الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَإِنْ تَعَذَّرَ الرُّجْحَانُ، تَوَقَّفَ عَلَى قَوْلٍ، وَيُخَيَّرُ فِي الْعَمَلِ بِأَيِّهِمَا شَاءَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ.
وَإِنْ تَعَدَّدَ الْمُجْتَهِدُونَ فَكُلٌّ يَعْمَلُ بِمَا هُوَ عِلَّةٌ عِنْدَهُ، وَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ، لِمَا مَرَّ فِي الْجَوَابِ عَنِ الْوَجْهِ الثَّانِي.
ش - الْمُوجِبُ، أَيِ الْقَائِلُ بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا، قَالَ: النَّصُّ لَا تَفِي بِالْأَحْكَامِ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ، وَالنُّصُوصُ مُتَنَاهِيَةٌ. فَيَقْضِي الْعَقْلُ بِأَنَّهُ يَجِبُ التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ، وَإِلَّا يَلْزَمُ خُلُوُّ أَكْثَرِ الْوَقَائِعِ عَنِ الْحُكْمِ، وَهُوَ خِلَافُ الْمَقْصُودِ مِنْ بِعْثَةِ الرُّسُلِ.
أَجَابَ بِأَنَّ النُّصُوصَ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاهِيَةً، يَجُوزُ أَنْ تَفِيَ الْعُمُومَاتُ بِالْأَحْكَامِ الْغَيْرِ الْمُتَنَاهِيَةِ، بِأَنْ يَشْمَلَ عَامٌّ وَاحِدٌ جُزْئِيَّاتٍ غَيْرَ مُتَنَاهِيَةٍ، مِثْلَ: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَكُلُّ مَطْعُومٍ رِبَوِيٌّ.
[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ]
ش - الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ عَقْلًا، قَائِلُونَ
وَالْأَكْثَرُ قَطْعِيٌّ، خِلَافًا لِأَبِي الْحُسَيْنِ.
لَنَا: ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتِ التَّفَاصِيلُ آحَادًا، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَاطِعٍ.
وَأَيْضًا: تَكَرَّرَ وَشَاعَ وَلَمْ يُنْكَرْ، وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مِثْلِهِ وِفَاقٌ.
فَمِنْ ذَلِكَ رُجُوعُهُمْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فِي قِتَالِ بَنِي حَنِيفَةَ عَلَى الزَّكَاةِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ بَعْضِ الْأَنْصَارِ فِي أُمِّ الْأَبِّ: تُرِكَتِ الَّتِي لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَّةُ، وَرِثَ الْجَمِيعُ، فَشَرَّكَ بَيْنَهُمَا.
وَتَوْرِيثُ عَمَرَ رضي الله عنه الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ.
وَقَوْلُ عَلِيٍّ لِعُمَرَ رضي الله عنهما لَمَّا شَكَّ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ: أَرَأَيْتَ لَوِ اشْتَرَكَ نَفَرٌ فِي سَرِقَةٍ.
وَمِنْ ذَلِكَ إِلْحَاقُ بَعْضِهِمُ الْجَدَّ بِالْأَخِ، وَبَعْضِهِمْ بِالْأَبِّ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ.
ص - فَإِنْ قِيلَ: أَخْبَارُ آحَادٍ فِي قَطْعِيٍّ.
سَلَّمْنَا، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَمَلُهُمْ بِغَيْرِهَا.
سَلَّمْنَا، لَكِنَّهُمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ.
سَلَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ دَلِيلٍ، وَلَا نُسَلِّمُ نَفْيَ الْإِنْكَارِ.
سَلَّمْنَا، لَكِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ.
سَلَّمْنَا، لَكِنَّهَا أَقْيِسَةٌ مَخْصُوصَةٌ.
وَالْجَوَابُ عَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ فِي الْمَعْنَى، كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ رضي الله عنه.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بِوُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ، إِلَّا دَاوُدَ الْأَصْفَهَانِيَّ وَابْنَهُ، وَالْقَاشَانِيَّ وَالنَّهْرَوَانِيَّ.
ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ وُقُوعَ التَّعَبُّدِ بِهِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ أَوِ الْعَقْلِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ إِلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ.
ثُمَّ الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ اخْتَلَفُوا ; فَذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْهُمْ إِلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ بِدَلِيلِ السَّمْعِ الَّذِي هُوَ قَطْعِيٌّ، وَخَالَفَهُمْ أَبُو الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيُّ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِهِ بِدَلِيلٍ سَمْعِيٍّ قَطْعِيٍّ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ثَبَتَ بِالتَّوَاتُرِ عَنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَفَاصِيلُ مَا نُقِلَ إِلَيْنَا مِنَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ آحَادًا، فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ تَوَاتُرُ الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ التَّفَاصِيلِ، وَهُوَ الْعَمَلُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ اجْتِمَاعَ جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا هُوَ أَصْلٌ، لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَاطِعٍ دَالٍّ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ تَكَرَّرَ عَمَلُ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ بِالْقِيَاسِ عِنْدَ عَدَمِ النَّصِّ، وَشَاعَ وَذَاعَ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ.
وَالْعَادَةُ تَقْضِي بِأَنَّ سُكُوتَ الْبَاقِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا لِلْمُوَافَقَةِ، فَيَكُونُ الْإِجْمَاعُ الْقَطْعِيُّ حَاصِلًا عَلَى أَنَّ الْقِيَاسَ يُعْتَدُّ بِهِ.
ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ وَقَائِعَ قَدْ عَمِلَ فِيهَا الصَّحَابَةُ بِالْقِيَاسِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَمِنْ ذَلِكَ: رُجُوعُ الصَّحَابَةِ إِلَى اجْتِهَادِ أَبِي بَكْرٍ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ، وَقِتَالُهُمْ عَلَى الزَّكَاةِ لِقِيَاسِهِمْ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ بِوَاسِطَةِ أَخْذِهَا لِلْفُقَرَاءِ.
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ بَعْضِ الْأَنْصَارِ لِأَبِي بَكْرٍ، لَمَّا وَرَّثَ أُمَّ الْأُمِّ، وَلَمْ يُوَرِّثْ أُمَّ الْأَبِ: لَقَدْ وَرَّثْتَ امْرَأَةً مِنْ مَيِّتٍ، لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَّةُ، لَمْ يَرِثْهَا، وَتَرَكْتَ امْرَأَةً لَوْ كَانَتْ هِيَ الْمَيِّتَّةُ، وَرِثَ جَمِيعُ مَا تَرَكَتْ. فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ عَنِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَشَرَّكَ السُّدُسَ بَيْنَ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْأَبِّ.
وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّ عُمَرَ وَرَّثَ الْمَبْتُوتَةَ بِالرَّأْيِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمِنْ ذَلِكَ: قَوْلُ عَلِيٍّ لِعُمَرَ رضي الله عنهما لَمَّا شَكَّ عُمَرُ فِي قَتْلِ الْجَمَاعَةِ بِالْوَاحِدِ: أَرَأَيْتَ لَوِ اشْتَرَكَ نَفَرٌ فِي سَرِقَةٍ، أَكُنْتَ تَقْطَعُهُمْ؟ قَالَ عُمَرُ: نَعَمْ. فَقَالَ عَلِيٌّ: فَكَذَلِكَ هَاهُنَا.
وَمِنْ ذَلِكَ: إِلْحَاقُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ الْجَدَّ بِالْأَخِ، وَبَعْضِهِمْ بِالْأَبِّ فِي إِسْقَاطِ الْأُخْوَةِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي لَا تُحْصَى.
ش - لَمَّا ذَكَرَ الدَّلِيلَ عَلَى وُقُوعِ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ، ذَكَرَ أَسْئِلَةً مَعَ الْجَوَابِ، وَتَقْرِيرُ الْأَسْئِلَةِ أَنْ يُقَالَ: التَّعَبُّدُ بِالْقِيَاسِ قَطْعِيٌّ ; لِأَنَّهُ أَصْلٌ مِنَ الْأُصُولِ.
