المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 838] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس عشر]

- ‌مقدمة

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[3] ذكر سفر السلطان الملك الأشرف [برسباى] إلى آمد

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن

- ‌ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى

- ‌ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور

- ‌فرار الملك العزيز

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌ابتداء مرض موت السلطان

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌فهرس

- ‌الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836- 854 ه

- ‌ الخلفاء العباسيون المعاصرون

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ- 854 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌المراجع التى اعتمد عليها المحقق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

فهذا الخبر عن شاه محمد وأصبهان، وأضف إليهما إسكندر أيضا، فإنه كان أيضا من هذه المقولة فى الباطن، ثم من بعدهم «1» أخوهم «2» جهان شاه بن قرا يوسف ملك تبريز فى زماننا هذا، فإنه أيضا على طريقهم من الفسق والفجور والانهماك فى المسكرات، وجميع أفعاله فى الباطن تقارب أفعال إخوته، غير أنه يظهر خلاف ذلك، لئلا ينفر الناس عنه وتسوء القالة «3» فيه؛ وقد استوعبنا أحوال هؤلاء الفسقة فى تاريخنا «المنهل الصافى [والمستوفى بعد الوافى] » «4» بأوسع من هذا، فلينظر هناك «5» .

ثم فى يوم الأربعاء أول ذى القعدة، توجه الأمير جقمق العلائى أمير سلاح، إلى مكة المشرفة حاجّا، وسار معه كثير ممن قدم من المغاربة وغيرهم، وبسط يده بالإحسان إليهم ذهابا وإيابا.

قال المقريزى: وفى هذه السنة، يعنى عن سنة سبع وثلاثين، طلّق رجل من بنى مهدىّ من أرض البلقاء امرأة وهى حامل، فنكحها رجل غيره، ثم فارقها فنكحها رجل ثالث، فولدت عنده ضفدعا فى قدر الطفل، فأخذوه ودفنوه خوف العار.

[ما وقع من الحوادث سنة 838]

ثم فى يوم الاثنين ثالث محرم سنة ثمان وثلاثين «6» وثمانمائة، قدم قاصد قرايلك صاحب آمد، بكتاب قرايلك ومعه تسعة أكاديش «7» ، تقدمة للسلطان، ودراهم قليلة عليها اسم السلطان «8» لا غير، فلم يحسن ذلك ببال أحد.

ص: 47

ثم فى يوم الاثنين حادى عشر المحرم [سنة ثمان وثلاثين المذكورة]«1» ، أمسك السلطان الأمير بردبك الإسماعيلى، أحد أمراء الطبلخانات، وحاجب ثانى، وأخرجه إلى دمياط، وأنعم بإقطاعه على الأمير تغرى بردى البكلمشى المعروف بالمؤذى، أحد رؤوس النوب، وخلع على الأمير جانبك السيفى [17] يلبغا الناصرى المعروف بالثور، المعزول قبل تاريخه عن نيابة الإسكندرية، باستقراره حاجبا ثانيا عوضا عن بردبك الإسماعيلى المقدم ذكره.

وفى هذا الشهر أيضا خلع السلطان على دولات خجا وأعيد إلى ولاية القاهرة عوضا عن التاج بن سيفة الشوبكى.

ثم فى يوم الخميس سابع عشرين المحرم، عملت الخدمة السلطانية بالإيوان المسمى دار العدل «2» من قلعة الجبل، بعد ما هجرت مدة، لقدوم رسول القان معين الدين شاه رخ «3» بن تيمور ملك الشرق، وأحضر الرسول المذكور إلى الموكب بدار العدل

ص: 48

وقد هاله ما رآه من حسن زى هذا الموكب، وكان الرسول المذكور من أشراف شيراز يقال له السيد تاج الدين [علىّ، فحضر]«1» تاج الدين المذكور إلى بين يدى السلطان، ولم يقبّل الأرض لكونه من السادة الأشراف.

ودفع ما على يده «2» من الكتاب، ثم قدّم ما معه من الهدية، فتضمن كتابه وصوله هديّة السلطان المجهزة إليه، وأنه نذر أن يكسو الكعبة [البيت الحرام]«3» ، وطلب أن يبعث إليه من يتسلمها ويعلقها من داخل البيت.

