الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 830]
السنة السادسة من سلطنة الملك الأشرف برسباى «1» على [مصر]«2»
وهى سنة ثلاثين وثمانمائة.
[فيها]«3» توفى الشيخ الإمام المعتقد زاهد وقته وفريد عصره، أحمد بن إبراهيم ابن محمد اليمنى الأصل الرومى البرصاوي «4» المولد والمنشأ، المصرى الدار والوفاة، المعروف بابن عرب الحنفى، فى ليلة الأربعاء ثانى شهر ربيع الأول بخلوته بخانقاه شيخون، فغسّل بها وحمل إلى مصلاة المؤمنى على رؤوس الأصابع، [50] ونزل السلطان [الملك]«5» الأشرف وحضر الصلاة عليه، وأمّ بالناس قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، ثم حمل وأعيد إلى الشيخونية فدفن بها؛ وكان له مشهد عظيم إلى الغاية، وأبيع بعده ما كان عليه من الثياب بأثمان غالية للتبرك بها.
قلت: وابن عرب هذا أعظم من أدركناه من العبّاد الزهاد فى الدنيا وعدم الاجتماع بالملوك ومن دونهم، والاقتصار فى المأكل والملبس؛ وكان أولا ينسخ للناس بالأجرة، وهو مكب على طلب العلم والعبادة سنين طويلة، إلى أن استقر من جملة صوفية خانقاه شيخون «6» ، بمبلغ ثلاثين درهما [فى]«7» الشهر «8» ، فتعفّف بذلك عن النسخ، وانقطع عن مجالسة الناس، وسكن بخلوة فى الخانقاه المذكورة وأعرض عن كل أحد، وأخذ فى الاجتهاد فى العبادة، واقتصر على ملبس خشن حقير إلى الغاية، وصار يقنع بيسير القوت ولا ينزل من خلوته إلا ليلا لشراء قوته،
ثم يعود إلى منزله فى كل ثلاثة أيام مرة واحدة بعد عشاء الآخرة. وكان من شأنه إذا حاباه أحد من السّوقة فيما يشتريه من قوته، تركه وما حاباه به. فلما عرف منه ذلك ترك الباعة محاباته ووقفوا عندما يشير إليهم به. وكان فى كل شهر خادم الخانقاه يحمل إليه الثلاثين درهما «1» فلا يأخذها إلا عددا، لأن المعاملة بالفلوس وزنا «2» حدثت بعد انقطاعه عن الناس، وكان لا يعرف إلا المعاددة «3» ، وكان لا يقبل من أحد شيئا البتة.
وكان يغتسل بالماء البارد صيفا وشتاء فى بكرة نهار الجمعة، ويمضى إلى صلاة الجمعة من أول نهار الجمعة، ويأخذ فى الصلاة والقراءة. وكان يطيل قيامه فى الصلاة بمقدار أن يقرأ فى كل ركعة حزبين من غير أن يسمع له قراءة ولا تسبيح، وكان لا يرى نهارا إلا عند ذهابه يوم الجمعة إلى الجامع، وكان يعجز السلطان ومن دونه فى الاجتماع به؛ ويحكى عنه كرامات كثيرة، ذكرنا بعضها فى ترجمته فى المنهل الصافى، رحمه الله تعالى ونفعنا ببركته «4» .
وتوفى الأمير سيف الدين قشتم بن عبد الله المؤيدى الدوادار، الذي كان ولى نيابة الإسكندرية فى دولة [الملك]«1» المظفر أحمد، ثم قبض عليه وأخرج بعد مدة إلى حلب على إمرة بها، واستمر بحلب إلى أن خرج مع نائبها الأمير قصروه لقتال التركمان، فقتل فى المعركة فى المحرم. وكان غير مشكور السيرة، وهو أخو إينال المؤيدى المعروف بأخى قشتم؛ وكلاهما ليس بشىء، من المهملين.
وتوفى الشيخ المحدّث الفاضل شهاب الدين أحمد بن موسى بن نصير المتبولى المالكى «2» فى يوم الأربعاء ثامن شهر «3» ربيع الأول، عن خمس وثمانين سنة. وقد حدّث عن عمر ابن [الحسن بن مزيد المعمر المسند الرحلة زين الدين أبى حفص المراغى الحلبى الشهير بابن]«4» أميله، وست العرب «5» ، وجماعة؛ وناب فى الحكم سنين [رحمه الله تعالى]«6»
وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن يوسف بن محمد بن الزعيفرينى «7» الدمشقى الشاعر فى شهر ربيع الأول، وكان ينظم الشعر، ويكتب المنسوب، ويتكلم فى معرفة علم الحرف «8» ، ويتكلم أيضا فى المغيبات، ومال إليه بسبب ذلك جماعة من الأكابر،
وأثرى «1» ، وامتحن فى سنة اثنتى عشرة وثمانمائة، وقطع الملك الناصر لسانه وعقدتين من أصابعه، ورفق به المشاعلى عند قطع لسانه فلم يمنعه ذلك من الكلام.
وكان سبب هذه المحنة أنه نظم لجمال الدين الأستادار ملحمة «2» أو همه أنها ملحمة «3» قديمة، وأنه يملك مصر؛ وبلغ ذلك الملك الناصر [فرج]«4» فأمر به ما ذكرناه.