وَالْوَقَائِعُ الَّتِي ذَكَرْتُمْ أَخْبَارُ آحَادٍ، وَهِيَ لَا تُفِيدُ الْقَطْعَ.
سَلَّمْنَا: أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ بِالْأَقْيِسَةِ، بَلْ عَمِلُوا بِظَوَاهِرِ النُّصُوصِ.
سَلَّمْنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ عَمِلُوا فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ بِالْقِيَاسِ، لَكِنَّهُمْ بَعْضُ الصَّحَابَةِ، فَلَا يَكُونُ عَمَلُهُمْ حُجَّةً.
سَلَّمْنَا أَنَّ عَمَلَ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرِ الْبَاقِينَ دَلِيلٌ، لَكِنْ لَا نُسَلِّمُ نَفْيَ الْإِنْكَارِ، فَإِنَّهُ نُقِلَ عَنِ الصَّحَابَةِ تَارَةً إِنْكَارُ الرَّأْيِ،
وَعَنِ الثَّانِي: الْقَطْعُ مِنْ سِيَاقِهَا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِهَا.
وَعَنِ الثَّالِثِ: شِيَاعُهُ وَتَكْرِيرُهُ قَاطِعٌ عَادَةً بِالْمُوَافَقَةِ.
وَعَنِ الرَّابِعِ: أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِنَقْلِ مِثْلِهِ.
وَعَنِ الْخَامِسِ: مَا سَبَقَ فِي الثَّالِثِ.
وَعَنِ السَّادِسِ: الْقَطْعُ بِأَنَّ الْعَمَلَ لِظُهُورِهَا لَا لِخُصُوصِهَا، كَالظَّوَاهِرِ.
ص - وَاسْتَدَلَّ بِمَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ الْعِلَلِ لِيَبْتَنِي عَلَيْهَا، مِثْلَ:" «أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكِ دَيْنٌ» "، " «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ» "، وَلَيْسَ بِالْبَيْنِ.
وَاسْتَدَلَّ بِإِلْحَاقِ كُلِّ زَانٍ بِمَاعِزٍ.
وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ: " «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ» "، أَوْ لِلْإِجْمَاعِ.
وَاسْتَدَلَّ بِمِثْلِ: (فَاعْتَبِرُوا) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الِاتِّعَاظِ، أَوْ فِي الْأُمُورِ الْعَقْلِيَّةِ، مَعَ أَنَّ صِيغَةَ " افْعَلْ " مُحْتَمِلَةٌ.
وَاسْتَدَلَّ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ، وَغَايَتُهُ الظَّنُّ.
ص - (مَسْأَلَةٌ) : النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ لَا يَكْفِي فِي التَّعَدِّي دُونَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأُخْرَى إِنْكَارُ الْقِيَاسِ، وَأُخْرَى إِنْكَارُ مَنْ أَثْبَتَ الْحُكْمَ لَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ قَالَ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي، إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيٍ.
وَعَنْ عُمَرَ: إِيَّاكُمْ وَأَصْحَابَ الرَّأْيِ فَإِنَّهُمْ أَعْدَاءُ السُّنَنِ، أَعْيَتْهُمُ الْأَحَادِيثُ أَنْ يَحْفَظُوهَا، فَقَالُوا بِالرَّأْيِ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا.
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَالْمُكَايَلَةَ. قِيلَ: وَمَا الْمُكَايَلَةُ؟ قَالَ: الْمُقَايَسَةُ.
وَعَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَيَّ، وَهُوَ يَوْمَئِذٌ مِنْ قِبَلِهِ قَاضٍ: اقْضِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَاقْضِ بِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ، فَإِنْ جَاءَكَ مَا لَيْسَ فِيهَا، فَاقْضِ بِمَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْ، فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تَقْضِيَ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَعَنْ عَلِيٍّ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالْقِيَاسِ، لَكَانَ بَاطِنُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا قَالَا: يَذْهَبُ قُرَّاؤُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ، وَيَتَّخِذُ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا، يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ.
