الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
دوادار السلطان بحلب؛ وفيه أيضا قدم سيف الأمير آقباى اليشبكى الجاموس نائب الإسكندرية، بعد موتهما، فخلع السلطان فى ثالثه على الزينى عبد الرحمن «1» ابن علم الدين داؤد «2» بن الكويز أحد الدوادارية الصغار باستقراره فى نيابة الإسكندرية عوضا عن آقباى اليشبكى بحكم وفاته.
ثم فى يوم الخميس ثانى عشرين ذى الحجة خلع السلطان على الأمير صلاح الدين محمد بن الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله، باستقراره كاتب السر الشريف بالديار المصرية، بعد عزل القاضى محب الدين بن الأشقر، مضافا لما بيده من حسبة القاهرة ونظر دار الضرب ونظر الأوقاف ومنادمة السلطان؛ ونزل فى موكب جليل وقد لبس العمامة المدورة والفرجية هيئة «3» أرباب الأقلام وترك زى الأجناد، فإنه كان فى «4» مبدأ أمره هلى هيئة الأجناد، وكانت ولايته بغير خاطر عبد الباسط بل على رغم أنفسه «5» .
[ما وقع من الحوادث سنة 841]
ثم فى ليلة الأحد تاسع محرم سنة إحدى وأربعين وثمانمائة، بلّغ الزينى عبد الباسط والوزير كريم الدين والقاضى سعد الدين ناظر الخاص بأن المماليك السلطانية على عزم نهب «6» دورهم فوزعوا ما عندهم واختفوا «7» ، ثم طلعوا إلى الخدمة السلطانية على تخوف، وقد بلغ السلطان ذلك فأخذ يتوعدهم ويدعو عليهم بالطاعون، فلم يلتفت منهم أحد إلى كلامه، ونزل عدة كبيرة منهم فى يوم الأحد سادس عشره إلى دار عبد الباسط وإلى بيت مملوكه جانبك الأستادّار ودار الوزير كريم الدين، ونهبوا ما وجدوا فيها وأفحشوا إلى
الغاية، ولم يعترضوا لأحد فى الطرقات خوفا من العامة «1» .
ثم فى ثانى عشرين المحرم ورد الخبر على السلطان بأن نائب دوركى توجه فى «2» خامس عشر المحرم، فى عدة نواب تلك الجهات وغيرهم «3» فى نحو ألفى فارس، وساروا حتى طرقوا بيوت الأمير ناصر الدين بن دلغادر، وقد نزل هو والأمير جانبك الصوفى بمكان على بعد يومين من مرعش فنهبوا ما هناك وأحرقوا، ففرّ ابن دلغادر وجانبك الصوفى فى نفر قليل، وذلك أن جموعهما كانت مع سليمان بن ناصر الدين
ابن دلغادر على حصار قيصريّة الروم، فسرّ [31] السلطان بذلك وأرسل إلى نائب دوركى بخلعة وشكره. ثم قدم الخبر على السلطان أن الأمير إينال الجكمى نائب الشام خرج من دمشق بعساكرها يريد حلب، وقد سارت جميع نواب الشام ليوافوا نائب حلب ويتوجهوا الجميع مددا لابن قرمان، بعد أن أرسل إينال الجكمى تقدمة هائلة للسلطان. ووصلت التقدمة المذكورة إلى القاهرة فى يوم السبت سابع صفر المذكور، وهى ذهب نقد عشرة آلاف دينار، وخيول مائتا «1» فرس، منها ثلاثة أرؤس بسروج ذهب وكنابيش «2» زركش، وسمّور عشرة أبدان، ووشق عشرة أبدان، وقاقم عشرة أبدان، وسنجاب مائة بدن، وبعلبكى خمسمائة ثوب، وأقواس حلقة مائة قوس، وجمال بخاتى ثلاث قطر «3» ، وجمال عراب ثلاثمائة جمل، وثياب صوف مربع مائة ثوب.
ثم فى يوم السبت خامس شهر ربيع الأول، خلع السلطان على الأمير خليل ابن شاهين الشيخى المعزول عن نيابة الإسكندرية والوزارة قبل تاريخه، باستقراره فى نيابة الكرك، وسار إليها من وقته.
ثم فى يوم السبت تاسع عشر [شهر]«4» ربيع الأول المذكور من سنة إحدى وأربعين المذكورة، خلع السلطان على الصاحب جمال الدين يوسف ابن القاضى كريم الدين عبد الكريم ابن سعد الدين بركة المعروف بابن كاتب جكم، باستقراره ناظر الخاص الشريف بعد موت أخيه القاضى سعد الدين إبراهيم الآتى ذكره فى الوفيات [إن شاء الله تعالى] » .
ثم فى شهر ربيع الآخر كملت عمارة الجامع الذي أنشأه السلطان بخانقاه سرياقوس على الدرب المسلوك، وطوله خمسون ذراعا [فى عرض خمسين ذراعا]«6» ، ورتب فيه
إماما للصلوات الخمس، وخطيبا وقراء يتناوبون «1» القراءة، وأرباب وظائف من المؤذنين والفراشين؛ وجاء الجامع المذكور فى غاية الحسن، إلا أن سقوفه واطئة قليلا.
ثم فى يوم السبت ثالث جمادى الأولى، ركب السلطان من قلعة الجبل إلى الصيد، بعد ما شق القاهرة، وخرج من باب القنطرة؛ وهذه أول ركبة ركبها للصيد فى هذه السنة، وتداول ذلك منه فى هذا الشهر غير مرة.
وفيه قدم الأمير تمراز المؤيّدى نائب غزة والسلطان يتصيد، وعاد السلطان فى خامسه وشق القاهرة حتى خرج من باب زويلة ومضى إلى القلعة، ثم أصبح من الغد أمسك تمراز المؤيدى المذكور وقيّده وأرسله إلى سجن الإسكندرية فسجن بها، وذلك لسوء «2» سيرته ولكمين كان عنده من «3» [الملك]«4» الأشرف، فإن تمراز هذا كان ممن ركب مع الأمير تنبك البجاسى نائب الشام، ثم اختفى وظهر وأنعم عليه السلطان بإقطاع بدمشق، ثم نقله إلى إمرة مائة بعد سفرة آمد لشجاعة ظهرت منه فى قتال القرايلكية، ثم نقله إلى نيابة صفد فلم تحمد سيرته فعزله وولاه نيابة غزة، فشكى منه أيضا ورمى بعظائم فطلبه وأمسكه ثم قتله بعد مدة.
فكان ما عاشه من يوم واقعة البجاسى ليوم تاريخه فائدة.
ولما أن مسك السلطان تمراز استدعى الأمير جرباش الكريمى قاشق من ثغر دمياط ليوليه نيابة غزة، فقدم «5» جرباش وامتنع عن نيابة غزة «6» فرسم له بالعود إلى الثغر بطالا كما كان أولا. ثم فى سابع عشره خلع السلطان على [الأمير]«7»
آق بردى «1» السيفى قجماس أحد أمراء العشرات باستقراره فى نيابة غزة عوضا عن تمراز المذكور، بمال بذله فى ذلك.
