الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَهَذَا النَّظَرُ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الظَّنَّ بِالْمَدْلُولِ حَاصِلٌ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، فَلَا يَكُونُ انْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ انْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ حَتَّى يَتِمَّ الدَّلِيلُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ دَفْعُ النَّقْضِ بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَبِمَنْعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهَا فِيهِ، فَجَوَابُ النَّقْضِ بِبَيَانِ وُجُودِ مُعَارِضٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ اقْتَضَى ذِكْرُ الْمُعَارِضِ نَقِيضَ الْحُكْمِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، أَوْ خِلَافَ الْحُكْمِ فِيهِ لِمَصْلَحَةِ أَوْلَى تُفَوِّتُ تِلْكَ الْمَصْلَحَةَ لَوْلَا اسْتِثْنَاءٌ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْعَرَايَا إِذَا نُقِضَ بِهَا عِلِّيَّةُ الطَّعْمِ فِي الرِّبَوِيَّاتِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْمُعَارِضِ - وَهُوَ الدَّلِيلُ الْخَاصُّ - اقْتَضَى نَقِيضَ حُكْمِ الرِّبَوِيَّاتِ فِيهَا لِأَجْلِ مَصْلَحَةٍ خَاصَّةٍ.
وَكَمَسْأَلَةِ ضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إِذَا نَقَضَ بِهَا عِلِّيَّةَ الْبَرَاءَةِ الْمُوجِبَةِ لِعَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ، فَإِنَّ الْمَصْلَحَةَ الْخَاصَّةَ بِضَرْبِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَقْتَضِي خِلَافَ حُكْمِ الْجِنَايَاتِ فِيهَا، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ، كَحِلِّ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ إِذَا نَقَضَ بِهَا عِلِّيَّةَ أَنَّ النَّجَاسَةَ مُحَرَّمَةٌ، فَإِنَّ مَفْسَدَةَ الْهَلَاكِ أَعْظَمُ مِنْ مَفْسَدَةِ تَنَاوُلِ النَّجَاسَةِ، هَذَا إِذَا كَانَتِ الْعِلَّةُ مُسْتَنْبَطَةً، أَمَّا إِذَا كَانَ التَّعْلِيلُ بِنَصٍّ ظَاهِرٍ عَامٍّ، حُكِمَ بِتَخْصِيصِهِ إِذَا انْتَقَضَتِ الْعِلَّةُ، وَتَعَذَّرَ مَانِعٌ فِي صُورَةِ النَّقْصِ إِنْ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَانِعُ، كَمَا تَقَدَّمَ.
[الْكَسْرُ]
ش - الِاعْتِرَاضُ الرَّابِعَ عَشَرَ: الْكَسْرُ، وَهُوَ نَقْضُ الْمَعْنَى يَعْنِي نَقْضَ الْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ، وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالْكَلَامِ فِي النَّقْضِ. فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِعَادَتِهِ.
[الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ]
ش - الِاعْتِرَاضُ الْخَامِسَ عَشَرَ: الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى آخَرَ غَيْرِ مَا عَلَّلَ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ، وَهُوَ إِمَّا مُسْتَقِلًا بِالتَّعْلِيلِ، مِثْلَ مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ الْحُكْمَ بِمَعْنًى، وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقٍ، وَأَبْدَى الْمُعَارِضُ مَعْنًى آخَرَ فِي الْأَصْلِ، وَأَثْبَتَ عِلِّيَّتَهُ بِطَرِيقِهِ، كَمُعَارَضَةِ مَنْ عَلَّلَ حُرْمَةَ الرِّبَا فِي الْبُرِّ بِالطَّعْمِ بِالْقُوتِ أَوْ بِالْكَيْلِ.
وَإِمَّا غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ بِالتَّعْلِيلِ، مِثْلَ: مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ الْحُكْمَ بِمَعْنًى وَأَثْبَتَهُ بِطَرِيقٍ، وَأَبْدَى الْمُعَارِضُ مَعْنًى آخَرَ فِي الْأَصْلِ، وَأَثْبَتَ كَوْنَهُ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ، كَمُعَارَضَةِ مَنْ عَلَّلَ وُجُوبَ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ بِالْجَارِحِ فِي الْأَصْلِ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ وَصْفُ الْجَارِحِ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ فِي الْأَصْلِ.
