الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب غزوة خيبر
وقع فيه قول عامر بن الأكوع في رجزه الذي يحدر به [5: 166، 15]: (فاغفر فداء لك ما أبقينا).
وهو دعاء الله تعالى لا محالة. واستعمال كلمة «فداء لك» هنا استعمال كنائي في لازم معنى هذا المركب. وهو بذل النفس والنفيس في مرضاة المخاطب بها مع عدم إرادة المعنى الملزوم لتعذره؛ لأن الله لا يؤسر ولا يخشى عليه الهلاك حتى يفدى بمال أو بنفس. وهذه العبارات تجري على كلام العرب في لوازم معانيها لا غير. من ذلك قولهم: لا أبا لك. وقولهم: فدى لك، وفداك أبي وأمي، ونفديك، وقولهم للميت عند دفنه: لا تبعد.
* *
ووقع فيه قول عبد الله بن أبي أوفى في لحوم الحمر الإنسية [5: 173، 12]:
(وقال بعضهم: نهى عنها البتة).
«ألبتة» مصدر على وزن الفعلة التي أصلها الدلالة على المرة. وقد يجئ المصدر على وزن الفعلة بالفتح، والفعلة بالكسر، وليس مرادًا به المرة ولا الهيئة. ومنه الحديث [6: 111، 5]:«فأمسك الله عن الحوت جرية الماء» ، نصب على المفعولية المطلقة، أي بت النهي عنها بتة. والبت: القطع، أي قطع أمر النهي، أي لم يبق فيه تردد ولا شك، واستعارة ما يدل على القطع إلى تحقق العلم ونفي الشك موجود في الاستعمال؛ كقولهم: قتل الخبر علمًا، وفرى الدهر خبرة، وجزم فلان بكذا، وقطع بكذا.
وتعريف المصدر هنا تعريف الجنس كما هو في قولهم: أرسلها العراك، وقوله تعالى:«الحمد لله» في قراءة من قرأ بنصب «الحمد» .
وبهذا تعلم أن همزة «ألبتة» هي همزة أل المعرفة، وهي همزة وصل حيثما وقعت.
ونقل عن صاحب «اللباب» وشارحه صاحب «العباب» : أن همزة البتة شذت عن الأصل فوردت مقطوعة سماعًا، قال في تاج العروس نقله الدماميني في شرح التسهيل. قال الدماميني: ولم يأت عليه ببرهان.
أقول: لعله وهم جرى لبعض من طالع اللباب. فلعله قال: ألبتة بهمزة: القطع. فقرأها الناسخ: بهمزة القطع، بالإضافة، فإن علماء اللغة لم يذكروا هذا عن اللباب مع غرابته. ولو كان في اللباب لذكروه؛ لأن «اللباب والعباب» كلاهما من أصول كتب اللغة. وهذا كتاب لسان العرب يوجد فيه هذا النقل وكذلك القاموس.
* *
ووقع فيه قول عمر بن الخطاب [5: 176، 11]:
(لولا أن أترك آخر الناس ببانا ليس لهم شيء ما فتحت علي قرية إلا قسمتها
…
) إلخ.
فقوله: «بيانا» هو بباءين موحدتين مفتوحتين وثانيتهما مشددة.
ذكرها الجوهري في مادة (ببب) المضاعف، وتبعه في القاموس، فهو بوزن فعلان. وقيل: أصله بين فهو بوزن فعال. وفي هذه المادة ذكره صاحب اللسان فهو فعال، كما اختاره أبو علي الفارسي في التذكرة.
قال أبو عبيدة وأبو سعيد الضرير هو غير عربي. وقال الأزهري: كأنها لغة يمنية لم تفش في كلام معد، يعني أنها من كلام الأزد الذين منهم الأوس والخزرج، فتكلم بها المضريون بعد أن هاجروا إلى المدينة. وذكر في القاموس أنها قد تخفف باؤها.
واختلفوا في معناها على ثلاثة أقوال:
الأول: قول أكثر أهل اللغة: إنها الشيء الواحد والضرب الواحد.
الثاني: أنها الجماعة.
الثالث: قال عياض: إنها المعدم الذي لا شيء له، وعزاه إلى الطبري. وقال: إنهم أغفلوه تقصيرًا.
وعلى القول الثالث فقول عمر عقبه: «ليس لهم شيء» تفسير لمعنى الببان، كقول أوس بن حجر:
الألمعي الذي يظن بك الظن
…
كأن قد رأى وقد سمعا
وعلى القولين الآخرين فالجملة حال أو مفعول ثان لـ «أترك» .
* *