وقدم الخبر على السلطان بموت جانبك الصوفى؛ واختلفت الأقاويل فى أمره إلى أن كان يوم السبت سابع عشر جمادى الأولى من سنة إحدى وأربعين المذكورة، قدم «2» مملوك «3» تغرى برمش نائب حلب إلى القاهرة برأس الأمير جانبك الصوفى، فدقت البشائر لذلك وسرّ السلطان غاية السرور بموته ولهجت الناس أن السلطان تم سعده، [وقد قيل] «4» :[المتقارب]
إذا تمّ أمر بدا نقصه
…
توقّ زوالا إذا قيل تمّ
[32]
فأمر السلطان بالرأس فطيف «5» بها على رمح بشوارع القاهرة، والمشاعلىّ «6» ينادى عليها:«هذا جزاء «7» من يخالف على الملوك ويخرج عن الطاعة!» ، ثم ألقيت فى قناة سراب.
وكان من خبر موت جانبك [الصوفى]«8» المذكور أنه لما كبس عليه وعلى ابن دلغادر نائب دوركى، فى محرم هذه السنة كما تقدم، وانكسر هو وابن دلغادر، فمقته «9» ابن دلغادر وافترقا من يومئذ، فسار ابن دلغادر على وجهه يريد بلاد الروم وقد تشتت شمله، وقصد جانبك الصوفى أولاد قرايلك: محمدا
ومحمودا «1» ، وقدم عليهما فأكرماه وأنزلاه عندهما. فأخذ تغرى برمش نائب حلب يدبّر عليه بكل ما تصل القدرة إليه، ولا زال حتى استمالهما، أعنى «2» محمدا ومحمودا ابنى قرايلك، ووعدهما بجملة مال إن قبضا على جانبك المذكور «3» ، يحمل إليهما خمسة آلاف دينار، فمالا إليه ووعداه أن يقبضا على جانبك المذكور «4» ، فعلم «5» جانبك بالخبر فشاور أصحابه فى ذلك فأشاروا عليه بالفرار إلى جهة من الجهات، فبادر جانبك وخرج من عندهما ومعه عشرون فارسا من أصحابه لينجو بنفسه. وبلغ ذلك القرايلكية فركبوا وأدركوه فقاتلهم فأصابه سهم سقط منه عن فرسه، فأخذوه وسجنوه عندهم وذلك فى يوم الجمعة خامس عشرين شهر ربيع الآخر من هذه السنة، فمات من الغد فقطع رأسه وحمل إلى السلطان، فهذا القول هو المشهور.
وقيل إن جانبك الصوفى مات بالطاعون عند أولاد قرايلك بعد أن أوعدهما تغرى برمش بالمال المقدم ذكره، ولم يقبلا منه ذلك واستمرا على إكرامه. فلما مات جانبك الصوفى بالطاعون أخفيا ذلك وقطعا رأسه وبعثا به «6» إلى تغرى برمش.
قلت: والقول الأول هو المتداول بين الناس. ويأتى بقية ذكر جانبك الصوفى فى الوفيات [من هذا الكتاب]«7» فى محلّه [إن شاء الله تعالى]«8» .
قال المقريزى، بعد أن ساق نحو ما حكيناه بالمعنى، واللفظ مخالف: وحملت إليه الرأس- يعنى عن [الملك]«9» الأشرف- فكاد يطير فرحا وظن أنه قد أمن، فأجرى الله على الألسنة أنه قد انقضت «10» أيامه وزالت دولته فكان كذلك هذا، وقد قابل نعم «11» الله عليه فى كفاية عدوه بأن تزايد عتوه وكثر ظلمه
وساءت «1» سيرته فأخذه الله أخذا وبيلا، وعاجله بنقمته فلم يهنّه- انتهى كلام المقريزى.
قلت: وما عسى الملك الأشرف كان يظلم فى تلك المدة القصيرة؟ فإن خبر جانبك الصوفى ورد عليه فى سابع عشر جمادى الأولى «2» وابتدأ بالسلطان مرض موته من أوائل شعبان، ولزم الفراش من اليوم المذكور، وهو ينصل ثم ينتكس إلى أن مات فى ذى الحجة. غير أن الشيخ تقي الدين المقريزى رحمه الله كان له انخراقات «3» معروفة عنه وهو معذور فى ذلك، فإنه أحد من أدركنا من أرباب الكمالات فى فنه ومؤرخ زمانه، لا يدانيه فى ذلك أحد، مع معرفتى بمن عاصره من مؤرخى العلماء؛ ومع هذا كله كان مبعودا فى الدولة، لا يدنيه السلطان مع حسن محاضرته وحلو منادمته. على أن [الملك] »
الظاهر برقوق كان قرّبه ونادمه وولاه حسبة القاهرة فى أواخر دولته، ومات [الملك]«5» الظاهر فلم يمش حاله على من جاء بعده من الملوك وأبعدوه من غير إحسان؛ فأخذ هو أيضا فى ضبط مساوئهم وقبائحهم، فمن أساء لا يستوحش. على أنه كان ثقة فى نفسه ديّنا خيّرا؛ وقد قيل لبعض الشعراء:
إلى متى تمدح وتهجو؟ فقال: ما دام المحسن يحسن والمسىء يسىء- انتهى.
ثم فى يوم الجمعة ثامن جمادى الآخرة ورد الخبر على السلطان بأن إسكندر بن قرا يوسف، نزل قريبا من مدينة تبريز، فبرز إليه أخوه جهان شاه بن قرا يوسف المقيم بها من قبل شاه رخ بن تيمور لنك، فكانت بينهما وقعة هائلة انهزم فيها إسكندر إلى قلعة ألنجا من عمل تبريز فنازله «6» جهان شاه إلى أن حصره بها أياما، وأن الأمير حمزة بن قرايلك متملّك ماردين وأرزن أخرج أخاه على بك من مدينة آمد وملكها منه، فقلق السلطان من هذين الخبرين وعزم على أن يسافر بنفسه إلى البلاد
الشامية، وكتب [33] بتجهيز الإقامات بالشام، ثم أبطل ذلك بعد أيام.
ورسم فى يوم السبت سابع شهر رجب بخروج تجريدة من الأمراء إلى البلاد الشامية، وعيّن ثمانية نفر من الأمراء مقدمى الألوف: وهم قرقماس أمير سلاح، وأقبغا التّمرازى أمير مجلس، وأركماس الظاهرى الدوادار الكبير، وتمراز القرمشى رأس نوبة النوب، ويشبك السّودونى حاجب الحجاب، وجانم الأشرفى الأمير آخور الكبير، وخجا سودون وقراجا الأشرفى.
ثم فى يوم الاثنين تاسع شهر رجب نودى بأن أحدا «1» من العبيد لا يحمل سلاحا ولا يمشى بعد المغرب، وأن المماليك السلطانية لا يتعرض لأحد من العبيد، وكان سبب هذه المناداة أنه لما أدير المحمل فى يوم الخميس خامس [شهر]«2» رجب المذكور، فلما كان أول ليلة من الزينة نزل جماعة كبيرة من «3» المماليك الأشرفية الذين بالأطباق من قلعة الجبل وأخذوا فى نهب الناس وخطف النساء «4» والصبيان، فاجتمع عدد كبير من العبيد السود وقاتلوا المماليك الأجلاب، فقتل من العبيد خمسة نفر وجرح عدة من المماليك، وخطفت العمائم وأخذت الأمتعة، ثم أخذت المماليك تتتبع العبيد فقتلوا منهم جماعة، وقد كفت «5» العبيد أيديهم عن قتالهم خوفا من السلطنة، واختفى كثير من العبيد وقلّ مشى المماليك فى الليل إلى أن نودى لهم بهذه المناداة، فسكن «6» الشر ومشى كلّ من الطائفتين على حاله الأول؛ ثم رسم السلطان بمنع المماليك من النزول من الأطباق إلى القاهرة إلا لضرورة.
