الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُنْفَصِلٍ، وَإِلَى وُرُودِ الشَّرْعِ، وَاعْتِبَارُ الشَّبَهِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ.
مِثَالُ الشَّبَهِ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي إِزَالَةِ الْخَبَثِ بِالْمَاءِ: طَهَارَةُ الْخَبَثِ طَهَارَةٌ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ. فَتَعَيَّنَ فِيهَا الْمَاءُ، كَطَهَارَةِ الْحَدَثِ. فَإِنَّ مُنَاسَبَةَ الطَّهَارَةِ لِتَعْيِينِ الْمَاءِ غَيْرُ ظَاهِرَةٍ، وَلَكِنْ لَمَّا اعْتَبَرَ الطَّهَارَةَ بِالْمَاءِ فِي مَسِّ الْمُصْحَفِ وَالصَّلَاةِ تَوَهَّمَ مُنَاسَبَةَ الطَّهَارَةِ لِتَعْيِينِ الْمَاءِ.
وَاحْتَجَّ الرَّادُّ، أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّ الشَّبَهَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الْعِلِّيَّةِ، بِأَنَّ الْوَصْفَ الَّذِي يُعَلَّلُ بِهِ فِي الشَّبَهِ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُنَاسِبًا، أَوْ لَا.
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ، فَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي كَوْنِهِ مُعْتَبَرًا، فَلَا يَكُونُ شَبَهًا ; لِأَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
وَإِنْ كَانَ الثَّانِي: فَهُوَ طَرْدٌ، وَالطَّرْدُ يُلْغَى بِالِاتِّفَاقِ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ مُنَاسِبٌ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُجْمَعًا عَلَيْهِ ; لِأَنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ، هُوَ الْمُنَاسِبُ لِذَاتِهِ، وَالشَّبَهُ لَا يَكُونُ مُنَاسِبًا لِذَاتِهِ. أَوْ بِأَنَّهُ لَا وَاحِدَ مِنَ الْمُنَاسِبِ بِالذَّاتِ، وَمِنَ الْمُنَاسِبِ بِالْغَيْرِ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ.
[الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ]
ش - وَمِنَ الْمَسَالِكِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ: الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ، وَهُوَ الدَّوَرَانُ.
وَنَعْنِي بِالدَّوَرَانِ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ وُجُودًا وَعَدَمًا، أَيْ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْوَصْفِ وُجُودُ الْحُكْمِ، وَهُوَ الطَّرْدُ، وَمِنْ عَدَمِ الْوَصْفِ عَدَمُ الْحُكْمِ، وَهُوَ الْعَكْسُ.
ثَالِثُهَا: لَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِهِ قَطْعًا وَلَا ظَنًّا.
لَنَا: أَنَّ الْوَصْفَ الْمُتَّصِفَ بِذَلِكَ إِذَا خَلَا عَنِ السَّبْرِ، أَوْ عَنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، جَازَ أَنْ يَكُونَ مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ، كَرَائِحَةِ الْمُسْكِرِ، فَلَا قَطْعَ وَلَا ظَنَّ.
وَاسْتَدَلَّ الْغَزَالِيُّ رحمه الله بِأَنَّ الِاطِّرَادَ: سَلَامَتُهُ مِنَ النَّقْضِ، وَسَلَامَتُهُ مِنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا تُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ.
وَلَوْ سُلِّمَ، فَلَا صِحَّةَ إِلَّا بِمُصَحِّحٍ، وَالْعَكْسُ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا، فَلَا يُؤَثِّرُ.
وَأُجِيبَ: قَدْ يَكُونُ لِلِاجْتِمَاعِ تَأْثِيرٌ، كَأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ، وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، وَلَا عِلَّةَ.
وَأُجِيبَ: انْتَفَتْ بِدَلِيلٍ خَاصٍّ مَانِعٍ.
ص - قَالُوا: إِذَا حَصَلَ الدَّوَرَانُ، وَلَا مَانِعَ مِنَ الْعِلِّيَّةِ، حَصَلَ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ عَادَةً.
كَمَا لَوْ دُعِيَ إِنْسَانٌ بَاسِمٍ فَغَضِبَ، ثُمَّ تُرِكَ فَلَمْ يَغْضَبْ، وَتَكَرَّرَ ذَلِكَ، عُلِمَ أَنَّهُ سَبَبُ الْغَضَبِ حَتَّى إِنَّ الْأَطْفَالَ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ.
