المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 839] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس عشر]

- ‌مقدمة

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[3] ذكر سفر السلطان الملك الأشرف [برسباى] إلى آمد

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن

- ‌ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى

- ‌ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور

- ‌فرار الملك العزيز

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌ابتداء مرض موت السلطان

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌فهرس

- ‌الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836- 854 ه

- ‌ الخلفاء العباسيون المعاصرون

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ- 854 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌المراجع التى اعتمد عليها المحقق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

إبراهيم بن قرمان جمع عساكره ونزل على قيصريّة، فوافقه أهلها وسلموها له، وفر سليمان بن ناصر الدين بك منها، فبلغه ظهور جانبك الصوفى، وأنه اجتمع عليه الأمير أسلماس بن كبك، ومحمد بن قطبكى، وهما من أمراء التركمان، ونزلوا على ملطية.

فقدم سليمان على أبيه ناصر الدين [22] بأبلستين، ولم يبلغهما إلى الآن خبر الإفراج عن ولده فياض، وخروجه من مصر مع أمه خديجة. وأخذ ناصر الدين بك يدارى السلطنة ليفرج عن ابنه فياض، وندب ابنه سليمان لقتال أعوان جانبك الصوفى، كل ذلك قبل أن يرد عليه جانبك الصوفى بمدة، وقيل إنه كان أتاه خفية، وبينما هم فى ذلك وصلت خديجة خاتون وولدها فياض إلى زوجها ناصر الدين محمد بن دلغادر، فبلغ ناصر الدين مراده بالإفراج عن ولده، وترك مداراة السلطان، وانضم على جانبك الصوفى حسبما نذكره فى مواضعه من هذه الترجمة إن شاء الله تعالى. وبلغ ذلك قرقماس نائب حلب، فعاد من سفرته بغير طائل.

ومن يومئذ اشتغل فكر السلطان الملك الأشرف بأمر جانبك الصّوفى، وتحقق أمره بعد ما كان يظنه، وأخذ فى عزل جماعة من النواب ممن يخشى شرهم، وتخوف من قرقماس تخوفا عظيما فى الباطن، لئلا «1» يميل إلى جانبك الصوفى، فأول ما بدأ به السلطان، أن عزل الأمير قانصوه النّوروزى عن نيابة طرسوس، ونقله إلى حجوبية الحجاب بحلب عوضا عن الأمير طوغان «2» السيفى تغرى بردى أحد مماليك الوالد، ونقل طوغان المذكور إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، واستقر الأمير جمال الدين يوسف ابن قلدر فى نيابة طرسوس عوضا عن قانصوه.

[ما وقع من الحوادث سنة 839]

ثم فى صفر من سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، ورد الخبر على السلطان: أن شاه رخ ابن تيمور لنك أرسل إلى السلطان مراد بك ابن عثمان، متملك الروم، وإلى الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان المقدم ذكره، وإلى قرايلك وأولاده، وإلى ناصر الدين بك ابن دلغادر، بخلع، على أنهم نوابه فى ممالكهم، فلبس الجميع خلعه، فشق ذلك

ص: 63

على السلطان من كون ابن عثمان «1» لبس خلعته، حتى قيل له: إنه فعل ذلك فى مجلس أنسه استهزاء به. قلت: لبس الخلعة والفشار ما إليه.

ثم فى يوم الاثنين ثانى شهر ربيع الأول من سنة تسع وثلاثين المذكورة، خلع السلطان على القاضى شرف الدين أبى بكر نائب كاتب السر باستقراره فى كتابة سر حلب، عوضا عن زين الدين عمر بن السفاح، بعد امتناع شرف الدين من ذلك أشد امتناع. وسبب ذلك: أن ابن السفاح المذكور كتب إلى السلطان مرارا عديدة بالحطّ على قرقماس نائب حلب، وأنه يريد الوثوب على السلطان والخروج عن الطاعة، وآخر ما ورد كتابه بذلك فى نصف صفر من هذه السنة، [أعنى سنة تسع وثلاثين، فلما وقع ذلك كتب السلطان إلى الأمير قرقماس المذكور بالحضور، وقد يئس السلطان من حضوره]«2» لما قوى عنده من خروجه عن الطاعة، وقلق السلطان قلقا زائدا بعد ما «3» طلبه خوفا من عدم حضوره، فلم يكن بأسرع من مجىء نجّاب قرقماس نائب حلب المقدم ذكره، فى خامس عشرين صفر، يستأذن فى قدوم قرقماس إلى الديار المصرية، وقد بلغه شىء مما رمى به، فغضب السلطان عند ذلك على زين الدين عمر بن السفاح، ورسم بعزله واستقرار شرف الدين المذكور عوضه، وتحقق السلطان أنه لو كان قرقماس مخامرا، لما استأذن فى الحضور، فسرّ السلطان بذلك، وكتب له الجواب بأنه تقدم الطلب له.