ثم فى عاشر [شهر]«7» رجب أنفق السلطان على الأمراء المجرّدين لكل أمير ألفى دينار أشرفية.
ثم فى يوم الأربعاء ثامن عشره ركب السلطان من قلعة الجبل، ونزل إلى خليج الزّعفران فنزل به وأكل السماط، ثم ركب فى يومه وعاد إلى القلعة، فأصبح من الغد متوعك البدن ساقط الشهوة للغداء، ولزم الفراش، وهذا أوائل مرضه الذي مات منه؛ غير أنه تعافى بعض أيام، ثم مرض ثم تعافى حسبما يأتى ذكره.
وورد الخبر فيه بوقوع الوباء فى بلاد الصعيد؛ واستهلّ شعبان يوم الاثنين والسلطان مريض، فأخرج فيه مالا وفرّقه على الفقراء والمساكين. فلما كان يوم الثلاثاء تاسعه «1» تعافى السلطان وخلع على الأطباء لعافيته، وركب من الغد ونزل من القلعة إلى القرافة وتصدّق على أهل القرافتين، وعاد وهو غير صحيح البدن. ثم فى يوم السبت ثالث عشر شعبان المذكور، نزل السلطان من القلعة إلى خارج القاهرة، وعاد ودخل من باب النصر، ثم نزل بالجامع الحاكمى، وقد قيل له إنّ بالجامع المذكور دعامة قد ملئت ذهبا، ملأها الحاكم بأمر الله لمعنى أنه إذا خرب يعمّر بما فى تلك الدعامة، فلما بلغ [الملك]«2» الأشرف ذلك شرهت نفسه لأخذ المال [المذكور]«3» ، فقيل له إنك تحتاج إلى هدم جميع الدعائم التى بالجامع المذكور حتى تظفر بتلك الدعامة المذكورة، ثم لا بد لك من عمارتها، ويصرف على عمارتها «4» جملة كثيرة لا تدخل تحت حصر، فقال السلطان ما معناه إن الذي نأخذه من الدعامة يصرف على عمارة ما نهدمه، ولا ينوبنا غير تعب السر؛ وركب فرسه وعاد إلى القلعة.
ثم فى يوم الخميس خامس عشرين شعبان [المذكور]«5» برز الأمير قرقماس أمير سلاح، [وقد]«6» صار مقدم العساكر، وصحبته من تقدم ذكره من الأمراء، إلى الريدانية [خارج القاهرة]«7» من غير أن يرافقهم فى هذه التجريدة أحد من المماليك السلطانية، فأقاموا
بالريدانية إلى أن سافروا منها فى يوم السبت سابع عشرين شعبان، وهذه التجريدة آخر تجريدة جرّدها الملك الأشرف من الأمراء، وكتب السلطان إلى الأمير إينال الجكمى نائب الشام وغيره من النواب أن يسافروا صحبة الأمراء المذكورين «1» إلى حلب، ويستدعوا [34] حمزة بك بن قرايلك إلى عندهم، فإن قدم عليهم خلع عليه بنيابة السلطنة فيما يليه من أعمال ديار بكر، وإن لم يقدم عليهم مشوا عليه بأجمعهم وقاتلوه حتى أخذوه، قلت «2» :[الطويل]
أيا دارها بالخيف إنّ مزارها
…
قريب ولكن بين ذلك أهوال
ثم قدم الخبر على السلطان بأن محمد بن قرايلك توجّه إلى أخيه حمزة بك المقدم ذكره، باستدعائه، وقد حقد عليه حمزة قتله للأمير جانبك الصوفى. فإن حمزة لما بلغه نزول جانبك الصوفى على أخويه محمد ومحمود وكتب فى الحال إلى أخيه محمد هذا بأن يبعث بالأمير جانبك الصوفى إليه مكرما مبجلا، أراد حمزة يأخذ جانبك إلى عنده ليخوف به الملك الأشرف، فمال محمد إلى ما وعد به تغرى برمش نائب حلب وقتل جانبك الصوفى وبعث برأسه إليه، فأسرّها حمزة فى نفسه وما زال يعد أخاه المذكور ويمنّيه إلى أن قدم عليه، وفى ظن محمد أن أخاه حمزة يولّيه بعض بلاده، فما هو إلا أن صار فى قبضته قتله فى الحال.
قلت: هذا شأن الباغى، الجزاء من جنس عمله، وذلك أنه مثل «3» ما فعل بجانبك الصوفى فعل به- انتهى.
ثم فى يوم الثلاثاء أول شهر رمضان ظهر الطاعون بالقاهرة وظواهرها، وأول «4» ما بدأ فى الأطفال والإماء «5» والعبيد والمماليك، وكان الطاعون أيضا قد عمّ البلاد الشامية بأسرها.
ثم فى يوم الأربعاء ثالث عشرين [شهر]«1» رمضان [المذكور]«2» ختمت قراءة البخارى بين يدى السلطان بقلعة الجبل، وقد حضر قضاة القضاة والعلماء والفقهاء على العادة؛ هذا وقد تخوف السلطان من الوباء فسأل من حضر من الفقهاء عن الذنوب التى ترتكبها الناس، هل يعاقبهم الله بالطاعون؟ فقال له بعض الجماعة: إن الزنا إذا فشا فى الناس ظهر فيهم الطاعون، وأن النساء يتزيّنّ ويمشين فى الطرقات ليلا ونهارا؛ فأشار آخر أن المصلحة منع النساء من المشى فى الأسواق، فنازعه آخر فقال: لا تمنع إلا المتبهرجات، وأما العجائز ومن ليس لها من يقوم بأمرها لا تمنع من تعاطى حاجتها. وتباحثوا فى ذلك بحثا كبيرا، إلى أن مال السلطان إلى منعهن من الخروج إلى الطرقات مطلقا، ظنّا من السلطان أن بمنعهن «3» يرتفع الطاعون. ثم خلع السلطان على من له عادة بلبس الخلعة «4» عند ختم البخارى «5» .
ثم أمرهم باجتماعهم عنده من الغد، فاجتمعوا يوم الخميس واتفقوا على ما مال إليه السلطان، فنودى بالقاهرة ومصر وظواهرهما بمنع جميع النساء بأسرهن من الخروج من بيوتهن، وأن لا تمرّ امرأة فى شارع ولا فى سوق البتة، وتهدّد من خرجت من بيتها بالقتل وأنواع البهدلة، فامتنع جميع النساء من الخروج قاطبة، [فمنعن]«6» فتياتهن وعجائزهن وإماءهن من الخروج إلى الطرقات. وأخذ والى القاهرة والحجّاب فى تتبع الطرقات وضرب من وجدوا من النساء، وتشددوا فى الردع والضرب والتهديد، فامتنعن بأجمعهن؛ فعند ذلك نزل بالأرامل أرباب الصنائع
ومن «1» لا يقوم عليها أحد لقضاء حاجتها ومن تطوف على الأبواب تسأل الناس «2» من الضر والحاجة، بأس شديد.
