الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
انتصب «أصحاب» على الاختصاص. وقوله: «فلا ندري» أي فلا ندري كيف نتأول؛ يعني أنكم تخبروننا بما نحسبه مخالفًا لما هو معلوم بين الناس، وذلك أنه استبعد قول حذيفة:«لم يبق من أصحاب هذه الآية {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ} [التوبة: 12] إلا ثلاثة، ولا من المنافقين إلا أربعة، فما بال هؤلاء الذين يبقرون بيوتنا ويشرقون أعلاقنا» ، أي فهو يحسب أنه لا يؤذي المسلمين إلا من كان كافرًا. فهؤلاء عنده إما من أئمة الكفر وإما من المنافقين؛ فلذلك قال له حذيفة:«أولئك الفساق» .
ثم قال: «أجل لم يبق منهم إلا أربعة» فهذا عود إلى كلامه الأول وتصميم عليه.
* * *
باب: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ} [التوبة: 40]
فيه قول أبي بكر رضي الله عنه[6: 83، 8]:
(قلت: يا رسول الله لو أن أحدهم رفع قدمه رآنا).
أي أن المشركين كانوا يتسلقون جبل ثور ويمرون من شعابه، يصلون إلى المنازل الواقعة في سفحه من الجهة الأخرى كدأب سكان جهتي الجبال.
والمعنى أنهم كانوا يمرون على سقف الغار، فعله قد كان في سقفه شقوق تحت أقدام المارة، فلو رفع أحد قدمه ونظر ما تحت قدمه رأى أسباحًا في الغار، فاكتفى بقوله:«رفع قدمه» ؛ لأنه لا يرفع قدمه إلا أن يقف قصد التأمل، فلا تتوهم أن المشركين كانوا يفتشون في الجبل؛ لأنهم لو فعلوا ذلك لدخلوا الغار، ولا أن الجبل كان طريقًا لهم؛ لأن الغار مرتفع في الجبل.
* * *
باب قوله: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80]
فيه حديث ابن عمر رضي الله عنه[6: 85، 8]:
(فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله تصلي علنه، وقد نهاك ربك أن تصلي علنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيرني الله فقال: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ} [التوبة: 80] وسأزيده على السبعين»).
قول عمر: «وقد نهاك الله أن تصلي عليه» ، أي نهاك أن تصلي على المنافقين، وهو واحد منهم. وقد وقع التصريح بذلك في بعض رواياته:«وقد نهاك ربك أن تصلي على المنافقين» . والظاهر أن عمر رضي الله عنه فهم النهي من عموم قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 113] فإنه رأى المنافقين من جملة المشركين إذ الاعتبار بالاعتقاد. وقد تظافرت الأمارات على أن عبد الله بن أبي كان منافقًا وما الصلاة على الميت إلا ضرب من الاستغفار.
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما خيرني ربي» هو قصر قلب لإبطال قول عمر: «وقد نهاك ربك» أي أن الله لم ينهني عن ذلك؛ لأن المنافق مغاير للمشرك؛ إذ المنافق مظهر للإيمان غير معاند؛ فلا تدخل هذه الماهية في ماهية الإشراك حتى يشملها عموم اللفظ الدال على الإشراك. فالتخيير يقتضي الإذن بقطع النظر عن المغفرة؛ لأنه قد يكون في الاستغفار فوائد أخرى، منها: تألف قلوب بقية المنافقين.
ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمل لفظ «السبعين» في الآية على ظاهره دون معنى الكثرة، وإن كان ظاهره مرجوحًا، استقصاء للرأفة بالأمة ولو في ظاهر الحال رجاء بركة صورة الإسلام حتى نزل {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} [التوبة: 84].
ووقع في رواية ابن عباس عن عمر عقب هذا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم[5: 85، 18] قال: «لو أعلم أني إن زدت على السبعين يُغفر له لزدت عليها» .
ووقع فيه قول عمر [6: 86، 1]:
(فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ورسوله أعلم).
إنما عجب من جرأته لأن ما صدر منه كان بدافع كراهية أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس المنافقين مع بعضه للرسول، فحجبه ما اعتراه من الكراهية عن التأمل ليعلم أن الله لا يقر رسوله صلى الله عليه وسلم على ما لا يرضى به، ولو تأمل في سعة من أمره لعلم من دلائل أحوال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله أراد أن يصلي الرسول على عبد الله بن أبي ثم يرد النهي بعد ذلك فيكون أوقع وأقطع لمعاذير المنافقين.
* * *