المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 842] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ١٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌[الجزء الخامس عشر]

- ‌مقدمة

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[3] ذكر سفر السلطان الملك الأشرف [برسباى] إلى آمد

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 825]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 826]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 827]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 828]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 829]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 830]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 831]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 832]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 833]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 834]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 835]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 836]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 837]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 838]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 839]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 840]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 841]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌ذكر ما وقع له من ابتداء أمره إلى أن تسلطن

- ‌ذكر قتل قرقماس الشعبانى الناصرى

- ‌ذكر خبر عصيان تغرى برمش المذكور

- ‌فرار الملك العزيز

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌ذكر مبدأ نكبة أبى الخير النحاس على سبيل الاختصار

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 855]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 856]

- ‌ابتداء مرض موت السلطان

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 857]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 843]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 844]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 845]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 846]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 847]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 848]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 849]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 850]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 851]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 852]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 853]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 854]

- ‌فهرس

- ‌الملوك والسلاطين الذين تولوا مصر من سنة 836- 854 ه

- ‌ الخلفاء العباسيون المعاصرون

- ‌فهرس الأعلام

- ‌فهرس الأمم والقبائل والبطون والعشائر والأرهاط والطوائف والجماعات

- ‌فهرس البلاد والأماكن والأنهار والجبال وغير ذلك

- ‌فهرس الألفاظ الاصطلاحية وأسماء الوظائف والرتب والألقاب التى كانت مستعملة فى عصر المؤلف

- ‌فهرس وفاء النيل من سنة 825 هـ- 854 ه

- ‌فهرس أسماء الكتب الواردة بالمتن والهوامش

- ‌المراجع التى اعتمد عليها المحقق

- ‌فهرس الموضوعات

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 842]

[ما وقع من الحوادث سنة 842]

السنة الأولى من سلطنة الملك الظاهر «1» جقمق على مصر وهى سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة.

على أن الملك العزيز يوسف بن الملك الأشرف برسباى، حكم منها إلى تاسع عشر شهر «2» ربيع الآخر، ثم حكم الملك الظاهر فى باقيها، وهى أول سلطنته على مصر على كل حال.

وفيها، أعنى سنة اثنتين وأربعين، توفى حافظ الشام ومحدثه شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن على القيسى الدمشقى الشافعى المعروف بابن ناصر الدين، بدمشق، فى ثامن عشر شهر ربيع الآخر، ومولده فى محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة، وسمع الكثير وطلب الحديث، ودأب وحصّل وكتب وصنّف، وصار حافظ دمشق ومحدثه إلى أن مات.

وتوفى الأمير صفى الدين جوهر بن عبد الله الجلبانى، الحبشى الزّمام، المعروف باللالا، فى يوم الأربعاء ثالث عشرين جمادى الأولى، عن نحو ستين سنة تخمينا، وكان أصله من خدّام الأمير [عمر بن]«3» بهادر المشرف، وأنعم به على أخته زوجة الأمير [170] جلبان الحاجب، فأعتقه جلبان، ودام بخدمته حتى مات. وماتت ستّه، زوجة الأمير جلبان الحاجب، فاتصل بعدهما بخدمة الملك الأشرف برسباى قبل سلطنته، ودام عنده إلى أن تسلطن، فرقّاه وجعله لالاة ابنه [الأكبر]«4» المقام الناصرى محمد، ثم من بعده لالا ابنه الملك العزيز يوسف، ثم ولاه زماما، بعد موت الطّواشى خشقدم الرومى الظاهرى فى جمادى الأولى سنة تسع وثلاثين وثمانمائة، فاستمر فى وظيفته زماما، إلى أن توفى الملك الأشرف، وملك ولده الملك العزيز

ص: 465

يوسف، ثم خلع العزيز وتسلطن الملك الظاهر جقمق، فأمسكه وهو مريض، وصادره وعزله، وولّى «1» عوضه زماما، الطواشىّ الرومىّ فيروز الساقى الجاركسى، فلم تطل أيام جوهر المذكور بعد ذلك، ومات؛ وكان من رؤساء الخدام حشمة وعقلا ودينا وكرما، وهو صاحب المدرسة والدار بالمصنع بالقرب من قلعة الجبل «2» .

