المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 852] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس عشر]

- ‌مقدمة

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[3] ذكر سفر السلطان الملك الأشرف [برسباى] إلى آمد

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن

- ‌ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى

- ‌ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور

- ‌فرار الملك العزيز

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌ابتداء مرض موت السلطان

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌فهرس

- ‌الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836- 854 ه

- ‌ الخلفاء العباسيون المعاصرون

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ- 854 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌المراجع التى اعتمد عليها المحقق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

[ما وقع من الحوادث سنة 852]

السنة الحادية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة.

فيها توفى الشيخ برهان الدين إبراهيم بن خضر العثمانى الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة خامس عشر المحرم. وكان فاضلا فقيها، تفقه بالقاضى شهاب الدين ابن حجر وبغيره ودرّس وأقرأ، وعدّ من الفضلاء، إلا أنه كان دنس الثياب، غير ضوئى «1» الهيئة، رحمه الله تعالى.

وتوفى الشيخ شهاب الدين أحمد بن عثمان، [عرف بالكوم]«2» الرّيشىّ الشافعى، فى يوم الأربعاء حادى عشرين المحرم. وكان له اشتغال قديم، مع توقف فى ذهنه وفهمه، ثم ترك الاشتغال، وتردد إلى أرباب الدولة لطلب الرزق، على أنه كان دينا خيرا، وعنده سلامة باطن، رحمه الله تعالى.

وتوفى الأمير سيف الدين آقطوه بن عبد الله الموساوى الظاهرى، بطّالا، فى ليلة الثلاثاء ثانى عشر صفر، ودفن من الغد.

وكان أصله من مماليك الملك الظاهر برقوق، وصار من جملة الدّوادارية، فى الدولة المؤيّدية شيخ، ثم تأمّر عشرة، [192] بعد موته، ودام على ذلك دهرا طويلا، وصار مهمندارا [فى الأيام الأشرفية]«3» ، ثم توجه فى الرسلية إلى القان معين الدين شاه رخ بن تيمور لنك «4» ، ثم عاد ودام على ما هو عليه، إلى أن أنعم عليه الملك الظاهر جقمق، بإمرة طبلخاناة، ثم نفاه بعد سنين، ثم أعاده، وأنعم عليه

ص: 525

بإمرة عشرة، ثم نفاه ثانيا، وشفع فيه بعد مدة، فعاد إلى القاهرة بطالا، ودام بها إلى أن مات.

كان تركى الجنس، ويتفقه ويشارك فى ظواهر مسائل، على قاعدة غالب فقهاء الأتراك، سألنى مرة سؤالا، وابتدأ فى سؤاله بقوله:«باب» ، فقبل أن يتم السؤال، قلت له:«باب مرفوع على أى وجه؟» ، فسكت، ثم قال:«هذا شىء لم أسمعه منذ عمرى» ، فضحك جميع من حضر، ولم يسألنى بعدها، إلى أن مات. وكان عفيفا عن الفواحش، إلا أنه كان فيه البخل وسوء الخلق وتعبيس الشكالة، رحمه الله.

وتوفى الشيخ زين الدين عبد الرحمن [بن محمد بن محمد بن يحيى] السّندبيسى «1» الشافعى، أحد فقهاء الشافعية، فى ليلة الأحد سابع عشر صفر، ودفن من الغد «2» ، وكان معدودا من فقهاء الشافعية، رحمه الله تعالى «3» .

وتوفى الأمير سيف الدين أسنباى بن عبد الله الظاهرى الزّردكاش، كان أحد أمراء العشرات، فى العشر الأخير من صفر، عن سنّ عال. وكان من أعيان مماليك الملك الظاهر برقوق، وممن صار فى أيام أستاذه، زردكاشا، وأسر فى كائنة تيمور، وحظى عنده، وجعله تيمورلنك زرد كاشه، ودام عنده إلى أن مات؛ فقدم القاهرة، ودام بها إلى أن استقر فى دولة الملك المؤيد أمير عشرة وزرد كاشا كبيرا، وصار مقربا عند الملك المؤيد إلى الغاية؛ ثم عزل عن الزردكاشية بعد موت الملك المؤيد، ودام على إمرة عشرة، وتولى نيابة دمياط غير مرة، إلى أن مات بالقاهرة على إمرته. وكان رجلا عاقلا عارفا بمداخلة الملوك وبصناعة الزردخاناة، وكان حلو المحاضرة أخباريّا، حافظا لما رأى من الوقائع والحروب وأحوال السلف، وكان حسن السمت، عليه أنس وخفر، ولكلامه رونق ولذة فى السمع؛ نقلت عنه كثيرا