وتاريخ الكتاب، فى ذى الحجة سنة ست وثلاثين، وكان قدوم القاصد من هراة إلى هرمز ومن هرمز إلى مكة، ثم قدم صحبة [ركب]«4» الحاج، فأنزله السلطان [بمكان]«5» ، وأجرى عليه ما يليق به من الرواتب، واشتملت هدية شاه رخ [المذكور]«6» على ثمانين ثوب حرير «7» أطلس، وألف قطعة فيروزج، ليست بذاك، مبلغ «8» قيمة الجميع ثلاثة آلاف دينار لا غير.

ثم فى يوم السبت سادس صفر، عقد السلطان مجلسا «9» بين يديه، بالقضاة الأربعة «10» ، بسبب نذر شاه رخ بن تيمور أن يكسو الكعبة؛ فلما جلسوا للكلام، بعد أن سألهم السلطان فى معنى ذلك، أجاب قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى الحنفى، بأن نذره لا ينعقد، فلم يتكلم أحد، وانفض المجلس على ذلك، وصار السلطان يقول:

(النجوم الزاهرة ج 15)

ص: 49

للعينى «1» مندوحة فى منع شاه رخ من الكسوة.

ثم عيّن السلطان الأمير أقطوه الموساوى المهمندار «2» أحد أمراء العشرات «3» ، [الظاهرى برقوق]«4» للتوجه «5» إلى «6» شاه رخ بردّ «7» الجواب، صحبة قاصده «8» الشريف تاج الدين «9» - انتهى.

ثم فى يوم الاثنين خامس عشر «10» [المذكور]«11» ، ثارت مماليك السلطان الأجلاب «12» ، سكّان الطّباق بقلعة الجبل، وطلبوا القبض على مباشرى الدولة، بسبب تأخر جوامكهم، ففر المباشرون منهم، ونزلوا إلى بيوتهم، فنزل فى أثرهم جمع كبير منهم، ومضوا إلى بيت عبد الباسط ناظر الجيش ونهبوه، وأخذوا ما قدروا عليه.

ثم خرجوا وقصدوا بيت الوزير [أمين الدين]«13» بن الهيصم، وبيت الأستادّار كريم الدين ابن كاتب المناخ، ونهبوهما أيضا، ولم يقدروا على قبض أحد من هؤلاء الثلاثة لفرارهم منهم، وغلقت الأسواق وخاف كل أحد [على]«14» بيته.

هذا وقد صمم المماليك على الفتك بعبد الباسط، والعجب أن السلطان لم يغضب لعبد الباسط بل انحرف عليه، وأمر بنفيه إلى الإسكندرية لكسر الشر، ولم يقع منه فى حق مماليكه المذكورين أمر من الأمور، إما لمحبته فيهم، أو لبغضه فى عبد الباسط، ولزم

ص: 50

عبد الباسط داره؛ وتردد الناس للسلام عليه، والسلطان مصمم على سفره إلى [ثغر]«1» الإسكندرية.

وأصبح الناس يوم الثلاثاء سادس عشره، وإذا بهجّة عظيمة، فغلقت جميع شوارع المدينة لإشاعة كاذبة بأن المماليك [قد]«2» نزلوا ثانيا لنهب بيت عبد الباسط، فاضطرب الناس، وهرب عبد الباسط من داره، وانزعج إلى الغاية، فكان هذا اليوم أعظم وأشنع من يوم النهب. ثم ظهر للناس أن المماليك لم يتحركوا ولا نزل أحد منهم، وأما عبد الباسط، فإنه لا زال يسعى ويتكلم له خواص السلطان فى عدم خروجه إلى الإسكندرية حتى تم له ذلك، وطلع إلى القلعة فى يوم سابع عشره، بعد أن التزم عبد الباسط بأن يقوم للوزير من ماله بخمسمائة «3» ألف درهم مصرية تقوية له، وأن السلطان يساعد أستاداره كريم الدين بعليق المماليك شهرا «4» ، هذا بعد أن قدم عبد الباسط للأشرف تقدمة من المال فى خفية من الناس لإقامة حرمته، ولم يخف ذلك عن «5» أحد، وأخذ أمر عبد الباسط فى انحطاط، وصار السلطان يهدده إن لم يل الأستادارية هو [18] أو مملوكه جانبك، وهو يتبرم من ذلك كله.