قُلْنَا: لَوْلَا انْتِفَاءُ غَيْرِ ذَلِكَ بِبَحْثٍ، أَوْ بِأَنَّهُ الْأَصْلُ، لَمْ يُظَنَّ وَهُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِلٌّ، وَيَقْوَى بِذَلِكَ.
ص - وَالْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ.
فَالْجَلِيُّ: مَا قُطِعَ بِنَفْيِ الْفَارِقِ فِيهِ، كَالْأَمَةِ وَالْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ، وَيَنْقَسِمُ إِلَى قِيَاسِ عِلَّةٍ، وَقِيَاسِ دَلَالَةٍ، وَقِيَاسٍ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ.
فَالْأَوَّلُ: مَا صُرِّحَ فِيهِ بِالْعِلَّةِ.
وَالثَّانِي: مَا يُجْمَعُ فِيهِ بِمَا يُلَازِمُهَا، كَمَا لَوْ جَمَعَ بِأَحَدِ مُوجِبَيِ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ لِمُلَازَمَةِ الْآخَرِ، كَقِيَاسِ قَطْعِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ، عَلَى قَتْلِهَا بِالْوَاحِدِ، بِوَاسِطَةِ الِاشْتِرَاكِ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ عَلَيْهِمْ.
وَالثَّالِثُ: الْجَمْعُ يَنْفِي الْفَارِقَ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : يَجُوزُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ، خِلَافًا لِلشِّيعَةِ وَالنَّظَّامِ وَبَعْضِ الْمُعْتَزِلَةِ.
وَقَالَ الْقَفَّالُ وَأَبُو الْحُسَيْنِ: يَجِبُ عَقْلًا.
لَنَا: الْقَطْعُ بِالْجَوَازِ، وَأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ، لَمْ يَقَعْ، وَسَيَأْتِي.
ص - قَالُوا: الْعَقْلُ يَمْنَعُ مَا لَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْخَطَأُ، وَرَدَّ بِأَنَّ مَنْعَهُ هُنَا لَيْسَ إِحَالَةً، وَلَوْ سُلِّمَ، فَإِذَا ظَنَّ الصَّوَابَ، لَا يَمْنَعُ.
قَالُوا: قَدْ عُلِمَ الْأَمْرُ بِمُخَالَفَةِ الظَّنِّ، كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ وَالْعَبِيدِ وَرَضِيعَةٍ فِي عَشْرِ أَجْنَبِيَّاتٍ.
قُلْنَا: بَلْ قَدْ عُلِمَ خِلَافُهُ كَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَظَاهِرِ الْكِتَابِ
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مِثَالُهُ: تَرَتُّبُ وُجُوبِ الرَّجْمِ عَلَى الزِّنَا بِشَرْطِ الْإِحْصَانِ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ، وَمِنْ عَدَمِهِ وُجُوبُ الرَّجْمِ، وَاخْتَلَفُوا فِي عِلِّيَّتِهِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَوَّلُهَا: أَنَّهُ يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ قَطْعًا.
وَثَانِيهَا: يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ.
وَثَالِثُهَا الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ: أَنَّهُ لَا يُفِيدُ بِمُجَرَّدِ الدَّوَرَانِ قَطْعَ الْعِلِّيَّةِ وَلَا ظَنَّهَا، مَا لَمْ يَنْضَمَّ إِلَيْهِ أَحَدُ الْمَسَالِكِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، كَالسَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَاحْتَجَّ بِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُتَّصِفَ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ إِذَا خَلَا عَنِ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ أَوْ عَنْ أَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ غَيْرِهِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَسَالِكِ الْعِلَّةِ، جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عِلَّةً، بَلْ مُلَازِمًا لِلْعِلَّةِ، كَرَائِحَةِ الْمُسْكِرِ فَإِنَّهَا وَصْفٌ مُتَّصِفٌ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسُ، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الْحُرْمَةِ، وَمِنْ عَدِمَهَا الْحُرْمَةُ، وَمَعَ هَذَا لَا تَكُونُ عِلَّةَ الْحُرْمَةِ، بَلْ تَكُونُ مُلَازِمَةً لِلسُّكْرِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَلَا يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِه قَطْعُ الْعِلِّيَّةِ وَلَا ظَنُّهَا.
