الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْقَطْعَ.
نَعَمْ، لَوْ قَدَّرْنَا وُجُودَ قَدْرِ الْحِكْمَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي مَحَلِّ النَّقْضِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ، وَإِنْ بَعُدَ هَذَا التَّقْدِيرُ؛ لِعُسْرِ الِاطِّلَاعِ عَلَى قَدْرِ الْحِكْمَةِ، أَبْطَلَ الْكَسْرُ الْعِلَّةَ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَقَعُ التَّعَارُضُ بَيْنَهُمَا، إِلَّا أَنْ يَثْبُتَ حُكْمٌ آخَرُ فِي مَحَلِّ النَّصِّ أَلْيَقُ بِالْحِكْمَةِ مِنَ الْحُكْمِ الْمُخْتَلِفِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُبْطِلُ الْكَسْرُ الْعِلَّةَ.
مَثَلًا: لَوْ عَلَّلَ وُجُوبَ قَطْعِ الْيَدِ قِصَاصًا بِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، فَيَعْتَرِضُ الْخَصْمُ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانَ، فَإِنَّ حِكْمَتَهُ أَزْيَدُ ثَمَّةَ لَوْ قُطِعَ، وَمَعَ هَذَا لَمْ يَجِبِ الْقَطْعُ.
فَيَقُولُ الْمُعَلِّلُ: ثَبَتَ فِيهِ حُكْمٌ أَلْيَقُ بِحِكْمَةِ الزَّجْرِ، تَحْصُلُ حِكْمَةُ الزَّجْرِ بِذَلِكَ الْحُكْمِ وَزِيَادَةٍ، وَهُوَ الْقَتْلُ.
[النقض المكسور هل يبطل العلة]
ش - اخْتَلَفُوا فِي النَّقْضِ الْمَكْسُورِ، وَهُوَ نَقْضُ بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ، أَيْ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْ بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ.
وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْعِلَّةَ، مِثَالُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي بَيْعِ الْغَائِبِ: مَبِيعٌ مَجْهُولُ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، فَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ، قِيَاسًا عَلَى مَا إِذَا قَالَ: بِعْتُ عَبْدًا مِنْ عَبِيدِي، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ بِالِاتِّفَاقِ، وَالْعِلَّةُ كَوْنُ الْمَبِيعِ مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ.
فَيَعْتَرِضُ الْحَنَفِيُّ بِمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَمْ يَرَهَا، فَإِنَّ الْجَهْلَ بِالصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ مُتَحَقِّقٌ مَعَ صِحَّةِ الْعَقْدِ، فَتَخَلَّفَ الْحُكْمُ عَنْ بَعْضِ أَوْصَافِ الْعِلَّةِ.
وَاحْتَجَّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِأَنَّ الْعِلَّةَ مَجْمُوعُ الْأَوْصَافِ لَا بَعْضُهَا، يَعْنِي مَجْمُوعَ كَوْنِهِ مَبِيعًا مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، لَا مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ فَقَطْ، فَلَا نَقْضَ لِلْعِلَّةِ، أَيْ لَمْ يَلْزَمْ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ.
فَإِنْ بَيَّنَ الْحَنَفِيُّ عَدَمَ تَأْثِيرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا، كَانَ وَصْفُ كَوْنِهِ مَبِيعًا كَالْعَدَمِ ; لِانْتِفَاءِ تَأْثِيرِهِ، فَيَكُونُ الْعِلَّةُ حِينَئِذٍ كَوْنَهُ مَجْهُولَ الصِّفَةِ عِنْدَ الْعَاقِدِ، فَيَصِحُّ النَّقْضُ ; لِتَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنِ الْعِلَّةِ.
وَمُجَرَّدُ ذِكْرِ كَوْنِهِ مَبِيعًا لَا يُفِيدُ دَفْعَ النَّقْضِ، مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ تَأْثِيرُهُ فِي الْعِلِّيَّةِ.
[العكس]
ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الْعِلَّةَ، هَلْ هِيَ مَشْرُوطَةٌ بِالْعَكْسِ أَمْ لَا؟ وَالْعَكْسُ: انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وَاشْتِرَاطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ.
فَمَنْ مَنَعَ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ، اشْتَرَطَ الْعَكْسَ فِي الْعِلَّةِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ لِلْحُكْمِ إِلَّا دَلِيلٌ وَاحِدٌ، فَيَلْزَمُ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ. وَنَعْنِي بِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ بِهِ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ انْتِفَاءُ الصَّانِعِ، بَلِ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِهِ.
وَمَنْ جَوَّزَ تَعْلِيلَ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ، لَمْ يَشْتَرِطِ الْعَكْسَ فِي الْعِلَّةِ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ دَلِيلٍ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ بِالْمَدْلُولِ لِجَوَازِ تَحَقُّقِ دَلِيلٍ آخَرَ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ.
