الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسول أو القاضي فقد وَهَم من جهتين:
إحداهما: أن حالها حال المستفتية لا حال المدعية؛ لأنها عرضت ذلك على الرسول حين أسلمت يوم الفتح، ولأن إحضار زوجها كان ممكناً فلا يقضي عليه وهو غائب.
الوجه الثاني: أنه على تسليم كونه قضاء، فإن قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم هو من جهة: قضاء بالنسبة إلى الخصمين، وهو تشريع بالنسبة إلى غيرهما ممن يساويهما في الوصف المؤثر، سواء جاء في خصومة أو مستفتياً.
ومما تبيَّن تعلم أن ليس لصاحب حق عند آخر منعه منه أن يعمد إلى أخذ حقه بنفسه بغصب أو خلسة؛ لأن ذلك ينافي المقصد الشرعي من إقامة القضاة والحكام ويؤول إلى التقاتل والتهارج، فلا تتجاوز الرخصة محل العذر، وهو عسر الرفع إلى القاضي، أو توقع ضرر من الخصومة هو أعظم من ضرر ترك الإنفاق.
فالمأخذ المنقول عن الشافعي من هذا الحديث بتسويغ أخذ صاحب الحق حقه خلسة أو غصْباً مأخذ ضعيف.
* * *
باب {وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [
7: 86، 8]
أي باب في بيان قوله تعالى: {وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} ، وقد أخرج البخاري ما رآه من الآثار صالحاً لتأويل الآية، وهما حديث أم سلمة وحديث هند بنت عتبة.
وقوله [7: 86، 8]: (وهل على المرأة منه شيء)، أي المرأة المرضع، فإنها تكون من جملة الوارث. والخطاب تعلق بالوارث لأجلها، فهل تكون هي من جملة المخاطب بإعطاء الرزق والكسوة، أي باعتبار حظها منهما يسقط ذلك الحظ عن بقية الورثة، أو هي لما كان الخطاب لأجلها لا تدخل في عموم الخطاب.
وهذه المسألة شبيهة بمسألة: هل الآمِر بالأمر بالشيء أمر للمأمور الأول بذلك الشيء، وينبغي أن تعنون بأن الآمِر بفعل متعلق بأحد، هل يكون آمِراً لذلك الأحد إذا شمله لفظ المأمور؟
وقد وقع تردد العلماء في تأويل قوله تعالى: {وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} فمنهم من جعله على معنى الندب، وشهد له حديث أم سلمة [7: 86، 11] فإن لفظ الرسول صلى الله عليه وسلم -
دل على أنه ليس بواجب عليها إنفاق بني أبي سلمة منها.
ومنهم من حمله على أنه يجب على الوارث في مال الميت بقرينة وصف القريب بأنه وارث، ولم يقل: وعلى العاصب أو المولي مثل ذلك، فالمعنى: وعلى وصي الرضيع مثل ما كان واجباً على أبيه في ماله، ويشهد له حديث هند بنت عتبة؛ إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لها أن تأخذ من مال أبي سفيان وهو غائب، فيقاس عليه الأخذ من مال الميت بعلة المالية والغيبة في كُلٍّ.
ومنهم من حمله على الوجوب على قريب القرابة، وسماه وارثاً باعتبار أنه لو كان للميت مال لكان هو وارثه.
والظاهر أن البخاري تعارض عنده الدليلان، فلم يترجم بما يؤخذ منه رأي له في هذا الحكم، وأخرج تحت الترجمة الحديثين وقال: إن الآية منسوخَة.
* * *
ووقع فيه سوق البخاري قوله تعالى [7: 86، 9]:
ولم يتضح وجه ذكر ذلك هنا. والذي عندي أن الآية مقدمة من تأخير وأن موقعها عقب قول النبي صلى الله عليه وسلم[7: 86، 16]: «مَنْ تَرَكَ كلأ أو ضياعاً فإليَّ» لتكون تفسيراً لقول النبي: «من ترك كلأ» أي من ترك حقّاً عليه لأحد. ومن جملة الحقوق حق الإرضاع الذي فرضه الله على مال الميت بقوله: {وعَلَى الوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ {، فأشار البخاري إلى أن حكم الآية منسوخ بأن ذلك كان قبل أن تنتظم جماعة المسلمين ويصير لهم بيت مال؛ لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من ترك كلأ أو ضياعاً فإليَّ» صريح في أن من لا مال له يوفي بحقوق عليه أن تكون توفية الحقوق من بيت المال.
وهذا الرأي مروي عن مالك أيضاً في رواية أسد بن الفرات؛ فيحتمل أن المصنف نسي فكتب الآية قبل سوق الحديث، ويحتمل أن ذلك من صنع الرواة؛ ولذلك يتعين أن يكون قوله:(قول النبي: «من ترك كلأ .... ») إلخ، من بقية هذا الباب وليس ترجمة مستقلة، وأن ما وقع في رواية أبي ذر من جعله باباً ليس على ما ينبغي.
* * *