الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علمهم فضيلة الصبر والتعفف من أجل أن سؤال الرسول وولاة الأمر من مال الله ليس بمنهي عنه، إلا إذا أريد به التكثر والحرص والاستئثار به عن مستحقيه.
وقع فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم[2: 152، 3]:
«والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحدكم حبلة فيختطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه» .
فقوله «خير» تفضيل لا محالة، لوجود (من) التفضيلية معه، والتفضيل ظاهر: وهو أن في السؤال خيرًا مرجوًا، وهو حصول العطاء، وفي الاحتطاب خير أفضل؛ لأنه حصول نفع محقق ومعه عزة النفس.
وقوله: «أعطاه أو منعه» حالان مقدران، أي مقدرًا أنه يعطيه، وتلك حالة خير في الجملة.
وقوله: «أو منعه» ارتقاء في التحذير من السؤال، وهو أنه قد يكون معه المنع فلا يحصل فيه خير للسائل، وتحصل له مذلة السؤال وخيبة المنع.
* * *
باب قوله تعالى: {لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [
البقرة: 273]
فيه حديث أبي هريرة [2: 153، 14]:
(إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين الذين ترده الأكلة والأكلتان، ولكن المسكين الذي ليس له غنى ويستحي»).
ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم صنفين من المساكين: متعارف وخفي، وجاء بما يدل على حصر المسكنة في الصنف الخفي، فنفى المسكنة عن المسكين الذي من عادته سؤال الناس، وهو الذي كني عنه بقوله:«الذي ترده الأكلة والأكلتان» ، أي الذي يسأل فيرجع إذا أعطي أكلة أو أكلتين.
ووجه نفي وصف المسكنة عن هذا أنه يقصد الناس فيعرفون أنه مسكين فيواسونه بما يزيل حاجته، فكان مسكنته منفية لأجل سرعة زوالها في وقت اشتدادها، فنفى المسكنة عن هذا نفي ادعائي لقصد المبالغة في ضعف أثر تلك المسكنة.
تم قابل هذا النفي بإثبات مسكنة أخرى يعسر ارتفاعها عن صاحبها، وهي المسكنة التي لا يهتدي إليها أصحاب الفضل، وهي مسكنة المحتاج الذي يستحيي أن يسأل الناس، وباجتماع نفي المسكنة عن جنس وإثباتها لجنس آخر حصل معنى قصر المسكنة على هذا النصف الأخير، وهو حصر كما علمت ادعائي بقصد به المبالغة لعدم الاعتداد بمسكنة غيره.
وبهذا تعلم أن التعريف في لفظ «المسكين» في الموضعين تعريف الجنس لا دلالة له على معنى الكمال؛ لأنه لو أريد الدلالة على معنى الكمال لاكتفى بقوله «المسكين الذي ليس له غنى ويستحي» .
وإنما عدل عن ذلك؛ لأن الدلالة على القصر بهذه الطريقة أوضح من الدلالة عليه بإرادة معنى الكمال من التعريف باللام؛ لاحتياجه إلى قرائن خارجة عن اللفظ، والمقام مقام بيان لا تحسن فيه مداخل الاحتمال.
ووقع فيه [2: 153، 19]:
«إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال .... »
فقوله: «قيل وقال» هما فعلان ماضيان، أولهما مسند للمجهول، والآخر مسند للمعلوم، أي يكره لكم هاتين الصيغتين من الخبر، فالفعلان منصوبان على المفعولية على قصد الحكاية كقول النابعة:
* * *
وما يغني عن الحدثان ليت
وذلك معروف في إناطة الأحكام الإعرابية بالألفاظ المحكية، كما يقول المعربون:(من) حرف جر، أي هذا اللفظ، ولا إشكال في ذلك.
وقد اختلف النحريران التفتازاني والجرجاني في تحقيق كيفية هذا الإسناد.
فرأى التفتازاني أن اللفظ المحكي قد صار بالحكاية اسمه مثل مسماه، فاسم (من) التي هي حرف جر هو لفظ (من)، فإذا أخبر عنه أوتسلط عليه فعل الفاعل كان الإخبار عن الاسم المماثل للمسمى، إذ ليس مسماه إلا شيئًا منطوقاً به.
ورأى الجرجاني أن حق الإخبار والتسليط أن يكون على الذوات، فالأصل في إخبارك عن الدرهم بالصفاء أن تحضره وتقول للسامع: صاف، فلما تعذر ذلك في غالب الإخبارات جعلت أسماء المسميات مخبرًا عنها ومتعلقة بها الأفعال، فإذا كان الشيء المراد الأخبار عنه لفظًا فقد رجعت به إلى الحق والأصل فنطقت به،