وَاخْتُلِفَ فِي قَبُولِ الْقِسْمِ الثَّانِي، وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ قَبُولَهُ. وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: لَوْ لَمْ تَكُنِ الْمُعَارَضَةُ بِالْقِسْمِ الثَّانِي مَقْبُولَةً، لَزِمَ أَنْ لَا يَمْتَنِعَ التَّحَكُّمُ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
ص - الرَّابِعَ عَشَرَ: الْكَسْرُ، وَهُوَ نَقْصُ الْمَعْنَى. وَالْكَلَامُ فِيهِ كَالنَّقْضِ.
ص - الْخَامِسَ عَشَرَ: الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنًى آخَرَ ; إِمَّا مُسْتَقِلًا، كَمُعَارَضَةِ الطَّعْمِ بِالْكَيْلِ، أَوِ الْقُوتِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، كَمُعَارَضَةِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ بِالْجَارِحِ.
وَالْمُخْتَارُ: قَبُولُهَا.
لَنَا: لَوْ لَمْ تَكُنْ مَقْبُولَةً، لَمْ يَمْتَنِعِ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ عِلَّةً لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ مِنْ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ. فَإِنْ رَجَّحَ بِالتَّوْسِعَةِ، مَنْعَ الدَّلَالَةَ. وَلَوْ سُلِّمَ، عُورِضَ بِأَنَّ الْأَصْلَ انْتِفَاءُ الْأَحْكَامِ، وَبِاعْتِبَارِهِمَا مَعًا.
وَأَيْضًا: فَلَمَّا ثَبَتَ أَنَّ مَبَاحِثَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ جَمْعًا وَفِرَقًا، قَالُوا: اسْتِقْلَالُهُمَا بِالْمُنَاسَبَةِ يَسْتَلْزِمُ التَّعَدُّدَ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قُلْنَا: تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا.
ص - وَفِي لُزُومِ بَيَانِ نَفْيِ الْوَصْفِ عَنِ الْفَرْعِ، ثَالِثُهَا إِنْ صَرَّحَ، لَزِمَ.
لَنَا: إِنَّهُ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ، فَقَدْ أَتَى بِمَا لَيْسَ يَنْتَهِضُ مَعَهُ الدَّلِيلُ، فَإِنْ صَرَّحَ لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا صَرَّحَ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَصْلٍ ; لِأَنَّ حَاصِلَهُ نَفْيُ الْحُكْمِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ، أَوْ صَدُّ الْمُسْتَدِلِّ عَنِ التَّعْلِيلِ بِذَلِكَ، وَأَيْضًا: فَأَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ أَصْلُهُ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ دَلِيلَ الْمُسْتَدِلِّ دَلَّ عَلَى عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً بِالِاسْتِقْلَالِ، وَدَلِيلُ الْمُعْتَرِضِ عَلَى عِلِّيَّتِهِ بِالْجُزْئِيَّةِ، فَلَوْ لَمْ تُقْبَلِ الْمُعَارَضَةُ، لَزِمَ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّ الْوَصْفَ الْمُدَّعَى عِلَّةً لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ، فَكَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، جَازَ أَنْ يَكُونَ جُزْءَ عِلَّةٍ، فَالْقَوْلُ بِكَوْنِهِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً تَحَكُّمٌ.
فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ: " مِنْ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ " بَعْدَ قَوْلِهِ: " لِأَنَّ الْمُدَّعَى عِلَّةً لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ " زَائِدٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ. وَقَرَّرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ بَيَانَ الْمُلَازَمَةِ بِوَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ الدَّلِيلَ دَالٌّ عَلَى عِلِّيَّةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَصْفَيْنِ، أَعْنِي وَصْفَ الْمُسْتَدِلِّ وَوَصْفَ الْمُعَارَضَةِ، سَوَاءٌ كُلُّ وَاحِدٍ مُسْتَقِلًّا، كَالطَّعْمِ أَوِ الْقُوتِ، أَوْ غَيْرَ مُسْتَقِلٍّ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ إِذَا جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ عِلَّةً، وَزَادَ عَلَيْهِ الْحَنَفِيُّ بِالْجَارِحِ، حَتَّى يَكُونَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً. فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَقْبَلْ، وَجَعَلَ أَحَدَ الْوَصْفَيْنِ عِلَّةً، لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَائِزَيْنِ عَلَى الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ.
