الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى قوله: {تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وهُوَ واقِعٌ بِهِمْ} . ثم قال: {قُل لَاّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا} إلى قوله: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} . فكان من إعذار الله إلى المشركين أن نبَّههم إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يطلب منهم نفعاً لنفسه إلا أن يودوه لأجل قرابته من بطون قريش ومن حولهم. وذلك من دأبهم فقد دعاهم إلى ما يعرفون، أي لا أسألكم إلا المسالمة وترك الأذى فالمراد بالمودة ترك ضدها.
ولو كان المراد مودة المؤمنين لآل النبي لسمج الكلام؛ لأن المؤمنين لا يظن بهم أن يتوهموا أن النبي يرجو منهم نفعاً، فإن كان يرجوه فإنما يرجو أن ينصروا الله ويخلصوا الإيمان.
وأيضاً فإن «القربى» اسم للمعنى الذي به يكون القريب قريباً، فالمودة لأجلها.
ولما لم تضف «القربى» إلى ما يعين نسبتها تعين أن المراد الجنس الذي بين المتكلم والمخاطب. وأما لو كان المراد قربى الرسول، أي أهل قرابته، أي أقاربه، فلا يحسن جلب حرف (في)؛ لأن القريب مودود لا مودود لأجله.
* * *
فيه حديث يَعْلى بن أمية [6: 163، 9]:
(سَمِعْتُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ عَلَى الْمِنْبَرِ {ونَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّك}).
مراده بهذا الحديث توهين قراءة من قرأ (نَادَوْا يَا مَال) بالترخيم وهي قراءة علي وابن مسعود. فأراد يعلى بن أمية توهينها من جهة السند.
وكان ابن عباس ردَّها أيضاً من جهة المعنى، فقال: ما كان أغنى أهل النار عن الترخيم، يعني أن الترخيم تفنُّن وتلطف في الكلام، والذين في النار في النار هم في شاغل عظيم عنه. واعلم أن كلا الأمرين لا يردُّ صحة القراءة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد يقرأ بالقراءتين وبأكثر، كما جاء في حديث اختلاف عمر مع هشام بن حكيم في سورة الفرقان، واختلاف أُبَيِّ بن كعب مع عبد الله بن مسعود في سورة الحواميم. وصوب رسول الله صلى الله عليه وسلم كّلاً منهم.
وأما من جهة المعنى فقد يكون مخاطبتهم مالكاً خازن النار بالترخيم تزلُّفاً إليه وترقيقاً له على حالهم.
سورة الجاثية
فيه حديث أبي هريرة [6: 166، 9]:
(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عز وجل: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ، بِيَدِي الأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ»).
الأذى: المعاملة بما يكرهه المعامَل، وهو دون الضرِّ، مثل العجرفة وسوء الأدب. فمعنى «يؤذيني ابن آدم» يسيء الأدب الذي تقتضيه الربوبية؛ إذ يعتقد أن الدهر، وهو الزمان، متصرف في حوادث العالم. فإذا لاقى من أحداث العالم ما لا يلائمه سبَّ الدهر غضباً.
وليس يريد من يسب الدهر أنه يسبُّ الله تعالى وإلا لكان سبُّه أشدَّ من الأذى فموقع جملة «يسبُّ الدهر» موقع الاستئناف البياني لأذى ابن آدم ربه؛ لأن الإخبار عن ابن آدم بأنه يؤذي الله خبر غريب يثير في نفس السامع تساؤلاً عن هذا الأذى.
والظاهر أن المراد بابن آدم ما يشمل المسلمين، إذ يقول أحدهم:«يا خيبة الدهر» مثلاً، فكان هذا الحديث القدسي تعليماً للمسلمين وتربية لهم. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر» رواه البخاري [8: 51، 11] ومسلم. وعنه: «لا تقولوا: يا خيبة الدهر» رواه مسلم.
ويجوز أن يكون معنى «يؤذيني» أنه يسب الدهر. وذلك يؤول إلى السخط على تصرف الله. فإذا تأمل فيه المتأمل وجد الدهر ليس شيئاً موجوداً فشعر بأنه سبَّ المتصرف الحقيقي في العالم.
وإنما كان هذا أذى لله ولم يكن سبّاً له؛ لأن سبَّ الدهر السبب دال بالمطابقة على غير الله. وإنما دلالته على الجرأة على الله بالالتزام غير البين، فكان بذلك أذى وعجرفة.
ومعنى «وأنا الدهر» وأنا فاعل ما نسبه ابن آدم إلى الدهر، وهذا تنبيه على لازم قول الناس: خيبة للدهر، ونحوه، وجملة «بيدي الأمر» مبينة لجملة «وأنا الدهر» .
وجملة «أقلب الليل والنهار» بدل من جملة «بيدي الأمر» بدل بعض من كلٍّ؛ لأن تقليب الليل والنهار من أعظم أحوال هذا العالم.
* * *