلاة الجهمية) فيفرقون بين الحكم العام، وبين الحكم على المعين، فالمعينون متفاوتون بحسب قيام الحجة عليهم أو عدم قيامها، وبحسب اجتهادهم وتأويلهم، أو استكبارهم وجحدهم، ففيهم المنافق والزنديق، وفيهم المبتدع الضال، وفيهم الفاسق، وفيهم المجتهد المغفور له خطؤه والله أعلم. نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبدالله بن علي الوهيبي– 2/ 31

(1) مع التفريق: بين التكفير بالعموم والتعيين.

(2)

ذكر الإمام الطبري والخطابي الإجماع على كفر الخوارج، ونقل عن غيرهم من الأئمة خلاف ذلك، انظر ((فتح الباري)) (12/ 299 – 301)، و ((الفتاوى)) (3/ 28)، ((إيثار الحق)) (ص: 429)، ((العواصم والقواصم)) (4/ 369)، وغيرها.

(3)

((توضيح الكافية الشافية)) (ص: 156 – 158)، وانظر نصاً مشابهاً في ((الإرشاد إلى معرفة الأحكام)) (ص: 207 – 209)، وانظر في مسألة إكفار المتأولين، ((الشفا)) للقاضي عياض (2/ 1051 – 1086)، ((إيثار الحق على الخلق)) (ص: 420 – 450)، و ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)) للشيخ محمد العثيمين (ص: 87 – 89) وتفصيل جيد لسعيد بن ناصر الغامدي في ((حقيقة البدعة وأحكامها)) (2/ 262 - 300).

ص: 335