الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يحصل شيئًا فشيئًا إلى أن يبلغ تلك الغاية، وهي زوال العيلة من أصلها، وإلا لم يكن في الجواب ما ينفع المشتكي.
وعلى الاحتمال الثاني يكون الجواب لهما: بأن هذين الأمرين اللذين أهمهما سيرفعهما الله عن الأمة، على أنا في أحدهما، وهو العيلة، منفعة لأهل الأموال سيتحصلون بها ثواب الصدقات، وللفقراء إن كانوا سببًا في حصول فضائل المتصدقين.
وقوله: «ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان .... » إلخ، هو تسلية لصاحب العيلة على الاحتمال الأول، أي فلعل العيلة التي أحرجته في الدنيا يحمد مغبتها في الآخرة، حين يرى ما ينال أهل الأموال المقصرين في شكر نعمة المال.
وهو تحريض على الصدقة على الاحتمال الثاني؛ لدفع العيلة المشتكي منها على الاحتمال الثاني، يقول لهم: استعينوا على دفع العيلة بكثرة الصدقة.
وفيه تهويل للتقصير في شكر نعمة المال؛ لأن قوله: «ألم أوتيك مالًا» تقرير، وقوله:«ألم أرسل إليك رسولاً» تقرير أيضًا، حصل بهما تقرير على حصوله النعمة، وتقرير على بلوغ الإرشاد في وجه شكرها؛ قطعًا لمعذرة الممسك عن شكر نعمة المال.
* * *
باب اتقوا النار ولو بشق تمرة
وقع فيه قول أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه[2: 136، 7]:
(كنا نحامل).
أي نحمل للناس بأجرة، وجاء فيه بصيغة المفاعلة للدلالة على أنهم يتعرضون لمن يحمل شيئًا، فأكنهم يأخذون منه حمله بضرب من الإلحاح عليه.
* * *
باب أي الصدقة أفضل
؟
فيه حديث أبي هريرة [2: 137، 4]:
(جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال:
كانت الصدقة في حال الصحة أفضل لما تؤذن به من تعلق نفس المتصدق بحب الخير والقربة إلى الله تعالى، فإن الصحيح شديد التعلق بماله، كثير الآمال في الانتفاع به؛ فإنفاقه المال مع تلك الحالة إنما هو للرغبة في الزلفى من الله تعالى، كما قال تعالى:{لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} ، [آل عمران: 92] والمال في حال التمكن من الانتفاع به، وفي حال الاحتياج إلى فوائده هو ممن يحب.
وأما التصدق عند توقع الموت، فهو بذل لما ليس بعزيز على النفس؛ إذ قد أشرف على أن يحال بينه وبين الانتفاع به؛ ولأجل هذا لم تقبل التوبة عند الاحتضار؛ لأنها تحصيل حاصل؛ إذ قد حيل بين المذنب وبين ذنوبه، فلم يحصل المقصود من الأمر بالتوبة، أما الصدقات في حال الاحتضار فهي مقبولة لحصول المنفعة المقصودة منها، ولأنها ليس فيها اعتداءا على حق أحد؛ لأن الله قد جعل للمشرف على الموت التصرف في ثلث ماله.
والحاصل: أن العمل تفاضل بمقدار ما دل عليه من إيثار العامل نفع غيره وإرضاء ربه على منفعة نفسه.
وقوله: «وقد كان لفلان» هو من صيغ الإقرار بالدين، أي قد كان لفلان على كذا، وهذا من صيغ العطية أيضًا يعبر به عن العطايا التي يخلعها المرء من ماله بينه الوصية بها لمن يريد أن يوصي إليه؛ ولكنه لا يريد أن ينفذها إلا بعد موته؛ فلذلك يقول «قد كان لفلان» أي كنت عينت له، ويكون ذلك أيضاً في العدة بعطية من ثمرة تحضر، أو مال غائب، كما وعد أبو بكر عائشة فجاء عشرين، فهذا المراد بقرينة قرنها بصيغ العطايا هنا، وجعلها من أحوال الصدقة.
ويجوز أن يكون المراد به الإقرار الحقيقي بما عليه من الحقوق بجحدها، أو يماطل بها في حياته شحًا، فإذا أشرف على الموت أقر بها لأربابها؛ فيكون ذكره مع الجواب عن أفضل الصدقة استطرادًا لمناسبة حكاية حال من يؤخر أداء الحقوق الربانية وغيرها إلى اقتراب وفاته.