الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[ما وقع من الحوادث سنة 837]
السنة الثالثة عشرة من سلطنة الملك «1» الأشرف برسباى [على مصر]«2»
وهى سنة سبع وثلاثين وثمانمائة «3» :
وفيه [64] توفى الأمير سيف الدين مقبل بن عبد الله الحسامى الدوادار، نائب صفد بها، فى يوم الجمعة تاسع عشرين شهر ربيع الأول، وأصله من مماليك شخص يسمى حسام الدين لاجين، من أمراء دمشق أو «4» البلاد الشامية، ثم خدم عند الملك المؤيد شيخ أيام إمرته، فاختص به لغزير «5» محاسنه؛ ولما تسلطن المؤيد، جعله خاصكيّا رأس نوبة الجمداريّة، وحج على تلك الوظيفة، ثم بعد قدومه، أنعم عليه بإمرة عشرة، ثم جعله أمير طبلخاناه ودوادارا ثانيا بعد جقمق الأرغون شاوى «6» ، بحكم انتقال جقمق إلى الدوادارية الكبرى بعد انتقال آقباى المؤيدى إلى نيابة حلب بعد عصيان إينال الصصلانى، ثم بعد سنين نقله إلى الدوادارية الكبرى بعد جقمق أيضا بحكم انتقاله إلى نيابة الشام «7» بعد عزل الأمير تنبك ميق وقدومه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف، فدام مقبل على ذلك إلى أن مات الملك المؤيد، وآل الأمر إلى الأمير ططر، وأمسك قجقار القردمى فرّ مقبل المذكور من القاهرة، ومعه السيفى «8» يلخجا من مامش «9» الساقى الناصرى ومماليكه إلى جهة البلاد الشامية،
فعاقهم العربان أرباب الإدراك عن التوصل إلى قطيا، وقاتلوهم «1» بعد أن تكاثروا عليهم.
وكان مقبل من الشجعان، فثبت لهم ولا زال يقاتلهم وهو منهزم منهم إلى الطّينة، «2» فوجدوا بها مركبا فركبوا فيه، وتركوا ما معهم من الخيول والأثقال أخذوها العرب، وساروا فى البحر إلى الشام، واجتمع مقبل مع الأمير جقمق وصار من حزبه، ووقع له أمور ذكرناها فى ترجمة [الملك]«3» المظفر أحمد، إلى أن آل أمره أنه أمسك وحبس، ثم أطلق، وولى حجوبية دمشق.
ثم نقله [الملك]«4» الأشرف إلى نيابة صفد، بعد عصيان نائبها الأمير إينال الظاهرى ططر، فاستمر فى نيابة صفد إلى أن مات. وكان رومى الجنس شجاعا مقداما رأسا فى رمى النشاب، يضرب برميه المثل، وكان أستاذه الملك المؤيد يعجب به، وناهيك بمن كان يعجب [الملك]«5» المؤيد به من المماليك.
وتوفى قاضى القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن أبى العز الدمشقى الحنفى، المعروف بابن كشك، بدمشق، فى ليلة الخميس سابع «6» [شهر]«7» ربيع الأول، بعد أن ولى قضاء الحنفية بدمشق سنين كثيرة، وجمع بينها وبين نظر الجيش بدمشق فى بعض الأحيان، وطلب لكتابة سر مصر فأبى وامتنع واستعفى من ذلك حتى أعفى.
وكان من أعيان أهل دمشق فى زمانه، [و]«8» لم يكن فى الشاميين من يدانيه
فى العراقة والرئاسة، وقد رشح بعض «1» أجداده من بنى العز لخطابة جامع تنكز «2» عند ما عمره «3» تنكز «4» ، وهم بيت علم وفضل ورئاسة، ليس بالبلاد الشامية من هو أعرق منهم غير بنى العديم الحلبيين، ثم بعد بنى العز هؤلاء بنو «5» البارزى الحمويون «6» - انتهى.