ثم فى يوم السبت سادس عشرينه أفرج السلطان عن جميع المسجونين حتى أرباب الجرائم، وأغلقت السجون بالقاهرة ومصر، وانتشرت السرّاق والمفسدون فى البلد، وامتنع من له عند شخص حق أنه يطالبه.
قلت: كان حال الملك الأشرف فى هذه الحركة كقول القائل: [الخفيف]
رام نفعا فضرّ من غير قصد
…
ومن البرّ ما يكون عقوقا
ثم فى سابع عشرينه عزم السلطان على أن يولى الحسبة لرجل ناهض، فدكر له جماعة فلم يرضهم، ثم قال:«عندى واحد ليس بمسلم «3» ، ولا يخاف الله» ، وأمر فأحضر إليه دولات خجا الظاهرى [برقوق]«4» المعزول [35] عن ولاية القاهرة قبل تاريخه غير مرة، فخلع عليه باستقراره فى حسبة القاهرة عوضا عن القاضى صلاح الدين محمد ابن الصاحب بدر الدين بن نصر الله كاتب السر بحكم عزله، وكان رغبة السلطان فى ولاية دولات خجا هذا بسبب النساء، لما يعلم من شدته وقلة رحمته وجبروته.
وعند ما خلع عليه حرّضه على عدم إخراج النسوة إلى الطرقات؛ هذا بعد أن تكلم جماعة كبيرة من أرباب الدولة مع السلطان بسبب ما حل بالنسوة من الضرر لعدم خروجهن، فأمر السلطان عند ذلك فنودى بخروج الإماء لشراء حوائج مواليهن»
من الأسواق وأن لا تنتقب واحدة منهن بل يكنّ سافرات عن وجوههن، قصد بذلك حتى لا تتنكر إحداهن «6» فى صفة الجوارى وتخرج إلى الأسواق، وأن تخرج العجائز
لقضاء أشغالهن، وأن تخرج النساء إلى الحمامات ولا يقمن بها إلى الليل، وصار دولات خجا يشد على النسوة، وعاقب منهن جماعة كبيرة حتى انكفّ الجميع عن الخروج البتة.
وأهلّ شوال يوم الخميس وقد حلّ بالناس من الأنكاد والضرر ما لا يوصف من «1» تزايد الطاعون، وتعطل كثير من البضائع المبتاعة على النسوة لامتناعهن من المشى فى الطرقات، وأيضا مما نزل بالنسوة من موت أولادهن وأقاربهن، فصارت المرأة يموت ولدها فلا تستطيع أن ترى قبره خوفا من الخروج إلى الطرقات، ويموت أعز أقاربها من غير أن تزوره فى مرضه، فشقّ ذلك عليهن إلى الغاية، هذا مع تزايد الطاعون.
قلت: كل ذلك لعدم أهلية الحكام واستحسان الولاة على الخواطئ، وإلا فالحرة معروفة ولو كانت فى الخمّارة، والفاجرة معروفة ولو كانت فى البيت «2» الحرام، ولا يخفى ذلك على الذوق السليم؛ غير أن هذا كله وأمثاله لولاية المناصب غير أهلها، وأما الحاكم النحرير الحاذق الفطن إذا قام بأمر نهض به وتتبع الماء من مجاريه، وأخذ ما هو بصدده حتى أزاله فى أسرع وقت وأهون حال، ولا يحتاج ذلك إلى بعض ما الناس فيه، وهو ذهاب الصالح بالطالح والبرىء مع «3» المجرم، وتحكم مثل هذا الجاهل فى المسلمين الذي هو من مقولة من [قال] «4» :[الطويل]
ولو شا ربّك لخصّهم بثلاثة
…
قرون وأذناب وشقّ حوافر
وما أحسن قول أبى الطيب المتنى فى هذا المعنى: [الطويل]
ووضع النّدى فى موضع السيف بالعلا «1»
…
مضرّ كوضع السيف فى موضع النّدى
انتهى.
كل ذلك والسلطان شهوته ضعيفة عن الأكل، ولونه مصفر، وآثار المرض تلوح على وجهه، غير أنه يتجلد [كقول القائل] «2» :[الكامل]
وتجلّدى للشامتين أريهم
…
أنّى لريب الدّهر لا أتضعضع
ثم فى هذا اليوم خلع السلطان على الأمير أسنبغا [بن عبد الله الناصرى]«3» الطيّارى «4» باستقراره حاجبا ثانيا، عوضا عن الأمير جانبك [السيفى يلبغا]«5» الناصرى المعروف بالثور، بحكم وفاته بمكة المشرّفة [فى]«6» حادى عشر شعبان.
ثم فى يوم الثلاثاء سادس شوال المذكور، خلع السلطان على قاضى القضاة شهاب الدين بن حجر، وأعيد إلى القضاء بعد عزل القاضى علم الدين صالح البلقينى، بعد أن ألزم أنه يقوم لعلم الدين صالح المذكور بما «7» حمله إلى الخزانة الشريفة، وقد بدا للسلطان أنه لا يولّى بعد ذلك أحدا من القضاة بمال، مما داخله من الوهم بسبب عظم الطاعون وأيضا لمرض تمادى به «8» .
وفيه ركب السلطان من قلعة الجبل ونزل إلى خليج الزعفران وأقام به يومه فى مخيّمه يتنزه، ثم ركب وعاد إلى القلعة فى آخر النهار بعد أن تصدّق على الفقراء بمال
كثير، فتكاثرت الفقراء على متولى الصدقة وجذبوه حتى أرموه عن فرسه، فغضب السلطان من ذلك وطلب سلطان الحرافيش «1» وشيخ الطوائف وألزمهما بمنع الجعيديّة من السؤال فى الطرقات [36] وألزمهم بالتكسّب، وأن من يشحذ منهم قبض عليه وأخرج لعمل الحفير. فامتنعوا من الشحاذة، وخلت الطرقات، ولم يبق من السّؤّال إلا العميان والزّمنى «2» وأرباب العاهات.
قلت: وكان هذا من أكبر المصالح، وعدّ ذلك من حسن نظر الملك الأشرف فى أحوال الرعية، فإن هؤلاء الجعيديّة غالبهم قوىّ سوىّ صاحب صنعة فى يده، فيتركها ويشارك ذوى العاهات الذين «3» لا كسب لهم إلا السؤال ولولا ذلك لماتوا «4» جوعا، وأيضا أن غالبهم يجلس بالشوارع ويتمنىّ، ثم يقسم على الناس بالأنبياء والصلحاء وهو يتضجر من قسوة قلوب الناس ويقول: لى مقدار كيت وكيت باقول فى حب رسول الله أعطونى هذا القدر «5» اليسير فلم يعطنى أحد.
ويجتاز به وهو يقول: «ذلك اليهودى والنصرانى!» ، فيسمعون لمقالته «6» فى هذا المعنى.