ثُمَّ قَالَ: وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ، أَعْنِي الدَّلِيلَ وَبَيَانَ الْمُلَازَمَةِ، وَافَقَ عِقْدَ الْمَسْأَلَةِ فِي الْعُمُومِ لَا التَّمَسُّكِ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: " لَيْسَ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ " يَشْمَلُ مَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُرَكَّبًا وَالْمُعْتَرِضُ أَخَذَ جُزْءًا مِنْهُ، وَادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ، وَمَا إِذَا كَانَ الْمُدَّعَى عِلَّةً وَصْفًا وَضَمَّ إِلَيْهِ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ عَلَى مَا تَرَى إِذَا نَظَرْتَ فِيهِ.
وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ قَوْلُهُ: " مِنْ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ " زَائِدًا.
وَفِيمَا ذَكَرَهُ هَذَا الشَّارِحُ نَظَرٌ ; لِأَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ: " لَيْسَ بِأَوْلَى بِالْجُزْئِيَّةِ أَوْ بِالِاسْتِقْلَالِ " لَوْ كَانَ شَامِلًا لِمَا إِذَا كَانَ الْوَصْفُ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُرَكَّبًا، وَالْمُعْتَرِضُ أَخَذَ جُزْءًا مِنْهُ وَادَّعَى الِاسْتِقْلَالَ، لَزِمَ أَنْ لَا تُقْبَلَ الْمُعَارَضَةُ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ إِثْبَاتُ عِلِّيَّةِ جُزْءِ الْمُدَّعَى عِلَّةً مُفِيدًا لِلْمُعْتَرِضِ ; لِأَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ عِلِّيَّةُ جُزْءِ الْمُدَّعِي عِلَّةً، يَلْزَمُ الْحُكْمَ فِي الْفَرْعِ ضَرُورَةُ وُجُودِ الْجُزْءِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ الْمُسْتَقِلَّةُ عَلَى زَعْمِ الْمُعْتَرِضِ فِيهِ، فَلَا تَكُونُ الْمُعَارَضَةُ مُفِيدَةً.
هَذَا مَا ظَهَرَ لِي، فَإِنْ رَجَّحَ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَ وَصْفِهِ عَلَى جُزْئِيَّتِهِ بِالتَّوْسِعَةِ فِي الْأَحْكَامِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مُسْتَقِلًّا، وَوَجَدَ الْفَرْعَ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ، ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي الْفَرْعِ، فَيَتَوَسَّعُ الْحُكْمُ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ، فَيَكُونُ أَكْثَرَ فَائِدَةً، فَيَكُونُ أَرْجَحَ.
بِخِلَافِ مَا إِذَا كَانَ جُزْءَ عِلَّةٍ، فَإِنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِهِ فِي
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْفَرْعِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ فِيهِ، كَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، إِذَا كَانَ جُزْءَ عِلَّةٍ، وَالْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ مَعَ قَيْدِ كَوْنِهِ بِالْجَارِحِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ وُجُودِ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ فِيهِ، فَلِلْمُعْتَرِضِ أَنْ يَمْنَعَ دَلَالَةَ الِاسْتِقْلَالِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، وَلَوْ سُلِّمَ دَلَالَةُ الِاسْتِقْلَالِ عَلَى التَّوْسِعَةِ، عُورِضَ بِرُجْحَانِ الْجُزْئِيَّةِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْجُزْئِيَّةَ تُوجِبُ انْتِفَاءَ الْحُكْمِ فِي الْفَرْعِ، وَانْتِفَاءُ الْأَحْكَامِ مُوَافِقٌ لِلْأَصْلِ، وَمَا يُوَافِقُ الْأَصْلَ أَرْجَحُ.