[و] توفى «3» قاضى القضاة علّامة عصره شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد ابن عثمان البساطى المالكى، قاضى قضاة الديار المصرية، وعالمها، فى ليلة الجمعة ثالث عشر شهر رمضان، ومولده [فى]«4» محرم سنة ستين وسبعمائة، ومات وقد انتهت إليه الرئاسة فى المعقول والمنقول، وكان منشأه بالقاهرة، وبها تفقّه، وطلب العلم، واشتغل على علماء عصره حتى برع فى علوم كثيرة، وأفتى ودرّس، وتصدّى للاشتغال سنين كثيرة، وبه تخرّج غالب علماء عصرنا، من سائر المذاهب، وأول ما وليه من الوطائف: تدريس المالكية بمدرسة جمال الدين الأستادّار، وناب فى الحكم عن ابن عمه قاضى القضاة جمال الدين البساطى سنين، ثم استقل بالقضاء فى الدولة المؤيّدية شيخ، بعد جمال الدين البساطى المذكور، فباشر القضاء نحو عشرين سنة، إلى أن مات قاضيا.

[وفيه]«5» قتل الأمير سيف الدين قرقماس بن عبد الله الشعبانى الناصرى المعروف بأهرام ضاغ، بثغر الإسكندرية، حسبما يأتى ذكره. كان أصله من كتابية الملك الظاهر برقوق، فيما أظن، ثم أخذه الملك الناصر وأعتقه، وجعله خاصكيّا، ثم صار دوادارا فى الدولة المؤيّدية شيخ، من جملة الأجناد، إلى أن أمّره الأمير ططر عشرة، ثم صار أمير طبلخاناة ودوادارا ثانيا فى أوائل الدولة الأشرفية، وأجلس النقباء على بابه، وحكم بين الناس- ولم يكن ذلك بعادة: أن يحكم الدوادار الثانى

ص: 466

بين الناس- ثم أنعم عليه الملك الأشرف برسباى بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية فى سنة ست وعشرين، وتولى الدوادارية الثانية بعده جانبك الخازندار الأشرفى، ثم وجّهه إلى مكة المشرّفة شريكا لأميرها الشريف عنان ابن مغامس بن رميثة الحسنى، فأقام بمكة مدة، ثم عاد إلى القاهرة، بعد أن أعيد الشريف حسن بن عجلان إلى إمرة مكة، ومات حسن، وتولى ابنه الشريف بركات.

وقدم قرقماس المذكور إلى مصر، على إمرته، أمير مائة ومقدم ألف، ودام على ذلك سنين، إلى أن استقر حاجب الحجاب بالديار المصرية، بعد الأمير جرباش الكريمى قاشق، بحكم انتقال جرباش إلى إمرة مجلس، فباشر الحجوبية بحرمة زائدة [وعظمة وبطش فى الناس بحيث هابه كل أحد]«1» ، وصار يخلط فى حكوماته ما بين ظلم وعدل، ولين وجبروت، إلى أن استقر فى نيابة حلب بعد الأمير قصروه من تمراز الظاهرى برقوق؛ بحكم انتقاله إلى نيابة دمشق، بعد موت الأمير جارقطلو، فى حدود سنة سبع وثلاثين وثمانمائة، فباشر نيابة حلب مدة تزيد على السنة، وعزل عنها، بعد أن أبدع فى المفسدين بها، وأشيع [الخبر]«2» عنه بالخروج عن الطاعة.

