الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الهبة
باب
فيه قول [3: 215، 18]:
أورد عليه إشكال قضاء مروان بن الحكم بشهادة عدل واحدة، فقيل: أراد الراوي مع يمين المدعين، وهو مردود بأن ذلك لم يذكر، ومثله لا يهمل؛ إلا أن يراد أن مثل ذلك معروف من تصرفات الحكام فلا يحتاج إلى ذكره، وقيل: لعل مروان كان يرى القضاء بشهادة عدل واحد مبرز في العدالة مثل شهادة خزيمة، وقد نقل عن شريح القاضي أنه كان يرى مثل هذا.
وعندي: أن هذا يحتمل وجهين، أحدهما: وهو الأظهر: أن البيتين والحجرة كانت غير مملوكة لأحد؛ لأنها مما أحياه رسول الله صلى الله عليه وسلم من موات الأرض في المدينة حين بني المسجد في بعض مقابر المشركين، وفي خرب غير مملوكة، وفي خرب لبعض أهل المدينة جعلوها لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ورد أن البيتين والحجرة كانت لأم سلمة، فهي إذن من توابع حجر النبي صلى الله عليه وسلم فيكون إعطاء رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيباً إياها من باب الإقطاع، وهو تصرف بوجه الإمامة لا بوجه نقل الأملاك، فيكون طلب مروان الشهادة على ذلك من باب طلب ما يثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصرف هذا التصرف لينفذه مروان لكونه أمير المدينة، فإن شأن الأمراء إنفاذ أعمال المتصرفين قبلهم من الأئمة والأمراء، فرجع ذلك إلى الخبر لا إلى الشهادة، والخبر يُكتفَي فيه بالواحد مثل مزكي السر، ومقوم العيب، وقائس الجرح، فإخبار ابن عمر قام عند مروان مقام ما يجده الأمير والقاضي في ديوان سلفه من خطاب بثبوت شيء أو إنفاذ أمر.
وقد أعطى أبو بكر جابر بن عبد الله ما وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال البحرين بمجرد قوله له: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو قد جاء مال البحرين أعطيتك هكذا
وهكذا وهكذا») [4: 110، 112].
والحاصل أن تصرف مروان كان تصرف إمارة لا تصرف قضاء، وهو أوسع من تصرف القضاء، ويدل لذلك أن البيتين والحجرة لم تكن في يد آخر، فليس ادعاء بني صهيب إياها بنازلة قضائية، بل الظاهر أن مروان أراد نزعها منهم ظناً بأن تصرفهم فيها تصرف افتيات أو انتفاع؛ فلذا احتاج إلى إثبات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها صهيباً.
وإطلاق اسم الشهادة على خبر ابن عمر تسامح، وربما يؤيد ذلك بمجيء لام القسم في قوله:«لأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم صهيباً ..... » إلخ؛ لأن التأكيد بالقسم من خصائص الخبر دون الشهادة، وإن كانت الشهادة خبراً.
فإن قيل: يمنع من هذا قول الفقهاء: «إن إحياء الموات والإقطاع لا يكون في المدن والمعمور من الأرض» .
قلنا: تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بالمصلحة التي تقبل من غيره، ولعله أراد تعمير ما حول المسجد أو لغير ذلك، على أن الاختلاف كثير في أحكام الإقطاع وصفاته.
والوجه الثاني: أن يكون مروان جعل شهادة ابن عمر مع حيازة أبناء صهيب بمنزلة حصول شاهدين؛ لأن الحوز شاهد عرفي؛ لأن الأصل عدم العداء، وقد اعتبرنا الحوز شاهداً عرفياً في بعض المسائل مثل حوز الرهن، وإرخاء الستر على المرأة، وعند تكافؤ البينتين المتعارضتين؛ لكنا اعتبرناه كذلك في أنه يعضد باليمين، ولا بعد في أن يحمل كذلك إذا عضد بشاهد آخر وهو أحرى بالاعتبار من الاعتضاد باليمين، فهذا تفسير هذا الحديث.
* * *