الثَّانِي: أَنَّ الْجُزْئِيَّةَ تُوجِبُ اعْتِبَارَ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ، وَاعْتِبَارَ وَصْفِ الْمُعَارِضِ، وَاعْتِبَارُ الْوَصْفَيْنِ أَوْلَى مِنْ إِهْمَالِ أَحَدِهِمَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ مَبَاحِثَ الصَّحَابَةِ كَانَتْ جَمْعًا وَفِرَقًا، وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْمُعَارَضَةِ بِكَوْنِ الْمُدَّعَى عِلَّةً غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ بِالْعِلِّيَّةِ، بَلْ بِكَوْنِ جُزْءِ عِلَّةٍ.
أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالنَّقْلِ عَنْهُمْ، وَأَمَّا الثَّانِي ; فَلِأَنَّ الْفَرْقَ إِنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِكَوْنِ مَا جَعَلَ الْمُسْتَدِلُّ عِلَّةً جُزْءَ عِلَّةٍ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْمَانِعُونَ مِنْ قَبُولِ هَذِهِ الْمُعَارَضَةِ قَالُوا: لَوْ قِيلَ: هَذِهِ الْمُعَارَضَةُ، يَلْزَمُ اسْتِقْلَالُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَصْفَيِ الْمُسْتَدِلِّ وَالْمُعَارِضِ بِالْعِلِّيَّةِ، وَاسْتِقْلَالُهُمَا بِالْعِلِّيَّةِ يَسْتَلْزِمُ تَعَدُّدَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُقْبَلْ، لَزِمَ إِسْنَادُ الْحُكْمِ إِلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ، وَإِسْنَادُ الْحُكْمِ إِلَى أَحَدِ الْوَصْفَيْنِ دُونَ الْآخَرِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى عِلِّيَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا تَحَكُّمٌ بَاطِلٌ، كَمَا لَوْ أَعْطَى قَرِيبًا عَالِمًا. فَإِنَّ إِسْنَادَ الْإِعْطَاءِ إِلَى الْقُرْبِ أَوِ الْعِلْمِ تَحَكُّمٌ، فَيَجِبُ أَنْ يُسْنَدَ الْحُكْمُ إِلَى مَجْمُوعِهِمَا.
فَالْقَبُولُ لَا يُوجِبُ الِاسْتِقْلَالَ لِجَوَازِ الْإِسْنَادِ إِلَى الْمَجْمُوعِ حِينَئِذٍ.
ش - اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ بَيَانِ نَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْفَرْعِ عَلَى الْمُعْتَرِضِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَوَّلُهُمَا: أَنَّهُ يَجِبُ مُطْلَقًا.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يَجِبُ مُطْلَقًا.
وَثَالِثُهَا: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنْ صَرَّحَ بِنَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْفَرْعِ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
وَاحْتُجَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ إِذَا لَمْ يُصَرِّحْ بِنَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ عَنِ الْفَرْعِ، فَقَدْ أَتَى بِمَا لَمْ يَنْتَهِضْ مَعَهُ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ، فَلَا يَلْزَمُهُ التَّصْرِيحُ بِنَفْيِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْفَرْعِ.
وَإِنْ صَرَّحَ بِهِ، لَزِمَهُ الْوَفَاءُ بِمَا صَرَّحَ، وَإِنِ انْدَفَعَ دَلِيلُ الْمُسْتَدِلِّ دُونَ نَفْيِ الْوَصْفِ عَنِ الْفَرْعِ ; لِأَنَّهُ الْتَزَمَ بِذِكْرِهِ تَقْرِيرَهُ، فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي احْتِيَاجِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ إِلَى أَصْلٍ يُشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ، وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَصْلٍ يَشْهَدُ لَهُ بِالِاعْتِبَارِ ; لِأَنَّ حَاصِلَ سُؤَالِ الْمُعَارَضَةِ نَفْيُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ، كَنَفْيِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتْلِ بِالْمُثْقَلِ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي هِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ الْعُدْوَانُ بِالْجَارِحِ، أَوْ صَدُّ الْمُسْتَدِلِّ عَنِ التَّعْلِيلِ بِمَا جَعَلَهُ عِلَّةً.