ص: 526

فى «المنهل الصافى» وغيره من أخبار خجداشيته الظاهرية وغيرهم. وكان بينى وبينه صحبة أكيدة. ولقد بلغنى بعد موته، أنه كان سيدا شريفا من أشراف بغداد الأتراك، ونهب منها فى سبى فى بعض السنين، ولم أسأله أنا عن ذلك، والله أعلم بصحة هذا القول «1» .

وتوفى الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن [الوزير]«2» الصاحب تاج الدين عبد الرزاق، بن شمس الدين عبد الله، المعروف بابن كاتب المناخات، بالقاهرة بطّالا، بعد مرض طويل فى يوم الأحد، لعشر بقين من جمادى الآخرة، وسنه نيف على الخمسين. وكان لا بأس به بالنسبة لأبناء جنسه الكتبة، وقد تقدم أنه ولى نظر ديوان المفرد، ثم الوزر غير مرة، ثم الأستادّارية مرتين، ثم كتابة السر، ثم الوزر، ونكب وصودر وضرب بالمقارع فى بعض تعطّله، وتولى الكشف بالوجه القبلى، ثم توجه إلى جدة، ثم أعيد إلى الوزر سنين، ثم استعفى، وتولى عوضه الوزر الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم، رحمه الله تعالى «3» .

وتوفى الأمير سيف الدين شاهين بن عبد الله السيفى طوغان الحسنى الدّوادار، وهو على نيابة قلعة دمشق، فى جمادى الأولى: وكان أصله من مماليك طوغان الحسنى الدوادار، واتصل [بعده]«4» بخدمة الملك الظاهر جقمق، فى أيام إمرته، وصار دواداره، ولما تسلطن، جعله بعد مدة، دوادارا ثالثا، ثم ولّاه نيابة قلعة حلب؛ فوقع له بحلب أمور وعزل منها «5» ، ونقل إلى نيابة قلعة دمشق، إلى أن مات. وكان يصبغ لحيته بالحناء مع بخل وشح، حتى على نفسه، عفا الله تعالى «6» عنه.

وتوفى الناصرى محمد بن على بن شعبان ابن السلطان حسن، بن محمد بن قلاوون،

ص: 527

أحد الأجناد، وندماء الملك الظاهر جقمق فى حياة أبيه وأمه، فى يوم الخميس سابع «1» جمادى الآخرة [ويعرف بابن السلطان حسن]«2» . وكان لا بأس به، إلا أنه كان فى مبدإ أمره فقيرا، وجاءته السعادة لصحبته الملك الظاهر جقمق، فجأة، فكان حاله كقول القائل:[الطويل]

[ويا ويل]«3»

من ذاق الغنا بعد حاجة

يموت وقلبه من الفقر واجس

فكان كذلك، إلا أنه كان بشوشا، ويحسن رمى النّشّاب على قدر حاله، ويجيد الغناء الموسيقى، وفى الجملة، كان له محاسن، مع أصل وعراقة، [رحمه الله]«4» .

[وتوفى]«5» الشيخ زين الدين رضوان بن محمد بن يوسف العقبى الشافعى، مستملى الحديث، فى يوم الاثنين، ثالث شهر [193] رجب. وكان دينا فاضلا حسن السمت منور الشيبة، رحمه الله تعالى.