وهذا من المنكرات التى [لا]«7» ترتضيها الحكام، وكان من شأنهم أنهم إذا سمعوا هذا القول أخذوا القائل وأوجعوه بالضرب والحبس والمناداة على الفقراء بعدم التقسيم
فى سؤالهم «1» ، والتحجر عليهم بسبب ذلك فلم يلتفت أحد منهم إلى ذلك، حتى ظهر للسلطان «2» بعض ما هم عليه فى هذه المرة فمنعهم، فما كان أحسن هذا لو دام واستمر- انتهى.
كل ذلك والسلطان يتشاغل بركوبه وتنزهه مما به من التوعك وهو لا يظهره.
فلما كان يوم الأربعاء سابع شوال انتكس السلطان ولزم الفراش، كل ذلك ودولات خجا محتسب القاهرة يتتبع النسوة ويردعهن بالعذاب والنكال، حتى أنه ظفر مرة بامرأة وأراد أن يضربها فذهب «3» عقلها من الخوف وتلفت وحملت إلى بيتها مجنونة، وتم بها ذلك أشهرا؛ وامرأة أخرى أرادت أن تخرج خلف جنازة ولدها فمنعت من ذلك فأرمت بنفسها من أعلى الدار فماتت.
ثم فى يوم الجمعة تاسع شوال اتفق حادثة غريبة، وهو أن العامة لهجت بأن الناس يموتون يوم الجمعة بأجمعهم قاطبة وتقوم القيامة، فتخوّف غالب العامة من ذلك. فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة المذكور حضر الناس إلى الصلاة، وركبت أنا أيضا إلى جامع الأزهر، والناس تزدحم على الحمامات ليموتوا على طهارة كاملة؛ فوصلت إلى الجامع وجلست به، وأذّن المؤذنون، ثم خرج الخطيب على العادة ورقى «4» المنبر، وخطب وأسمع الناس إلى أن فرغ من الخطبة الأولى، وجلس للاستراحة بين الخطبتين فطال جلوسه ساعة كبيرة، فتقلّق «5» الناس إلى أن قام وبدأ فى الخطبة الثانية، وقبل أن يتم كلامه قعد ثانيا واستند إلى جانب المنبر ساعة طويلة كالمغشى عليه، فاضطرب الناس لما سبق من أن [الناس تموت]«6» فى يوم الجمعة بأجمعهم،
وظنوا صدق المقالة وأن الموت أول ما بدأ بالخطيب. وبينما الناس فى ذلك قال رجل:
«الخطيب مات!» ، فارتجّ [الجامع]«1» وضجّ الناس «2» وتباكوا، وقاموا إلى المنبر وكثر الزحام على الخطيب، حتى أفاق وقام على قدميه ونزل عن «3» المنبر ودخل إلى المحراب، وصلّى من غير أن يجهر بالقراءة، وأوجز فى صلاته حتى أتم الركعتين. وقدمت عدة جنائز فصلى عليها «4» الناس، وأمّهم بعضهم. وبينما الناس فى الصلاة على الموتى إذا الغوغاء «5» صاحت بأن الجمعة ما صحّت، والخطيب صلى بعد أن انتقض وضوؤه»
لما غشى عليه؛ وتقدم رجل من الناس وأقام وصلى الظهر أربعا. وبعد فراغ هذا الذي صلى أربعا قام جماعة أخر وأمروا فأذّن المؤذنون بين يدى المنبر، وطلع رجل إلى المنبر وخطب خطبتين على العادة ونزل ليصلى، فمنعوه من التقدم إلى المحراب وأتوا بإمام الخمس فقدّموه حتى صلى بهم جمعة ثانية. فلما انقضت صلاته بالناس قام آخرون وصاحوا بأن هذه الجمعة الثانية لم تصح، وأقاموا الصلاة وصلى بهم رجل آخر الظهر أربع ركعات، فكان فى هذا اليوم بجامع الأزهر إقامة الخطبة مرتين وصلاة الظهر مرتين، فقمت أنا فى الحال وإذا بالناس تطيّر على السلطان بزواله من أجل إقامة خطبتين فى موضع [37] واحد [فى يوم واحد]«7» .
هذا ومرض السلطان فى زيادة ونمو، وكلما ترجّح قليلا خلع على الأطباء ودقّت البشائر، إلى أن عجز عن القيام فى «8» العشر الثانى من شوال، هذا وقد كثر الموت بالمماليك السلطانية ثم بالدور السلطانية؛ «9» ومات عدة من أولاد السلطان والحريم
والجوارى، وخرج الحاجّ فى يوم الاثنين تاسع عشره صحبة أمير الحاج آقبغا من مامش «1» الناصرى المعروف بالتركمانى «2» ، ونزل إلى بركة الحاج، فمات به عدة كبيرة من الحجاج منهم ابن أمير الحاج وابنته فى الغد. وبعده «3» فى يوم الأربعاء حادى عشرينه، ضبط عدة من صلى عليه من الأموات بالمصليات فزادت عدتهم على ألف إنسان.
ثم فى يوم الخميس ثانى عشرينه خلع السلطان على الأطباء لعافيته وفرح الناس، وبينما هم فى ذلك إذ وسّط السلطان طبيبيه فى يوم السبت رابع عشرينه، وهما اللذان «4» خلع عليهما بالأمس. وكان من خبر الأطباء أنه لما خلع السلطان عليهما بالأمس، وأصبح السلطان من الغد فرأى حاله فى إدبار، وكان قد قلق من طول مرضه، فشكا ما به لرئيس الأطباء العفيف الأسلمى فأمر له بشىء يشربه، فشربه السلطان فلم يوافق مزاجه وتقيأه لضعف معدته. وكان خضر الحكيم كثيرا ما يتحشّر «5» عند رؤساء الدولة، حتى صار يداخل السلطان فى أيام مرضه اقتحاما على الرئاسة، واستمر يلاطف السلطان مع العفيف. وأصبح العفيف طلع إلى القلعة، ودخل على عادته، وإذا بالسلطان «6» قد امتلأ عليه غضبا، وقد ظن فى نفسه أن الحكماء مقصرون فى علاجه ومداواته، وأنهم أخطأوا فى التدبير والملاطفة، فحال ما وقع بصره على العفيف سبّه ونهره. وكان فى المجلس القاضى صلاح الدين بن نصر الله كاتب السر، والصفوى جوهر الخازندار وعدة أخر من الأمراء الخاصكية، ثم قال له السلطان:
«إيش هذا الذي أسقيتنى البارحة؟» . فقال العفيف: «هو «7» كيت وكيت يا مولانا
السلطان، واطلب الأطباء واسألهم هل هو موافق أم لا» ، فلم يلتفت السلطان إلى كلامه وطلب عمر بن سيفا والى القاهرة وأمره بتوسيطه، فأخذه وخرج وتماهل فى أمره حتى تأتيه الشفاعة. وبينما العفيف فى ذلك إذ طلع «1» خضر الحكيم وهو مسرع، كون العفيف قد سبقه إلى مجلس السلطان، فكلمه العفيف فى أن السلطان إذا سأله عما وصفه له العفيف فى أمسه لا يعترض عليه، ليسكن بذلك غضب السلطان «2» .