وَهَذَانَ لَا يَحْتَاجَانِ إِلَى أَصْلٍ.
ص - وَجَوَابُ الْمُعَارَضَةِ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْوَصْفِ، أَوِ الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِهِ إِنْ كَانَ مُثْبِتًا بِالْمُنَاسَبَةِ أَوِ الشَّبَهِ، لَا بِالسَّبْرِ، أَوْ بِخَفَائِهِ، أَوْ عَدَمِ انْضِبَاطِهِ، أَوْ مَنْعِ ظُهُورِهِ وَانْضِبَاطِهِ، أَوْ بَيَانِ أَنَّهُ عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ، مِثْلُ الْمُكْرَهِ - عَلَى الْمُخْتَارِ - بِجَامِعِ الْقَتْلِ، فَيَتَعَرَّضُ بِالطَّوَاعِيَةِ.
فَيُجِيبُ بِأَنَّهُ عُدِمَ الْإِكْرَاهَ الْمُنَاسِبَ لِنَقِيضِ الْحُكْمِ، وَذَلِكَ طَرْدٌ، أَوْ يُبَيِّنُ كَوْنَهُ مُلْغًى، أَوْ يُبَيِّنُ اسْتِقْلَالَ مَا عَدَاهُ فِي صُورَةٍ بِظَاهِرٍ أَوْ إِجْمَاعٍ.
مِثْلَ: لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ فِي مُعَارَضَةِ الطَّعْمِ بِالْكَيْلِ، وَمِثْلَ:«مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ، فِي مُعَارَضَةِ التَّبْدِيلِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِلتَّعْمِيمِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَأَيْضًا: فَأَصْلُ الْمُسْتَدِلِّ هُوَ أَصْلُهُ ; لِأَنَّهُ كَمَا يَشْهَدُ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ، يَشْهَدُ بِاعْتِبَارِ وَصْفِهِ.
ش - وَجَوَابُ الْمُسْتَدِلِّ عَنِ الْمُعَارَضَةِ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ فِي الْأَصْلِ، وَإِمَّا بِمُطَالَبَةِ الْمُسْتَدِلِّ الْمُعْتَرِضِ بِتَأْثِيرِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ، إِنْ كَانَ الْمُعْتَرِضُ أَثْبَتَ عِلِّيَّتَهُ بِالْمُنَاسَبَةِ أَوْ بِالشَّبَهِ.
أَمَّا إِذَا أَثْبَتَ عِلِّيَّتَهُ بِالسَّبْرِ، لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُسْتَدِلُّ مِنَ الْمُطَالَبَةِ بِتَأْثِيرِهِ، فَإِنَّ السَّبْرَ كَافٍ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ بِدُونِ التَّأْثِيرِ، وَإِمَّا بِخَفَاءِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ، وَإِمَّا بِعَدَمِ انْضِبَاطِهِ، وَإِمَّا بِمَنْعِ ظُهُورِهِ، وَإِمَّا بِمَنْعِ انْضِبَاطِهِ، وَإِمَّا بِبَيَانِ أَنَّ وَصْفَ الْمُعَارَضَةِ عَدَمُ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ. وَعَدَمُ الْمُعَارِضِ فِي الْفَرْعِ لَا يَكُونُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، وَلَا جُزْءَ عِلَّةٍ.