وتوفى الشيخ الإمام العالم المعتقد، فتح الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن الشيخ وفاء الإسكندرى الأصل، المصرى المولد والمنشأ والوفاة، المالكى الواعظ، المعروف بابن أبى الوفا، فى يوم الاثنين أول شعبان. وكانت جنازته مشهودة ودفن عند آبائه بتربتهم بالقرافة، بعد أن صلى عليه بجامع عمرو بمصر القديمة. وكان أعلم بنى الوفاء قاطبة، وأشعرهم فى زمانه، ومات وسنه نيف على ستين سنة تخمينا، وكان له فضل غزير وشعر رائق كثير، ذكرنا منه قطعة جيدة فى «الحوادث» «6» ، ونذكر منه هنا قصيدة وهى التى أولها:[الكامل]

ص: 528

الرّوح منّى فى المحبة ذاهبه

فاسمح بوصل لاعدمتك ذا هبه

عرفت أياديك الكرام بأنّها

تأسو الجراح من الخلائق قاطبه

قد خصّك الرحمن منه خصائصا

فحللت من أوج الكمال مراتبه

وبنورك الوضّاح فى غسق الدّجى

أطلعت فى فلك الوفاء كواكبه

ما زلت بالمعروف تعرف دائما

وتنيل من آوى إليك مطالبه

لم يبق فى قلبى سواك من الورى

كلّا، ولا فيه لغيرك شائبه

بك يمنح الله الوجود بجوده

ويبثّ فيه عطاءه ومواهبه

وتطيب منك أصوله وفروعه

وتعيش أرواح لبعدك ذائبه

رجع الوفاء بنور وجهك غامرا

أغذيت للورّاد منه مشاربه

وجميل سترك بالوفا عمّ الورى

فمن احتمى فيه سترت معايبه

وشعره كله فى هذا النسق «1» ، رحمه الله تعالى «2» .

وتوفى الشهابى أحمد بن الأمير نوروز بن عبد الله الخضرى الظاهرى، المعروف بشادّ الأغنام: فى يوم الأحد، رابع عشر شعبان. وكان أبوه نوروز، من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتولى حجوبية حلب فى نيابة الوالد على حلب، ثم نقل بعد مدة طويلة إلى حجوبية دمشق، أو إلى إمرة بها، فلم تطل مدته بها، وقبض عليه الأمير تنم الحسنى نائب الشام، لما خرج عن الطاعة، فى سنة اثنتين وثمانمائة، ووسّطه. ونشأ ولده هذا يتيما على حالة رديئة من الفقر والإفلاس، إلى أن خدم الملك الظاهر جقمق فى أيام إمرته، وطالت أيامه فى خدمته، فلما تسلطن قرّبة وأنعم عليه بإمرة بالبلاد الشامية، فلم يسكن الشام، ودام بمصر، حتى أنعم عليه الملك الظاهر جقمق «3» أيضا بإمرة عشرة زيادة على ما بيده بالشام، ثم جعله شادّ الأغنام بالبلاد الشامية، فنالته السعادة من ذلك،

ص: 529

وصار له كلمة فى الدولة، وترأس واقتنى المماليك والخيول، وبقى له حاشية واسم فى المملكة، فعند ذلك انتهز أحمد المذكور الفرصة، وانهمك فى اللذات، فما عفّ ولا كفّ، وبينما هو فى ذلك، طرقه هادم اللذات، ومات بعد مرض طويل، وقد استقر أمير الركب الأول من الحاج، فاستقر الأمير قانم التاجر المؤيّدى عوضه، فى إمرة الركب.

وكان أحمد المذكور مهملا، عاريا من كل علم وفن، أجنبيا عن كل فضيلة، وكان يتلفظ فى كلامه بألفاظ العامة السوقة، مثل:«أقاتل على حسبى» و «أخذت رحلى» ، وأشياء مثل ذلك «1» من هذا النسق. وكان مع ذلك يلثغ بالسين، ويرمى بعظائم، من: ترك الصلاة، وأخذ الأموال، وغير ذلك.

وتوفى الأمير سيف الدين تغرى برمش بن عبد الله الجلالى الناصرى، ثم المؤيّدى الفقيه، نائب قلعة الجبل، بطالا بالقدس الشريف، فى يوم الجمعة ثالث شهر رمضان؛ وقد أناف على الخمسين سنة، هكذا ذكر لى من لفظه، وقال لى: إن أباه كان مسلما فى بلاده، واشتراه بعض التجار ممن سرقه، وابتاعه منه خواجا جلال الدين، وقدم به إلى حلب، فاشتراه الملك الظاهر جقمق منه، وقد توجه جقمق: وهو يوم ذاك خاصكيّا، إلى الأمير جكم نائب حلب بكامليّة الشتاء من السلطان على العادة فى كل سنة، وقدم به جقمق إلى القاهرة، [194] وقدّمه إلى أخيه جاركس القاسمى المصارع، فلما عصى جاركس، أخذه الملك الناصر فرج فيما أخذ الجاركس.

