الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 853]
السنة الثانية عشرة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة.
فيها فشا الطاعون بالديار المصرية وظواهرها، وكان ابتدأ من أواخر سنة اثنتين وخمسين، فى ذى الحجة، وعظم إلى أن ارتفع فى شهر ربيع الأول، ومات فيه عالم كثير من الأعيان، من جملتهم ثلاثة أمراء مقدمى ألوف، وهم: الأمير تمراز القرمشى أمير سلاح، والأمير قراخجا الحسنى الأمير آخور، وكلاهما كان مرشحا «1» للسلطنة، والأمير تمرباى التّمربغاوى، رأس نوبة النوب، [ومن يأتى ذكره من الأعيان وغيرهم، رحمهم الله]«2» .
وفيها توفى الشهابى [أحمد بن على بن إبراهيم]«3» النهيتى [ثم الأزهرى]«4» ، أحد فقهاء الشافعية، فى يوم الأحد رابع عشر المحرم، وكان مجاورا بجامع الأزهر.
وتوفى القاضى شهاب الدين أحمد [بن على بن عامر بن العدل نور الدين]«5» المسطيهى [ثم القاهرى]«6» الشافعى، أحد نواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الاثنين «7» خامس عشر «8» المحرم.
وتوفى الشيخ الإمام العالم علاء الدين [على]«9» الكرمانى الشافعى، شيخ خانقاة سعيد السّعداء، فى يوم الخميس ثانى صفر بالطاعون، وكان دينا فقيها صالحا.
وتوفى القاضى برهان الدين إبراهيم [بن محمد بن إبراهيم] بن ظهير الحنفى، ناظر
الإسطبلات السلطانية، فى يوم الاثنين سادس صفر بالطاعون ودفن من الغد. وكان أحد حواشى الملك الظاهر جقمق، وممن نشأ فى هذه الدولة.
وتوفى السيد الشريف على بن حسن بن عجلان [بن رميثة] الحسنى «1» المكى، المعزول عن إمرة مكة قبل تاريخه، فى ثغر دمياط بالطاعون، فى أوائل صفر. وقد تقدم ذكر نسبه فى عدة أماكن من هذا الكتاب، وكان أحذق بنى حسن بن عجلان، وأفضلهم وأحسنهم محاضرة، وله ذوق وفهم ومذاكرة، رحمه الله [تعالى]«2» .
وتوفى الأمير سيف الدين تمراز بن عبد الله القرمشى الظاهرى أمير سلاح، بالطاعون، فى يوم الجمعة عاشر صفر، ودفن من الغد.
وتولى وظيفة إمرة سلاح [196] من بعده الأمير جرباش الكريمى قاشق، وكان تمراز من مماليك الملك الظاهر برقوق، ووقع له أمور، إلى أن تولى نيابة قلعة الروم.
ثم نقل بعد مدة إلى نيابة غزة فى الدولة الأشرفية برسباى، فدام على نيابة غزة سنين، ثم عزل، وطلب إلى القاهرة على إمرة مائة وتقدمة ألف بها، وتولى نيابة غزة من بعده الأمير إينال العلائى الناصرى.
ثم استقر بعد أشهر رأس نوبة النوب، بعد أركماس الظاهرى بحكم انتقال أركماس إلى الدوادارية الكبرى، بعد خروج أزبك الدوادار إلى القدس بطّالا، ودام تمراز رأس نوبة النّوب سنين كثيرة، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق إلى الأمير آخوريّة الكبرى، بعد مسك جانم الأشرفى.
ثم صار أمير سلاح بعد أشهر، عوضا عن يشبك السّودونى المشدّ، بحكم انتقال يشبك إلى الأتابكية، بعد توجّه آقبغا التمرازى إلى نيابة الشام، عوضا عن إينال الجكمى، فدام تمراز على ذلك إلى أن مات.