وتوفى قاضى القضاة جمال الدين محمد بن على بن أبى بكر الشّيبى الشافعى المكى «7» قاضى قضاة مكة وشيخ الحجبة بباب الكعبة، بها، فى ليلة الجمعة ثامن عشرين [شهر]«8» ربيع الأول، عن نحو سبعين سنة، وهو قاض. وكان خيّرا ديّنا مشكور السيرة سمحا متواضعا بارعا فى الأدب، وله مشاركة جيدة فى التاريخ وغيره، لما «9» رآه، فإنه كان رحل إلى اليمن وغيره وجال فى البلاد، رحمه الله.
وتوفى الأمير سيف الدين آقبغا بن عبد الله الجمالى الأستادّار وهو يلى كشف البحيرة، قتيلا بيد العرب فى واقعة كانت بينه وبينهم، فى حادى عشرين [شهر]«10»
ربيع الآخر؛ وكان أصله من مماليك الأمير كمشبغا الجمالى أحد أمراء الطبلخانات المقدم ذكره فى سنة ثلاث وثلاثين، وكان يسافر إلى إقطاعه، ثم تعانى البلص «1» ولا زال يترقى إلى أن ولى الكشف بعدة أقاليم، ثم ولى الأستادّارية مرتين حسبما تقدم ذكره. كل ذلك فى حياة أستاذه كمشبغا الجمالى، ونكب فى ولايته الثانية وامتحن وضرب وصودر، ثم سافر مع [الملك]«2» الأشرف إلى آمد فظهر منه هناك شجاعة وإقدام فى قتال القرايلكية؛ فأنعم عليه السلطان بإقطاع تنبك البهلوان بعد موته، ثم ولاه بعد قدومه [65] إلى مصر كشف [الوجه]«3» القبلى، ثم نقله إلى كشف الوجه البحرى فقتل هناك.
وكان وضيعا من الأوباش، لا يشبه فعله أفعال المماليك فىّ حركاته وسكونه ولا فى قتاله، على أنه كان مشهورا بالشجاعة، وشجاعته كانت مشتركة بجنون وسرعة حركة، وكان أهوج «4» قليل الحشمة، ليس عليه رونق ولا أبّهة؛ وكان إذا تكلم يكرر فى كلامه اسم «دا» غير مرة. بحيث أنه كان يتكلم الكلمة الواحدة ثم يقول اسم «دا» ، وفى الجملة أنه كان من الأوغاد، ولولا أنه ولى الأستادارية ما ذكرته فى هذا الكتاب ولا غيره.
وتوفى الأمير الكبير سيف الدين جارقطلو «5» بن عبد الله الظاهرى أتابك العساكر بالديار المصرية، ثم كافل المملكة الشامية بها، فى ليلة الاثنين تاسع عشر
[شهر]«1» رجب، وهو فى عشر السبعين، وأصله من مماليك [الملك]«2» الظاهر برقوق، ومن إنيات «3» سودون الماردانى، وتأمّر فى الدولة الناصرية، ثم ولى فى الدولة المؤيدية نيابة حماه، ثم نيابة صفد، ثم أعاده الأمير ططر إلى نيابة حماه ثانيا بعد إنيه تنبك البجاسى لما نقل إلى نيابة طرابلس، فدام بحماه إلى أن نقله [الملك]«4» الأشرف إلى نيابة حلب بعد إنيه تنبك البجاسى أيضا، لما نقل تنبك إلى نيابة الشام «5» ، بعد موت تنبك ميق، فدام جارقطلو فى نيابة حلب إلى أن عزله [الملك]«6» الأشرف، واستقدمه إلى القاهرة أمير مائة ومقدم ألف، ثم خلع عليه باستقراره أمير مجلس، ثم نقله إلى الأتابكية بالديار المصرية بعد موت الأمير يشبك الساقى الأعرج، فدام على ذلك سنين إلى أن ولاه [الملك]«7» الأشرف نيابة دمشق بعد عزل سودون من عبد الرحمن عنها، واستقر سودون من عبد الرحمن أتابكا عوضه «8» فاستمر على نيابة دمشق إلى أن مات فى التاريخ المقدم ذكره.