ودام تغرى برمش بالطبقة بقلعة الجبل، حتى ملك الملك المؤيّد شيخ الديار المصرية فأخذه من جملة مماليك الملك الناصر فرج، وأعتقه، فادّعاه الظاهر جقمق، وهو يوم ذاك أمير طبلخاناة وخازندار، فدفع له الملك المؤيّد دراهم ومملوكا يسمى قمارى، وأبقى تغرى برمش على ملكه، ثم صار تغرى برمش بعد موت الملك المؤيد خاصكيّا، إلى أن أخرجه الملك الأشرف من الخاصكية مدة سنين، ثم أعاده بعد مدة، ودام على ذلك إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فنفاه إلى قوص، لكونه خاشنه فى الكلام

ص: 530

بسبب الإمرة، ثم شفع فيه بعد مدة، وأنعم عليه بإمرة عشرة، واستقر به فى نيابة قلعة الجبل، بعد موت ممجق النّوروزى، وقرّبه الملك الظاهر وأدناه، واختص به إلى الغاية وصار له كلمة فى الدولة، فلم يحسن العشرة مع من هو أقرب منه إلى الملك، وأطلق لسانه فى سائر أمور المملكة، حتى ألجأه ذلك إلى سفر الروم فى أمر من الأمور، ثم عاد فدام على ما هو عليه، ثم تكلم فى أمر المجاهدين وأنهم تراخوا فى أخذ رودس، فعيّنه السلطان إلى غزوة رودس، فسافر وعاد وهو على ما هو عليه، فنفاه السلطان إلى القدس بطّالا، فتوجه إليه ودام به إلى أن مات.

وكان تغرى برمش المذكور فاضلا عالما بالحديث ورجاله، مفننا فى أنواعه، كثير الاطلاع، جيد المذاكرة بالتاريخ والأدب وأيام الناس، وله نظم باللغة العربية والتركية، ويكتب المنسوب، ويشارك فى فنون كثيرة، وله محاضرة حسنة ومذاكرة حلوة، هذا مع معرفته بفنون الفروسية المعرفة التامة كآحاد أعيان أمراء الدولة، بل وأمثل منهم، ولا أعلم فى عصرنا من يشابهه فى المماليك خاصة، لما اشتمل عليه من الفضيلة التامة من الطرفين: من فنون الأتراك وعلوم الفقهاء، ومن هو منهم فى هذه الرتبة، اللهم إن كان الأمير بكتمر السعدى فنعم، وإن فاقه بكتمر بأنواع العلاج والقوة، فيزيده تغرى برمش هذا فى الكتابة ونظم الشعر والاطلاع الواسع.

وفى الجملة أنه كان من الأفراد فى عصره فى أبناء جنسه، لولا زهو كان فيه وإعجاب بنفسه، والتعاظم بفنونه، والازدراء بغيره، حتى أنه كان كثيرا ما يقول:

«يأتى واحد من هؤلاء الجهلة يمسك كتاب فى الفقه فيحفظه فى أشهر قليلة، ثم يقول فى نفسه: أنا بقيت فقيها! الفقيه من يعرف العلم الفلانى ثم العلم الفلانى، إيش هؤلاء الذين لا يعرفون معنى باسم الله الرحمن الرحيم!» . فلهذا كان غالب من يتفقه من الأتراك يغض منه ويحط عليه؛ وليس الأمر كذلك، وأنا، الحقّ أقوله، وإن كان فيهم من هو أفقه منه، فليس فيهم أحد يدانيه لكثرة فنونه، ولاتساع باعه فى النظر والاطلاع والفصاحة والأدب، وسوف أذكر من شعره ما يؤيد ما قلته، فمن شعره فى مليح يسمّى شقير:[البسيط]

ص: 531

تفّاح خدّى شقير فيه

مسكىّ لون زها وأزهر

قد بان منه النّوى فأضحى

زهرىّ لون بخدّ مشعر

وقد ذكرنا من شعره أكثر من هذا فى تاريخنا «المنهل الصافى» «1» فى ترجمته، وأما نظمه باللغة التركية، فغاية لا تدرك، له قصيدة واحدة عارض بها شيخى شاعر الروم، يعجز عنها فحول الشعراء، وكان رحمه الله، من عظم إعجابه بنفسه، يقول: إن الأمر سيصير إليه، مع وجود من هو أمثل منه بأطباق، على أنه كان غير الجنس أيضا، ومن أصاغر الأمراء، ومع هذا كله كان لا يرجع عما فيه، قلت: هذه آفة معترضه للقول الصحيح، سامحه الله تعالى.