وقدم إلى القاهرة على النّجب، بطلب من السلطان، وخلع عليه باستقراره أمير سلاح، بعد الأمير جقمق العلائى صاحب الترجمة، بحكم انتقال جقمق للأتابكية، عوضا عن إينال الجكمى، بحكم استقرار الجكمى فى نيابة حلب، عوضا عن قرقماس المذكور، فاستمر أمير سلاح مدة، وتجرد إلى البلاد الشامية مقدم العساكر، ومعه سبعة أمراء من مقدمى الألوف، فى سنة إحدى وأربعين؛ وقد تقدم ذكر ذلك كله، فى ترجمة الملك الأشرف وغيره من هذا الكتاب؛ [171] وإنما نذكره هنا ثانيا لينتظم سياق الكلام مع سياقه.

ص: 467

ومات الملك الأشرف فى غيبته، ثم قدم القاهرة مع رفقته، وقد ترشح الأتابك جقمق للسلطنة، وسكن باب السلسلة من الإسطبل السلطانى، وكان حريصا على حب الرئاسة، فلما رأى أمر جقمق قد استفحل كاد يهلك فى الباطن، وما أمكنه إلا الموافقة، وقام معه حتى تسلطن، ثم وثب عليه حسبما تقدم ذكره، بعد أربعة عشر يوما من سلطنة الملك الظاهر جقمق، وقاتله، وانكسر بعد أمور حكيناها فى أصل هذه الترجمة، وهرب ثم ظهر وأمسك وحبس «1» بسجن الإسكندرية، إلى أن ضربت رقبته بالشرع فى ثغر الإسكندرية، فى يوم الاثنين ثانى عشر جمادى الآخرة.

وكان قرقماس أميرا ضخما شجاعا مقداما عارفا بفنون الفروسية، وعنده مشاركة بحسب الحال، إلا أنه كان فيه ظلم وعسف وجبروت، وكان مع شجاعته وإقدامه، لا ينتج أمره فى الحروب، لعدم موافقة رجليه ليديه، فإنه كان إذا دخل الحرب، يبطل عمل رجليه فى تمشية الفرس، لشغله بيديه، وهو عيب كبير فى الفارس؛ وشهر ذلك عن جماعة من الأقدمين من فرسان الملوك، مثل الأتابك إينال اليوسفى، ويونس بلطا نائب طرابلس وغيرهما- انتهى.

ومعنى «أهرام ضاغ» أى جبل الأهرام، سمى بذلك قديما لتكبره وتعاظمه.

وتوفى القاضى علم الدين أحمد بن تاج الدين محمد بن علم الدين محمد بن كمال الدين محمد بن قاضى القضاة علم الدين محمد بن أبى بكر بن عيسى بن بدر الإخنائى «2» المالكى، أحد فقهاء المالكية، ونواب الحكم بالقاهرة، فى يوم الأربعاء خامس عشرين شهر رمضان؛ وكان مشكور السيرة عفيفا عما يرمى به قضاة السوء.

وتوفى قاضى القضاة بدمشق المالكى محيى الدين يحيى بن حسن بن محمد

ص: 468

[ابن عبد الواسع المحيوى]«1» الحيحانى «2» المغربى فى يوم الأربعاء حادى عشر ذى القعدة، وكان دينا عفيفا حسن السيرة فى أحكامه.

وتوفى السيد الشريف أحمد بن [حسن]«3» بن عجلان، المكى الحسنى، بعد ما فارق أخاه الشريف بركات بن حسن، وسافر «4» إلى اليمن، فمات بزبيد.