فحال ما دخل خضر «3» المذكور على السلطان أمر بتوسيطه أيضا، فأخذ من بين يدى السلطان أخذا مزعجا وأضيف إلى العفيف، وهو يظن أن ذلك من حنق السلطان، وليس الأمر على حقيقته. وتربّص الوالى فى أمرهما «4» ، فأرسل السلطان من استحثه فى توسيطهما، هذا بعد أن وقف ندماء السلطان إلى الأشرف «5» وقبّلوا له الأرض غير مرة، وقبّلوا يده مرارا عديدة بسببهما والشفاعة فيهما وسألوه أن يعاقبهما «6» [بالضرب]«7» ، فأبى «8» إلا توسيطهما. وأخذ السلطان يستحث الوالى برسول بعد رسول من الخاصكية، والوالى يتنقل بهما «9» من مكان إلى آخر تسويفا، إلى أن أتى بهما «10» إلى الحدرة عند باب الساقية من قلعة الجبل. وبينما عمر «11» فى ذلك أتاه رجل من قبل السلطان، وقال له:«أمرنى السلطان أن أحضر توسيطهما أو تحضر تجيب السلطان بما تختاره من الجواب عن ذلك» ؛ فلم يجد عمر بدّا من أن أخذ العفيف
أولا وحمله، فاستسلم ولم يتحرك حتى وسّط. فلما رأى «1» خضر ذلك طار عقله وصاح وهو يقول:«عمر! الحكيم اتوسّط! «2» عندى للسلطان ثلاثة آلاف دينار ويدعنى أعيش» ، فلم يلتفت الوالى إلى كلامه وأمر به فأخذ، فدافع عن نفسه بكل ما تصل قدرته إليه وخاف خوفا شديدا، فتكاثروا عليه أعوان الوالى حتى حملوه وهو يتمرّغ «3» ، فوسّط توسيطا معذبا لتلوّيه واضطرابه؛ «4» ثم حملا إلى أهليهما. فعند ذلك تحقق الناس عظم ما بالسلطان من المرض وشنعت القالة فيه؛ ومن يومئذ تزايد مرض [38] السلطان وصارت الأطباء متخوفة من معالجته، ولا يصفون «5» له شيئا حتى يكون ذلك بمشورة جماعة من الأطباء، واستعفى أكثرهم، وحمل الرسائل على عدم الطلوع لملاطفته «6» .
واستمر السلطان ومرضه يتزايد، فلما كان يوم الثلاثاء رابع ذى القعدة، جمع السلطان الخليفة والقضاة الأربعة «7» والأمراء وأعيان الدولة، وعهد بالسلطنة إلى ولده المقام الجمالى يوسف، وكتب العهد القاضى شرف الدين أبو بكر نائب كاتب السر، لمرض كاتب السر القاضى صلاح الدين بن نصر الله بالطاعون. وجلس السلطان بالمقعد الذي أنشأه على باب الدّهيشة «8» المطل على الحوش السلطانى، وقد أخرج إليه
محمولا من شدة مرضه وضعف قوته، ووقف بين يديه الأمير خشقدم اليشبكى مقدم المماليك السلطانية بالحوش، ومعه غالب المماليك السلطانية: الجلبان والقرانيص، وجلس بجانب السلطان الخليفة المعتضد بالله أبو الفتح داود، والقضاة والأمير الكبير جقمق العلائى، ومن تأخر عن التجريدة من الأمراء بالديار المصرية.
وقام عبد الباسط، لغيبة كاتب السر صلاح الدين بن نصر الله وشدة مرضه بالطاعون، وابتدأ بالكلام «1» فى عهد السلطان بالملك من بعده لابنه المقام الجمالى يوسف، وقد حضر أيضا يوسف المذكور «2» مع أبيه فى المجلس، فاستحسن الخليفة هذا الرأى وشكر السلطان على فعله لذلك، فقام فى الحال القاضى شرف الدين أبو بكر [سبط] »
ابن العجمى نائب كاتب السر بالعهد إلى بين يدى السلطان. وأشهد السلطان على نفسه، أنه عهد بالملك إلى ولده يوسف من بعده، وأمضى الخليفة العهد، وشهد بذلك القضاة، وجعل الأمير الكبير جقمق العلائى هو القائم بتدبير أمر مملكة المقام الجمالى يوسف، وأشهد السلطان على نفسه بذلك أيضا فى العهد. ثم التفت السلطان إلى جهة الحوش، وكلم الأمير خشقدم مقدم المماليك- وقصد يسمع ذلك القول للمماليك السلطانية الجلبان- بكلام طويل، محصوله يعتب عليهم «4» فيما كانوا يفعلونه فى أيامه وأنه كان تغير عليهم ودعا عليهم، فأرسل الله [تعالى]«5» عليهم الطاعون فى سنتى ثلاث وثلاثين ثم إحدى وأربعين فمات منهم حماعة كبيرة، والآن قد عفا «6» عنهم. ثم أوصاهم بوصايا كثيرة، منها أن يكونوا فى طاعة ولده، وأن لا يغيروا على أحد من الأمراء، وأن لا يختلفوا فيدخل فيهم الأجانب فيهلكوا، وأشياء من ذلك كثيرة سمعتها من لفظه لكن لم أحفظ
أكثرها لطول الكلام.
ثم «1» أخذ يعرّف الجميع «2» : القرانيص والجلبان، أنه يموت وأنه كان عندهم ضيفا وقد أخذ فى الرحيل عنهم؛ وبكى فأبكى الناس وعظم الضجيج من البكاء، ثم أمر لهم بنفقة لجميع المماليك السلطانية قاطبة، لكل واحد ثلاثين دينارا، فقبل الجميع الأرض وضجوا له بالدعاء بعافيته وتأييده؛ كل ذلك وهو يبكى وعقله صحيح وتدبيره جيد. وفى الحال جلس كاتب المماليك واستدعى اسم واحد واحد، وقد صرّت النفقة المذكورة، حتى أخذوا الجميع النفقة، فحسن ذلك ببال جميع الناس، وكانت جملة النفقة مائة وعشرين «3» ألف دينار؛ وانفضّ المجلس، وحمل السلطان وأعيد إلى مكانه.
ثم فى يوم الجمعة سابع ذى القعدة خلع السلطان على الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله باستقراره فى كتابة السر بعد موت [ولده]«4» صلاح الدين محمد بن حسن بن نصر الله بالطاعون، وخلع أيضا فى اليوم المذكور على نور الدين علىّ السّويفى إمام السلطان باستقراره محتسب القاهرة بعد موت دولات خجا بالطاعون، وفرح الناس بموته كثيرا.
وتزايد الطاعون فى هذه الأيام بالديار المصرية وظواهرها حتى بلغ [عدة]«5» من صلى عليه بمصلاة باب «6» النصر فقط فى يوم واحد أربعمائة ميّت، وهى من جملة إحدى عشرة مصلاة بالقاهرة وظواهرها.
وأما الأمراء المجرّدون إلى البلاد الشامية، فإنهم كانوا فى هذا الشهر رحلوا من أبلستين وتوجهوا إلى آق شهر «7» ، حتى نزلوا عليها وحصروها وليس لهم علم بما السلطان فيه.