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِذَا قُلْتُمْ فِي دِينِكُمْ بِالْقِيَاسِ، أَحْلَلْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا حَرَّمَ اللَّهُ، وَحَرَّمْتُمْ كَثِيرًا مِمَّا أَحَلَّ اللَّهُ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - قَالَ لِنَبِيِّهِ: {احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49]، وَلَمْ يَقُلْ: بِمَا رَأَيْتَ.
وَقَالَ: لَوْ جَعَلَ لِأَحَدِكُمْ أَنْ يَحْكُمَ بِرَأْيِهِ، لَجَعَلَ ذَلِكَ لِنَبِيِّهِ، وَلَكِنْ قِيلَ لَهُ:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [المائدة: 49] .
قَالَ: إِيَّاكُمْ وَالْمَقَايِيسَ، فَإِنَّمَا عُبِدَتِ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِالْمَقَايِيسِ.
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ ; السُّنَّةُ مَا سَنَّهُ الرَّسُولُ، عليه السلام،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
لَا تَجْعَلُوا الرَّأْيَ سُنَّةً لِلْمُسْلِمِينَ.
وَعَنْ مَسْرُوقٍ: لَا أَقِيسُ شَيْئًا بِشَيْءٍ، أَخَافَ أَنْ تَزِلَّ قَدَمِي بَعْدَ ثُبُوتِهَا.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ يَذُمُّ الْقِيَاسَ وَيَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ قَالَ إِبْلِيسُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: إِنْ أَخَذْتُمْ بِالْقِيَاسِ أَحْلَلْتُمُ الْحَرَامَ، وَحَرَّمْتُمُ الْحَلَالَ.
فَثَبَتَ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ تَصْرِيحُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بِإِنْكَارِ الْقِيَاسِ وَالرَّأْيِ.
سَلَّمْنَا أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ عَمِلَ بِالْقِيَاسِ، وَلَمْ يُنْكِرْ أَحَدٌ، لَكِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِمْ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ عَدَمُ إِنْكَارِهِمْ لِلْخَوْفِ، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ.
سَلَّمْنَا أَنَّ سُكُوتَهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْمُوَافَقَةِ، لَكِنَّهَا أَقْيِسَةٌ مَخْصُوصَةٌ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْإِجْمَاعُ عَلَى الْعَمَلِ بِكُلِّ قِيَاسٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَجَابَ عَنِ الْأَوَّلِ بِأَنَّ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَإِنْ كَانَتْ آحَادًا فِي التَّفَاصِيلِ، إِلَّا أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ فِي الْمَعْنَى ; لِأَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا - وَهُوَ الْعَمَلُ بِالْقِيَاسِ - مُتَوَاتِرٌ، كَشَجَاعَةِ عَلِيٍّ وَسَخَاوَةِ حَاتِمٍ.
وَعَنِ الثَّانِي أَنَّ سِيَاقَ تِلْكَ الْأَخْبَارِ وَقَرَائِنَ الْأَحْوَالِ، دَلَّ قَطْعًا بِأَنَّ عَمَلَهُمْ بِالْقِيَاسِ فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ لَا بِالنَّصِّ ; لِأَنَّ عَمَلَهُمْ لَوْ كَانَ بِالنَّصِّ لَأَظْهَرُوهُ. وَلَوْ أَظْهَرُوهُ لَاشْتُهِرَ، وَلَوِ اشْتُهِرَ لَنُقِلَ إِلَيْنَا. وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ، عَلِمْنَا أَنَّهُمْ مَا عَمِلُوا فِي تِلْكَ الْوَقَائِعِ بِالنَّصِّ.
وَعَنِ الثَّالِثِ أَنَّ شَيَاعَ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ وَتَكْرِيرَهُ قَاطِعٌ عَادَةً بِأَنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِمْ بِسَبَبِ الْمُوَافَقَةِ.
وَعَنِ الرَّابِعِ أَنَّ الْعَادَةَ تَقْضِي بِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ مِنْ بَعْضِهِمْ، لَنُقِلَ، وَلَمَّا لَمْ يُنْقَلْ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُنْكِرُوا.