وكان من محاسن الدنيا، لولا إسرافه على نفسه، وقد نسبه الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله فى مواضع كثيرة، إلى الأمير دقماق المحمدى «1» ، فقال:
تمراز الدّقماقى، وليس هو كذلك، وإنما تمراز تزوج السّت أردباى أم ولد دقماق لا غير.
وتوفى قاضى القضاة بدر الدين محمد بن قاضى القضاة ناصر الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاء الله بن عواض بن نجا بن أبى الثناء حمود بن نهار [الشمس]«2» ابن مؤنس بن حاتم بن نبلى بن جابر بن هشام بن عروة بن الزبير بن العوام رضى الله عنه، حوارىّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، المعروف بابن التّنسى المالكى، قاضى قضاة الديار المصرية، فى يوم الاثنين ثالث عشر صفر بالقاهرة، وبها نشأ تحت كنف والده، وحفظ عدة متون وتفقه بعلماء عصره وبرع وأفتى ودرّس وناب فى الحكم سنين.
ثم استقل بوظيفة القضاء، بعد موت قاضى القضاة شمس الدين البساطى، فى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، ولما ولى القضاء أكبّ على الاشتغال والإشغال، وكان مفرط الذكاء، جيد التصور، مع الفصاحة وطلاقة اللسان وحسن السيرة إلى الغاية والنهاية، والتحرى والتثبت فى أحكامه، والحط على شهود الزور، حتى أبادهم.
وكان يحلّف حواشيه بالأيمان المغلظة على الأخذ من الناس على بابه، ثم بعد ذلك يأخذ فى الفحص عليهم، ويبذل جهده فى ذلك، مع ذكاء وحذق ومعرفة، لا يدخل عليه مع ذلك تنميق منمق، ولا خديعة خادع. وكان يتأمل فى أحكامه ومستندات الأخصام الأيام الكثيرة، وبالجملة أنه أعظم من رأينا من القضاة فى العفة وجودة سيرة حواشيه الذين هم على بابه بلا مدافعة، مع علمى بأحوال من عاصره
من القضاة وغزير علمهم، ومع هذا كله، ليس فيهم أحد يدانيه فى ذلك، غير قاضى القضاة بدر الدين محمد بن عبد المنعم البغدادى الحنبلى، وإن كانت بضاعته مزجاة من العلوم، فهو أيضا كان من هذه المقولة، وليس حسن السيرة متعلقة بكثرة العلم وإنما ذلك متعلق: بالتحرى، والدين، والعقل، والحذق، والعفة.
وقد حكى لى صاحبنا محمد بن تلتى، قال: غضب علىّ السلطان بسبب تعلقات الذخيرة من جهة ميراث، ورسم أن أتوجه إلى القاضى الحنبلى، وأن يدّعى علىّ عنده، ويرسّم علىّ، فادّعى علىّ، فأجبت بجواب مرضىّ، فقال القاضى: اذهب إلى حال سبيلك، ليس لأحد عندك شىء. فقلت: أخشى من سطوة السلطان، لا بد أن أقيم فى الترسيم، فامتنع من ذلك، فقلت: أقيم على باب القاضى كأننى فى الترسيم خشية من السلطان، فأقمت نحو الشهر على بابه أحضر سماطه فى طرفى النهار، ورسل السلطان تترد إليه، وهو يردّ الجواب بأن لا حقّ لهم عندى، فلما أعياهم أمره، نقلونى من عنده إلى بيت بعض أعيان قضاة القضاة، ففى اليوم المذكور غرمت لحاشيته ثلاثين دينارا، وقرّر علىّ نحو المائة ألف درهم للسلطان بغير وجه شرعى، ولم أر وجه القاضى المذكور فى ذلك اليوم غير مرة واحدة، وإنما صرت بين أيدى حواشيه، كالفريسة يتناهبونى من كل جهة، حتى هان علىّ أنى أزن، مهما أرادوا، وأتخلص من أيديهم- انتهى.