وأما قرقماس فإنه لما ورد عليه الطلب من السلطان، خرج على الفور من حلب على الهجن فى خواصه، وسار حتى قدم إلى خارج القاهرة فى يوم الجمعة سادس شهر ربيع الأول المذكور، وطلع من الغد إلى القلعة، فلم يخلع السلطان عليه خلعة الاستمرار لكونه استعفى عن نيابة حلب، فما صدق السلطان بأنه تلفظ بذلك.

ص: 64

ولما كان يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير الكبير إينال الجكمى أتابك العساكر بالديار المصرية باستقراره فى نيابة حلب عوضا عن الأمير قرقماس الشعبانى المذكور «1» ، وخلع على الأمير جقمق العلائى أمير سلاح باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية عوضا عن إينال الجكمى، وخلع على قرقماس نائب حلب باستقراره أمير سلاح عوضا عن الأمير جقمق العلائى. وكان استقرار إينال الجكمى [23] بعد الأتابكية فى نيابة حلب، بخلاف القاعدة، غير أن السلطان أكرمه غاية «2» الإكرام، ووعده بنيابة دمشق، لطول مرض الأمير قصروه نائب الشأم، وبالغ حتى أنه أسرّ له إن مات قصروه قبل وصول إينال إلى حلب فليقم بدمشق، حتى يرسل إليه السلطان بنيابتها، وظهر أيضا للناس أنه لم يولّه نيابة حلب إلا لثقته به؛ [ثم]«3» خرج الأمير إينال إلى محل كفالته فى ثالث عشره.

ثم فى سابع عشره خلع السلطان على الأمير الكبير جقمق العلائى بنظر البيمارستان المنصورى على العادة، وورد الخبر على السلطان: أن بمدينة بروسا، التى يقال لها برصا من بلاد الروم، وباء عظيما «4» دام بممالك الروم نحو أربعة أشهر.

ثم ورد الخبر على السلطان بأن الأمير ناصر الدين بك ابن دلغادر قبض على الأمير جانبك الصوفى فى سابع عشر [شهر]«5» ربيع الأول، وكان السلطان قدم عليه من البلاد الشامية كتاب، وفى ضمنه كتاب من عند شاه رخ بن تيمور لنك، يتضمن تحريض جانبك الصّوفى على أخذ البلاد الشامية، وأنه سيقدم عليه ابنه «6» أحمد جوكى «7» وبابا حاجى نجدة له على قتال سلطان مصر، فقبض على حامل هذا الكتاب

ص: 65

وحبس، فلما بلغ السلطان ذلك كتب إلى نواب البلاد الشامية بالتأهب والاستعداد لنجدة نائب حلب الأمير إينال الجكمى إذا استدعاهم، ولم يكترث السلطان بقبض جانبك الصوفى وقال: هذه حيلة.

وكان من خبر جانبك الصوفى والقبض عليه وهو خلاف ما نقل عنه قبل ذلك لاختلاف الأقوال فى أمره، فخبره من هذا الوجه: أنه لما فرّ «1» من الإسكندرية، دخل القاهرة بعد أمور، ودام بها سنين مختفيا «2» فى حاراتها وظواهرها، إلى أن خرج منها متنكرا وسار إلى البلاد الشامية، ثم إلى بلاد الروم، فظهر بتوقات «3» فى شوال من السنة الماضية، أعنى سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة، فقام متوليها الأمير أركج باشا بمعاونته وأكرمه «4» وأنعم عليه، وكتب إلى ناصر الدين محمد بن دلغادر نائب أبلستين، وإلى أسلماس بن كبك، وإلى محمد بن قطبكى، وإلى قرايلك ونحوهم من أمراء التركمان بالقيام معه والاستعداد لنصرته، فانضم على جانبك الصّوفى عند ذلك جماعة كبيرة، فتهيأ وخرج بهم من توقات، فوافاه الأمير قرمش الأعور أحد مقدمى الألوف بالديار المصرية المقدم ذكره فى واقعة جانبك الصّوفى لما قبض عليه بالقاهرة.

وكان من خبر قرمش المذكور، أن الملك الأشرف أمسكه بعد أن قبض على الأمير جانبك الصّوفى بمدة يسيرة، وحبسه بثغر الإسكندرية، ثم أطلقه وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، فلما خرج الأمير تنبك البجاسى عن طاعة [الملك]«5» الأشرف وافقه قرمش هذا وبقى من حزبه، إلى أن انكسر البجاسى وقبض عليه، فاختفى «6» قرمش المذكور ولم يظهر له خبر إلى هذا اليوم، فكأنه كان مختفيا بتلك

ص: 66

البلاد، فلما ظهر أمر جانبك الصّوفى توجه إليه- انتهى.

