الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَقِيلَ: الْأَصْلُ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ بِهِ، فَحُرْمَةُ الْخَمْرِ هِيَ الْأَصْلُ.
وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي الْمَحْصُولِ.
وَالْفَرْعُ: الْمَحَلُّ الْمُشَبَّهُ، وَهُوَ النَّبِيذُ فِي مِثَالِنَا.
وَقِيلَ: الْفَرْعُ حُكْمُ الْمَحَلِّ الْمُشَبَّهِ.
وَالْأَصْلُ: مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَلَا يُعَدُّ فِي الْجَمِيعِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ يَصْدُقُ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا.
وَلِأَجْلِ أَنَّ الْأَصْلَ مَا يُبْتَنَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، كَانَ الْجَامِعُ فَرْعًا لِلْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ يُبْتَنَى عَلَى الْأَصْلِ ; لِأَنَّهُ عُرِفَ بِهِ، وَيَكُونُ أَصْلًا لِلْفَرْعِ ; لِأَنَّ الْفَرْعَ يُبْتَنَى عَلَيْهِ.
[شروط حكم الأصل]
ش - ابْتَدَأَ بِشُرُوطِ حُكْمِ الْأَصْلِ، وَهِيَ سَبْعَةٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا ; لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ هُوَ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِي الْفَرْعِ. فَلَوْ لَمْ يَكُنْ حُكْمُ الْأَصْلِ شَرْعِيًّا، لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ الْمُتَعَدِّي إِلَى الْفَرْعِ شَرْعِيًّا، فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنَ الْقِيَاسِ الشَّرْعِيِّ.
ش - الشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَنْسُوخًا ; لِأَنَّ الْحُكْمَ إِنَّمَا يَتَعَدَّى مِنَ الْأَصْلِ إِلَى الْفَرْعِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْجَامِعِ. فَإِذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَنْسُوخًا، زَالَ اعْتِبَارُ الْجَامِعِ، فَلَمْ يَتَعَدَّ الْحُكْمُ إِلَى الْفَرْعِ.
ش - الشَّرْطُ الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَرْعًا عَلَى حُكْمٍ آخَرَ، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَصْرِيِّ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ إِنِ اتَّحَدَتِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ الْأَخِيرِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - مَعَ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَصِلِهِ، فَذِكْرُ الْوَسَطِ ضَائِعٌ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُقَاسُ الْفَرْعُ الْأَخِيرُ عَلَى الْأَصْلِ الْأَوَّلِ.
مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيَّةِ: السَّفَرْجَلُ مَطْعُومٌ، فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ ; لِأَنَّهُ مَطْعُومٌ. فَإِنَّ ذِكْرَ التُّفَّاحِ الَّذِي هُوَ الْوَسَطُ ضَائِعٌ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَقِيسَ السَّفَرْجَلَ عَلَى الْبُرِّ ابْتِدَاءً.
وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْفَرْعِ الْأَخِيرِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - مَعَ الْعِلَّةِ الْجَامِعَةِ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَصْلِهِ، فَسَدَ الْقِيَاسُ ; لِأَنَّ الْأُولَى - أَيِ الْعِلَّةَ الْجَامِعَةَ بَيْنَ الْفَرْعِ الْأَخِيرِ وَالْمَقِيسِ عَلَيْهِ - لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي أَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ ثَابِتٌ فِيهِ.
وَالثَّانِيَةُ - أَيِ الْعِلَّةُ الْجَامِعَةُ بَيْنَ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ وَأَصْلِهِ - لَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ.
مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: الْجُذَامُ عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ،
ص - وَأَنْ لَا يَكُونَ فَرْعًا، خِلَافًا لِلْحَنَابِلَةِ وَالْبَصْرِيِّ.
لَنَا: إِنِ اتَّحَدَتْ فَذِكْرُ الْوَسَطِ ضَائِعٌ، كَالشَّافِعِيَّةِ فِي السَّفَرْجَلِ مَطْعُومٌ، فَيَكُونُ رِبَوِيًّا كَالتُّفَّاحِ، ثُمَّ يَقِيسُ التُّفَّاحَ عَلَى الْبُرِّ.