وتوفى الأتابك إينال بن عبد الله الجكمى نائب الشام قتيلا بقلعة دمشق، فى ليلة الاثنين ثانى عشرين ذى القعدة؛ وقد قدّمنا من ذكره فى أول ترجمة الملك الظاهر هذا وغيره نبذة كبيرة، تعرف منها أحواله؛ غير أننا نذكر الآن سبب ترقّيه لا غير:

فأصله من مماليك الأمير جكم من عوض الظاهرى المتغلّب على حلب، وخدم من بعد «5» أستاذه المذكور «6» عند الأمير سودون [الظاهرى برقوق، ويعرف بسودون]«7» بقجة، وصار خازنداره، ثم اتصل بخدمة الملك المؤيّد شيخ، فلما تسلطن شيخ، جعله ساقيا، ثم أمسكه وعاقبه عقوبة شديدة لأمر أوجب ذلك؛ ثم نفاه إلى البلاد الشامية، ثم أعاده بعد وقعة قانى باى نائب الشام، وأنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناة وشادّ الشراب خاناة، ثم أنعم عليه الأمير ططر بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية، وولّاه رأس نوبة النّوب، ثم نائب حلب، ثم عزله بعد شهر وأيام وجعله أمير سلاح.

ثم قبض عليه مع «8» من قبض عليه من الأمراء المؤيّدية وغيرهم، كل ذلك فى مدة يسيرة؛ وحبس مدة سنين إلى أن أطلقه الملك الأشرف برسباى بشفاعة

ص: 469

الناصرى محمد بن منجك، ووجّهه إلى الحجاز، ثم عاد وأقام بالقدس بطالا، إلى أن طلبه الملك الأشرف إلى مصر، وأنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف، عوضا عن الأتابك بيبغا «1» المظفرى [التركى]«2» بحكم القبض عليه، وذلك فى سنة سبع وعشرين؛ ثم جعله أمير مجلس سنين، ثم نقله إلى إمرة سلاح بعد موت إينال النّوروزى، ثم جعله أتابكا بعد سودون من عبد الرحمن، وهو على إقطاعه، ولم ينعم السلطان عليه بإقطاع الأتابكية.

فدام على ذلك مدة طويلة، إلى أن خلع السلطان عليه باستقراره فى نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى، واستقر عوضه فى الأتابكية الأمير جقمق العلائى، فلم تطل مدته فى نيابة حلب، ونقل منها بعد أشهر إلى نيابة الشام بعد موت قصروه من تمراز، فدام فى نيابة دمشق إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايع له أولا، ولبس خلعته وباس الأرض، ثم عصى بعد ذلك، ووقع ما حكيناه من أمره [172] فى ترجمة الملك الظاهر جقمق من قتاله لعسكر السلطان وهزيمته والقبض عليه وقتله.

وكان إينال أميرا جليلا شجاعا مقداما عاقلا سيوسا حشما وقورا كريما رئيسا، كامل الأدوات كثير الأدب، مليح الشكل معتدل القد للسّمن «3» أقرب، نادرة فى أبناء جنسه، قلّ أن ترى العيون مثله، عفا الله عنه، ومات وسنه نحو الخمسين «4» سنة «5» تخمينا.

وتوفى الأمير سيف الدين يخشباى بن عبد الله المؤيّدى [شيخ]«6» ثم الأشرفى [برسباى]«7» ، أمير آخور الثانى قتيلا، بسيف الشرع، ضربت رقبته بثغر الإسكندرية، وقد تقدم ذكر سبب قتله فى أوائل ترجمة الملك الظاهر هذا، وقتل

ص: 470

يخشباى وسنه نحو الثلاثين سنة تخمينا. وكان شابا طويلا جميلا، مليح الشكل عاقلا، عارفا بأنواع الفروسية، وعنده فهم وذوق ومعرفة ومحاضرة حسنة، وتذاكر بالفقه وغيره بحسب الحال، عوّض الله شبابه الجنة بمنه وكرمه.