ثم استعفى الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم من الوزارة «6» ، فعين السلطان شمس الدين بن سعد الدين بن قطارة القبطى لنظر الدولة، وألزمه بتكفية يومه. ورسم السلطان بطلب أرغون شاه النّوروزى من دمشق، وهو يومذاك أستادار السلطان بها «7» ، ليستقر فى الوزارة، عوضا عن ابن الهيصم على عادته قديما، بعد ما عرض السلطان الوزارة على الأستادار كريم الدين ابن كاتب المناخ، فأبى كريم الدين قبول ذلك، وقال:

يا مولانا السلطان، يختار السلطان إما أكون وزيرا أو أستادّارا، وأما جمعهما «8» معا

ص: 51

فلا أقدر على ذلك. فغضب السلطان عليه وهم بضربه ومسكه، فضمنه القاضى سعد الدين ابن كاتب جكم، ناظر الخاص، ونزل الجميع إلى دورهم، إلى أن عملت مصالح الجماعة.

فلما كان يوم السبت عشرين صفر خلع السلطان على أستاداره الصاحب كريم الدين باستمراره، وخلع على الصاحب أمين الدين بن الهيصم باستقراره فى نظر الدولة على عادته قديما كما كان قبل الوزارة، وألزمه بتكفية الدولة إلى حين قدوم أرغون «1» شاه من الشام، وانفض الموكب. فلما نزل الصاحب أمين الدين بالخلعة إلى داره، اختفى فى ليلة الاثنين ولم يعلم له خبر، فأصبح السلطان فى يوم الاثنين ثانى عشرينه، أمسك الصاحب كريم الدين الأستادار، وخلع فى الحال على جانبك دوادار عبد الباسط باستقراره أستادارا عوضا عن الصاحب كريم الدين [بن كاتب المناخ] ، «2» فلبس جانبك الخلعة، ولم يقدر عبد الباسط أن يتكلم فى حقه كلمة واحدة، وكان قصد الملك] «3» الأشرف، أنه متى تكلم أو «4» تمنع عبد الباسط من ذلك، قبض عليه، فأحسّ عبد الباسط بالشر، فكف عن الكلام، ثم ألزم السلطان القاضى سعد الدين إبراهيم ابن كاتب جكم ناظر الخواص بوظيفة الوزارة، فلم يوافق على ذلك، وانفض المجلس على ذلك.

وفى هذا اليوم خرج قاصد شاه رخ، الشريف تاج الدين، من الديار المصرية إلى جهة مرسله، وصحبته الأمير أقطوه الموساوى، وعلى يده هدية من السلطان إلى شاه رخ [المذكور]«5» ، وكتاب جواب [كتابه]«6» يتضمن منعه من كسوة الكعبة، بأن العادة [قد]«7» جرت قديما وحديثا، أن لا يكسو الكعبة إلا ملوك مصر، والعادة قد اعتبرت فى الشرع فى مواضع، وأن للكسوة أوقافا «8» تقوم بعملها، لا يحتاج إلى مساعدة فى ذلك؛ وإن أراد الملك وفاء نذره، فليبع الكسوة ويتصدق بثمنها «9» فى

ص: 52

فقراء مكة، فهو أكثر ثوابا «1» ، حيث يتعدى نفع ذلك إلى جماعة كبيرة، وأشياء من هذه المقولة.

ثم فى يوم الخميس خامس عشرينه، بعد انقضاء الموكب من القصر، و «2» توجه السلطان إلى الحوش على العادة، غضب على القاضى سعد الدين إبراهيم «3» ناظر الخواص، بسبب تمنّعه من ولاية الوزارة، وأمر به فضرب [بين يديه]«4» ضربا مبرحا، ثم أقيم، ونزل إلى داره. ثم طلب السلطان [الصاحب]«5» كريم الدين ابن كاتب المناخ من محبسه بالقلعة، وأمر به، فعرّى من ثيابه، وضربه بالمقارع زيادة على مائة شيب «6» ، ثم ضربه على أكتافه بالعصى ضربا مبرحا، وعصرت رجلاه بالمعاصير «7» ، ثم أعيد إلى محبسه يومه؛ وأنزل من الغد فى يوم الجمعة على بغل «8» فى أسوإ حال، ومضى به إلى بيت التاج «9» والى القاهرة كان «10» ، وهو يومذاك شادّ الدواوين، ليورد ما ألزم به، بعد أن حوسب، فوقف عليه خمسة وخمسون ألف دينار ذهبا، صولح عنها بعشرين ألف دينار، [فنزل إلى بيت التاج وأخذ فى بيع موجوده وإيراد المال المقرر عليه، إلى أن