قلت: وقد خرجنا عن المقصود بذكر هذه الحكاية عن القاضى الحنبلى، ووقع مثل هذا وأشباهه لقاضى القضاة بدر الدين هذا غير مرة، ومحصول الأمر: أنه كان عفيفا [197] ديّنا حسن السيرة مشكور الطريقة، بريّا عما يرمى به قضاة السوء، وكان رحمه الله، له سماع كثير فى الحديث وإلمام بالأدب، وله نظم جيد، ومما نظمه فى النوم فى طاعون سنة سبع وأربعين وأنشدنيه «1» قاضى القضاة بدر الدين المذكور، إجازة إن لم يكن سماعا:[الوافر]
إله الخلق قد عظمت ذنوبى
…
فّسامح، ما لعفوك من مشارك
أغث «1» يا سيدى عبدا فقيرا
…
أناخ ببابك العالى ودارك
قلت: وهذا يشبه قول الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجر، لنفسه، [رحمه الله] :«2»
[البسيط]
سرت وخلّفتنى غريبا
…
فى الدار أصلى هوى بنارك
أدرك حشا حرّقت غراما
…
فى ربعك المعتلى ودارك
ومن شعر القاضى بدر الدين أيضا، فيما يقرأ على قافيتين، مع استقامة الوزن:
[السريع]
جفوت من أهواه لا عن قلى
…
فظلّ يجفونى يروم الكفاح
ثم وفى لى زائرا بعده
…
فطاب نشر من حبيب وفاح
ومثل هذا أيضا للحافظ شهاب الدين بن حجر العسقلانى «3» الشافعى: [السريع]
نسيمكم ينعشنى فى الدّجى
…
طال، فمن لى بمجيء الصبّاح
ويا صباح الوجوه «4» فارقتكم
…
فشبت همّا إذ فقدت الصّباح
ومثله للشيخ شمس الدين محمد «5» [بن الحسن بن على]«6» النواجى «7» [الشاعر
المشهور] «1» : [الطويل]
خليلىّ هذا ربع عزّة فاسعيا
…
إليه وإن سالت به «2» أدمعى طوفان
فجفنى جفا طيب المنام وجفنها
…
جفانى فيا لله من شرك الأجفان
ومثل ذلك، لقاضى القضاة صدر الدين على بن الأدمى «3» الحنفى، وهو عندى مقدم على الجميع:[السريع]
يا متهمى بالسّقم كن منجدى
…
ولا تطل رفضى فإنّى عليل «4»
أنت خليلى فبحقّ الهوى
…
كن لشجونى راحما يا خليل «5»
وتوفى الأمير سيف الدين إينال بن عبد الله اليشبكى، أحد أمراء العشرات بالطاعون، فى يوم الأربعاء خامس عشر صفر. وكان أصله من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وكان من المهملين، رحمه الله تعالى «6» .
وتوفى القاضى ولى الدين أبو اليمن محمد بن قاسم بن [عبد الله بن]«1» عبد الرحمن [بن محمد بن عبد القادر]«2» الشيشينى الأصل، المحلّى، الشافعى، المعروف بابن قاسم، فى يوم الجمعة سابع عشر صفر. وكان فيه خفة روح ودعابة، ونادم الملك الأشرف برسباى، ونالته السعادة، وكان أولا يلى الحكم بالمحلة وغيرها، فلما تسلطن الملك الأشرف، قرّبه ونادمه لصحبة كانت بينهما قديمة، ثم استقر شيخ الخدام بالحرم النبوى، إلى أن طلبه الملك الظاهر جقمق، وصادره، ثم نادمه بعد ذلك، إلى أن مات. وكان دينا خيرا، إلا أنه كان مسّيكا جمّاعا للأموال، وكان سمينا جدا، لا يحمله إلا الجياد من الخيل.