وتوفى الأمير حسين «1» بن أحمد المدعو تغرى برمش نائب حلب مضروب الرقبة بحلب، فى يوم الأحد سابع عشر ذى الحجة؛ وأصل تغرى برمش هذا من مدينة بهسنا «2» وجفل هو وأخوه حسن- وكان حسن الأكبر- من بهسنا فى كائنة تيمور لنك، وقدما بعد ذلك بسنين إلى الديار المصرية، فخدم أخوه حسن تبعا عند الأمير قرا سنقر الظاهرى، وجلس حسين هذا عند بعض الخياطين بالمصنع من تحت القلعة، ثم انتقل أيضا إلى خدمة قرا سنقر [الجمالى]«3» لجمال صورته، ثم انتقل من عند قرا سنقر إلى الأمير إينال حطب [العلائى]«4» ، وصار عنده من جملة مماليكه الكتّابية، إلى أن مات إينال حطب، فأخذه دواداره الأمير فارس، وأتى به إلى الوالد.

وكان الوالد من جملة أوصياء إينال حطب، فأخذه الوالد وجعله إنيا «5» لمملوكه شاهين أمير آخور، فجعله شاهين فى الطبقة، وسمّاه تغرى برمش؛ ثم أخرج له الوالد خيلا وقماشا، ثم جعله من «6» جملة مماليك أخر، وجعله جمدارا، فدام على ذلك، إلى أن تولى الوالد نيابة دمشق التى مات فيها، فأفسد تغرى برمش هذا من مماليك الوالد، مملوكين، وأخذهما «7» وهرب إلى طرابلس: أحدهما فى قيد الحياة إلى يومنا هذا من جملة المماليك السلطانية، واسمه أيضا تغرى برمش الصغير؛ وبلغ الوالد خبرهما،

ص: 471

فأمر أن يكتب إلى الأمير جانم نائب طرابلس بالقبض عليهم الثلاثة وإرسالهم إليه فى الحديد، فخشى أغانهم شاهين، الأمير آخور عليهم، من الضرب والإخراق، فسأل الوالد أنه يسافر إليهم ويقبض عليهم ويأتى بهم، فرسم له الوالد بذلك.

وتوجه شاهين إليهم، فوجدهم بقاعة فى طرابلس، فنزل عن فرسه ودخل عليهم استخفافا بهم، فحال ما وقع بصرهم «1» عليه، هرب تغرى برمش الصغير ويوسف، ووثب تغرى برمش ليهرب، فلحقه شاهين، فجذب سيفه وضرب شاهين به فقتله، ثم هرب، فكتب الأمير جانم نائب طرابلس محضرا بواقعة الحال، وأرسله إلى الوالد، ومع المحضر يوسف وتغرى برمش الصغير؛ وهرب تغرى برمش هذا، فرسم الوالد بتحصيل تغرى برمش المذكور وشنقه. وكان الوالد مشغولا بمرض موته، ومات بعد مدة يسيرة.

وخدم تغرى برمش هذا عند الأمير طوخ [الظاهرى برقوق، ويقال له طوخ]«2» بطيخ نائب حلب، وترقى عنده، وصار رأس نوبته، ثم خدم بعده عند جقمق الأرغون شاوى الدّوادار، وصار أيضا رأس نوبته ثم دواداره فى آخر أيامه؛ وكان لجقمق دوادار آخر، يسمى إينال [الحمار] «3» فكان جقمق يقول: «دوادارىّ:

الواحد حمار والآخر ثور» .

ثم مشى حال تغرى برمش بعد عند أبناء جنسه؛ وسببه أنه لما انكسر أستاذه جقمق فى دمشق، وتوجّه إلى بعض قلاع الشام، وتحصّن بها، إلى أن أنزل منها وقتل بدسيسة من تغرى برمش هذا، فأنعم عليه ططر بإمرة عشرة بالقاهرة، ثم جعله الملك الأشرف أمير طبلخاناة، ونائب قلعة الجبل، ثم أنعم عليه بتقدمة ألف فى سنة سبع وعشرين، ثم جعله نائب غيبته بديار مصر لما سافر لآمد، ثم جعله أمير آخور كبيرا بعد الأمير جقمق العلائى، بحكم انتقال جقمق إلى إمرة سلاح؛

ص: 472

ثم ولاه نيابة حلب بعد عزل قرقماس الشعبانى [173] عنها «1» فدام بحلب إلى أن تسلطن الملك الظاهر جقمق، فبايعه ولبس خلعته، ثم عصى بعد ذلك- وليت الخمول عصى أولا قبل مبايعته، فكان يصير له عذر فى الجملة! - ثم وقع له بعد عصيانه ما حكيناه فى ترجمة الملك الظاهر جقمق، إلى أن انكسر وأمسك، ثم ضربت رقبته تحت قلعة حلب، وسنّه نحو الخمسين.