وتوفى الأمير سيف الدين صرغتمش بن عبد الله القلمطاوى، أحد أمراء العشرات، فى يوم السبت رابع شهر رمضان. وكان أصله من مماليك الأمير قلمطاى الدّوادار، وكان صرغتمش المذكور، لا للسيف ولا للضيف، ولا ذات ولا أدوات.

وتوفى الأمير سيف الدين طوغان بن عبد الله العثمانى، نائب القدس، ثم حاجب حلب، ثم نائب غزة بها، فى ذى القعدة. وأصله من مماليك الأتابك ألطنبغا العثمانى نائب الشام؛ وكان شجاعا مقداما كريما للسيف وللضيف، رحمه الله تعالى.

وتوفى قاضى القضاة شيخ الإسلام، [195] حافظ المشرق والمغرب، أمير المؤمنين فى الحديث [علامة الدهر، شيخ مشايخ الإسلام، حامل لواء سنة الأنام، قاضى القضاة، أوحد الحفاظ والرواة،]«2» شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن الشيخ نور الدين على بن

ص: 532

محمد بن محمد بن على بن أحمد [بن حجر]«1» ، المصرى المولد والمنشأ والدار والوفاة، العسقلانى الأصل، الشافعى، قاضى قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها، فى ليلة السبت ثامن عشرين ذى الحجة، وصلى عليه بمصلاة المؤمنى، وحضر السلطان الصلاة عليه، ودفن بالقرافة. حتى قال بعض الأذكياء: أنه حزر من مشى فى جنازته نحو الخمسين ألف إنسان. وكان لموته يوم عظيم «2» على المسلمين، ومات ولم يخلّف بعد مثله شرقا ولا غربا، ولا نظر هو مثل نفسه فى علم الحديث.

وكان مولده بمصر القديمة فى ثانى عشرين شعبان، سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة، وقد أوضحنا أمره فى ترجمته فى «المنهل الصافى» من ذكر سماعاته ومشايخه وأسماء مصنفاته «3» وولاياته من ابتداء أمره إلى منتهاه، فى أوراق كثيرة يطول الشرح فى ذكرها فى هذا المحل «4» . وكان رحمه الله تعالى إماما عالما حافظا شاعرا أديبا مصنفا مليح الشكل منوّر الشيبة، حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية، عذب المذاكرة مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودربة بالأحكام، ومداراة الناس، قلّ أن كان يخاطب الرجل بما يكره، بل كان يحسن إلى من يسىء إليه، ويتجاوز عمن قدر عليه، هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات؛ وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد ولم يكن فيه ما يعاب، إلا تقريبه لولده لجهل كان فى ولده، وسوء سيرته، وما عساه كان يفعل معه، وهو ولده لصلبه، ولم يكن له غيره؟

وأما شعره فكان فى غاية الحسن، ومما أنشدنى من لفظه لنفسه رحمه الله تعالى «5» :

[الطويل]

خليلىّ ولّى العمر منّا ولم نتب

وننوى فعال الصالحات ولكنّا

ص: 533

فحتّى متى نبنى بيوتا مشيدة

وأعمارنا منّا تهدّ وما تبنى «1»

وله: [المنسرح]

سألت من لحظه وحاجبه

كالقوس والسّهم موعدا حسنا

ففوّق السّهم من لواحظه

وانقوس الحاجبان واقترنا

وله: [الطويل]

أتى «2» من أحبّائى رسول فقال لى:

ترفّق وهن واخضع تفز برضانا

فكم عاشق قاسى الهوان بحبّنا

فصار عزيزا حين ذاق هوانا «3»

أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثمانية عشر أصبعا؛ مبلغ الزيادة:

ثمانية عشر ذراعا وثلاثة وعشرون أصبعا.

ص: 534