وسار الأمير جانبك الصّوفى بمن انضم عليه، ومعه الأمير قرمش، من توقات إلى الأمير محمد بن قرايلك صاحب قلعة جمركشك، فأكرمهم محمد المذكور وقواهم، فشنّوا منها الغارات على مدينة دوركى وضايقوا أهلها ونهبوا نواحيها، فاتفق ورود كتاب شاه رخ ملك الشرق على قرايلك يأمره «1» بالمسير بأولاده وعساكره لقتال إسكندر بن قرا يوسف سريعا عاجلا، فكتب «2» قرايلك إلى ولده محمد بالقدوم عليه لذلك، فترك محمد جانبك الصّوفىّ ومن معه على دوركى وتوجه إلى أبيه.

فسار جانبك إلى أسلماس وابن قطبكى، واجتمعوا ونزلوا على ملطية وحصروها، وكادهم سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر، وكتب إلى جانبك: أنه معه؛ فكتب إليه أنه يقدم عليه، وكان تقدم بينهما مكاتبات حسبما تقدم ذكره، ومواعدات (بمجيء)«3» جانبك إلى أبلستين «4» ، فلم يقع ذلك وأرسل جانبك إليه بالقدوم عليه مع الأمير قرمش الأعور، فأكرمه سليمان، وركب وسار [24] مع الأمير قرمش فى مائة وخمسين فارسا إلى جهة جانبك الصوفى، حتى قدم عليه، فتلقاه جانبك وعانقه وعادا بمن معهما على حصار ملطية، فأظهر سليمان من النّصاحة ما أوجب ركون جانبك إليه، فأخذ سليمان فى الحيلة على جانبك المذكور بكل ما تصل قدرته إليه، ولا زال به حتى خرج جانبك معه فى عدة من أصحابه ليستريحا بمكلن للنزهة فيه؛ ورتبا «5» قرمش وبقية العسكر على حصار ملطية، فلما نزل «6» سليمان وجانبك للنزهة ورأى أن حيلته تمت، وثب جماعة سليمان على جانبك الصّوفى وقيدوه وأركبوه «7»

ص: 67

على أكديشى، وسار به ليلته و «1» من الغد حتى وصل إلى بيوته بأبلستين وحبسه عنده، فلم يفطن قرمش وأصحابه بمسك جانبك، حتى جاوز جانبك بلادا بعيدة، ولما قبض سليمان على جانبك الصّوفى أرسل يعرّف السلطان بذلك ويطلب من يأتيه من قبل السلطان ويتسلمه- انتهى:

وأما السلطان لما بلغه خبر القبض على جانبك الصّوفى، لم يحمل ذلك على الصدق وأخذ فيما هو فيه، فورد عليه فى يوم الخميس حادى عشر شهر ربيع الآخر سيف الأمير قصروه نائب الشأم، على يد الأمير علىّ بن إينال باى بن قجماس، فعيّن السلطان الأمير إينال الجكمى نائب حلب إلى نيابة دمشق عوضا عن قصروه، ورسم لتغرى برمش الأمير آخور الكبير بنيابة حلب عوضا عن إينال الجكمى، غير أنه لم يخلع على تغرى برمش المذكور إلا بعد أيام حسبما يأتى ذكره.

ثم فى ثالث عشره نودى بعرض أجناد الحلقة ليستعدوا للسفر إلى الشام ولا يعفى أحد منهم، وجمع السلطان قضاة القضاة بين يديه وسألهم فى أخذ أموال الناس للنفقة المتحوجة «2» لقتال شاه رخ بن تيمور، فكثر الكلام وانفضوا من غير أن يفتوه بذلك، فقيل إن بعض الفقهاء قال:«كيف نفتيه بأخذ أموال المسلمين، وكان لبس زوجته يوم طهور ولدها- يعنى [الملك] «3» العزيز يوسف- ما قيمته ثلاثون ألف دينار، وهى بدلة واحدة، وإحدى نسائه!» ، ولم يعرف القائل لذلك من هو من الفقهاء، غير أنه أشيع ذلك فى أفواه الناس. ولما بلغ الناس ذلك كثر قلقهم من هذا الخبر.