وَإِنْ لَمْ تَتَّحِدْ فَسَدَ ; لِأَنَّ الْأُولَى لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارُهَا، وَالثَّانِيَةَ لَيْسَتْ فِي الْفَرْعِ، كَقَوْلِهِ فِي الْجُذَامِ: عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَيُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، كَالْقَرْنِ وَالرَّتْقِ، ثُمَّ يَقِيسُ الْقَرْنَ عَلَى الْجُبِّ لِفَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ، فَإِنْ كَانَ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ كَقَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ: أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ كَفَرِيضَةِ الْحَجِّ، فَفَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ اعْتِرَافَهُ بِالْخَطَأِ فِي الْأَصْلِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ص - وَمِنْهَا: أَنْ لَا يَكُونَ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، كَشَهَادَةِ خُزَيْمَةَ، وَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ، وَالْكَفَّارَاتِ.
ص - وَمِنْهَا مَا لَا نَظِيرَ لَهُ، كَانَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، كَرُخَصِ الْمُسَافِرِ، أَوْ غَيْرُ ظَاهِرٍ كَالْقَسَامَةِ.
ص - وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَغْنِيَ بِمُوَافَقَةِ الْخَصْمِ فِي الْأَصْلِ مَعَ مَنْعِهِ عِلَّةَ الْأَصْلِ، أَوْ مَنْعِهِ وَجُودَهَا فِي الْأَصْلِ، فَالْأَوَّلُ مُرَكَّبُ الْأَصْلِ، مِثْلُ عَبْدٍ، فَلَا يُقْتَلُ بِهِ الْحُرُّ كَالْمَكَاتَبِ.
فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ جَهَالَةُ الْمُسْتَحَقِّ مِنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ.
فَإِنْ صَحَّتْ، بَطُلَ الْإِلْحَاقُ. وَإِنْ بَطَلَتْ، مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ. فَمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ أَوْ مَنْعِ الْأَصْلِ.
الثَّانِي مُرَكَّبُ الْوَصْفِ، مِثْلُ: تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، فَلَا
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَيُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ كَالرَّتْقِ، وَهُوَ ارْتِيَاقُ مَحَلِّ الْجِمَاعِ بِاللَّحْمِ، وَالْقَرْنِ، وَهُوَ عَظْمٌ فِي الْفَرْجِ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ. فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْبٌ يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، فَيُفْسَخُ بِهِ النِّكَاحُ، ثُمَّ يَقِيسُ الْقَرْنَ عَلَى الْجُبِّ بِجَامِعِ فَوَاتِ الِاسْتِمْتَاعِ.
وَالْعِلَّةُ الْأُولَى، أَيْ كَوْنُهُ عَيْبًا يُفْسَخُ بِهِ الْبَيْعُ، لَمْ يَثْبُتِ اعْتِبَارُهَا ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَابِتَةٍ فِي الْجُبِّ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ.
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي هِيَ فَوَاتُ الِاسْتِمْتَاعِ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ الْأَخِيرِ الَّذِي هُوَ الْجُذَامُ.
هَذَا إِذَا كَانَ حُكْمُ الْأَصْلِ فَرْعًا يُوَافِقُهُ الْمُسْتَدِلُّ، أَمَّا إِذَا كَانَ فَرْعًا يُخَالِفُهُ الْمُسْتَدِلُّ، فَفَاسِدٌ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ اعْتِرَافَ الْمُسْتَدِلِّ بِخَطَئِهِ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْقِيَاسَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ إِذَا ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ.
فَالْمُسْتَدِلُّ إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِيهِ، لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْقِيَاسِ، وَإِنِ اعْتَرَفَ يَلْزَمُ الِاعْتِرَافُ بِالْخَطَأِ فِي الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ يُخَالِفُهُ.
مِثَالُ ذَلِكَ قَوْلُ الْحَنَفِيِّ فِي وُقُوعِ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ عَنِ الْفَرْضِ: إِنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَيَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى فَرِيضَةِ الْحَجِّ، فَإِنَّهُ إِذَا أَتَى بِالْحَجِّ بِنِيَّةِ النَّفْلِ - مَنْ لَمْ يَحُجَّ بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ - يَقَعُ عَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَرِيضَةِ الْحَجِّ. فَإِنَّ الْحَنَفِيَّ لَا يَقُولُ بِوُقُوعِ الْحَجِّ عَنْ فَرِيضَةِ الْحَجِّ إِذَا أَتَى بِهِ بِنِيَّةِ النَّفْلِ.
