الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقع في أحاديث ابن وهب عن مالك في جامع العتبية قال مالك: بلغني أن أبا هريرة قال: ما كنا نسمي السكين إلا المدية حتى أنزل الله في كتابه: «وَآَتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّينًا» . فلعل أبا هريرة تكرر منه هذا الخبر، وإلا فإن ما في رواية ابن وهب أظهر؛ لأن شهرة القرآن أكثر.
* * *
باب قول الله تعالى: {وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ}
فيه حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه[4: 198، 11]:
(قال: لما نزلت {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: 82] قال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أينا لم يلبس إيمانه بظلم، فنزلت {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13]. فقد جاء في تلك الرواية بالحديث على وجهه البين في أن الآية معروفة من قبل ذلك. وعليه فقوله هنا: «فنزلت {لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} سهو من الراوي عن الأعمش إما من أبي الوليد وإما من شعبة.
باب {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ}
وقع فيه حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه [4: 202، 20]:
«وأراني الليلة عند الكعبة في المنام، فإذا رجل آدم، كأحسن ما يرى من أدم الرجال، تضرب لمته بين منكبيه، رجل الشعر، يقطر رأسه ماء، واضعًا يديه على منكبي رجلين وهو يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ فقالوا: هذا
المسيح ابن مريم، ثم رأيت رجلاً وراءه جعدًا قططًا أعور عين اليمنى كأشبه من رأيت بابن قطن واضعًا يده على منكبي رجل يطوف بالبيت، فقلت: من هذا؟ قالوا: المسيح الدجال».
تمثيل الطواف بالبيت مع أحوال الدجال في رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يكون تمثيلاً لتدجيل الدجال وتظاهره بخلاف باطن حاله.
وأما وضع يده على منكبي رجل واحد، فلعله تمثيل لتمويهه بأنه المسيح ابن مريم، فمثل ذلك في شبه الحالة التي رئي عليها عيسى عليه السلام في تلك الرؤيا.
وكونه واضعًا يدًا واحدة لا يديه معًا، وعلى منكب رجل واحد لا على منكبي رجلين، تمثيل لدقة الاختلاف بين حاله وحال عيسى التي أراد تمويهها لمن كان ذا اهتداء إلى تبين حال تمويهه. فرؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حق، ويكون حقها تارة في ظاهرها وتارة في تأويلها، فلا ينافي هذا ما صح في الحديث: أن الدجال لا يدخل مكة.
وأما رؤيا عيسى عليه السلام متوكئًا في طوافه على منكبي رجلين، فلعله لإكثاره من الطواف بالبيت حصل له إعياء، فاستعان بالتوكؤ حقيقة أو تمثيلاً. وأما توكؤ الدجال فرياء وتمويه.
وإن للرؤيا النبوية أسرارًا لا يعبرها إلا صاحبها عليه الصلاة والسلام وما ذكرناه هو إبداء بعض ما تحتمله، والله ورسوله أعلم.
* *
وفيه حديث [4: 204، 1]:
(أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «رأى عيسى ابن مريم عليه السلام رجلاً يسرق، فقال له: أسرقت؟ قال: كلا والله الذي لا إله إلا هو، فقال عيسى: آمنت بالله وكذبت عيني» .
لم يكن عيسى عليه السلام شاكًا في أن الرجل سرق؛ لأنه قد رآه سرق، فلما أقسم الرجل على أنه ما سرق الذي هو مدلول قوله:«كلا» أراد عيسى أن يوقع في نفس ذلك الرجل حرمة اليمين بالله بعد أن استخف بها، فأتى بكلام موجه يوهم الرجل أنه صدقة في يمينه وتشكك في رؤيته فقال:«آمنت بالله» ، وهو كلام حق، وقال:«وكذبت عيني» أي: جعلت ما رأته عيني كالشيء الذي لم يقع؛ إذ أعرض عن
مؤاخذة السارق، وهو يوهم السامع أنه شك فيما رآه. وهذا من دواء نفس السارق. ولعله أصلح الله به حاله.
وإطلاق اسم الكذب على ذلك مجاز؛ لأن ما تؤديه العين إلى العلم بمنزلة الخبر، فالخطأ فيه مثل مخالفة الخبر للواقع على نحو قوله صلى الله عليه وسلم:«وكذب بطن أخيك» [7: 159، 17]. وقوله تعالى: {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} [النجم: 11].
فمعنى «كذبت عيني» الشك في صحة رؤيتها، وفي حديث الهجرة:«فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة» ، أي لم تنقضه.
ويجوز أن يكون عيسى عليه السلام قد تعارض عنده صدق الحالف في حلفه، واحتمال الغلط في الرؤية، فرجح صدق الحالف لعظم الإقدام على الحلف كذبًا.
* * *