ثم فى يوم الاثنين خامس عشر [شهر]«4» ربيع الآخر المذكور ابتدأ السلطان بعرض أجناد الحلقة، فتجمع بالحوش السلطانى منهم عدة مشايخ وأطفال وعميان، وعرضوا على السلطان فقال لهم: «أنا ما أعمل كما عمل الملك المؤيّد شيخ من أخذ المال منكم، ولكن اخرجوا

ص: 68

جميعكم، فمن قدر منكم على فرس ركب فرسا، ومن قدر على حمار ركب حمارا» ؛ فنزلوا على ذلك إلى بيت الأمير أركماس الظاهرى الدوادار الكبير، فحل بهم عند ذلك بلاء الله المنزل، وتحكم فيهم الأكلة، وصاروا فى أيديهم كالفريسة فى يد فارسها، وذلك لعدم معرفة أركماس المذكور بالأحكام، وقلة دربته بالأمور- فإنه كان رجلا غتميّا لا يعرف باللغة التركية فكيف اللغة العربية؟ - ففاز المتموّلون وتورط المفلسون.

قلت: وعدّت «1» هذه الفعلة من غلطات [الملك]«2» الأشرف، كونه يندب «3» لهذا الأمر المهم «4» مثل أركماس هذا، وقد تقدم أن الملوك السالفة كانت تندب لهذا الأمر «5» مثل الأمير طشتمر الدوادار، ومثل سودون الشّيخونى، ومثل يونس الدوادار، وآخرهم جقمق دوادار المؤيد، وكل واحد من هؤلاء كان شأنه مع من يعرضه كالطبيب الحاذق العارف بمرض من يعالجه: ينظر إلى وجه المعروض عليه، ويسأله عن إقطاعه «6» وعن متحصله «7» سؤالا لا يخفاه بعد [ذلك]«8» شىء من حاله، فعند ذلك ينظر فى أمره بفراسته، إن كان إقطاعه يقوم بسفره ألزمه بالسفر غصبا على رغم أنفه، لا يسمع فى أمره رسالة ولا شفاعة، وإن كان لا يقوم بسفره ألزمه بالإقامة، وندبه لحفظ جهة من الجهات، ومشى فى جميع عرضه على ذلك. وقد انتصف الناس من كونه ألزم كلّ واحد بما هو فى قدرته، فكان هذا العرض بخلاف [35] هذا جميعه: ترك فيه من إقطاعه يعمل فى السنة مائة «9» . ألف، حيث هو من جهته رجل من أرباب الشوكة أو باذل مال، وألزم بالسفر من إقطاعه يعمل فى السنة «10» خمسة آلاف درهم فلوسا، كونه فقيرا ولا عصبية له- انتهى.

ص: 69

وبينما السلطان فى ذلك ورد عليه كتاب أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد، يشتمل على التودد وأنه هو وأخاه «1» إسكندر يقاتلان شاه رخ؛ وتاريخه قبل قدوم أحمد جوكى بن شاه رخ وبابا حاجى بعساكر شاه رخ، وقبل موت قرايلك.

ثم فى سابع عشره قدم أيضا قصّاد إسكندر بن قرا يوسف صحبة الأمير شاهين الأيدكارى الناصرى أحد حجاب حلب، وعلى يدهم رأس الأمير عثمان بن طرعلى المدعو قرايلك، ورأس ولديه وثلاثة رؤوس أخر، وكان السلطان توجه فى هذا اليوم إلى الصيد، فقدم من الغد يوم الخميس ثامن عشره، فأمر بالرؤوس الستة فطيف بها على رماح، وقد زينت القاهرة لذلك فرحا بموت قرايلك، ثم علقت الرءوس على باب زويلة ثلاثة أيام.

وكان من خبر موته أنه لما سار إسكندر بن قرا يوسف من تبريز لقتاله إلى أن نزل بالقرب من أرزن «2» ، وبلغ قرايلك مجيئه «3» ، جهز ابنه على بك ومعه فرقة من العسكر وهو تابعهم، فالتقوا هم وإسكندر فاستظهر عسكر قرايلك فى أول الأمر، ثم إن إسكندر ثبت وحمل عليه بمن معه حملة رجل واحد على عسكر قرايلك فكسرهم، وذلك خارج أرزن الروم المذكورة، فعند ما انهزم قرايلك ساق إسكندر خلفه، فقصد عسكر قرايلك أرزن الروم، ليتحصنوا بها فحيل بينهم وبينها؛ وقبل أن يتجاوزوا عنها، أرمى قرايلك بنفسه إلى خندقها ليفوز بمهجته، وعليه آلة الحرب، فوقع على حجر فشج دماغه، ثم قام فحمل إلى قلعة أرزن الروم بحبال فدام بها أياما قليلة، ومات فى العشر الأول من صفر فى هذه السنة، بعد أن أقام فى الأمر نيفا وخمسين سنة، ومات وقد قارب المائة سنة من العمر، ودفن خارج أرزن الروم، فتتبع إسكندر بن قرا يوسف قبره، حتى

ص: 70

عرفه ونبش عليه وأخرجه وقطع رأسه ورأس ولديه وثلاثة رؤوس أخر من أمرائه ممن ظفر به إسكندر فى الوقعة، وأرسل الجميع مع قاصده إلى الملك الأشرف، حسبما تقدم ذكره. هذا ما كان من موتة قرايلك، ويأتى بقية ترجمته وأصله فى الوفيات [من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى]«1» .

