المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القسم الثالث من الاستدلال: شرع من قبلنا] - بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٣

[أبو الثناء الأصبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌[أركان القياس الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع]

- ‌[شروط حكم الأصل]

- ‌[شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ]

- ‌[التَّعْلِيلِ بالعلةِالْقَاصِرَةِ]

- ‌[هل النقض قادح في العلة]

- ‌[هل الكسر قادح في العلة]

- ‌[النقض المكسور هل يبطل العلة]

- ‌[العكس]

- ‌[تعليل الحكم بعلتين أَوْ عِلَلٍ كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ]

- ‌[تعليل حكمين بعلة]

- ‌[تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي]

- ‌[تعداد الوصف ووقوعه]

- ‌[هل الحكم ثابت بالعلة أو بالنص]

- ‌[من أركان القياس الفرع]

- ‌[شُرُوطُ الْفَرْعِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[المسلك الأول والثاني الإجماع والنص]

- ‌[المسلك الثالث السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ]

- ‌[قَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا]

- ‌[الْمَقَاصِدُ ضَرْبَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ بِمَفْسَدَةٍ]

- ‌[المناسب مؤثر وملائم وغريب ومرسل]

- ‌[تَثْبُتُ عِلِّيَّةُ الشَّبَهِ بِجَمِيعِ الْمَسَالِكِ]

- ‌[الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ]

- ‌[الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ]

- ‌[جواز التعبد بالقياس]

- ‌[مسلك النظام ورده]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ لَا يَكْفِي فِي التَّعَدِّي دُونَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مسألة جريان القياس في الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ]

- ‌[مسألة جريان القياس في الْأَسْبَابِ]

- ‌[مسألة جريان القياس في جميع الأحكام]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[الاستفسار]

- ‌[فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ]

- ‌[مَنْعُ وُجُودِ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ فِي الْأَصْلِ]

- ‌[مَنْعُ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ]

- ‌[الْقَدْحُ فِي إِفْضَاءِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَقْصُودِ]

- ‌[كَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا]

- ‌[كَوْنُ الوصف غَيْرَ مُنْضَبِطٍ]

- ‌[النَّقْضُ]

- ‌[الْكَسْرُ]

- ‌[الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ]

- ‌[سُؤَالُ التَّرْكِيبِ]

- ‌[التَّعْدِيَةُ]

- ‌[مَنْعُ وَجُود الوصفِ فِي الْفَرْعِ]

- ‌[الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ]

- ‌[الْفَرْقُ]

- ‌[اخْتِلَافُ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[اخْتِلَافُ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ]

- ‌[مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[الْقَلْبُ]

- ‌[الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ]

- ‌[تعدد الاعتراضات]

- ‌[الِاسْتِدْلَالُ]

- ‌[تعريف الاستدلال وأنواعه]

- ‌[القسم الأول مِنَ الِاسْتِدْلَالِ التَلَازُمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عِلَّةٍ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّاني مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: الِاسْتِصْحَابُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: شَرْعُ مِنْ قَبْلَنَا]

- ‌[الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا]

- ‌[مذهب الصحابي]

- ‌[الاستحسان]

- ‌[المصالح المرسلة]

- ‌[الاجتهاد]

- ‌[تعربف الاجتهاد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الاختلاف فِي تَجَزُّؤ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ ظَنًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَطْعُ لَا إِثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ مُحَالٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: لَا يَسْتَقِيمُ لِمُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّات منهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُجْتَهِدُ قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جواز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عليه السلام لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي اجْتِهَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّافِيَ مُطَالَبٌ بِدَلِيلٍ]

- ‌[التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ]

- ‌[تعريف التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا تَقْلِيدٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْوَاقِعَةُ لَمْ يَلْزَمْ تَكْرِيرُ النَّظَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: خُلُوُّ الزَّمَانِ منْ المُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ اتِّفَاقًا]

- ‌[الترجيح]

- ‌[تعريف الترجيح]

- ‌[الترجيح بأمور تتعلق بالسند]

- ‌[الترجيح بأمور تعود على المتن]

- ‌[الترجيح العائد إلى المدلول]

- ‌[الترجيح العائد إلى أمر خارجي]

- ‌[الترجيح بين المعقولين]

- ‌[التَّرْجِيحِ بِأُمُورٍ تَعُودُ إِلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ]

- ‌[الترجيح الْعَائِدُ إِلَى الْفَرْعِ]

- ‌[تَرْجِيحِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ إِذَا تَعَارَضَا]

- ‌[تَرْجِيحِ الحدود السمعية بعضها على بعض]

الفصل: ‌[القسم الثالث من الاستدلال: شرع من قبلنا]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

بِوَاحِدٍ مِنْهَا، فَلَا يَكُونُ دَلِيلًا لِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ.