ثم اشتد مرض السلطان فى يوم الثلاثاء خامس عشرين ذى القعدة واحتجب عن الناس، ومنع الناس قاطبة من الدخول عليه، سوى الأمير إينال الأبوبكريّ [39] الأشرفى شادّ الشراب خاناه، وعلى باى الأشرفى الخازندار، وجوهر اللّالا الزّمام؛ وصار إذا طلع مباشر والدولة إلى الخدمة السلطانية على العادة يعرّفهم هؤلاء بحال السلطان، وليس أحد من أكابر الأمراء يطلع إلى القلعة، لمعرفتهم بما السلطان فيه من شدة المرض، وأيضا لكثرة الكلام فى المملكة. وقد صارت المماليك طوائف، وتركوا التّسيير إلى خارج القاهرة وجعلوا دأبهم التسيير بسوق الخيل تحت القلعة «1» والكلام فى أمر السلطان. وبطلت العلامة «2» ، وتوقف أحوال الناس لاختلاط عقل السلطان من غلبة المرض عليه، وخيفت السبل ونقل الناس «3» أقمشتهم من بيوتهم إلى الحواصل مخافة من وقوع فتنة. وأخذ الطاعون يتناقص فى «4» هذه الأيام وهو أوائل ذى الحجة، ومرض السلطان يتزايد. وكان ابتداء مرض السلطان ضعف الشهوة للأكل، فتولد له من ذلك أمراض كثيرة آخرها نوع من أنواع الملنخوليا، وكثر هذيانه وتخليطه فى الكلام، ولازمه الأرق والسهر مع ضعف قوته.
هذا مع أن المماليك فى هذه الأيام صاروا طائفة وطائفة: فطائفة منهم يريدون أن يكون الأمير الكبير جقمق العلائى هو مدبر المملكة كما أوصاه الملك الأشرف، وهم الظاهرية البرقوقية والناصرية والمؤيّدية والسّيفية؛ وطائفة وهم الأشرفية، يريدون الاستبداد بأمر ابن أستاذهم، كل ذلك من غير مفاوضة فى الكلام. وبلغ الأمير إينال الأبوبكريّ المشدّ ذلك، وكان أعقل المماليك الأشرفية وأمثلهم وأعلمهم، فأخذ فى إصلاح الأمر بين الطائفتين، بأن طيّب «5» المماليك الأشرفية إلى الحلف على طاعة ابن السلطان والأمير الكبير جقمق العلائى، حتى أذعنوا ورضوا. فتولى تحليفهم القاضى شرف الدين نائب كاتب السر
وحلّف الجميع، ثم نزل عبد الباسط إلى الأمير الكبير جقمق وحلّفه على طاعة السلطان، وبعد تحليفه نزل إليه الأمير إينال المشدّ والأمير علىّ باى الخازندار، وقبّل كل منهما بده بمن معهما من أصحابهما، فأكرمهم جقمق ووعدهم بكل خير، وعادوا «1» إلى القلعة وسكن الناس وبطل الكلام بين الطائفتين.
فلما كان يوم الأربعاء عاشر ذى الحجة، وهو يوم عيد النحر، خرج المقام الجمالى يوسف ولىّ العهد الشريف وصلىّ صلاة العيد بجامع القلعة، وصلى معه الأمير الكبير جقمق العلائى وغالب أمراء الدولة، ومشوا فى خدمته بعد انقضاء الصلاة والخطبة، حتى جلس على باب الستارة، وخلع على الأمير الكبير جقمق وعلى من له عادة بلبس الخلع فى يوم عيد النحر، ثم نزلوا إلى دورهم، وقام المقام الجمالى ونحر ضحاياه بالحوش السلطانى. هذا وقد حصل للسلطان نوب كثيرة من الصرع حتى خارت قواه ولم يبق إلا أوقات يقضيها؛ واستمر على ذلك والإرجاف يتواتر بموته فى كل وقت، إلى أن مات قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذى الحجة [من]«2» سنة إحدى وأربعين وثمانمائة «3» ، وسنّه يوم مات بضع وستون سنة تخمينا؛ فارتجت القلعة لموته ساعة ثم سكنوا. وفى الحال حضر الخليفة والقضاة الأربعة «4» والأمير الكبير جقمق العلائى وسائر أمراء الدولة، وسلطنوا المقام الجمالى يوسف ولقبوه بالملك العزيز يوسف، حسبما يأتى ذكره فى محلّه. ثم أخذ الأمراء فى تجهيز السلطان، فجهز وغسل وكفن بحضرة الأمير إينال الأحمدى الفقيه الظاهرى [برقوق]«5» أحد أمراء العشرات بوصية السلطان له، وهو الذي أخرج عليه كلفة تجهيزه وخرجته من مال كان الأشرف دفعه إليه فى حياته، وأوصاه أن يحضر غسله وتكفينه ودفنه.
ولما انتهى أمر تجهيز [الملك]«1» الأشرف حمل من الدور السلطانية إلى أن صلى عليه بباب القلعة من قلعة الجبل، وتقدم للصلاة عليه قاضى القضاة شهاب الدين أحمد «2» ابن حجر، لكون الخليفة كان [خلع]«3» عليه خلعة «4» أطلسين التى «5» خلعها عليه الملك [40] العزيز. ثم حمل من المصلى على أعناق الخاصكية والأمراء الأصاغر، إلى أن دفن بتربته التى أنشأها بالصحراء خارج القاهرة؛ وحضرت أنا الصلاة عليه ودفنه، وكانت جنازته مشهودة بخلاف جنائز الملوك، ولم يقع فى يوم موته اضطراب ولا حركة ولا فتنة، ونزل إلى قبره قبيل المغرب. وكانت مدة سلطنته بمصر سبع عشرة «6» سنة تنقص أربعة وتسعين يوما، وتسلطن بعده ابنه الملك العزيز يوسف المقدم ذكره بعهد منه إليه.