ثم فى [يوم]«2» السبت عشرينه خلع السلطان على الأمير حسين بن أحمد البهسنى «3» المدعو تغرى برمش، الأمير آخور الكبير باستقراره نائب حلب، عوضا عن الأتابك إينال الجكمى وسافر من الغد إلى محل كفالته «4» ، وتولى الأمير آخورية عوضه الأمير جانم الأشرفى، وكتب بانتقال الجكمى إلى نيابة الشام عوضا عن قصروه بحكم وفاته «5» .

[و]«6» فى هذا اليوم حضر قصاد إسكندر بن قرا يوسف بين يدى السلطان بكتابه، فقرئ وأجيب بالشكر والثناء، وحمل إليه مالا وغيره من القماش السكندرى ما قيمته عشرة آلاف دينار، ووعده بمسير السلطان إلى تلك البلاد. ثم نزل السلطان إلى الإسطبل السلطانى وعرضه بنفسه، وأرسل إلى الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ وإلى الأمير يلخجا بجمال كثيرة، وكان ندبهما للسفر إلى بندر جدة.

ثم فى تاسع عشرين [شهر]«7» ربيع الآخر المذكور توجه الأمير شاد بك الجكمى، أحد أمراء الطبلخانات ورأس نوبة، إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر بمال وخيل وقماش سكندرى وغير ذلك، وإلى ولده سليمان بمثل ذلك، وكتب لهما أن يسلما شاد بك المذكور الأمير جانبك الصّوفى ليحمله إلى قلعة حلب، فسار شاد بك فى هذا اليوم؛ تأتى بقية أمره فى عوده.

ص: 71

ثم فى يوم الثلاثاء خامس عشر جمادى الأولى خلع السلطان على جوهر الصفوى «1» الجلبانى اللّالا «2» باستقراره زمام الدار، بعد موت خشقدم الظاهرى الرومى، وكانت شاغرة من يوم مات خشقدم المذكور.

[26]

ولما «3» كان يوم السبت ثامن عشر جمادى الآخرة «4» المذكورة برز الصاحب كريم الدين والأمير يلخجا الساقى، أحد أمراء العشرات ورأس نوبة، بمن معهما «5» من الحاج إلى ظاهر القاهرة، ثم ساروا فى تاسع عشره إلى جهة مكة المشرفة.

ثم فى يوم الخميس ثالث عشرين جمادى الآخرة المذكورة «6» خلع السلطان على السيفىّ آقباى اليشبكى الجاموس أحد دوادارية السلطان الأجناد باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن خليل بن شاهين الشّيخى بحكم عزله.

ثم فى ثانى عشرينه وصل الأمير أقطوه الموساوى الظاهرى برقوق المتوجه فى الرسالة إلى شاه رخ بن تيمورلنك، وقدم من الغد إلى القاهرة الشيخ «7» صفا رسول شاه رخ المذكور بكتابه، فأنزل وأجرى عليه الرواتب؛ ثم ورد الخبر على السلطان: أن رسل أصبهان بن قرا يوسف صاحب بغداد سارت إلى القان معين الدين شاه رخ، وهو مقيم على قراباغ «8» بدخوله تحت طاعته وأنه من جملة خدمه، فأقامت رسله ثلاثين يوما لا تصل إلى شاه رخ، ثم قدموا بين يديه فأجابه بالإنكار على أصبهان المذكور من كونه أخرب

ص: 72

العراق وبغداد «1» وأبطل مسير الحج من بغداد، ثم أمره بعمارة بغداد وأن يعمرها، وإلا فقد «2» مشى عليه وأخرب دياره، وأكثر له من الوعيد، وأنه أمهله فى ذلك مدة سنة؛ وكان أصبهان بعث بهدية فأخذها ولم يعوضه عنها شيئا «3» وإنما جهز له خلعة بنيابة بغداد وتقليدا، ثم خلع «4» على رسله وأمرهم بالعود إليه وتبليغه ما ذكره لهم بتمامه وكماله.

قلت: وفى الجملة أن جور أولاد تيمورلنك أحسن من عدل بنى قرا يوسف.