وتوفى الأمير سيف الدين قراخجا بن عبد الله الحسنى الظاهرى، الأمير آخور الكبير، بالطاعون، فى يوم السبت ثامن عشر صفر، وتوفى ولده أيضا فى اليوم المذكور، فجهزا معا من الغد، وحضر السلطان الصلاة عليهما بمصلاة المؤمنى، ودفنا بالصحراء، وكان أصل قراخجا المذكور، من مماليك الملك الظاهر برقوق، وتأمّر بعد أمور وقعت له بعد موت الملك المؤيّد شيخ، وصار من جملة رؤوس النّوب، ثم نقله الملك الأشرف بعد سنين، إلى إمرة طبلخاناة، ثم صار رأس نوبة ثانيا، ثم مقدم ألف بالديار المصرية، إلى أن نقله الملك الظاهر جقمق، وجعله رأس نوبة النّوب، بعد الأمير تمراز القرمشى، بحكم انتقاله إلى الأمير آخوريّة، ثم نقل [198] قرا خجا بعد أشهر إلى الأمير آخورية بعد تمراز أيضا، فدام على ذلك حتى مات.
وكان أميرا جليلا شجاعا مقداما معظما فى الدول، عارفا بأنواع الفروسية، رأسا فى ذلك، مع العقل والديانة والصيانة والحشمة والوقار وكثرة الأدب؛ وهو أحد من أدركنا من الملوك العقلاء الرؤساء، رحمه الله تعالى؛ وهو صاحب المدرسة بالقرب من قنطرة طقزدمر خارج القاهرة.
وتوفى السيد الشريف أبو القاسم بن حسن بن عجلان الحسنى المكّى المعزول عن إمرة مكة، قبل تاريخه، وكان قدم صحبة الحاج ليسعى فى إمرة مكة، فأدركته منيّته بالقاهرة، بالطاعون، فى ليلة الاثنين العشرين من صفر، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى من تحت القلعة.
وتوفيت «1» زوجة السلطان الملك الظاهر جقمق خوند نفيسة «2» بنت الأمير ناصر الدين بك بن دلغادر، بالطاعون فى يوم الثلاثاء حادى عشرين صفر.
وتوفى الأمير سيف الدين بختك بن عبد الله الناصرى، أحد أمراء العشرات [وصهر يشبك الفقيه]«3» بالطاعون، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين صفر؛ وكان لا بأس به.
وتوفى الأمير مغلباى طاز بن عبد الله الساقى الظاهرى، بعد أن تأمّر بنحو العشرة أيام، فى يوم الأربعاء ثانى عشرين صفر، وكان من مماليك الملك الظاهر جقمق الأجلاب وأحد خواصّه، وكان لا ذات ولا أدوات.
وتوفى الشيخ الإمام العالم المعتقد محمد بن عبد الرحمن بن عيسى بن سلطان، المعروف بالشيخ محمد بن سلطان الغزّى الأصل، المصرى الدار والوفاة، الشافعى [الصوفى القادرى]«4» ، فى يوم الأحد سادس عشرين صفر؛ وكان الناس فيه على قسمين: ما بين معتقد ومنتقد، والأول أكثر؛ وكان إماما عالما بفنون، وله اشتغال قديم، وله قدم فى العبادة والصلاح، وكان لا يتردد إلى أحد، والناس تتردد إليه من السلطان إلى من دونه [حتى وصفه غير واحد بالمنقطع ببيته]«5» ، وكان يتهمه بعض الناس بمعرفة الكيميا أو طرف منها، لأنه عمر طويلا فى أرغد عيش
ونعمة، ولم يقبل من أحد إلا نادرا، وكان شيخا منوّر الشيبة [عطر الرائحة] مفوّها فصيحا شاعرا عالما صوفيا، ومات وسنه أزيد من تسعين سنة فيما أظن، وهو متمتع بحواسه، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين تمرباى بن عبد الله التّمر بغاوى رأس نوبة النوب بالطاعون، فى يوم الأربعاء تاسع عشرين صفر، وهو فى عشر الستين.