ش - الشَّرْطُ الرَّابِعُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ مَعْدُولًا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْقِيَاسِ، أَيْ لَا يَكُونَ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ فِي الشَّرْعِ، وَلَا يَكُونَ مِمَّا لَا يُعْقَلُ حِكْمَتُهُ، كَقَبُولِ شَهَادَةِ خُزَيْمَةَ وَحْدَهُ وَالْحُكْمِ بِهِ، فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةِ الشَّهَادَةِ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ فِي الشَّرْعِ، وَلَمْ يُعْقَلْ حِكْمَتُهُ، وَكَأَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ، وَمَقَادِيرِ الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ. فَإِنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى خِلَافِ قَاعِدَةٍ مُسْتَقِرَّةٍ فِي الشَّرْعِ، لَكِنَّهَا لَا تُعْقَلُ حِكْمَتُهَا.
ش - الشَّرْطُ الْخَامِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ عَدِيمَ النَّظِيرِ، أَيْ لَمْ يُوجَدْ مَا يُسَاوِيهِ فِي الْعِلَّةِ، سَوَاءٌ كَانَ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، كَالرُّخَصِ الَّتِي لِلْمُسَافِرِ، فَإِنَّ لَهَا مَعْنًى ظَاهِرٌ وَهُوَ دَفْعُ الْمَشَقَّةِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْنًى ظَاهِرٌ، كَخَمْسِينَ حِلْفًا فِي الْقَسَامَةِ.
ش - الشَّرْطُ السَّادِسُ: أَنْ لَا يَكُونَ حُكْمُ الْأَصْلِ ذَا قِيَاسٍ مُرَكَّبٍ.
وَالْقِيَاسُ الْمُرَكَّبُ أَنْ يَسْتَغْنِيَ الْمُسْتَدِلُّ عَنْ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ فِي الْأَصْلِ، بِدَلِيلِ مُوَافَقَةِ الْخَصْمِ إِيَّاهُ فِي حُكْمِ الْأَصْلِ مَعَ مَنْعِ الْخَصْمِ عِلِّيَّةَ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً لِلْحُكْمِ، بَلِ الْعِلَّةُ عِنْدَ الْخَصْمِ غَيْرُ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً.
أَوْ مَعَ مَنْعِ الْخَصْمِ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ.
يَصِحُّ قَبْلَ النِّكَاحِ، كَمَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ.
فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ عِنْدِي مَفْقُودَةٌ، فَإِنْ صَحَّ فِي الْأَصْلِ، بَطُلَ الْإِلْحَاقُ، وَإِلَّا مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ. فَمَا يَنْفَكُّ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، أَوْ مُنِعَ الْأَصْلُ.
فَلَوْ سَلَّمَ أَنَّهَا الْعِلَّةُ وَأَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، أَوْ أَثْبَتَ أَنَّهَا مَوْجُودَةٌ، انْتَهَضَ الدَّلِيلُ عَلَيْهِ لِاعْتِرَافِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مُجْتَهِدًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْبَتَ الْأَصْلَ بِنَصٍّ، ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ بِطَرِيقِهَا عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ، لَمْ يُقْبَلْ مُقَدِّمَةً تَقْبَلُ الْمَنْعَ.
ص - وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ دَلِيلُ حُكْمِ الْأَصْلِ شَامِلًا لِحُكْمِ الْفَرْعِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالْأَوَّلُ - وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ الْخَصْمُ عِلِّيَّةَ الْأَصْلِ - يُسَمَّى مُرَكَّبَ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ، أَيْ مَا جُعِلَ جَامِعًا وَصْفَانِ يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يَكُونَ عِلَّةً، مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِيمَا إِذَا قَتَلَ الْحُرُّ عَبْدًا: الْمَقْتُولُ عَبْدٌ، فَلَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِهِ، كَالْمَكَاتَبِ. وَالْجَامِعُ كَوْنُهُمَا رَقِيقَيْنِ.
فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يَسْتَغْنِي عَنْ إِثْبَاتِ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ عَلَى الْحُرِّ فِي صُورَةِ الْمَكَاتَبِ بِدَلِيلٍ ; لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُوَافِقُهُ فِيهِ، لَكِنْ يَمْنَعُ مَا جَعَلَ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ ; لِأَنَّ عِلَّةَ عَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي صُورَةِ الْمَكَاتَبِ عِنْدَ الْحَنَفِيِّ جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنَ السَّيِّدِ وَالْوَرَثَةِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مُسْتَحِقَّ الْقِصَاصِ السَّيِّدُ أَوِ الْوَرَثَةُ، فَيَقُولُ الْحَنَفِيُّ: الْعِلَّةُ عِنْدِي جَهَالَةُ الْمُسْتَحِقِّ مِنَ السَّيِّدِ أَوِ الْوَرَثَةِ فِي صُورَةِ الْمُكَاتِبِ، فَإِنْ صَحَّتْ عِلِّيَّةُ جَهَالَةِ الْمُسْتَحِقِّ مِنَ السَّيِّدِ أَوِ الْوَرَثَةِ، بَطُلَ إِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِهِ بِالْقِيَاسِ ; إِذِ الْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْفَرْعِ.
وَإِنْ بَطُلَتْ عِلِّيَّةُ الْجَهَالَةِ، مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ ; لِأَنَّ حُكْمَ الْأَصْلِ لَمْ يَثْبُتْ بِنَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، بَلْ ثَبَتَ بِنَاءً عَلَى عِلِّيَّةِ الْجَهَالَةِ، فَإِذَا بَطَلَ الْمُوجِبُ لِلْحُكْمِ، لَمْ يَثْبُتِ الْحُكْمُ، وَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الْقِيَاسُ. فَمَا يَنْفَكُّ الْقِيَاسُ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْفَرْعِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ.
الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَمْنَعَ الْخَصْمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، فَيُسَمَّى مُرَكَّبَ الْوَصْفِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مِثْلَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِالنِّكَاحِ، مِثْلَ: إِنْ تَزَوَّجْتُ زَيْنَبَ، فَهِيَ طَالِقٌ. هَذَا تَعْلِيقُ الطَّلَاقِ، فَلَا يَصِحُّ قَبْلَ النِّكَاحِ، أَيْ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا لَوْ قَالَ: زَيْنَبُ الَّتِي أَتَزَوَّجُهَا طَالِقٌ. فَإِنَّهُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا، لَكِنْ بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْوُقُوعِ فِي الْأَصْلِ.
فَنَقُولُ: الْعِلَّةُ الْمُوجِبَةُ لِلْوُقُوعِ هُوَ التَّعْلِيقُ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْأَصْلِ عِنْدِي، فَإِنْ صَحَّ فُقْدَانُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، بَطَلَ إِلْحَاقُ الْفَرْعِ بِهِ ; لِعَدَمِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ فُقْدَانُ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ - مُنِعَ حُكْمُ الْأَصْلِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ الطَّلَاقُ وَاقِعًا فِي الْأَصْلِ ; لِوُجُودِ عِلَّةِ الْوُقُوعِ فِيهِ. فَمَا يَنْفَكُّ هَذَا الْقِيَاسُ عَنْ عَدَمِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، أَوْ مَنْعِ حُكْمِ الْأَصْلِ.
ثُمَّ الْخَصْمُ إِنْ كَانَ مُقَلِّدًا، وَسَلَّمَ عَلِيَّةَ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً فِي الْأَوَّلِ، أَيْ مُرَكَّبَ الْأَصْلِ، وَسَلَّمَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ الثَّانِي، أَيْ مُرَكَّبَ الْوَصْفِ، أَوْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ الْعِلَّةَ مَوْجُودَةٌ فِي الْأَصْلِ، انْتَهَضَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى الْخَصْمِ، أَيْ يَتِمُّ دَلِيلُهُ ; لِاعْتِرَافِ الْخَصْمِ بِعِلِّيَّةِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ فِي الْأَوَّلِ، وَبِوُجُودِ الْعِلَّةِ فِي أَصْلِ الثَّانِي، كَمَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ مُجْتَهِدًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَثْبَتَ الْمُسْتَدِلُّ حُكْمَ الْأَصْلِ بِنَصٍّ، ثُمَّ أَثْبَتَ الْعِلَّةَ بِمَا هُوَ طَرِيقُ إِثْبَاتِهَا، يَنْتَهِضُ دَلِيلُهُ عَلَى الْخَصْمِ إِنْ كَانَ مُجْتَهِدًا عَلَى الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْبَلِ الْخَصْمُ الدَّلِيلَ - بَعْدَ إِثْبَاتِ حُكْمِ الْأَصْلِ