ثم فى يوم السبت ثانى [شهر]«5» رجب أحضر السلطان [الملك الأشرف]«6» الشيخ صفا رسول شاه رخ إلى بين يديه، وهو جالس على المقعد «7» بالإسطبل السلطانى، بمن معه من قصاد شاه رخ، وقرئ كتابه فإذا هو يتضمن: أنه يأمر السلطان أن يخطب له، ويضرب السكة باسمه؛ ثم أخرج الشيخ صفا خلعة السلطان بنيابة مصر، ومعها تاج ليلبسه «8» السلطان، وخاطب السلطان بكلام «9» لم يسع السلطان معه صبرا.

وعند ما رأى السلطان الخلعة أمر بها فمزقت تمزيقا، وأمر بالشيخ صفا المذكور فضرب ضربا مبرحا خارجا «10» عن الحد، ثم أقيم بعد ذلك وأمر به فسحب إلى بركة ماء بالإسطبل، فألقى فيها منكوسا وغمس فيها غير مرة حتى أشرف على الهلاك، وكان الوقت شتاء شديد البرد. كل ذلك ولم يستجرئ «11» أحد من الأمراء أن يتكلم فى أمر الشيخ صفا بكلمة واحدة من نوع الشفاعة لشدة غضب السلطان، ولقد لازمت الملك الأشرف

ص: 73

كثيرا من أوائل سلطنته إلى هذا اليوم، [و]«1» لم أره غضب مثلها [قبلها]«2» .

ثم طلب السلطان الشيخ صفا المذكور وحدثه بكلام طويل، محصوله يقول لصفا:

إنك تتوجه إلى شاه رخ وتذكر له ما حلّ بك من الإخراق والبهدلة والعذاب، وأنه قد ولّانى نيابة مصر إلا أنا فإنى لا أرتضيه شحنة «3» لى على بعض قرى أقل أعمالى، وإن كان له قوة فهو يظهر «4» ذلك بعد هذا الإخراق بك ويمشى على أعمالنا «5» ، وإن لم يأت فى العام القابل فكل ما «6» يأتى منه بعد ذلك فهو من المهملات، ويظهر عجزه وضعف حالته وكثرة فشاره لكل أحد.

ثم رسم السلطان بإخراجه مع رفقته فى البحر المالح إلى مكة، فتوجهوا وحجّوا ثم عادوا إلى شاه رخ وبلغوه ذلك فلم يتحرك بحركة، وهاب ملوك مصر بهذه الفعلة إلى أن مات. ولعمرى «7» لقد كانت هذه الواقعة من الملك الأشرف حسنة من حسناته التى قامت بفعلتها حرمة العساكر المصرية إلى يوم القيامة.

قلت: ولا أعرف للملك الأشرف فعلة فعلها فى أيام سلطنته أحسن ولا أعظم ولا أجمل من إقدامه على هذا الأمر، من ضرب قاصد [27] شاه رخ وتمزيق خلعته، فإنه خالف فى ذلك جميع أمرائه وأرباب دولته، لأن الجميع أشاروا عليه بالمحاسنة فى رد الجواب، إلا هو، فإن الله عز وجل وفقه إلى ما فعل ولله الحمد؛ ومن يومئذ عظم أمر [الملك]«8» الأشرف وتلاشى أمر شاه رخ فى جميع بلاد الإسلام.

ثم خلع [السلطان]«9» على شيخ الشيوخ بخانقاه سرياقوس محب الدين [محمد]«10»

ص: 74

ابن الأشقر، باستقراره فى كتابة السّر بالديار المصرية «1» عوضا عن القاضى كمال الدين ابن «2» البارزى بحكم عزله.

ثم جهز السلطان تجريدة من الأمراء والمماليك السلطانية إلى البلاد الشامية، بسبب ظهور جانبك الصّوفى وغيره، وقد بلغ السلطان أن ابن دلغادر أطلق جانبك الصّوفى.

ثم فى حادى عشر [شهر]«3» رجب المذكور قدم الأمير شاد بك الجكمى من بلاد أبلستين لأخذ جانبك الصّوفى بغير طائل، بعد أن قاسى شدائد من عظم البرد والمطر والثلوج، حتى أنه هلك من أصحابه جماعة كبيرة من ذلك، وكان من خبر شاد بك:

أنه لما وصل إلى ناصر الدين بك ابن دلغادر، تلقاه وأكرمه وأخذ ما معه من الهدية والتحف والمال.

قلت: الدورة على هذا لا [على]«4» غيره.