وكان أصله من مماليك الأمير تمربغا المشطوب نائب حلب.
ثم خدم عند الأمير ططر؛ فلما تسلطن ططر جعله دوادارا ثالثا، فدام على ذلك مدة، إلى أن نقله الملك الأشرف إلى الدوادارية الثانية، بعد موت جانبك الدوادار الأشرفى، فباشر الدوادارية الثانية على الجندية أياما.
ثم أنعم عليه بإمرة عشرة.
ثم بعد مدة طويلة، بإمرة طبلخاناة، ودام على ذلك، إلى أن أنعم عليه الملك العزيز يوسف «1» بن السلطان الملك الأشرف برسباى «2» ، بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية.
ثم صار نائب الإسكندرية مدة.
ثم عزل واستقر رأس نوبة النّوب، بعد انتقال قراخجا الحسنى إلى الأمير آخورية، فدام على ذلك إلى أن مات. وكان يعف عن المنكرات ويتصدق كثيرا، غير أنه كان عاريا من كل علم وفن، مع حدة خلق وبذاءة لسان، رحمه الله تعالى.
وتوفى الأمير سيف الدين أركماس بن عبد الله المؤيدى الأشقر. المعروف بالبواب. أحد أمراء العشرات ورأس نوبة فى يوم السبت سلخ شهر ربيع الآخر وكان مهملا [زائد الغفلة]«3» ، غير متجمل فى ملبسه ومركبه، إلا أنه كان مشهورا بالشجاعة والإقدام «4» .
وتوفى الأمير سيف الدين سودون بن عبد الله المؤيدى، الأمير آخور الثانى، المعروف بسودون أتمكجى، أى خبّاز، فى يوم الاثنين ثانى عشر شهر رجب، وهو فى عشر الخمسين أو أكثر. واستقر بعده [199] الأمير يرشباى الإينالى، الأمير آخور الثالث، أمير آخور ثانيا. وكان سودون المذكور شجاعا مقداما عارفا بأنواع الفروسية، كريما حشما معظما فى الدول، وعنده تواضع وأدب، رحمه الله تعالى، فإنه كان من محاسن أبناء جنسه.
وتوفى الأمير سيف الدين بيسق اليشبكى نائب قلعة دمشق بها، فى شعبان، وكان من مماليك الأتابك يشبك الشعبانى، وتأمر فى دولة الملك الظاهر جقمق [خمسة ثم]«1» عشرة، ثم ولاه نيابة ثغر دمياط، ثم نيابة قلعة صفد.
ثم عزله وأنعم عليه أيضا بإمرة عشرة بمصر، [ثم ولاه نيابة دمياط]«2» ثم ولاه نيابة قلعة دمشق بعد موت شاهين الطّوغانى، إلى أن مات. ونعم الرجل، كان [ذا]«3» شجاعة وكرم وعقل وتواضع، لا أعرف فى اليشبكيّة من يقاربه فى معناه، رحمه الله تعالى.
وتوفى شرف الدين يحيى بن أحمد [بن عمر بن يوسف بن عبد الله بن عبد الرحمن ابن إبراهيم بن محمد بن أبى بكر الشرف التنوخى الحموى الأصل الكركى المولد]«4» الشهير بابن العطار، الشاعر المشهور، فى يوم الخميس سادس عشر ذى القعدة، ولم يكن يحيى المذكور من الأعيان، ولا ممن له عراقة ورئاسة سابقة «5» لتشكر أفعاله أو تذم، وإنما كانت شهرته بصهارة أخيه، الأمير ناصر الدين محمد بن العطار، لبنى البارزى،
فعرف لهذا المعنى «1» بين الناس. وكان له شعر، ويكتب المنسوب بحسب الحال، وكان أولا يتزيّا بزىّ الجند، وخدم دوادارا عند الشهاب، أستادّار المحلّة، ثم عند القاضى ناصر الدين بن للبارزى، فلم ينتج أمره، وعزل، ثم بعد مدة، ترك الجنديّة، وتزيّا بزىّ الفقهاء، وخدم موقّعا عند الزينى عبد الباسط ناظر الجيش، فملأه سبّا وتوبيخا منذ مباشرته عنده، إلى أن ملّ ذلك، وترك التوقيع، وانقطع إلى المقر الكمالى بن البارزى، وصار يتردد إلى الأكابر، ثم تردد فى الدولة الظاهرية، لخدمة أبى الخير النحاس، ومات وهو ملازم لصحبته.