وخلّف الملك الأشرف من الأولاد «7» العزيز يوسف وابنا «8» آخر رضيعا أو حملا «9» ، وهما فى قيد الحياة إلى يومنا هذا. فأما العزيز فمسجون بثغر الإسكندرية، وأما الآخر فاسمه أحمد عند عمه زوج أمه الأمير قرقماس الأشرفى رأس نوبة، وهو الذي تولى تربيته، ومن أجل المقام الشهابى أحمد هذا كانت الفتنة بين المماليك الأشرفية والمماليك الظاهرية فى الباطن، لما أراد الظاهرية إخراجه إلى الإسكندرية. وأما من مات من أولاد [الملك]«10» الأشرف فكثير، وخلّف من الأموال والتحف والخيول والجمال «11» والسلاح شيئا كثيرا إلى الغاية. [و] 1»
كان سلطانا جليلا سيوسا مدبرا عاقلا شهما متجملا فى مماليكه
وخيوله، وكانت صفته أشقر طوالا «1» نحيفا رشيقا منوّر الشيبة بهىّ الشكل، غير سبّاب ولا فحّاش فى لفظه، حسن الخلق لين الجانب حريصا على إقامة ناموس الملك، يميل إلى الخير، يحب سماع تلاوة القرآن العزيز حتى أنه رتب عدة أجواق تقرأ عنده فى ليالى المواكب «2» بالقصر السلطانى دواما. وكان يكرم أرباب الصلاح ويجل مقامهم، وكان يكثر من الصوم صيفا وشتاء «3» ؛ فإنه كان يصوم فى الغالب يوم الثالث عشر [من الشهر]«4» والرابع عشر والخامس عشر، يديم على ذلك. وكان يصوم أيضا أول يوم فى الشهر وآخر يوم فيه «5» ، مع المواظبة «6» على صيام يومى الاثنين والخميس فى الجمعة، حتى أنه «7» كان يتوجه فى أيام صومه إلى الصيد ويجلس على السماط «8» وهو صائم ويطعم الأمراء والخاصكية بيده، ثم يغسل يديه بعد رفع السّماط كأنه واكل القوم. وكان لا يتعاطى المسكرات ولا يحب من يفعل ذلك من مماليكه وحواشيه. وكان يحب الاستكثار من المماليك حتى أنه زادت عدة مماليكه المشتروات على ألفى مملوك، لولا ما أفناهم طاعون سنة ثلاث وثلاثين ثم طاعون سنة إحدى وأربعين هذا، فمات فيهما من مماليكه خلائق. وكان يميل إلى جنس الجراكة على غيرهم فى الباطن، يظهر ذلك منه فى بعض الأحيان، وكان لا يحب أن يشهر عنه ذلك لئلا تنفر الخواطر منه؛ فإن ذلك مما يعاب به على الملوك. وكانت مماليكه أشبه الناس بمماليك [الملك]«9» الظاهر برقوق فى كثرتهم، وأيضا فى تحصيل فنون الفروسية؛ ولو لم يكن من مماليكه إلا الأمير إينال
الأبوبكريّ الخازندار ثم المشدّ، لكفاه فخرا لما اشتمل عليه من المحاسن؛ ولم يكن فى عصرنا من يدانيه فكيف يشابهه؟ - انتهى.
وإلى الآن مماليكه هم معظم عسكر الإسلام، وكانت أيامه فى غاية الأمن والرخاء من قلة الفتن وسفر التجاريد، هذا مع طول مدته فى السلطنة. وعمّر فى أيامه غالب قرى مصر قبليّها وبحريّها مما كان خرب فى دولة [الملك]«1» الناصر فرج، [ثم]«2» فى دولة [الملك]«3» المؤيّد شيخ لكثرة الفتن فى أيامهما «4» ، وترادف الشرور والأسفار إلى البلاد الشامية وغيرها فى كل سنة. ومع هذا كله كان [الملك]«5» الأشرف منغّص العيش من جهة الأمير جانبك الصوفى من يوم فرّ من سجنه بثغر الإسكندرية فى سابع شعبان سنة ست وعشرين وثمانمائة، إلى أن مات جانبك قبل موته فى سنة أربعين و [ثمانمائة]«6» حسبما تقدم ذكره.
وكان الأشرف يتصدّى [للأحكام]«7» بنفسه، ويقتدى فى غالب أموره بطريق [الملك]«8» المؤيّد شيخ، غير أنه كان يعيب على المؤيد سفه لسانه، إلا [الملك]«9» الأشرف فإنه [41] كان لا يسفه على أحد من مماليكه ولا خدمه جملة كافية، فكان أعظم ما شتم به أحدا أن يقول له:«حمار!» ، وكان ذلك فى الغالب [يكون]«10» مزحا. ولقد داومت «11» خدمته من «12» أوائل سلطنته إلى أن مات، ما سمعته أفحش فى سب واحد بعينه كائن من كان. وفى الجملة كانت محاسنه أكثر من مساوئه، وأما ما ذكره عنه الشيخ تقي الدين المقريزى فى تاريخه من المساوئ، فلا أقول إنه مغرض فى ذلك بل أقول بقول القائل:[الطويل]
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلّها
…
كفى المرء فخرا أن تعدّ معايبه
وكان الأليق الإضراب عن تلك المقالة الشنعة فى حقه من وجوه عديدة، غير أن الشيخ تقي الدين كان ينكر «1» عليه أمورا، منها انقياده إلى مباشرى دولته فى مظالم العباد، ومنها شدة حرصه على المال وشرهه فى جمعه، وأنا أقول فى حق [الملك]«2» الأشرف ما «3» قلته فى حق [الملك]«4» الظاهر برقوق فيما تقدم، فهو بخيل بالنسبة لمن تقدّمه «5» من الملوك، وكريم بالنسبة لمن جاء بعده إلى يومنا هذا؛ وما أظرف قول من قال:[الكامل]
ما إن وصلت إلى زمان آخر
…
إلا بكيت على الزمان الأوّل
وأما قول المقريزى: «وانقياده لمباشريه» - يشير بذلك إلى الزينى عبد الباسط- فإنه كان يخاف على ماله منه، فلا يزال يحسّن له القبائح فى وجوه تحصيل المال، ويهوّن عليه فعلها حتى يفعلها الأشرف وينقاد إليه بكليّته، وحسّن له أمورا «6» لو فعلها الأشرف لكان فيها زوال ملكه، ومال الأشرف إلى شىء منها لولا معارضة قاضى القضاة بدر الدين محمود العينى له فيها عندما كان يسامره بقراءة التاريخ، فإنه كان كثيرا ما يقرأ عنده تواريخ الملوك السالفة وأفعالهم الجميلة، ويذكر له ما وقع لهم من الحروب والخطوب والأسفار والمحن، ثم يفسر له ذلك باللغة التركية، وينمقها بلفظه الفصيح، ثم يأخذ فى تحبيبه لفعل الخير والنظر فى مصالح المسلمين، ويرجعه عن كثير من المظالم، حتى لقد «7» تكرر من الأشرف قوله فى الملأ:«لولا القاضى العينى ما حسن إسلامنا، ولا عرفنا كيف نسير فى المملكة» . وكان الأشرف اغتنى بقراءة العينى له فى التاريخ عن مشورة الأمراء فى المهمات، لما تدرب بسماعه للوقائع السالفة
للملوك؛ قلت: وما قاله الأشرف فى حق العينى هو الصحيح، فإن الملك الأشرف كان أميّا صغير السن لما تسلطن، بالنسبة لملوك الترك الذين «1» مستهم الرق، فإنه تسلطن «2» وسنّه يوم ذاك نيف على أربعين سنة، وهو غرّ لم يمارس التجارب، ففقّهه العينى بقراءة التاريخ، وعرّفه بأمور كان يعجز عن تدبيرها قبل ذلك، منها: لما كسرت مراكب الغزاة فى غزوة قبرس، فإن الأشرف كان عزم على تبطيلها فى تلك السنة ويسيّرها فى القابل، حتى كلّمه العينى فى ذلك، وحكى له عدة وقائع صعب أولها وسهل آخرها، فلذلك كان العينى هو أعظم ندمائه «3» وأقرب الناس إليه، على أنه كان لا يداخله فى أمور المملكة البتة، بل كان مجلسه لا ينقضى معه إلا فى قراءة التاريخ، وأيام الناس وما أشبه ذلك؛ ومن يوم ذاك حبّب إلىّ التاريخ وملت إليه واشتغلت به- انتهى.
وقد تقدم الكلام على أصل»
الملك الأشرف وكيف ملّكه [السلطان الملك]«5» الظاهر برقوق، وعلى نسبته بالدّقماقى فى أول ترجمته، فلا حاجة للعيادة هنا ثانيا.
انتهى ترجمة الملك الأشرف برسباى رحمه الله تعالى.