الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين ببركة الإسلام فجعل أرواح صغارهم إذا انتهكت بالموت قبل إبان التكليف أن يلحقها بأرواح أهل الكمال تنمية للفطرة المستقرة فيها؛ ولذلك جعل أطفال المسلمين في كفالة إبراهيم الخليل عليه السلام؛ لأن إبراهيم هو أول مظهر لدين الفطرة والحنيفية، قال تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ} [الحج: 78].
فكون أرواح الصبيان في كفالته رمز إلى نماء معنى الفطرة وكماله بإفاضة روحية من سر إبراهيم الخليل مصدر الفطرة والحنيفية إلى إبان معلوم حتى لا يفوتها فضل ما يبلغ إليه أهل الكمال لصالح أعمالهم.
وقد زادت لإبراهيم ابن النبي- عليه الصلاة والسلام خصوصية أخرى وهي أن نماء فطرته في الآخرة مشوب بنعيم أمثاله، وهو نعيم الرضاعة في الجنة، ولم يثبت مثل هذا لبقية صبيان المسلمين.
والظاهر أن ذلك لا يستمر إلا مقدار ما تستكمل روحه طور الطفولة ثم يرتقي به إلى نعيم آخر في أطوار أخرى مناسبة حتى يصل إلى الكمال.
* * *
باب ما قيل في أولاد المشركين
فيه حدثنا ابن عباس وأبي هريرة [2: 125، 11]:
(سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال: «الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين»).
فقوله: «الله
…
أعلم بما كانوا عاملين» معناه: الله أعلم بحالهم، وهو إمساك عن الجواب المبين لحالهم.
فالمراد بالعمل الحال، كما يقال في شأن الغائب: ليت شعري ماذا صنع فلان؟ أي ما حاله؟
وفي الحديث [8: 37، 17]:
«يا أبا عمير ما فعل النغير» ، فيحتمل أن هذا الجواب كان قبل أن يطلع الله رسوله صلى الله عليه وسلم على أنهم غير معذبين، ويحتمل أن الإبهام مقصود هنا؛ لئلا يكون بيان حالهم تنفيسًا على أهاليهم، إذ يكونون قد استراحوا من الفكرة في شأن ذرياتهم،
فيقلل ذلك من تأملهم في الفوز بالنجاة بالإسلام؛ لأن كثيرًا من الآباء يهتم بمصير أبنائه أكثر ما يهتم بمصير نفسه.
وقوله: «إذ خلقهم» (إذ) فيه تعليلية، أي أنه اعلم بهم، فهو خالقهم، كقوله تعالى:{رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ} ، [الكهف: 21] ويدل لذلك ما رواه أحمد عن ابن عباس: «ربهم أعلم بهم هو خلقهم وهو أعلم بما كانوا عاملين» .
* *
ووقع فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه [2/ 127، 3]: «والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام والصبيان حوله فأولاد الناس» .
* *
ووقع في كتاب التعبير في هذا الحديث من رواية عوف عن أبي رجاء عن سمرة: [9: 58، 3]:
(«وأما الرجل الطويل الذي في الروضة فإنه إبراهيم عليه السلام وأما الولدان الذين حوله فكل مولود مات على الفطرة» قال: فقال بعض المسلمين: يا رسول الله وأولاد المشركين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأولاد المشركين»).
وهذا يفسر معنى قوله في رواية جرير بن حازم عن أبي رجاء عن سمرة: «أولاد الناس» : أنهم أولاد جميع الناس الذين يموتون في سن الصبا؛ وذلك لنماء معنى الفطرة فيهم، وإبلاغهم مبلغ أهل الفضائل والكمال منهم، على مراتب يعلمها الله تعالى، ويقدرها بحسب ما أودع فيهم من مقادير صفاء القوى النفسية، فكونهم عند إبراهيم الخليل عليه السلام هو كون استمداد وتلق لإفاضات روحانية تفيضها عليهم روح الخليل تزكية لهم وترقية؛ كيلا تفوتهم مراتب الكمال التي هي أكبر النعم فيستعدوا بها لمزاولة النعم الأخروية ودرجاتها.
والظاهر أن هذا التلقي بتطور أطوارًا مناسبة لآماد الأعمار المعروفة في الدنيا، ولم يبين في السنة هل تكون هذه الكفالة مستمرة أم تنتهي عند أمد محدود، فيجتاز بهم إلى مجاز الأرواح الكاملة ويخلفهم غيرهم عند إبراهيم من الأطفال المتوفين بعدُ؛ وهكذا لأن اللفظ النبوي لم يقتض استغراق جميع أطفال المسلمين في وقت واحد.
* * *