ص: 53

أفرج عنه فى ثامن عشر ربيع الأول، بعد ما حمّل نحو العشرين ألف دينار، وضمنه فيما بقى أعيان الدولة.] «1»

ثم فى يوم الثلاثاء أول شهر ربيع الآخر من سنة ثمان وثلاثين المذكورة، خلع السلطان على القاضى سعد الدين ناظر الخواص، خلعة الرضى والاستمرار على وظيفته نظر الخواص، وخلع على أخيه القاضى جمال الدين يوسف ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب جكم باستقراره وزيرا، على كره منه، بعد تمنع زائد؛ وكان منذ تغيب ابن الهيصم، [لا يلى الوزارة أحد]«2» ، والقاضى سعد الدين ناظر الخاص يباشرها، ويسدد أمورها من غير لبس تشريف، فغرم فيها جملة كبيرة، لعجز جهاتها عن مصارفها، والقاضى جمال الدين يوسف [المذكور]«3» ، هو يوسف «4» عظيم الدولة فى زماننا هذا، وناظر جيشها وخاصّها كان «5» ، رحمه الله تعالى. «6» وهى أول ولاياته «7» للمناصب الجليلة على ما يأتى ذكر ولاياته «8» لغيرها مفصلا، فى هذا الكتاب وغيره.

وخلع [19] السلطان على شمس الدين بن قطارة باستقراره ناظر الدولة، فكان الوزير وناظر الدولة فى طرفى نقيض، فالوزير فى الغاية من حسن الشكالة والزى البهيج، وسنه دون العشرين سنة، وناظر الدولة فى الغاية من قبح الشكالة والزى الردىء وسنه نحو السبعين «9» سنة- انتهى.

ثم فى يوم الأحد رابع شهر ربيع الآخر، قدم الأمير أرغون شاه النوروزى الأعور، أستادّار السلطان بدمشق إلى مصر بطلب حسبما تقدم ذكره، ليلى الوزارة. وطلع

ص: 54

إلى القلعة من الغد بتقادم جليلة، وخلع عليه باستمراره على أستادّارية السلطان بدمشق، على عادته. وفى هذا الشهر تكرر ركوب السلطان إلى الصيد غير مرة.

ثم فى جمادى الأولى وقع الشروع فى حركة السلطان إلى السفر، لقتال قرايلك والفحص أيضا عن جانبك الصّوفى. وفى خامس عشره خلع على دولات خجا «1» والى القاهرة باستقراره فى ولاية منفلوط، وشغرت الولاية إلى يوم الأحد سابع عشره، فاستقر «2» فيها علاء الدين على بن الطّبلاوى.

ثم فى يوم السبت أولى جمادى الآخرة، خلع السلطان على الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ باستقراره كاشف «3» الوجه القبلى، ورسم السلطان أن يستقر محمد الصغير المعزول عن الكشف قبل تاريخه دوادار الصاحب كريم الدين، وأمير علىّ الذي كان كاشفا بالوجه القبلى والوجه البحرى رأس نوبته، ونزل إلى داره من القلعة فى موكب جليل، كل ذلك والصاحب «4» كريم الدين لم يغيّر «5» زيّه من لبس الكتبة، ولم يلبس الكلفتاه «6» ، ولا تقلد بسيف.

وكان الصاحب أمين الدين إبراهيم بن الهيصم قد خرج من اختفائه، وطلع إلى السلطان بشفاعة الأمير إينال الأبوبكرى الأشرفى الخازندار، فطلبه السلطان فى هذا اليوم وخلع عليه باستقراره شريكا لعبد العظيم بن صدقة الأسلمى فى نظر ديوان المفرد.

ثم فى يوم الأحد سادس [عشر]«7» جمادى الآخرة [المذكورة]«8» أمسك السلطان القاضى سعد الدين إبراهيم ناظر الخاص، وأخاه الصاحب جمال الدين يوسف،

ص: 55

ورسم عليهما، ثم أفرج عنهما من الغد، وخلع على سعد الدين المذكور باستمراره، وأعفى الصاحب جمال الدين من الوزارة، بعد أن ألزمهما بحمل ثلاثين ألف دينار.

