الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غريبة لا يوثق بصحتها لانفراد أبي أسامة بها دون جميع من روى خبر الإفك. وأبو أسامة وثقة أحمد بن حنبل. واحترز منه البخاري فلم يسند عنه هذا الحديث.
وهذه الجملة مشكلة فقوله: «فقلت» الظاهر أنها أرادت: فقلت في نفسي؛ لأنها ذكرت في هذا الحديث وغيره أنها لم تستطع الجواب، فقلت لأبي بكر: أجب رسول الله، وقالت لأم رومان أجيبي رسول الله. والمعنى: فقلت في نفسي متأسفة لعل هذه المرأة تذكر للناس شيئًا مما تسمعه ظانة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استيقن خبر الإفك.
وقولها: «ألا تستحي» خطاب لنفسها، لتحمل نفسها على الغضب، فتجيب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث وجدت نفسها لا تستطيع الكلام. وقد يدل على صحة هذا التفسير قولها بعد ذلك:«وكنت أشد ما كنت غضبًا» .
وقال الشارحون: الخطاب منها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي على سبيل العتاب تقول: ألا تترك الكلام في هذا بمسمع من امرأة أجنبية لعلها تذكر للناس شيئًا على حسب فهمها لا يليق ببراءة أهلك.
وعندي على هذا الاحتمال في الخطاب أن عائشة لصغر سنها قاست تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم على تصرفات الناس في معتادهم؛ إذ يسكتون عن الحق بدافع الحياء أو توقع السمعة، وغاب عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستحي من الحق؛ لأن له في مثل هذه الحالة صفتين؛ صفة خاصة، وهي كونه زوجًا، وصفة عامة، وهي صفة الإرشاد والموعظة. وقد أمره الله أن يقول ما قاله؛ لأن في ذلك إظهار براءة عائشة رضي الله عنه بمبرات كثيرة، وما عليه أن تذكر المرأة الأنصارية ذلك أو لا تذكره، وقد كان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك مقدمة لنزول الوحي ببراءة عائشة في ذلك المجلس. والله أعلم.
* * *
باب {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ} [الفرقان: 68]
فيه قول سعيد بن جبير [6: 138، 11]:
يتعين أن ابن عباس قال ذلك تغليظًا لانزجار الناس عن القتل؛ وإلا فإن علم ابن عباس لا يترك في نفسه شكًا في أن كل ذنب من المسلم يقبل التوبة إن تاب من ذنبه وأقلع عنه. وإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب يقبل التوبة بالإيمان فإن ما دونه من الكبائر أولى بالتوبة وإلا لصار الإيمان لصاحبه أسوأ حالاً من الكفر، ولأصبح قاتل النفس آيسًا من رحمة الله فلا يكون له داع إلى الإقلاع عن ذنبه.
ولا شك أن المراد بالخلود في آية القتل هو طول أمد العذاب خلافً لما تقل هنا عن ابن عباس. ولو أُخذ ذلك على ظاهره لما كان وجه لتخصيص القتل بهذا الحكم. فقد جاءت آيات كثيرة في الجزاء بالخلود في النار على ذنوب كثيرة وكلها قابلة للتوبة إجماعًا من المسلمين. فلا نظن بابن عباس مخالفة الإجماع، وما تأول به آية سورة الفرقان وهي قوله تعالى:{وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَاّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 68، 69، 70] بانه نزل في أهل مكة فتأول التوبة بالإيمان بعد الكفر، فذلك تأويل غير صحيح؛ لأن الآية جمعت ذنوبًا كثيرة، فإما أن يكون الاستثناء راجعًا إلى كل ذنب فهو حجة على بطلان تأويله؛ وإما أن يرجع إلى مجموع تلك الذنوب فهو يقتضي أن بعضها أولى بالاستثناء، فهو حجة على بطلان تأويله أيضًا.
وبعد، فيجيء على تأويله أن الله كما أنزل قوله:{إِلَاّ مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا} [الفرقان: 70] لئلا ييأس المشركون من قبول إيمانهم، كذلك تكون الآية مفيدة في كل ذنب من أولئك بقوله:{مَنْ تَابَ وَآَمَنَ} ، فإن الإيمان السابق على الذنب أفضل من الإيمان اللاحق بالذنب.
* * *
سورة الروم
وقع فيه قول مسروق [6: 142، 19]:
(بينما رجل يحدث من كندة).
«كندة» هذه، محلة بالكوفة، دعيت باسم كندة لنزول جماعة من كندة بها، وهي التي ينسب إليها أبو الطيب المتنبي.