أَجَابَ بِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالِاسْتِصْحَابِ الْبَقَاءُ، وَالْبَقَاءُ لَا يَكُونُ حُكْمًا شَرْعِيًّا، فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ.

وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْبَقَاءَ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، فَالِاسْتِصْحَابُ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، لِمَا بَيَّنَّا مِنْ إِفَادَتِهِ الظَّنَّ، وَمَا يُفِيدُ الظَّنَّ يَكُونُ دَلِيلًا شَرْعِيًّا.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَصْلُ بَقَاءَ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ، لَكَانَتْ بَيِّنَةُ النَّفْيِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْإِثْبَاتِ.

وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ.

بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ أَنَّ بَيِّنَةَ النَّفْيِ مُؤَيَّدَةٌ بِهَذَا الْأَصْلِ.

أَجَابَ بِأَنَّ بَيِّنَةَ الْإِثْبَاتِ إِنَّمَا كَانَتْ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ النَّفْيِ ; لِأَنَّ الْمُثْبِتَ يَبْعُدُ غَلَطُهُ لِاطِّلَاعِهِ عَلَى سَبَبِ الثُّبُوتِ، فَيَحْصُلُ بِهِ الظَّنُّ، بِخِلَافِ النَّفْيِ فَإِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْغَلَطُ لِإِمْكَانِ حُدُوثِ أَمْرٍ رَافِعٍ لِلنَّفْيِ فِي غَيْبَةِ النَّافِي.

وَالثَّالِثُ: لَا ظَنَّ فِي بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مَا كَانَ مَعَ جَوَازِ الْأَقْيِسَةِ، فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ قِيَاسٌ بِنَفْيِ حُكْمِ مَا كَانَ.

أَجَابَ بِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الِاسْتِصْحَابَ إِنَّمَا يُفِيدُ الظَّنَّ بَعْدَ بَحْثِ الْعَالِمِ عَنِ الْأَقْيِسَةِ، وَعَدَمِ وُجْدَانِ مَا يُعَارِضُ الْأَصْلَ.

[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: شَرْعُ مِنْ قَبْلَنَا]

ش - الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: شَرْعُ مِنْ قَبْلَنَا.

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام قَبْلَ الْبَعْثَةِ، هَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ أَمْ لَا؟

وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ.

وَمِنَ الْأُصُولِيِّينَ مَنْ مَنَعَ تَعَبُّدَهُ بِشَرْعٍ.

ص: 266

شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا

ص - شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا.

الْمُخْتَارُ أَنَّهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ - قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ، قِيلَ: نُوحٌ، وَقِيلَ: إِبْرَاهِيمُ، وَقِيلَ: مُوسَى، وَقِيلَ: عِيسَى، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

وَقِيلَ: مَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ.

وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ.

وَوَقَفَ الْغَزَالِيُّ.

لَنَا: الْأَحَادِيثُ مُتَضَافِرَةٌ: كَانَ يَتَعَبَّدُ، كَانَ يَتَحَنَّثُ، كَانَ يُصَلِّي، كَانَ يَطُوفُ.

ص - وَاسْتَدَلَّ بِأَنَّ مَنْ قَبْلَهُ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ.

وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ.

ص - قَالُوا: لَوْ كَانَ، لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِالْمُخَالَطَةِ أَوْ لَزِمَتْهُ.

قُلْنَا: التَّوَاتُرُ لَا يَحْتَاجُ، وَغَيْرُهُ لَا يُفِيدُ.

وَقَدْ تَمْتَنِعُ الْمُخَالَطَةُ لِمَوَانِعَ، فَيُحْمَلُ عَلَيْهَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

ــ

[الشرح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 267

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَوَقَفَ الْغَزَالِيُّ فِي وُقُوعِ تَعَبُّدِ الرَّسُولِ عليه السلام بِشَرْعٍ.

ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمُثْبِتُونَ:

فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ الشَّرْعُ شَرْعُ نُوحٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْعُ إِبْرَاهِيمَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْعُ مُوسَى.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: شَرْعُ عِيسَى.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْعٌ.

وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِأَنَّ الْأَحَادِيثَ مُتَضَافِرَةٌ، أَيْ مُتَعَاوِنَةٌ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يَتَعَبَّدُ وَكَانَ يَأْتِي غَارَ حِرَاءٍ فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ، أَيْ يَتَعَبَّدُ. وَكَانَ يُصَلِّي، وَكَانَ يَطُوفُ بِبَيْتِ اللَّهِ.

ص: 268

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَهَذِهِ أُمُورٌ لَا يُرْشِدُ إِلَيْهَا الْعَقْلُ، فَلَا مَصِيرَ إِلَيْهَا إِلَّا مِنَ الشَّرْعِ.

ش - وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعٍ، بِأَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَ الرَّسُولِ عليه السلام مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، كَانَ شَرْعًا لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ، وَالرَّسُولُ عليه السلام وَاحِدٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، فَيَكُونُ مُتَعَبِّدًا بِذَلِكَ الشَّرْعِ.

أَجَابَ بِالْمَنْعِ، فَإِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ ; فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ دَعْوَةَ مَنْ قَبْلَهُ تَعُمُّ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ شَرْعَ مَنْ قَبْلَهُ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمُكَلَّفِينَ فَيَجُوزُ انْدِرَاسُ الشَّرَائِعِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِوُجُودِ النَّبِيِّ، عليه السلام.

ش - الْمَانِعُونَ قَالُوا: لَوْ كَانَ الرَّسُولُ عليه السلام قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعٍ، لَقَضَتِ الْعَادَةُ بِمُخَالَطَةِ الرَّسُولِ عليه السلام مَعَ أَهْلِ ذَلِكَ الشَّرْعِ، أَوْ لَزِمَتْهُ الْمُخَالَطَةُ ; لِيَبْحَثَ عَنْ أَوْضَاعِ ذَلِكَ الشَّرْعِ.

أَجَابَ بِأَنَّ مَا تَوَاتَرَ مِنْ ذَلِكَ الشَّرْعِ اسْتَغْنَى عَنِ الْمُخَالَطَةِ، وَغَيْرُ الْمُتَوَاتِرِ لَا يُفِيدُ ; لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.

وَأَيْضًا قَدْ يَمْتَنِعُ الْمُخَالَطَةُ لِمَوَانِعَ، فَيُحْمَلُ عَدَمُ الْمُخَالَطَةِ عَلَى الْمَوَانِعِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ، أَعْنِي الدَّلِيلَ الدَّالَّ عَلَى تَعَبُّدِهِ بِشَرْعٍ، وَالْعَادَةَ الْقَاضِيَةَ بِالْمُخَالَطَةِ.

ش - اخْتَلَفُوا أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام بَعْدَ الْبِعْثَةِ، هَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ أَمْ لَا؟

ص: 269

ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عليه السلام بَعْدَ الْبَعْثِ مُتَعَبِّدٌ بِمَا لَمْ يُنْسَخْ.

لَنَا: مَا تَقَدَّمَ، وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ.

وَأَيْضًا: الِاتِّفَاقُ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ: (النَّفْسُ بِالنَّفْسِ) .

وَأَيْضًا: ثَبَتَ أَنَّهُ قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» "، وَتَلَا:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] . وَهِيَ لِمُوسَى، عليه السلام. وَسِيَاقُهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ.

ص - قَالُوا: لَمْ يُذْكَرْ فِي حَدِيثِ مُعَاذٍ رضي الله عنه وَصَوَّبَهُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ تَرَكَهُ، إِمَّا لِأَنَّ الْكِتَابَ يَشْمَلُهُ، أَوْ لِقِلَّتِهِ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ.

قَالُوا: لَوْ كَانَ، لَوَجَبَ تَعَلُّمُهَا، وَالْبَحْثُ عَنْهَا.

قُلْنَا: الْمُعْتَبَرُ الْمُتَوَاتِرُ، فَلَا يَحْتَاجُ.

قَالُوا: الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ شَرِيعَتَهُ عليه السلام نَاسِخَةٌ.

قُلْنَا: لِمَا خَالَفَهَا، وَإِلَّا لَوَجَبَ نَسْخُ وُجُوبِ الْإِيمَانِ وَتَحْرِيمُ الْكُفْرِ.

ــ

[الشرح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 270

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ عليه السلام بَعْدَ الْبِعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ فِيمَا لَمْ يُنْسَخْ مِنَ الْأَحْكَامِ الْبَاقِيَةِ فِي شَرِيعَتِهِ.

وَاحْتَجَّ عَلَيْهِ بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام قَبْلَ الْبَعْثَةِ مُتَعَبِّدٌ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، وَالْأَصْلُ بَقَاءُ تَعَبُّدِهِ عَلَى مَا كَانَ، مَا لَمْ يَظْهَرْ مُعَارِضٌ لَهُ.

الثَّانِي: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى صِحَّةِ الِاسْتِدْلَالِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] ، وَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ.

وَلَوْلَا التَّعَبُّدُ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، لَمَا صَحَّ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَالَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: " «مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا، فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا» "، وَتَلَا قَوْلَهُ - تَعَالَى:{وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [طه: 14] .

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَهَذِهِ الْآيَةُ خِطَابٌ لِمُوسَى، عليه السلام.

وَسِيَاقُ كَلَامِ النَّبِيِّ عليه السلام مِنْ تِلَاوَةِ مَا أُوجِبَ عَلَى مُوسَى، بَعْدَ إِيجَابِهِ مِثْلَهُ عَلَى الْأُمَّةِ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِهِ. وَلَوْلَا التَّعَبُّدُ بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، لَمَا قَرَأَهَا الرَّسُولُ عليه السلام فِي مَعْرِضِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ.

ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَعَبُّدِ الرَّسُولِ عليه السلام بَعْدَ الْبِعْثَةِ بِشَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: أَنَّ مُعَاذًا لَمْ يَذْكُرْ فِي حَدِيثِهِ شَيْئًا مِنْ كُتُبِ الْأَوَّلِينَ وَسُنَنِهِمْ عِنْدَ ذِكْرِهِ مَدَارِكَ الْأَحْكَامِ، وَصَوَّبَهُ الرَّسُولُ، عليه السلام. فَلَوْ كَانَ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا مُدْرِكًا لِلْأَحْكَامِ، لَوَجَبَ عَلَى الرَّسُولِ عليه السلام إِظْهَارُهُ لِمُعَاذٍ حِينَ تَرَكَهُ.

أَجَابَ بِأَنَّ مُعَاذًا إِنَّمَا تَرَكَهُ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَشْمَلُهُ ; لِأَنَّهُ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْقُرْآنِ، يُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ، أَوْ لِأَنَّ مُدْرِكَ الْأَحْكَامِ مِنْ كُتُبِ الْمُتَقَدِّمِينَ قَلِيلٌ.

وَإِنَّمَا حُمِلَ عَلَى هَذَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، أَيْ بَيْنَ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَأَدِلَّةِ التَّعَبُّدِ.

الثَّانِي: أَنَّهُ عليه السلام لَوْ كَانَ بَعْدَ الْبِعْثَةِ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ، لَوَجَبَ عَلَيْنَا تَعَلُّمُهَا وَالْبَحْثُ عَنْهَا، كَمَا وَجَبَ تَعَلُّمُ الْقُرْآنَ وَالْأَخْبَارِ وَالْبَحْثُ عَنْهَا، وَلَمْ يَجِبْ تَعَلُّمُهَا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِهِ.

أَجَابَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ مِنْهَا الْمُتَوَاتِرُ، وَهُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعَلُّمٍ وَبَحْثٍ ; لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لِلرَّسُولِ عليه السلام وَلِلصَّحَابَةِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ شَرِيعَةَ نَبِيِّنَا

ص: 272

ص - (مَسْأَلَةٌ) : مَذْهَبُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ حُجَّةً عَلَى صَحَابِيٍّ اتِّفَاقًا، وَالْمُخْتَارُ: وَلَا عَلَى غَيْرِهِمْ.

وَلِلشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ - قَوْلَانِ فِي أَنَّهُ حُجَّةٌ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْقِيَاسِ.

وَقَالَ قَوْمٌ: إِنْ خَالَفَ الْقِيَاسَ.

وَقِيلَ: الْحُجَّةُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، رضي الله عنهما.

لَنَا: لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُ.

وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِمْ، لَكَانَ قَوْلُ الْأَعْلَمِ الْأَفْضَلِ حُجَّةً عَلَى غَيْرِهِ، إِذْ لَا يُقَدَّرُ فِيهِمْ أَكْثَرُ.

ص - وَاسْتَدَلَّ: لَوْ كَانَ حُجَّةً، لَتَنَاقَضَتِ الْحُجَجُ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ التَّرْجِيحَ أَوِ الْوَقْفَ أَوِ التَّخْيِيرَ يَدْفَعُهُ كَغَيْرِهِ.

ــ

[الشرح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 273