وألزم السلطان تاج الدين عبد الوهاب بن الشمس نصر الله الخطير ابن الوجيه توما ناظر الإسطبل بولاية الوزارة، وخلع عليه من الغد فى يوم الثلاثاء ثامن عشره، فباشر ابن الخطير هذه الوزارة أقبح مباشرة من العجز والتشكى والقلق وعدم القيام بالكلف السلطانية، مع قيام السلطان معه وإقامة حرمته، وهو مع ذلك «1» لا يزداد فى أعين الناس إلا بهدلة. وظهر منه فى أيام مباشرته الوزارة حدة زائدة، وطيش وخفة، بحيث أنه جلس مرة للمباشرة، فكثر الناس عنده لقضاء «2» حوائجهم فضاق خلقه منهم، فقام إلى باب الدخول، وضم جميع سراميج «3» الناس الذين «4» كانوا فى مجلسه فى ذيله، وخرج حافيا إلى خارج داره وألقاهم إلى الأرض، ودخل بسرعة «5» والناس «6» تنظر إليه «7» ، وقال: اخرجوا إلى سراميجكم لا يأخذوها فقال له بعضهم: تعيش رأس مولانا الصاحب. وسخر الناس من ذلك مدة طويلة، وهو إلى الآن فى قيد الحياة، يتشحط «8» فى أذيال الخمول- انتهى.

ثم فى يوم الأربعاء تاسع عشر جمادى الآخرة [المذكورة]«9» ، أنعم السلطان على تمراز المؤيدى الخازندار بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق، بعد موت الأمير أركماس الجلبانى، وأنعم بطبلخانة تمراز المذكور على الأمير سنقر العزى الناصرى نائب

ص: 56

حمص، بعد «1» عزله عن نيابة حمص بالأمير طغرق أحد أمراء دمشق.

ثم فى يوم الأحد ثالث عشرينه خرجت تجريدة من القاهرة إلى البحيرة «2» ، ومقدم العساكر الأمير الكبير إينال الجكمى، والأمير جقمق أمير سلاح، والأمير يشبك حاجب الحجاب، والأمير قانى باى الحمزاوى، فى عدة من الأمراء، وسبب ذلك أن لبيدا «3» قدم منها «4» طائفة إلى السلطان بهدية، وسألوا أن ينزلوا البحيرة، فلم يجابوا إلى ذلك، ولكن خلع عليهم وتوجهوا، فعارضهم أهل البحيرة فى طريقهم، وأخذوا منهم خلعهم. [20] وكان السلطان يلهج كثيرا بإخراج تجريدة إلى البحيرة، فبلغهم ذلك فأخذوا حذرهم «5» . واتفق مع ذلك أن شتاء «6» هذه السنة لم يقع فيه المطر «7» المعتاد بأراضى مصر، فقدمت طائفة من لبيد إلى البحيرة لمحل بلادهم، وصالحوا أهل البحيرة، وساروا إلى محارب وغيرها بالوجه القبلى لرعى الكشيح من أراضى البور من أعمال الصعيد، وكان السلطان قد كتب إلى كاشف الصعيد، بأن لا يمكنهم من المراعى حتى يأخذ منهم مالا، فغضبوا من ذلك وأظهروا الخلاف، فخرجت إليهم هذه التجريدة المقدم ذكرها.

وفى هذا الشهر ندب السلطان قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر أن يكشف عن شروط واقفى المدارس والخوانك «8» ، ويعمل بها، فسرّ الناس بذلك غاية السرور،

ص: 57

وكثر الدعاء للسلطان بسبب ذلك، فبدأ أو لا بمدرسة الأمير صرغتمش «1» بخط الصليبة، وقرأ كتاب وقفها، وقد حضر معه القضاة الثلاثة، فأجمل ابن حجر فى الأمر فلم يعجب الناس ذلك، لاستيلاء المباشرين «2» على الأوقاف، والتصرف فيها بعدم شرط الواقف، وضياع مصالحها، فشدّ فى ذلك وأراد عزل جماعة من أرباب وظائفها، فروجع فى ذلك، وانفض المجلس، وقد اجتهد الأكلة فى السعى بإبطال ذلك، حتى أبطله السلطان.