ثم أخذ ناصر الدين بك ابن دلغادر يسوّف بالأمير شاد بك من يوم إلى يوم، إلى أن طال الأمر وظهر لشاد بك أنه «5» لا يمكنه منه، فكلمه فى ذلك فاعتذر ناصر الدين [بك]«6» بعد [م]«7» تسليمه من أنه يخاف من أن يعاير بذلك، وأيضا مما ورد عليه من كتب شاه رخ وغيره من ملوك الأقطار بالتوصية عليه وأشياء من هذه المقولة؛ والمقصود: أنه منعه منه، ثم أطلقه وأعاده إلى حاله الأول وأحسن، فعظم ذلك على السلطان إلى الغاية، ولم أسأل الأمير شاد بك هل اجتمع بالأمير جانبك الصّوفى عند ابن دلغادر أم لا.

ولما أن عاد شاد بك من عند ابن دلغادر «8» من غير قضاء حاجة اضطرب الناس، وتحدث كل أحد بما فى نفسه من المغيبات، وكثر القلق وأخذ السلطان يستحث

ص: 75

الأمراء «1» المجردين فى السفر. وأدير محمل الحاج فى يوم الاثنين خامس عشرين [شهر]«2» رجب من غير لعب الرمّاحة «3» على العادة فى كل سنة، لشغل خاطر السلطان.

[ثم فى يوم الأربعاء خامس عشرين شعبان، برز الأمراء المجردون من القاهرة إلى الريدانية خارج القاهرة]«4» ، وهم: الأمير الكبير جقمق العلائى الناصرى الظاهرى، والأمير أركماس الظاهرى الدوادار، والأمير يشبك السودونى المشد، وهو يومذاك حاجب الحجاب، والأمير تنبك البردبكى نائب القلعة كان، والأمير قرا خجا الحسنى، والأمير تغرى بردى البكلمشى المؤذى «5» والأمير خجا سودون السيفى بلاط الأعرج، فأقاموا إلى يوم سابع عشرينه، وسافروا إلى جهة البلاد الشامية؛ ثم نقل حسن بن أحمد البهسنى نائب القدس إلى حجوبية الحجاب بحلب، بسفارة أخيه تغرى برمش نائب حلب، عوضا عن الأمير قانصوه النوروزى، بحكم انتقال قانصوه إلى إمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق.

ثم فى يوم الاثنين سابع [شهر]«6» رمضان خلع السلطان على الأمير غرس الدين خليل بن شاهين الشيخى المعزول عن نيابة الإسكندرية، باستقراره وزيرا بالديار المصرية،

ص: 76

عوضا عن التاج الخطير الأسلمى.

ثم فى يوم الخميس رابع عشرين [شهر]«1» رمضان قدم إلى القاهرة الأمير أسلماس ابن كبك التركمانى مفارقا لجانبك الصّوفى، فأكرمه السلطان وأنعم عليه، ثم خلع عليه فى يوم الخميس أول شوال خلعة السفر ورسم بتجهيزه.

ثم فى يوم الخميس ثامن شوال عزل السلطان [الوزير]«2» خليل بن شاهين الشيخى عن الوزارة، وألزم الصاحب أمين الدين بن الهيصم بشدّ أمور الدولة، ومراجعة عبد الباسط فى جميع أحوال الدولة، فمشت الأحوال.

قلت: وهذا كان قصد السلطان أن يلقى الأستادّاريّة والوزارة فى رقبة عبد الباسط، وقد وقع ذلك- انتهى.

ومن [يوم]«3» ذلك، أخذ عبد الباسط يحسّن [28] للسلطان طلب الصاحب كريم الدين ابن كاتب المناخ وإعادته للوزارة، فيقول له السلطان:«هذا شىء صار يتعلق بك، افعل [فيه] «4» ما شئت» ؛ فكتب فى يوم تاسعه بإحضار الصاحب كريم الدين من «5» بندر جدة على يد نجّاب بعد فراغ شغله ليلى الوزارة.

حدثنى الصاحب كريم الدين «6» قال: «كان أولا إذا كتب إلىّ عبد الباسط ورقة فى حاجة، يخاطبنى فيها مخاطبة ليست بذاك، إلى أن أضيف إليه التكلم فى الوزارة وطلبت «7» من بندر جدة، فصارت كتبه تأتينى بعبارة عظيمة وترقّق زائد وتحشّم كبير، فلما أن قدمت وعدت إلى الوزارة، امتنع مما كان يفعله مع فى ولايتى الأولى من الإفراجات التى كان «8» لا يخلو يوم «9» إلا ويأتينى شىء منها، فصار فى ولايتى هذه كلما قيل له أن يرسل إلىّ لأفرج «10» له عن شىء، يقول: خلّوه! يكفيه الذي هو فيه، نحن

ص: 77

يجب علينا مساعدته» ؛ قلت له: «فكان يساعد؟» ، قال:«أى والله! غصبا ومروءة» - انتهى.