وكان أميرا جليلا مهابا شهما متجملا فى جميع أحواله، وكان قصيرا بطينا أبيض الرأس واللحية، وفيه دعابة وهزل مع إسراف على نفسه، وسيرته «9» مشكورة
فى ولايته؛ قلت: كان ظلمه على نفسه لا على غيره، والله تعالى يسامحه بمنه وكرمه.
وكان له خصوصية زائدة عند [الملك]«1» الأشرف برسباى، بحيث أنى سمعته مرارا يبالغ فى شىء «2» لا يفعله بقوله: لو سألنى جارقطلو فى هذا ما فعلته؛ وكان إذا جلس قاضى القضاة بدر الدين العينى عند السلطان فى ليالى الخدم، وأخذ فى قراءة شىء من التواريخ، يشير إليه السلطان بحيث لا يعلم جارقطلو، فينتقل بما هو فيه إلى شىء من الوعظيات، ويأخذ فى التشديد على شرّاب «3» الخمر وما أشبه ذلك، ويبالغ فى حقهم، والأشرف أيضا يهوّل الأمر ويستغفر، فإذا زاد عن الحد يقول جارقطلو:[يا قاضى]«4» ، ما تذكر إلا شربة الخمر وتبالغ فى حقهم بأنواع العذاب؟
ليش ما تذكر «5» القضاة وأخذهم الرشوة والبراطيل وأموال الأيتام «6» ؟
…
يقول ذلك بحدة وانحراف حلو، فلما يسمع [الملك]«7» الأشرف كلامه يضحك وينبسط هو وجميع أمرائه؛ وكان يقع له أشياء كثيرة من ذلك- انتهى.
«8» وتوفى السيد الشريف رميثة بن محمد بن عجلان مقتولا خارج مكة فى خامس رجب بعد أن ولى إمرة مكة فى بعض الأحيان، فلم تحمد سيرته وعزل «9» .
وتوفى الشيخ الإمام الأديب الشاعر المفنن تقي الدين أبو بكر بن على بن حجّة- بكسر الحاء المهملة- الحموى الحنفى الشاعر المشهور، صاحب القصيدة البديعية «10» وشرحها وغيرها من المصنفات. مات بحماه، فى خامس عشرين شعبان، ومولده
سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وكان أحد ندماء الملك «1» المؤيد وشعرائه وأخصائه، وولى إمامة «2» عدة وظائف دينية، وعظم فى الدولة، ثم خرج من مصر بعد موت [الملك]«3» المؤيد إلى مدينة حماه واستوطنها؛ إلى أن مات بها. وكان بارعا فى الأدب «4» ونظم القريض وغيره من ضروب الشعر، مفننا لا يجحد فضله إلا حسود؛ ومن شعره مضمّنا مع حسن التورية:[الرجز]
سرنا وليل شعره منسدل
…
وقد غدا بنومنا مضفّرا
فقال صبح ثغره مبتسما
…
عند الصباح يحمد القوم السّرى «5»
«6» وله عفا الله عنه «7» : [الخفيف]
فى سويداء مقلة الخبّ نادى «8»
…
جفنه وهو يقنص الأسد صيدا
لا تقولوا ما فى السّويدا رجال
…
فأنا اليوم من رجال سويدا «9»
قلت: وهذا بعكس ما قاله ابن نباتة والصلاح الصفدى؛ فقول ابن نباتة:
[السريع]
من قال بالمرد فإنى امرؤ «10»
…
إلى النسا ميلى ذوات الجمال
ما فى سويدائى إلا النسا «11»
…
ما حيلتى؟ ما فى السّويدا رجال!