وَاسْتَدَلَّ الْغَزَالِيُّ عَلَى أَنَّ الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ بِمُجَرَّدِهِمَا لَا يُفِيدَانِ الْعِلِّيَّةَ، بِأَنَّ الِاطِّرَادَ: سَلَامَةُ الْوَصْفِ مِنَ النَّقْضِ ; لِأَنَّ الِاطِّرَادَ عِبَارَةٌ عَنْ تَحَقُّقِ الْحُكْمِ عِنْدَ تَحَقُّقِ الْوَصْفِ، فَيَقْضِي أَنْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
لَا يُوجَدَ الْوَصْفُ بِدُونِ الْحُكْمِ، فَيَتَحَقَّقُ سَلَامَتُهُ عَنِ النَّقْضِ; لِأَنَّ النَّقْضَ تَحَقُّقُ الْوَصْفِ بِدُونِ الْحُكْمِ.
وَالنَّقْضُ مُفْسِدٌ مِنْ مُفْسِدَاتِ الْعِلِّيَّةِ، وَسَلَامَةُ الْوَصْفِ عَنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ لَا يُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ، فَلَا يُفِيدُ الِاطِّرَادُ الْعِلِّيَّةَ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ السَّلَامَةَ عَنْ مُفْسِدٍ وَاحِدٍ، يُوجِبُ انْتِفَاءَ كُلِّ مُفْسِدٍ، فَلَا يَصِحُّ عِلِّيَّتُهُ إِلَّا بِمُصَحِّحٍ ; لِأَنَّ صِحَّةَ الشَّيْءِ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُجُودِ مُصَحِّحِهِ.
وَالْعَكْسُ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْعِلَّةِ، فَلَا يُؤَثِّرُ الْوَصْفُ الْمُتَّصِفُ بِالطَّرْدِ وَالْعَكْسِ فِي الْعِلِّيَّةِ ; لِأَنَّ الِاطِّرَادَ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ، وَالْعَكْسُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ إِفَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الطَّرْدِ وَالْعَكْسِ الْعِلِّيَّةَ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ، أَنْ لَا يَكُونَ مَجْمُوعُهُمَا مُفِيدًا لِلْعَلِيَّةِ، فَإِنَّ لِلْهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ تَأْثِيرًا فِي الْعِلِّيَّةِ، فَجَازَ أَنْ لَا يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُؤَثِّرًا فِي الْعِلِّيَّةِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، وَيَكُونُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مُؤَثِّرًا.
وَذَلِكَ كَأَجْزَاءِ الْعِلَّةِ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ، وَعِنْدَ الِاجْتِمَاعِ يَكُونُ مُؤَثِّرًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ الدَّوَرَانَ لَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ ; لِأَنَّهُ وُجِدَ فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ. فَإِنَّهُ كُلَّمَا تَحَقَّقَ أَحَدُهُمَا، تَحَقَّقَ الْآخَرُ، وَكُلَّمَا انْتَفَى أَحَدُهُمَا، انْتَفَى الْآخَرُ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا عِلَّةً لِلْآخَرِ.
أَجَابَ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ إِنَّمَا يُفِيدُ الْعِلِّيَّةَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَانِعٌ يَنْفِي الْعِلِّيَّةَ.
وَفِي الْمُتَضَايِفَيْنِ انْتَفَتِ الْعِلِّيَّةُ لِسَبَبٍ مَانِعٍ، وَهُوَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعَ الْآخَرِ.
ش - الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الدَّوَرَانَ يُفِيدُ الْقَطْعَ بِالْعِلِّيَّةِ أَوِ الظَّنَّ، قَالُوا: إِذَا حَصَلَ الدَّوَرَانُ وَلَمْ يَكُنْ مَانِعٌ مِنْ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ، كَمَا فِي الْمُتَضَايِفَيْنِ، حَصَلَ الْعِلْمُ بِالْعِلِّيَّةِ، أَوِ الظَّنُّ بِهَا بِطَرِيقِ الْعَادَةِ. كَمَا لَوْ دُعِيَ إِنْسَانٌ بَاسِمٍ مُغْضِبٍ، فَغَضِبَ، ثُمَّ تُرِكَ دُعَاؤُهُ