وكان تغرى برمش رجلا طوالا مليح الشكل عاقلا مدبرا كثير الدهاء والمكر، وكان يجيد رمى النشاب ولعب الكرة، وكان عارفا بأمور دنياه وأمر معيشته، متجملا فى مركبه وملبسه ومماليكه، إلا أنه كان بخيلا شحيحا حريصا على جمع المال، قليل الدين لا يحفظ مسألة تامة فى دينه، مع قلة فهم وذوق، وغلاظة طبع، على قاعدة أوباش التركمان «2» ، وكان عاريا من سائر العلوم والفنون، غير ما ذكرنا، لم أره منذ «3» عمرى مسك كتابا بيده ليقرأه، هذا مع الجبن وعدم الثبات فى الحروب، وقلة الرأى فى تنفيذ العساكر؛ وما وقع له مع ناصر الدين بك بن دلغادر فى نيابته على حلب من الحروب والانتصار عليه، كل ذلك كان بكثرة الشوكة وسعد الملك الأشرف برسباى.

وأما لما صار الأمر له، لم يفلح فى واقعة من الوقائع، بل صار كلما دبّر أمرا انعكس عليه، فإنه كان ظنّينا برأى نفسه، وليس له اطلاع فى أحوال السلف بالكلية، ولم يستشر «4» أحدا فى أمره، فحينئذ خمل وأخمل وتمزقت جميع عساكره وخانه حتى مماليكه مشترواته، ومع هذا كله، هو عند القوم فى رتبة عليا من العقل والمعرفة والتدبير؛ وعذرهم أنه لو لم يكن كذلك [ما]«5» صار أميرا- انتهى.

ص: 473

ومات تغرى برمش، والمحضر المكتتب عليه بسبب قتله لشاهين، عندنا.

وقد طلبه منى غير مرة وأنا أسوّف به من وقت إلى وقت، وأبدى له أعذارا غير مقبولة، وأورّى «1» له فى كلامى، فيمشى عليه «2» ذلك ويطيب [خاطره]«3» .

إلى أن عصى، فطلبنى الملك الظاهر جقمق، وسألنى عن المحضر، فقلت:«عندى» ، فكاد يطير فرحا. ثم أفحش أمر تغرى برمش فى الحلبيّين حتى أوجب ذلك قتله بغير محضر ولا حكم حاكم.

وتوفى الملك الظاهر هزبر الدين عبد الله ابن الملك الأشرف إسماعيل بن على بن داؤد بن يوسف بن عمر بن على بن رسول، التركمانى الأصل، اليمنى، صاحب بلاد اليمن، فى يوم الخميس سلخ شهر رجب؛ وكانت مدة ملكه اثنتى عشرة «4» سنة؛ وفى أيامه ضعفت مملكة اليمن، لاستيلاء العربان على بلادها وأموالها؛ وأقيم بعده فى ملك اليمن: الملك الأشرف إسماعيل وله من العمر نحو العشرين سنة، فأساء السيرة، وسفك الدماء وقتل الأمير برقوقا «5» التركى القائم بدولتهم، فى عدة أخر من الأتراك، ووقع له أمور كثيرة، ليس لذكرها هنا فائدة.

أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم خمسة أذرع وثلاثة وعشرون أصبعا؛ [مبلغ الزيادة: ثمانية عشر ذراعا وعشرون أصبعا]«6» .

ص: 474