مِثَالُ ذَلِكَ: قِيَاسُ الْمُكْرَهِ عَلَى الْمُخْتَارِ فِي وُجُوبِ الْقِصَاصِ بِجَامِعِ الْقَتْلِ، فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالطَّوَاعِيَةِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ وَحْدَهُ لَا يَكُونُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، بَلِ الْقَتْلُ مَعَ الطَّوَاعِيَةِ. فَيُجِيبُ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الطَّوَاعِيَةَ لَيْسَتْ جُزْءَ عِلَّةٍ، بَلْ هُوَ عَدَمُ مُعَارِضٍ مَوْجُودٍ فِي الْفَرْعِ ; لِأَنَّ الطَّوَاعِيَةَ: عَدَمُ الْإِكْرَاهِ، وَالْإِكْرَاهُ مُنَاسِبٌ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ وُجُوبِ الْقِصَاصِ، فَيَكُونُ الْإِكْرَاهُ مُعَارِضًا فِي الْفَرْعِ الَّذِي هُوَ الْمُكْرِهُ لِكَوْنِهِ مُنَاسِبًا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ الَّذِي هُوَ نَقِيضُ الْحُكْمِ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْإِكْرَاهِ عَدَمَ مُعَارِضٍ فِي الْفَرْعِ، فَلَا يَكُونُ جُزْءَ عِلَّةٍ، بَلْ يَكُونُ وَصْفًا طَرْدِيًّا.
ص - وَلَا يَكْفِي إِثْبَاتُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ دُونَهُ ; لِجَوَازِ عِلَّةٍ أُخْرَى، وَلِذَلِكَ لَوْ أَبْدَى أَمْرًا آخَرَ يَخْلُفَ مَا أُلْغِيَ، فَسَدَ الْإِلْغَاءُ، وَيُسَمَّى تَعَدُّدَ الْوَضْعِ ; لِتَعَدُّدِ أَصْلِهَا.
مِثْلَ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيَصِحُّ كَالْحُرِّ ; لِأَنَّهُمَا مَظِنَّتَانِ لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْإِيمَانِ.
فَيَعْتَرِضُ بِالْحَرِيَّةِ، فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ الْفَرَاغِ لِلنَّظَرِ، فَيَكُونُ أَكْمَلَ، فَيُلْغِيهَا بِالْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ، فَيَقُولُ: خَلَفَ الْإِذْنُ الْحَرِيَّةَ، فَإِنَّهُ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ أَوْ لِعِلْمِ السَّيِّدِ بِصَلَاحِيَّتِهِ.
وَجَوَابُهُ: الْإِلْغَاءُ إِلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا.
وَلَا يُفِيدُ الْإِلْغَاءُ لِضَعْفِ الْمَعْنَى مَعَ تَسْلِيمِ الْمَظِنَّةِ، كَمَا لَوِ اعْتَرَضَ فِي الرِّدَّةِ بِالرُّجُولِيَّةِ، فَإِنَّهَا مَظِنَّةُ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ، فَيُلْغِيهَا بِالْمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ.
ص - وَلَا يَكْفِي رُجْحَانُ الْمُعَيَّنِ، وَلَا كَوْنُهُ مُتَعَدِّيًا ; لِاحْتِمَالِ الْجُزْئِيَّةِ، فَيَجِيءُ التَّحَكُّمُ، وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَعَدُّدِ الْأُصُولِ ; لِقُوَّةِ الظَّنِّ بِهِ.
وَفِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُعَارَضَةِ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ، وَعَلَى الْجَمِيعِ فِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُسْتَدِلِّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ قَوْلَانِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَإِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ مُلْغًى لَا مَدْخَلَ لَهُ فِي الْعِلِّيَّةِ، وَإِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ اسْتِقْلَالَ الْوَصْفِ الْمُدَّعَى عِلَّةً فِي صُورَةٍ بِظَاهِرِ نَصٍّ أَوْ إِجْمَاعٍ، مِثْلَ: مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ حُرْمَةَ الرِّبَا بِالطَّعْمِ، فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالْكَيْلِ، فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَ الطَّعْمِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه السلام:" «لَا تَبِيعُوا الطَّعَامَ بِالطَّعَامِ» ".
