الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن المسور عند المصنف في «باب درع النبي صلى الله عليه وسلم من كتاب الجهاد» : أن رسول الله قال: «وإنَّي لست أحرَّم حلالاً ولا أحلُّ حراماً، ولكن والله لا تجتمع بنتُ رسول الله وبنت عدو الله أبداً» فإنه صريح في أن تزوج علي بابنة أبي جهل ليس محرَّماً؛ لأن النبي افتتح كلامه بقوله: «لستُ أحرِّم حلالاً» ، أي ليس تزوج المسلم بابنة المشرك حراماً، ولا الجمع بين المرأة الفاضلة والمفضولة حراماً.
فالكلام تمهيد لما يجيء بعده من النهي عن تزويج علي ابنة أبي جهل.
وقوله: «ولكن» استدراك عما تضمنه ذلك الاحتراس مما يوهم الإذن لعلي في أن يتزوج زيجة مباحة شرعاً بالأصالة.
وقوله: «وَاللهِ لا تَجتْمِعُ بنتُ رسول الله وبنتُ عدو الله» نهي عن ذلك من وجه العارض الذي عرض لهذه الزيجة، وهو ما فيها من غيرة فاطمة رضي الله عنه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن آل هشام بن المغيرة لا يزوجونها بدون إذن رسول الله، وأن عليّاً لا يتزوجها بدون إذن رسول الله، وأكد رسول الله صلى الله عليه وسلم امتناعه عن الإذن بالقَسَم.
والمقصد من ذلك هو تحقق غيرة فاطمة، وذريعة ذلك إلى أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولأجل ها ترجم المصنف هذا الحديث بقوله:«ذب الرجل عن ابنته في الغيرة» ، وقد دل على ذلك قوله في رواية حديث هذا الباب:«إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلق ابنتي» .
* * *
باب خروج النساء لحوائجهن
فيه حديث عائشة رضي الله عنه[7: 49، 4]:
(قالت: خرجت سودة بنتُ زمعة ليلاً فرآها عمرُ فعرفها، فقال: إنَّكِ واللهِ يا سودة ما تخفين علينا، فرجعت إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له وهو في حجرتي يتعشَّى، وإنَّ في يده لعرقاً فأنزل اللهُ عليه فرُفع عنه وهو يقول: «قد أذن اللهُ لكُنَّ أن تخرجن لحوائجكنَّ»).
الحوائج: جمع حاجة، وأصل معنى الحاجة في اللغة ما يحتاج إليه المرء من عمل أو أشياء، وأطلق بوجه الكناية على البراز، فقالوا: ذهب لقضاء الحاجة، وقالوا: حاجة الإنسان؛ وذلك تكنيّاً لاستقباح التصريح بالاسم الصريح.
إلا أنه لا يعرف في الاستعمال أن الحاجة بمعناها الكنائي ترد جمعاً؛ فلذلك كان قول النبي صلى الله عليه وسلم «أنَ تَخْرُجْن لِحَوَائِجِكُنَّ» ظاهراً في أن المراد به الإذن للنساء في الخروج لأجل أمور يحتجن إليها بمقدار الحاجة.
وذلك أن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرن بقوله تعالى: {وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ {، وهو أمر خاص بهن لا يجب على غيرهن من النساء. وفهم منه عمر أنهن يُمْنَعْنَ من الخروج؛ فلذلك قال لسودة:«والله مَا تَخْفَيْنَ عَلَيْنَا» تعريضاً بتغيير ذلك عليها، ظنّاً منه أنها خرجت متسترة. وقصد عمر أن يبلُغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلما قال رسول الله:«أن تخرجن لحوائجكن» عَلِمْنَ أنهن مرخَّص لهن في مقدار الحاجة.
وقد حمله البخاري على أن المراد من ضمير النسوة جميع النساء؛ فلذلك عمم في الترجمة، فيكون ذلك حكماً عامّاً تقرر للنساء غير أمهات المؤمنين على وجه العزيمة، وأبيح لأمهات المؤمنين على وجه الرخصة، فيكون المراد بالإذن في الحديث مطلق الإباحة.
ويحتمل أن المقصود بالضمير خصوص أمهات المؤمنين فيكون رخصة لهن، ويكون الإذن مراداً به الإباحة بعد النهي، فيكون الكلام تخصيصاً للعموم الملزوم لقوله تعالى:{وقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} أو بياناً له.
ومن الشارحين من فسر الحوائج بالبراز، وهذا التفسير باطل من جهة اللغة لما علمت من أن الحاجة المكنَّى بها عن البراز لم ترد في كلامهم بصيغة الجمع؛ وباطل من جهة المعنى؛ لأن الخروج للبراز لا يتصور توهم تحريمه؛ لأنه مضطر إليه إذ لم تكن يومئذ في بيوتهم كنف كما ورد في حديث عائشة في قضية الإفك من قولها:«ولم تَكُنْ عندنا يومئذ كُنُفٌ وأمرُنا أمرُ العرب الأُوَل» .
على أنه ليس في طرق هذا الحديث ما يقتضي أن سودة خرجت للبراز؛ لأن طريق البراز لا يجلس فيه الناس حتى يرى عمر فيه سودة؛ ولكن الظاهر أنها خرجت لزيارة أو نحوها، وكان النساء يتوخَّيْن الخروج لأمورهن ليلاً استقصاء للستر؛ فأراد عمر بقوله لها أن يحرِّمَ عليهن الخروج للحوائج دون الخروج للبراز.
وليس في طرق هذا الخبر ما يدل على أن خروج سودة كان للبراز بل وقع من طريق أبي أسامة عن هشام بن عروة في هذا الحديث في تفسير سورة الأحزاب [6: 150، 11]: «فدَخَلَتْ زينب فقالت: يا رسول الله خرجتُ لِبَعْض حاجتي
فقال لي عمر كذا وكذا». فقولها: «لبعض حاجتي» ظاهر في أنها أرادت بعض حوائجها مما تحتاج إليه، ولو أرادت البراز لقالت: لحاجتي.
ولعل الذين زعموا ذلك شبه عليهم حديث الزهري عن هشام عن أبيه عن عائشة في كتاب الاستئذان كان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: «احجب نساءك» ، فلم يفعل، وكان أزواج النبي يخرجن ليلاً إلى ليل قِبَل المناصع (وهو موضع بالمدينة تذهب إليه النساء للحاجة البشرية)، فخرجت سودة بنت زمعة فرآها عمر فقال:«عرفتك يا سودة» فأنزل الله آية الحجاب.
فهذا الحديث كان سبب الحجاب والقصة مع سودة، وحديث بابنا كان سبب الرخصة والقصة فيه مع زينب.
* * *