الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو امرأتان فقط، وحكم هذه الحالة ثبت في السنة أن المدعي يكمل شهادته بيمينه، كما كمل المدعى عليه نهوض إنكاره بيمينه، وأي بدع في ذلك؟ وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالشاهد واليمين، وهو في صحيح مسلم مسنداً، وفي الموطأ مرسلاً عن محمد بن علي بن الحسين، ومضت السنة به في المدينة دار العلم والسنة.
وقد تصدى مالك رحمه الله في الموطأ إلى رد قول ابن شبرمة ودليله؛ فقال: «فمن الحجة على من قال ذلك القول إن يقال له: أرأيت لو أن رجلاً ادعى على رجل مالاً، أليس يحلف المطلوب: ما ذلك الحق عليه، فإن حلف بطل ذلك عنه، وإن نكل عن اليمين حلف صاحب الحق: إن حقه لحق، ويثبت حقه على صاحبه.
فهذا ما لا اختلاف فيه عند أحد من الناس ولا بلد من البلدان فبأي شيء أخذ هذا أو في كتاب الله وجده. فإن أقر بهذا فليقر باليمين مع الشاهد، وإن لم يكن ذلك في كتاب الله.
وإنه ليكفي من ذلك ما مضى من السنة، ولكن المرء قد يحب أن يعرف وجه الصواب ومواقع الحجة. ففي هذا بيان إن شاء الله.
* * *
باب القرعة في المشكلات
فيه حديث النعمان بن بشير رضي لله عنهما [3: 237، 16]:
(قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المدهن في حدود الله والواقع فيها مثل قوم استهموا سفينةً فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها فكان الذين في أسفلها يمرون بالماء على الذين أعلاها فتأذوا به فأخذ فأساً فجعا ينقر أسفل السفينة فأتوه» فقالوا: ما لك؟ قال: «تأذيتم بي ولابد لي من الماء. فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم»).
وقع هذا الحديث في كتاب الشركة [3: 182، 14] من رواية زكرياء عن الشعبي بلفظ: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها» . واللفظ لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فالظاهر أن النعمان حدث به مرة بلفظ: «القائم» ومرة بلفظ: «المدهن» ، فيتعين أن يكون اللفظان بمعنى واحد، فالمراد بـ «القائم» . الواقف عند الحد لم يقتحمه ولم يبعد عنه، فهو يرى الواقع في الحدود، ولكنه لا يقع معه. وكذلك «المدهن»: هو الذي يرى الواقع في الحدود ولا يجترئ على أنه ينهاه ويمنعه، فهو يصانعه؛ فلذلك سمي مدهناً؛ لأن الإدهان هو المصانعة. ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مثل مرة بالقائم ومرة بالمدهن، وسمع منه النعمان بن بشير كليهما، فحدث مرة بهذا ومرة بهذا، أو كذلك حدث الشعبي عن النعمان بن بشير.
وقوله: «كمثل قوم استهموا سفينة» إلى قوله: «فأخذ فأساً» هو تمهيد للتمثيل المقصود التشبيه به، وليس هو جملة التمثيل، ولكنه تصوير للحالة التي يترتب عليها التمثيل. فمحل التمثيل هو قوله:«فأخذ فأساً» إلى آخر الحديث.
وقد فُهِم من قوله: «فإن أخذوا على يديه» وقوله: «وإن تركوه» إلخ، تفصيل حالتي المدهن، أي إن استمر المُدهن على إدهانه أهلك وهلك، وإن أخذ بالنهي والزجر أنجى غيره ونجا. فالمشبه بالفريق الذي في أعلى السفينة هو غير الواقع في حدود الله باختلاف حالتيه، والمشبه بالفريق الذين أخذوا ينقرون السفينة هو الواقع في حدود الله.
* * *