وَمِثْلَ: مَا إِذَا عَلَّلَ الْمُسْتَدِلُّ إِبَاحَةَ الْقَتْلِ بِتَبْدِيلِ الدِّينِ، فَيُعَارِضُ الْمُعْتَرِضُ بِتَبْدِيلِ الْإِيمَانِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَيُبَيِّنُ الْمُسْتَدِلُّ اسْتِقْلَالَ تَبْدِيلِ الدِّينِ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ عليه السلام:" «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» ". وَلَيْسَ عَلَى الْمُسْتَدِلِّ عِنْدَ بَيَانِ اسْتِقْلَالِ مَا عَدَا وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ التَّعَرُّضُ لِلتَّعْمِيمِ، أَيِ التَّعَرُّضُ لِثُبُوتِ الْحُكْمِ فِي جَمِيعِ صُوَرِ وُجُودِ الْوَصْفِ ; فَإِنْ تَرَتَّبَ الْحُكْمُ عَلَى الْوَصْفِ الْمُنَاسِبِ، وَلَوْ فِي صُورَةٍ يَكْفِي فِي الدَّلَالَةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى التَّعَرُّضِ لِلتَّعْمِيمِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَقَوْلُهُ: " غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ " حَالٌ عَنِ الْمُسْتَدِلِّ، وَالْعَامِلُ فِيهِ قَوْلُهُ: أَوْ يُبَيِّنُ.
ش - وَلَا يَكْفِي فِي بَيَانِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فِي صُورَةٍ بِدُونِ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ ; لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِعِلَّةٍ أُخْرَى غَيْرِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ، فَلَا يَلْزَمُ اسْتِقْلَالُهُ.
وَلِأَجْلِ جَوَازِ كَوْنِ الْحُكْمِ لِعِلَّةٍ أُخْرَى، لَوْ أَبْدَى الْمُعْتَرِضُ أَمْرًا آخَرَ يُخْلِفُ مَا أُلْغِيَ، أَيْ يَقُومُ مَقَامَ الْوَصْفِ الَّذِي أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ بِثُبُوتِ الْحُكْمِ دُونَهُ، فَسَدَ إِلْغَاؤُهُ، وَيُسَمَّى فَسَادُ الْإِلْغَاءِ بِالْوَجْهِ الْمَذْكُورِ: تَعَدُّدَ الْوَضْعِ ; لِتَعَدُّدِ أَصْلِ الْعِلَّةِ. فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ أَثْبَتَ عِلِّيَّةَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ أَوَّلًا، فَلَمَّا أَلْغَاهُ الْمُسْتَدِلُّ، أَثْبَتَ عِلِّيَّةَ وَصْفٍ آخَرَ.
مِثَالُ ذَلِكَ فِي مَسْأَلَةِ أَمَانِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ: أَمَانٌ مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ، فَيَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى أَمَانِ الْحُرِّ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ وَالْعَقْلَ مَظِنَّتَانِ لِإِظْهَارِ مَصَالِحِ الْإِيمَانِ، فَيَصِحُّ تَعْلِيلُ صِحَّةِ الْأَمَانِ بِهِمَا.
فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالْحُرِّيَّةِ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ مَظِنَّةُ الْفَرَاغِ لِلنَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ، فَيَكُونُ الْحُرُّ أَكْمَلَ حَالًا مِنَ الْعَبْدِ فِي النَّظَرِ فِي الْمَصَالِحِ، فَيَكُونُ لِلْحُرِّيَّةِ مَدْخَلٌ فِي صِحَّةِ الْأَمَانِ.
فَيَلْغِي الْمُسْتَدِلُّ الْحَرِيَّةَ بِالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَمَانُهُ مَعَ انْتِفَاءِ الْحُرِّيَّةِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: خَلَفَ الْإِذْنُ الْحُرِّيَّةَ، أَيْ أُقِيمَ الْإِذْنُ فِي الْقِتَالِ مَقَامَ الْحُرِّيَّةِ، إِمَّا لِأَنَّ الْإِذْنَ مَظِنَّةٌ لِبَذْلِ الْوُسْعِ فِي النَّظَرِ، أَوْ لِأَنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْإِذْنَ مِظَنَّةٌ لِعِلْمِ السَّيِّدِ صَلَاحِيَةَ الْعَبْدِ لِإِعْطَاءِ الْأَمَانِ. وَجَوَابُ إِفْسَادِ الْإِلْغَاءِ إِلَى أَنْ يَقِفَ أَحَدُهُمَا، أَعْنِي الْمُسْتَدِلُّ أَوِ الْمُعْتَرِضُ، بِأَنْ يُثْبِتَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا لَا يَتَمَكَّنُ الْمُسْتَدِلُّ مِنْ إِلْغَائِهِ، أَوْ يُلْغِي الْمُسْتَدِلُّ وَصْفَ الْمُعْتَرِضِ فِي صُورَةٍ لَيْسَ فِيهَا مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.