أَوِ الْإِنْكَارُ فِي الصُّوَرِ الَّذِي ذَكَرْتُمْ إِنَّمَا كَانَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ لَيْسَ لَهُ مَرْتَبَةُ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ، وَفِي قِيَاسٍ أَخَلَّ شَرْطَ صِحَّتِهِ، جَمْعًا بَيْنَ النَّقْلَيْنِ ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ رَوَيْتُمْ عَنْهُمُ الْمَنْعَ مِنَ الْقِيَاسِ هُمُ الَّذِينَ دَلَّلْنَا عَلَى تَجْوِيزِهِمُ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ، فَلَا بُدَّ مِنَ التَّوْفِيقِ.
وَعَنِ الْخَامِسِ: مَا سَبَقَ فِي الثَّالِثِ.
وَعَنِ السَّادِسِ: أَنَّ الْعَمَلَ بِالْأَقْيِسَةِ الْمَخْصُوصَةِ لَيْسَ لِأَجْلِ خُصُوصِهَا، كَالظَّوَاهِرِ، فَإِنَّ الْعَمَلَ بِهَا لَيْسَ لِأَجْلِ خُصُوصِهَا، بَلْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
لِأَجْلِ أَنَّهَا مِنَ الْأَدِلَّةِ الظَّاهِرَةِ.
ش - ذَكَرَ أَرْبَعَةَ اسْتِدْلَالَاتٍ مَعَ الْجَوَابِ عَنْهَا.
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ ثَبَتَ بِمَا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام ذَكَرَ الْعِلَلَ ; لِيَبْنِيَ عَلَى تِلْكَ الْعِلَلِ الْأَحْكَامَ ; لِأَنَّهُ سُئِلَ عَنْ صُوَرٍ كَثِيرَةٍ، فَأَجَابَ عَنْ كُلِّ صُورَةٍ مِنْهَا بِالْإِشَارَةِ إِلَى الْعِلَّةِ إِرْشَادًا لِأُمَّتِهِ إِلَى الْقِيَاسِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمِثْلُ قَوْلِهِ عليه السلام: " «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إِذَا جَفَّ» ". وَأَمْثَالُهُ.
وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَمَلَ بِالْقِيَاسِ مُتَعَبَّدٌ بِهِ.
أَجَابَ بِأَنَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالَ لَيْسَ بِالْبَيْنِ ; لِأَنَّ غَايَتَهُ التَّصْرِيحُ بِالْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ. وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ الْعِلَّةِ لِتَعْرِيفِ الْبَاعِثِ عَلَى الْحُكْمِ ; لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى الِانْقِيَادِ، لَا لِأَجْلِ إِلْحَاقِ الْغَيْرِ بِهِ.
وَلَئِنْ سَلَّمَ أَنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ وَقَرِينَةَ الْحَالِ يَدُلُّ ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذِكْرِ الْعِلَّةِ هُوَ إِلْحَاقُ الْغَيْرِ بِهِ، لَكِنْ لَا يَكُونُ دَلِيلًا قَطْعِيًّا عَلَى الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ، بَلْ ظَنِّيًّا، وَكَلَامُنَا فِي الْقَطْعِيِّ.
الِاسْتِدْلَالُ الثَّانِي: أَنَّ رَجْمَ كُلِّ زَانٍ مُحْصَنٍ لَيْسَ إِلَّا لِأَجْلِ الْإِلْحَاقِ بِمَاعِزٍ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ. فَإِنَّ رَجْمَ مَاعِزٍ ثَبَتَ بِفِعْلِ الرَّسُولِ عليه السلام وَهُوَ لَيْسَ بِعَامٍّ، وَلَا نَصَّ عَلَى رَجْمِ كُلِّ زَانٍ لِعَدَمِ النَّقْلِ، فَيَكُونُ لِأَجْلِ الْقِيَاسِ.
أَجَابَ بِأَنَّ رَجْمَ كُلِّ زَانٍ مُحْصَنٍ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام:" «حُكْمِي عَلَى الْوَاحِدِ حُكْمِي عَلَى الْجَمَاعَةِ» "، أَوْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ، وَسَنَدُ الْإِجْمَاعِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ نَصًّا عَامًّا لَمْ