وقد استوعبنا حاله بأوسع من هذا فى «المنهل الصافى» «2» ، وذكرنا من شعره نبذة كبيرة، ونذكر منه هنا نبذة يسيرة، ليعلم بذلك طبقته فى نظم القريض، فإنه كان لا يحسن غيره، فمن شعره قوله:[الخفيف]
أهل بدر إن أحسنوا أو أساءوا
…
أهل بدر فليفعلوا ما شاءوا «3»
إن أفاضوا «4» دمعى فكم قد أفادوا
…
منّة من ودادهم وأفاءوا
وعيونى إن فجّروها عيونا
…
بدموع «5» كأنّهنّ دماء
لا تلمهم على احمرار دموعى
…
فلهم عندى اليد البيضاء
أنا راض منهم وإن هم رضونى
…
فسواء عندى القلى والقلاء
يا نزولا بمهجتى «6» فى رياض
…
من وداد أغصانها لفّاء
كلّ غصن عليه طائر قلبى
…
صادح تقتدى به الورقاء
صدحه كلّه حنين ووجد
…
واشتياق ولوعة وبكاء
منع السّهد طيفكم ولحظّى
…
صار حتى من عندى الرّجاء
وعذولى يرى سلوّى فرضا
…
أنا من رأيه علىّ براء
يدّعى فى الهوى إخائى ونصحى
…
ليت شعرى من أين هذا الإخاء؟
عينه عن محاسن الحبّ عميا
…
ء وأذنى عن عذله صمّاء
وهى أطول من هذا، تزيد على ستين بيتا، كلها على هذا النسق «1» ، «2» عفا الله تعالى عنه «3» :
[200]
وتوفى السيد الشريف سراج الدين عبد اللطيف الفاسى الأصل، المكى المولد والمنشأ، الحنبلى، قاضى قضاة الحنابلة بمكة، بها، فى أواخر هذه السنة، عن سن عال، وكان سيدا كريما متواضعا، رحل إلى بلاد الشرق غير مرة، وأقبل عليه [القان معين الدين] شاه رخ بن تيمور وابنه ألوغ «4» بك صاحب سمرقند، وعاد إلى مكة بأموال كثيرة، أتلفها فى مدة يسيرة، لكرم كان فيه، وهو «5» أول حنبلى تولى القضاء بمكة استقلالا، رحمه الله تعالى «6» .
وتوفى قاضى القضاة أمين الدين أبو اليمن محمد [بن محمد بن على بن أحمد بن العزيز الهاشمى العقيلى]«7» النويرى الشافعى، قاضى قضاة مكة وخطيبها، فى ذى القعدة عن نحو ستين سنة تخمينا، وهو قاض، وكان فاضلا دينا خيّرا خطيبا فصيحا مفوها كثير الصوم والعبادة، مشكور السيرة فى أحكامه، فردا فى معناه، لم أر بمكة المشرفة فى مدة مجاورتى من يدانيه فى الطواف، وفى كثرة العبادة، رحمه الله تعالى «8» .
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم سبعة أذرع وخمسة عشر أصبعا، مبلغ الزيادة:
ثمانية عشر ذراعا وثلاثة أصابع.