وَلَوْ سَلَّمَ الْمُسْتَدِلُّ كَوْنَ وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ مَظِنَّةً لِلْحُكْمِ الْمُخْتَلِفِ، فَلَا يُفِيدُ بَيَانُ الْإِلْغَاءِ بِضَعْفِ الْمَظِنَّةِ فِي صُورَةٍ ; لِأَنَّ ضَعْفَ الْمَظِنَّةِ فِي صُورَةٍ لَا يُخِلُّ بِالْعِلِّيَّةِ.
مِثْلَ: مَا إِذَا قِيسَتِ الْمُرْتَدَّةُ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي إِبَاحَةِ الْقَتْلِ بِجَامِعِ الرِّدَّةِ. فَيَعْتَرِضُ الْمُعْتَرِضُ بِالرُّجُولِيَّةِ، فَإِنَّهَا مَظِنَّةٌ لِلْإِقْدَامِ عَلَى الْقِتَالِ، فَيُلْغِي الْمُسْتَدِلُّ الرُّجُولِيَّةَ بِالْمَقْطُوعِ الْيَدَيْنِ، فَإِنَّ الرُّجُولِيَّةَ فِيهِ ضَعِيفَةٌ، مَعَ إِبَاحَةِ قَتْلِهِ.
ش - وَلَوْ بَيَّنَ الْمُسْتَدِلُّ رُجْحَانَ الْوَصْفِ الَّذِي عَيَّنَهُ عَلَى وَصْفِ الْمُعَارَضَةِ بِجِهَةٍ مِنَ الْجِهَاتِ الْمُرَجَّحَةِ، أَوْ بَيَّنَ كَوْنَهُ مُتَعَدِّيًا، لَا يَكْفِي فِي بَيَانِ اسْتِقْلَالِ وَصْفِهِ ; لِأَنَّ رُجْحَانَ الْوَصْفِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ، إِذْ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَجِّحَ بَعْضَ أَجْزَاءِ الْعِلَّةِ عَلَى بَعْضٍ، كَمَا فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ أَقْوَى مِنَ الْأَخِيرَيْنِ.
وَكَذَا تَعْدِيَةُ الْوَصْفِ لَا يُفِيدُ الِاسْتِقْلَالَ، إِذِ الْمُتَعَدِّي لَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ رَاجِحًا عَلَى الْقَاصِرِ ; لِأَنَّ الْمُتَعَدِّيَ إِنْ كَانَ رَاجِحًا مِنْ جِهَةِ اتِّسَاعِ الْحُكْمِ، فَالْقَاصِرُ رَاجِحٌ مِنْ جِهَةِ مُوَافِقَةِ الْأَصْلِ.
وَلَوْ سُلِّمَ رُجْحَانُ الْمُتَعَدِّي، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَقِلًّا ; لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْقَاصِرُ جُزْءًا.
وَإِذَا احْتُمِلَ ذَلِكَ، كَانَ الْحُكْمُ بِكَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً تَحَكُّمًا بَاطِلًا.
وَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعَدُّدِ أُصُولِ الْمُسْتَدِلِّ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّدَ ; لِأَنَّ تَعَدُّدَ الْأُصُولِ يُقَوِّي الظَّنَّ بِكَوْنِ وَصْفِ الْمُسْتَدِلِّ عِلَّةً.
ثُمَّ الْمُجَوِّزُونَ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ اقْتِصَارِ الْمُعْتَرِضِ فِي الْمُعَارَضَةِ فِي
ص - السَّادِسَ عَشَرَ: التَّرْكِيبُ، تَقَدَّمَ.
ص - السَّابِعَ عَشَرَ - التَّعْدِيَةُ، وَتَمْثِيلُهَا فِي إِجْبَارِ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ: بِكْرٌ، فَجَازَ إِجْبَارُهَا
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .