الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 849]
السنة الثامنة من سلطنة الملك الظاهر جقمق على مصر وهى سنة تسع وأربعين وثمانمائة.
فيها توفى قاضى القضاة شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد الونائى «1» ، الشافعى الفقيه العالم، معزولا عن قضاء دمشق، بالقاهرة، فى يوم الثلاثاء سابع عشر صفر، ودفن من الغد بالقرافة، وصلى عليه رفيقه فى الاشتغال، قاضى القضاة شمس الدين محمد القاياتى الشافعى. ومولده فى شعبان سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ببلده، ثم انتقل إلى القاهرة، وطلب العلم وحفظ التنبيه فى الفقه، وعدة مختصرات، وأقبل على الاشتغال، ولازم علماء عصره.
وأول اشتغاله كان فى سنة سبع وثمانمائة، وتكسّب بتحمّل الشهادة مدة، إلى أن برع فى الفقه والعربية والأصول، وتولى مشيخة التنكزية بالقرافة، ثم تدريس الفقه بالشّيخونية، ثم طلبه الملك الظاهر جقمق، وولّاه قضاء الشافعية [186] بدمشق، من غير سعى، فى سنة ثلاث وأربعين، فباشر قضاء دمشق بعفة، وعرف بالصيانة والديانة، إلى أن عزل وعاد إلى القاهرة؛ ثم وليها ثانيا، فباشرها أيضا مدة، ثم عزل وقدم القاهرة وتولى تدريس قبة الإمام الشافعى، إلى أن مات فى التاريخ المذكور. وكان معدودا من العلماء، وهو أحد من جمع بين معرفة المنقول والمعقول رحمه الله.
وتوفى الأمير الكبير، سيف الدين يشبك بن عبد الله السّودونى، المعروف بالمشدّ، أتابك العساكر بالديار المصرية، فى يوم الخميس ثالث شعبان، وحضر السلطان الصلاة عليه بمصلاة المؤمنى، وتولى الأتابكية من بعده الأمير إينال العلائى الناصرى الدّوادار الكبير. وكان أصل يشبك هذا من مماليك سودون الجلب نائب حلب،
ومات عنه، فباعه الأمير يشبك الساقى الأعرج، وهو يوم ذاك نائب قلعة حلب، للأمير ططر، فأعتقه ططر وجعله من جملة مماليكه، فنازعه بعد مدة الأمير أيتمش الخضرى، وهو يوم ذاك متحدث على أيتام الملك الناصر فرج، وطلبه منه فادعى ططر أنه اشتراه من يشبك الساقى الأعرج، وهو وصىّ سودون الجلب فقال أيتمش: بيع يشبك له غير صحيح، لأن سودون الجلب انحصر إرثه فى أولاد الملك الناصر، وأنا «1» المتحدث على أولاد الملك الناصر، فاشتراه ططر ثانيا منه بمائة دينار.
ثم جعله ططرشادّ شراب خاناته، حتى تسلطن، فأنعم عليه بإمرة طبلخاناة، وجعله شادّ الشراب خاناة السلطانية، فدام على ذلك سنين، إلى أن أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بديار مصر، ثم جعله حاجب الحجاب بعد قرقماس الشعبانى بعد توجهه إلى نيابة حلب، ثم نقله الملك الظاهر جقمق فى أوائل سلطنته إلى إمرة مجلس، بعد آقبغا، [ثم]«2» إلى إمرة سلاح عوضا عن آقبغا التّمرازى أيضا، ثم بعد أشهر خلع عليه باستقراره أتابك العساكر بالديار المصرية، بعد قدومه من بلاد الصعيد، عوضا عن آقبغا التّمرازى أيضا بحكم انتقال آقبغا إلى نيابة دمشق، بعد خروج إينال الجكمى عن الطاعة.
كل ذلك فى أشهر قليلة من سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة، فدام يشبك فى الأتابكية سنين ونالته السعادة، وعظم وضخم فى الدولة، إلى أن اعتراه مرض تمادى به سنين، [ويقال إنه سمّ]«3» وحصل له ارتخاء فى أعضائه، ثم عوفى قليلا، وركب إلى الخدمة ثم نقض عليه ألمه، فمات منه بعد أيام يسيرة.
وكان عاقلا ساكنا حشما، إلا أنه كان عاريا من كل علم وفن، غير أنه كان يحسن رمى النّشّاب، على عيوب كانت فى رميه؛ وكنت أظنه أولا ديّنا، إلى أن أخذ
إقطاع الأتابك آقبغا التّمرازى، وصار بيننا وبينه مستحقّ أيتام آقبغا فى الإقطاع المذكور، فإذا به لا يحلل ولا يحرم، وعنده من الطمع وقلة الدين ما يقبح ذكره عن كائن من كان، هذا مع حدة زائدة وشراسة خلق وظلم زائد على حواشيه وخدمه، حتى أنه كان يضرب الواحد منهم نحو ألف عصاة على الذنب اليسير، ولم يكن له مهابة فى النفوس، لكونه كان من مماليك سودون الجلب، وأيضا من قرب عهده بالفقر، وخدم الأمراء، مع من كان عاصره من أكابر الأمراء الظاهرية البرقوقية ممن كان أكبر من أستاذه سودون الجلب، وأعظم فى النفوس- انتهى.
وتوفى الأمير سيف الدين قانى باى الجكمى حاجب حجاب حلب، على هيئة نسأل الله تعالى حسن الخاتمة، فى أواخر هذه السنة وكان من خبر موته أنه سكر ونام فى أيام الشتاء، وقد أوقد النار بين يديه على عادة الحلبيين وغيرهم فعظم الدخان عليه وعلى مملوكه فى البيت، وصارا من غلبة السكر لا يهتدى كل واحد «1» منهما إلى الخروج من باب الدار، من عظم الدخان وشدة السكر، فماتا على تلك الحالة؛ وكتب بذلك محضر وأرسل إلى السلطان [لئلا يتوهم خلافه]«2» .
وكان أصل قانى باى هذا من مماليك الأمير جكم من عوض نائب حلب، ثم صار بعد موت الملك المؤيّد شيخ خاصكيّا، ودام على ذلك دهرا طويلا لا يلتفت إليه، إلى أن خلع عليه الملك الظاهر جقمق، باستقراره فى حجوبية حجاب حلب دفعة واحدة من الجندية؛ وعيب ذلك على الملك [187] الظاهر لكون قانى باى المذكور لم يكن من أعيان الخاصكيّة، ولا من المشاهير بالشجاعة والإقدام، ولا من العلماء «3» ولا من العقلاء العارفين بفنون الفروسية، بل كان مهملا مسرفا على نفسه عاريا من كل علم وفن، ولم يدر «4» أحد لأى معنى كان قدّمه الملك الظاهر جقمق، فرحمه الله تعالى وسامحه على
هذه الفعلة، فإنها عدت من غلطاته الفاحشة التى ليس لها وجه من الوجوه. قلت:
وكما جاءته السعادة فجاءة جاءه الموت أيضا فجاءة، عفا الله عنه.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وخمسة عشر إصبعا؛ مبلغ الزيادة:
تسعة عشر ذراعا وتسعة «1» أصابع.