ولما قطعت أصابعه، صار يكتب بعد موت [الملك]«5» الناصر بشماله، فكتب مرة إلى قاضى القضاة صدر الدين على [بن محمد] «6» بن الآدمى [الدمشقى] «7» الحنفى يقول:
[الطويل]
لقد «8» عشت دهرا فى الكتابة مفردا
…
أصوّر منها أحرفا تشبه الدّرّا
وقد عاد خطى اليوم أضعف ما ترى «9»
…
وهذا الذي يسّر الله لليسرى
فأجابه قاضى القضاة صدر الدين المذكور: [الطويل]
لئن فقدت يمناك حسن كتابة
…
فلا تحتمل همّا ولا تعتقد عسرا
[51]
وأبشر ببشر دائم ومسرّة
…
فقد يسّر الله العظيم لك اليسرى «1»
وتوفى الأمير الطواشى الرومى شبل الدولة كافور الصّرغتمشى زمام دار السلطان وقد قارب الثمانين سنة من العمر، فى يوم الأحد خامس عشرين شهر «2» ربيع الآخر، وأصله من خدام الأمير صرغتمش الأشرفى، ثم أخذه الأتابك منكلى بغا الشمسى وأعتقه. وترقى إلى أن ولاه الملك الناصر فرج زمام داره، فدام على ذلك إلى أن عزل بعد موت الملك المؤيد بمرجان الخازندار الهندى، ثم أعيد إليها بعد مدة. وهو صاحب «3» التربة العظيمة بالصحراء، وبها خطبة وعمارة «4» هائلة، وله مدرسة أخرى أنشأها بخط حارة الديلم من القاهرة. وتولى بعده الزمامية الأمير الطواشى خشقدم الظاهرى الخازندار.
وتوفى الشيخ الأديب البارع المفنن بدر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد المعروف بالبشتكى الظاهرى المذهب، فى يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الآخر، فجاءة «5» فى حوض الحمام. وكان من تلامذة الشيخ جمال الدين بن نباتة فى الأدب، وكان أحد الأفراد فى كثرة النسخ: كان ينسخ فى اليوم خمس كراريس، فإذا تعب اضطجع على جنبه وكتب كما يكتب وهو جالس، فكتب مالا يدخل تحت حصر، وكثيرا ما يوجد ديوان شعر ابن نباتة بخطّه «6» ؛ [ومن شعره] :«7» [الوافر]
وكنت إذا الحوادث دنسّتنى
…
فرغت إلى المدامة والنّديم «1»
لأغسل بالكؤوس الهمّ عنى
…
لأن الراح «2» صابون الهموم «3»
وكان بينه وبين ابن خطيب داريّا «4» أهاجىّ ومكاتبات، ثم بينه وبين شرف الدين عيسى العالية المعروف بعويس «5» ؛ [وفيه يقول عويس المذكور] «6» :[المتقارب]
[أ]«7» يا معشر الصّحب منّى اسمعوا
…
مقالى وكسّ أخت من ينتكى
ألا فالعنوا آكلين الحشيش
…
وبولوا على شارب البشتكى
قلت: والبشتكى ضرب من المسكرات مثل التّمر بغاوى والشّشش. [وله أيضا فيه]«8» :
صحبت جندى لوغيّه
…
فى السكر وأنواع الشروب «9»
كيف ما أجى ألقاه سكران
…
والبشتكى تحتو مكبوب
وتوفى قاضى القضاة نجم الدين عمر بن حجّى بن موسى بن أحمد بن سعد الحسبانّى السّعدى الدمشقى الشافعى، قاضى قضاة دمشق وكاتب السر بالديار المصرية، مذبوحا على فراشه ببستانه بالنّيرب «10» خارج دمشق، فى ليلة الأحد مستهل ذى القعدة، عن ثلاث
وستين سنة، ونسب قتله للزينى عبد الباسط، وللشريف شهاب الدين أحمد كاتب سر دمشق ثم مصر؛ وكان القاضى نجم الدين فقيها بارعا فاضلا كريما حشما وقورا، له مكارم وأفضال وسؤدد «1» ، وهو أحد أعيان أهل دمشق وفقهائهم [رحمه الله تعالى]«2» .
وقد تقدم ذكر محنته «3» عندما ولى كتابة سر مصر فى ترجمة [الملك]«4» الأشرف [هذا]«5» ، فلينظر هناك.
وتوفى الملك المنصور عبد الله ابن الملك الناصر أحمد ابن الملك الأشرف إسماعيل، صاحب اليمن فى جمادى الأولى بها، وأقيم بعده أخوه الملك الأشرف «6» إسماعيل ثم خلع بعد مدة، وأقيم بعده الملك الظاهر هزبر الدين يحيى ابن [الملك]«7» الأشرف إسماعيل فى ثالث شهر رجب؛ وقد تقدم ذكر نسبه فى ترجمة والده من هذا الكتاب فى سنة سبع وعشرين وثمانمائة «8» . وفى أيام هؤلاء الملوك، تلاشى أمر اليمن، وطمع فيها كل أحد.
وتوفى القاضى بدر الدين محمد بن محمد «9» بن محمد [بن إسماعيل بن على البدر أبو عبد الله القرشى]«10» القلقشندى الشافعى أمين الحكم بالقاهرة، فى يوم الاثنين «11» رابع عشرين المحرم؛ وكان مولده أيضا فى أول المحرم من سنة إحدى وأربعين وسبعمائة، وكانت لديه فضيلة وعنده مشاركة.
وتوفى القاضى تقي الدين محمد بن زكى الدين عبد الواحد بن عماد الدين محمد ابن قاضى القضاة علم الدين أحمد الإخنائى المالكى أحد نوّاب الحكم بالقاهرة وهو بمكة، فى ثالث ذى الحجة، عن ثلاث وستين سنة، وكان من بيت فضل وعلم ورئاسة.
[52]
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم أربعة أذرع وخمسة أصابع؛ مبلغ الزيادة عشرون ذراعا سواء.