قلت: ولو ندب السلطان لهذا الأمر أحد فقهاء الأمراء والأجناد الذين هم أهل الدين والصلاح، لينظر فى ذلك بالمعروف، لكانت هذه الفعلة تقاوم فتحه لقبرس، لضياع مصالح أوقاف الجوامع والمساجد بالديار المصرية والبلاد الشأمية، لاستيلاء الطّمعة عليها، وتقرير من لا يستحق فى كثير من وظائفها، بغير شرط الواقف، ومنع من يستحق العطاء بشرط الواقف، ولهذا قررت الملوك السالفة وظيفة نظر الأوقاف لهذا المعنى وغيره، فترك ذلك، وصار الذي بلى نظر الأوقاف شريكا «3» لمن تقدم ذكره، فيما يتناولونه من ريع «4» الأوقاف، والكلام فيما يعود نفعه عليه من جهة حل وقف وبيعه أو لواحد

ص: 58

استولى على جهة وقف، وأكله بتمامه، فيبعث خلفه ويبلصه «1» فى شىء له ولأعوانه، ويترك الذي قرّرت هذه الوظيفة بسببه، من قديم الزمان، وهو ما تقدم ذكره، من النظر فى أمر الأوقاف والعمل بمصالحها «2» فيما يعود نفعه على الوقف وعلى أرباب وظائفه من الفقهاء والفقراء والأيتام وغير ذلك؛ فلا قوة إلا بالله.

ثم فى يوم الاثنين ثامن شهر رجب، أدير المحمل على العادة فى كل سنة.

ثم فى يوم الأربعاء خامس عشر شعبان، وصل سيف الأمير طرباى نائب طرابلس، فرسم السلطان بنقل الأمير جلبان، نائب حماه، إلى نيابة طرابلس، عوضا عن طرباى، وأصبح من الغد فى يوم الخميس سادس عشر شعبان، خلع السلطان على الأمير قانى باى الحمزاوى أحد مقدمى الألوف باستقراره فى نيابة حماه، وأنعم بإقطاع قانى باى الحمزاوى وتقدمته، على الأمير خجا سودون السّيفى بلاط الأعرج، وأضاف طبلخانة خجاسودون المذكور إلى الدولة، تقوية للوزير التاج الخطير.

وفى هذا الشهر خرج الأمير قرقماس الشعبانى نائب حلب منها بالعساكر، ونزل العمق «3» ، على ما سنحكيه بعد عوده إلى حلب مفصلا «4» .

ثم فى يوم الثلاثاء رابع شوال قدم على السلطان كتاب القان شاه رخ ملك الشرق، يتضمن الوعيد، وأنه عازم على زيارة القدس الشريف، وأرعد فى كتابه وأبرق، وأنكر على السلطان أخذ الرشوة من القضاة، وأخذ المكوس من التجار ببندرجدة، وتعاطيه نوع المتجر، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه ولا استوعب الكتاب لآخره، بل طلب التاج ابن سيفة وخلع عليه بإعادته إلى ولاية القاهرة، عوضا عن علاء الدين علىّ بن الطبلاوى بحكم عزله ولزومه داره، بعد ما غرم جملة مستكثرة، فكان حاله كقول القائل:[الرمل]

ص: 59

ركب الأهوال فى زورته

ثم ما سلّم حتى ودّعا

ثم فى ثامن عشره، خرج محمل الحاج صحبة أمير الحاج الأمير تمر باى التّمر بغاوى الدوادار الثانى، وأمير الركب الأول، الأمير صلاح الدين محمد بن نصر الله محتسب «1» القاهرة. وحجت فى هذه السنة خوند «2» فاطمه بنت [الملك]«3» الظاهر [21] ططر، زوجة السلطان [الملك]«4»

وفى هذا الشهر ظهر الأمير جانبك الصوفى ببلاد الروم، وكان السلطان- من يوم فر من سجن الإسكندرية إلى يومنا هذا- لم يقف له على خبر، بعد أن اجتهد فى تحصيله غاية الاجتهاد، وأودى بسببه خلائق لا تدخل تحت حصر، فأخذ السلطان فى خبره وأعطى، إلى أن قدم عليه فى أواخر هذا الشهر كتاب الأمير قرقماس نائب حلب بذلك، وكان معرفة خبر «5» قرقماس بظهوره، أنه وصل معه إلى حلب فى يوم الثلاثاء

ص: 60

حادى عشر شوال، رجل تركمانى يقال له محمد، كان قبض عليه قرقماس بالعمق «1» ، ومعه كتاب جانبك المذكور، فى سابع شوال، إليه وإلى غيره، فسجنه قرقماس بقلعة حلب، وجهز الكتاب فى ضمن كتابه إلى السلطان، فلما بلغ السلطان ذلك وتحققه، انزعج غاية «2» الانزعاج.