[وقول الصفدى:
المقلة الكحلاء «1» أجفانها
…
ترشق فى وسط فؤادى نبال
وتقطع الطّرق «2» على سلوتى
…
حتى حسبنا فى السّويدا رجال] «3»
ومن نظم الشيخ تقي الدين [أيضا]، قوله:[المنسرح]
أرشفنى ريقه وعانقنى
…
وخصره يلتوى من الرّقه
فصرت من خصره وريقته
…
أهيم بين الفرات والرّقّة «4»
ومما كتب إليه قاضى القضاة صدر الدين على بن الآدمى الحنفى، مضمّنا لشعر امرئ القيس:[الطويل]
أحنّ إلى تلك السجايا وإن نأت
…
حنين أخى ذكرى حبيب ومنزل
وأذكر ليلات بكم قد تصرّمت
…
بدار حبيب لا بدارة جلجل «5»
شكوت إلى الصّبر «6» اشتياقى فقال لى:
…
ترفّق ولا تهلك أسى وتجمّل «7»
فقلت له:
إنى عليك معوّل
…
وهل عند ربع دارس من معوّل؟
فأجابه الشيخ تقي الدين بن حجّة المذكور بقوله:
سرت نسمة منكم إلىّ كأنّها
…
بريح الصبّاجاءت «8» بريّا القرنفل «9»
فقلت لليلى مذ بدا صبح طرسها:
…
ألا أيّها الليل الطويل ألا أنجل
ورقّت فأشعار امرئ القيس عندها
…
كجلمود صخر حطّه السيل من عل
فقلت «1» :
قفا نضحك لرقّتها على «2»
…
وتوفى ملك الغرب «3» وسلطانها، أبو فارس عبد العزيز [المتوكل]«4» ابن أبى العباس أحمد بن محمد بن أبى بكر بن يحيى «5» بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن عمر الهنتاتى الحفصى، فى رابع عشر ذى الحجة، عن ست وسبعين سنة، بعد أن خطب له بقابس وتلمسان وما والاهما من المدن والقرى، إحدى وأربعين سنة وأربعة أشهر وأياما «6» .
وكان خير ملوك زمانه شجاعة ومهابة وكرما وجودا وعدلا وحزما وعزما ودينا، وقام من بعده فى الملك حفيده المنتصر أبو عبد الله محمد ابن الأمير أبى عبد الله محمد بن أبى فارس المذكور.
وتوفى سلطان بنجالة «7» من بلاد الهند، جلال الدين أبو المظفر محمد بن فندو؛
وكان فندو يعرف بكاس. كان أبوه «1» فندو المذكور كافرا، فأسلم جلال الدين هذا، وحسن إسلامه، وبنى الجوامع والمساجد [وعمّر]«2» أيضا ما خرب فى أيام أبيه، من المدن، وأقام شعائر الإسلام، وأرسل بمال إلى مكة، وبهدية إلى مصر، وطلب من الخليفة المعتضد بالله [أبى الفتح داؤد]«3» تقليدا بسلطنة الهند، فبعث إليه الخليفة [الخلعة]«4» والتشريف مع بعض الأشراف، فوصلت الخلعة إليه ولبسها، ودام بعدها إلى أن مات؛ وأقيم بعده ولده المظفّر أحمد شاه، وعمره أربع عشرة «5» سنة.
وتوفى صاحب بغداد شاه محمد بن قرا يوسف بن قرا محمد، فى ذى الحجة مقتولا على حصن من بلاد القان شاه رخ بن تيمور لنك، يقال له شنكان، وأقيم بعده على ملك بغداد أميرزه علىّ [ابن]«6» أخى قرا يوسف. وكان شاه محمد المذكور ردىء [67] العقيدة يميل إلى دين النصرانية- قبّحه الله ولعنه- وأبطل شعائر الإسلام من دار السلام وغيرها بممالكه، وقتل العلماء وقرّب النصارى، ثم أبعدهم، ومال إلى دين المجوس وأخرب البلاد وأباد العباد، أسكنه الله سقر ومن يلوذ به من إخوته وأقاربه ممن هو على اعتقاده ودينه.
وتوفى الشيخ الإمام أبو الحسن على بن حسين بن عروة بن زكنون «7» الحنبلى الزاهد الورع فى ثانى جمادى الآخرة خارج دمشق، وقد أناف على الستين سنة، وكان فقيها عالما، شرح مسند الإمام أحمد، وكان غاية فى الزهد والعبادة والورع والصلاح «8» ، رحمه الله.
أمر النيل فى هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع وثلاثة أصابع؛ مبلغ الزيادة:
سبعة عشر ذراعا وسبعة عشر إصبعا.
(النجوم الزاهرة ج 15)