ثم فى سابع عشرين شوال، كتب بعزل الأمير إينال العلائى الناصرى نائب الرّها وقدومه إلى القاهرة. وخلع [السلطان]«1» على الأمير شادبك الجكمى أحد أمراء الطبلخاناه ورأس نوبة ثانى باستقراره فى نيابة الرّها على إقطاعه، عوضا عن إينال المذكور.

وكتب أيضا بعزل الأمير إينال الششمانى الناصرى عن نيابة صفد، وأن يتوجه إلى القدس بطالا، وأن يستقر عوضه فى نيابة صفد الأمير تمراز المؤيدى أحد مقدمى الألوف بدمشق.

ثم فى أواخر ذى القعدة قدم الخبر على السلطان: أن شاه رخ بن تيمورلنك رحل عن مملكة أذربيجان، وهى تبريز، بعد أن استناب عليها جهان شاه بن قرا يوسف عوضا عن أخيه إسكندر، وزوّج جهان شاه المذكور أيضا بنساء إسكندر المذكور بحكم الشرع، لكون إسكندر كان فى عصمته أزيد من ثمانين امرأة.

ونزل شاه رخ فى أواخر ذى القعدة على مدينة السلطانية، وعزم [على]«2» أن «3» لا يرحل عنها إلى ممالكه حتى يبلغ غرضه من إسكندر بن قرا يوسف، فلم يلتفت السلطان إلى ذلك وأخذ فيما هو فيه من أمر جانبك الصّوفى، غير أنه صار فى تخوف من أن يردف شاه رخ جانبك الصوفى بعسكر، إذا تم أمره من إسكندر.

وأما العسكر المجرد من مصر وغيرها فإنه لما توجه إلى حلب، سار منها نائبها تغرى برمش البهسنى بعساكر حلب، وصحبته الأمير قانى باى الحمزاوى نائب حماه بعساكر حماه، ونزل على عينتاب، وقد نزل جانبك الصوفى على مرعش، فتوجهوا إليه من الدّربند أمام العسكر المصرى، ونزلوا على بزرجق- يعنى: سويقة باللغة العربية- ثم عدوا الجسر، وقصدوا ناصر الدين بك ابن دلغادر نائب أبلستين من طريق دربند كينوك، فلم يقدروا على سلوكه لكثرة الثلوج، فمضوا إلى دربند آخر من عمل بهسنا، وساروا منه بعد مشقة يريدون أبلستين، وساروا حتى طرقها تغرى برمش المذكور بمن معه فى يوم

ص: 78

الثلاثاء تاسع شهر رمضان، فلم يدرك ناصر الدين بن دلغادر بها، فأمر تغرى برمش بنهب أبلستين وإحراقها فنهبت «1» وأحرقت بأجمعها، ثم أمر العسكر بنهب جميع قراها وإحراقها «2» فنهبوها وأخذوا منها شيطئا كثيرا، ثم عاد نائب حلب بمن معه والأغنام تساق بين يديه بعد أن امتلأت أيدى العساكر من النهب، وترك أبلستين خرابا قاعا صفصفا، وعاد إلى حلب بعد غيبته عنها خمسين يوما، كل ذلك وأمراء مصر بحلب.

ثم بلغ تغرى برمش بعد قدومه إلى حلب: أن ناصر الدين بن دلغادر نزل [بالقرب]«3» من كينوك فجهز إليه أخاه حسنا «4» حاجب حجاب حلب، وحسن هو الأسنّ، ومعه مائة وخمسون فارسا إلى عينتاب تقوية للأمير خجاسودون، وقد نزل بها بعد أن انفرد عن العسكر المصرى [29] من [يوم]«5» خرج من الديار المصرية، فتوجه حسن المذكور بمن معه إلى خجاسودون وأقام عنده، فلما كان يوم رابع عشرين ذى الحجة من سنة تسع وثلاثين المذكورة، وصل إليهم الأمير جانبك الصّوفى، ومعه الأمير «6» قرمش الأعور، والأمير كمشبغا «7» المعروف بأمير [عشرة]«8» أحد أمراء حلب، وكان توجه من حلب وانضم على جانبك الصّوفى قبل تاريخه بمدة طويلة، ومعه أيضا أولاد ناصر الدين بك ابن دلغادر الجميع، ما عدا سليمان، فنزلوا على مرج دلوك «9» ، ثم ركبوا وساروا منه إلى قتال خجاسودون بعينتاب، فركب خجا سودون أيضا

ص: 79