ثم قدم كتاب الأمير بلبان نائب درندة «3» أنه ورد عليه كتاب الأمير جانبك الصّوفى يدعوه إلى طاعته، فقبض على قاصده وحبسه، وأرسل بكتابه إلى السلطان.

ثم فى يوم السبت سابع عشرين ذى القعدة، عاد الأمير قرقماس نائب حلب إليها، بعد ما كانت غيبته عنها بالعمق ومرج دابق وعينتاب خمسة وسبعين يوما، وقد فاته أخذ قيصريّة لاستيلاء إبراهيم بن قرمان عليها، وكان قصد السلطان أخذها، واستنابة أحد من أمراء السلطان بها.

قلت: ولنذكر ما وعدنا بذكره لسبب سفر قرقماس نائب حلب منها، وسببه أن الأمير صارم الدين إبراهيم بن قرمان صاحب لارندة وقونية من بلاد الروم «4» ، أراد أخذ مدينة قيصرية من الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر، وقد تغلب عليها ناصر الدين المذكور، وأخذها من بنى قرمان وولى عليها ابنه سليمان، فترامى ابن قرمان فى هذه الأيام على السلطان بأن يملّكه قيصرية، ووعد بعشرة آلاف دينار فى كل سنة، وثلاثين «5» بختيّا «6» وثلاثين «7» فرسا، سوى خدمة أركان الدولة، فكتب السلطان إلى نائب حلب أن يخرج إلى العمق ويجمع العساكر لأخذ قيصريّة،

ص: 61

فخرج قرقماس إلى العمق، وجمع تركمان الطاعة وكتب إلى ابن قرمان: أن يسير بعسكره إلى قيصرية.

فلما بلغ ابن دلغادر خروج عسكر حلب لأخذ قيصرية منه، بعث فى الحال بامرأته خديجة خاتون بتقدمة للسلطان ومعها مفاتيح قيصرية، وأن يكون زوجها المذكور نائب السلطنة بها، وأن يفرج عن ولدها فياض المقبوض عليه قبل تاريخه من سجنه بقلعة الجبل، ووعد لذلك أيضا بمال. فقدمت خديجة خاتون المذكورة فى أواخر شوال إلى مصر، وقدّمت ما معها من الهدية، وتكلمت بما هو غرض زوجها، فقبل «1» هديتها وأفرج [لها]«2» عن ولدها فياض، وخلع عليه بنيابة مرعش.

وبينما السلطان فى ذلك، كان نزول قرقماس نائب حلب فى يوم الاثنين أول ذى القعدة، من العساكر على عينتاب، فأتاه الخبر: بأن حمزة بن دلغادر «3» خرج عن طاعة السلطان بمن معه وتوجه إلى ابن عمه سليمان بن ناصر الدين بك ابن دلغادر، بعد ما بعث إليه وحلّفه، وأن دوادار جانبك الصّوفى ومحمد بن كندغدى بن رمضان التركمانى وصلا إلى الأمير ناصر الدين محمد بن دلغادر، بأبلستين وحلّفاه، أنه إذا قدم عليه الأمير جانبك الصوفى لا يسلمه إلى أحد ولا يخذله، وأن جانبك كان عند الأمير إسفنديار «4» أحد ملوك الروم، فسار من عنده يريد سليمان بن دلغادر؛ فخرج إليه سليمان، وتلقاه «5» هو وأمراء التركمان.

وقبل أن يصل هذا الخبر إلى السلطان، جهز خديجة خاتون إلى العود إلى زوجها ناصر الدين بك، فخرجت خديجة ومعها ولدها فياض، وسارت والسلطان ليس له علم بما وقع لابن دلغادر مع جانبك الصّوفى، واستمر قرقماس على عينتاب، إلى أن بلغه أن الأمير صارم الدين

ص: 62