[تعليل الحكم بعلتين أَوْ عِلَلٍ كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ]
ش - اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ بِعِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ بِالْعِلِّيَّةِ عَلَى خَمْسَةِ مَذَاهِبَ:
أَوَّلُهَا: يَجُوزُ مُطْلَقًا، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ.
وَثَانِيهَا: لَا يَجُوزُ مُطْلَقًا.
وَثَالِثُهَا: يَجُوزُ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ، لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْقَاضِي.
وَرَابِعُهَا: عَكْسُهُ، أَيْ يَجُوزُ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ، لَا الْمَنْصُوصَةِ.
وَخَامِسُهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ، وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ، وَهُوَ مُخْتَارُ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ عِنْدَهُ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَجُزْ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ، كُلٌّ مِنْهَا
ص - وَأَمَّا الْعَكْسُ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، فَاشْتِرَاطُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مَنْعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ ; لِانْتِفَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ انْتِفَاءِ دَلِيلِهِ.
وَنَعْنِي انْتِفَاءَ الْعِلْمِ أَوِ الظَّنِّ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ انْتِفَاءِ الدَّلِيلِ عَلَى الصَّانِعِ انْتِفَاؤُهُ.
ص - وَفِي تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ عِلَلٍ، كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ، ثَالِثُهَا لِلْقَاضِي: يَجُوزُ فِي الْمَنْصُوصَةِ لَا الْمُسْتَنْبَطَةِ، وَرَابِعُهَا عَكْسُهُ.
وَمُخْتَارُ الْإِمَامِ: يَجُوزُ وَلَكِنْ لَمْ يَقَعْ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
لَنَا: لَوْ لَمْ يَجُزْ، لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ وَقَعَ، فَإِنَّ اللَّمْسَ وَالْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْمَذْيَ يَثْبُتُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا الْحَدَثُ، وَالْقِصَاصَ وَالرِّدَّةَ يَثْبُتُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْقَتْلُ.
قَوْلُهُمْ: الْأَحْكَامُ مُتَعَدِّدَةٌ، وَلِذَلِكَ يَنْتَفِي قَتْلُ الْقِصَاصِ وَيَبْقَى الْآخَرُ، وَبِالْعَكْسِ.
قُلْنَا: إِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى أَحَدِ دَلِيلَيْهِ لَا تُوجِبُ تَعَدُّدًا، وَإِلَّا لَزِمَ مُغَايِرَةَ حَدَثِ الْبَوْلِ لِحَدَثِ الْغَائِطِ.
وَأَيْضًا: لَوِ امْتَنَعَ، لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ ; لِأَنَّهَا أَدِلَّةٌ.
ص - الْمَانِعُ: لَوْ جَازَ لَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَقِلَّةٍ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ ; لِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا، فَإِذَا انْفَرَدَتْ، ثَبَتَ الْحُكْمُ بِهَا، فَإِذَا تَعَدَّدَتْ، تَنَاقَضَتْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا أَنَّهَا إِذَا انْفَرَدَتِ اسْتَقَلَّتْ، فَلَا تَنَاقُضَ فِي التَّعَدُّدِ.
قَالُوا: لَوْ جَازَ، لَاجْتَمَعَ الْمِثْلَانِ، فَيَسْتَلْزِمُ النَّقِيضَيْنِ ; لِأَنَّ الْمَحَلَّ يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا غَيْرَ مُسْتَغْنٍ، وَفِي التَّرْتِيبِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
قُلْنَا: فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ، فَأَمَّا مَدْلُولُ الدَّلِيلَيْنِ فَلَا.
قَالُوا: لَوْ جَازَ، لَمَا تَعَلَّقَ الْأَئِمَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِالتَّرْجِيحِ ; لِأَنَّ مِنْ ضَرُورَتِهِ صِحَّةَ الِاسْتِقْلَالِ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلْإِبْطَالِ، لَا لِلتَّرْجِيحِ، وَلَوْ سُلِّمَ، فَلِلْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا، وَإِلَّا لَزِمَ جَعْلُهَا أَجْزَاءً.
ص - الْقَاضِي: لَا بُعْدَ فِي الْمَنْصُوصَةِ.
وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ، فَتَسْتَلْزِمُ الْجُزْئِيَّةَ لِدَفْعِ التَّحَكُّمِ،
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مُسْتَقِلَّةٌ، لَمْ يَقَعْ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; لِأَنَّ الْوُقُوعَ دَلِيلُ الْجَوَازِ، وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي ; فَلِأَنَّ اللَّمْسَ وَالْبَوْلَ وَالْغَائِطَ وَالْمَذْيَ كُلٌّ مِنْهَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلْحَدَثِ.
وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ وَالرِّدَّةِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلْقَتْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: النِّزَاعُ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ، وَفِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ الْأَحْكَامُ مُتَعَدِّدَةٌ ; لِأَنَّ الْقَتْلَ بِالرِّدَّةِ غَيْرُ الْقَتْلِ بِالْقِصَاصِ، فَلِذَلِكَ يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالرِّدَّةِ، وَيَبْقَى الْآخَرُ فِيمَا إِذَا كَانَ الْقَاتِلُ ارْتَدَّ بَعْدَ الْقَتْلِ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْلَ الْقِصَاصِ، فَإِنَّ الْقَتْلَ بِالرِّدَّةِ انْتَفَى وَيَبْقَى الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ، وَبِالْعَكْسِ، أَيْ يَنْتَفِي الْقَتْلُ بِالْقِصَاصِ وَيَبْقَى الْآخَرُ فِيمَا إِذَا عَفَا الْوَلِيُّ عَنِ الْقِصَاصِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْحُكْمَ وَاحِدٌ، وَالتَّعَدُّدَ فِي إِضَافَتِهِ إِلَى الْعِلَلِ الْمُتَعَدِّدَةِ، وَإِضَافَةُ الشَّيْءِ إِلَى أَحَدِ دَلَائِلِهِ وَعَدَمُ إِضَافَتِهِ إِلَى دَلِيلٍ آخَرَ لَا يُوجِبُ التَّعَدُّدَ فِي الشَّيْءِ.
وَلَوْ كَانَ تَعَدُّدُ إِضَافَةِ الشَّيْءِ إِلَى عِلَلِهِ يُوجِبُ تَعَدُّدَهُ، لَلَزِمَ مُغَايِرَةُ حَدَثِ الْبَوْلِ لِحَدَثِ الْغَائِطِ ; لِتَعَدُّدِ إِضَافَتِهِ إِلَى عِلَلِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوِ امْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْعِلَّةِ، لَامْتَنَعَ تَعَدُّدُ الْأَدِلَّةِ ; لِأَنَّ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْعِلَلَ أَيْضًا أَدِلَّةٌ لِكَوْنِهَا مَعْرِفَةً لِلْأَحْكَامِ.
وَالتَّالِي بَاطِلٌ بِاتِّفَاقٍ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ أَدِلَّةٌ.
ش - الْمَانِعُونَ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ احْتَجُّوا بِثَلَاثَةِ وُجُوهٍ:
الْأَوَّلُ: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ، لَكَانَتْ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٍ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ، وَالتَّالِي ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَالْمُقَدَّمُ مِثْلُهُ.
بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِ الْعِلَّةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِهَا بِانْفِرَادِهَا، فَإِذَا تَعَدَّدَتِ الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ، ثَبَتَ الْحُكْمُ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا ; لِأَنَّهَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وَلَمْ يَثْبُتْ بِكُلٍّ مِنْهَا; لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ.
أَجَابَ بِأَنَّ مَعْنَى اسْتِقْلَالِهَا أَنَّهَا إِذَا انْفَرَدَتْ، اسْتَقَلَّتْ فِي الْعِلِّيَّةِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا حَالَةَ الِانْفِرَادِ مُسْتَقِلَّةً، وَحَالَةَ الِاجْتِمَاعِ غَيْرَ مُسْتَقِلَّةٍ، فَلَا يَلْزَمُ التَّنَاقُضُ فِي حَالَةِ التَّعَدُّدِ لِعَدَمِ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا حِينَئِذٍ، وَالتَّنَاقُضُ إِنَّمَا نَشَأَ مِنَ اسْتِقْلَالِهَا حَالَةَ التَّعَدُّدِ.
وَالثَّانِي: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ أَوْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُحَالٌ، أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّرْتِيبِ، فَإِنْ كَانَتَا مَعًا، يَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ ; لِأَنَّ وُجُودَ الْعِلَّةِ الْمُسْتَقِلَّةِ مَلْزُومَةٌ لِمَعْلُولِهَا، فَيَلْزَمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِثْلُ مَا لَزِمَ مِنَ الْأُخْرَى، فَيَلْزَمُ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ.
وَإِنْ كَانَتَا عَلَى التَّرْتِيبِ، يَلْزَمُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ.
أَمَّا بَيَانُ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا بَيَانُ اسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ ; فَلِأَنَّهُ يَلْتَزِمُ التَّنَاقُضَ ; لِأَنَّ مَحَلَّ التَّعْلِيلِ، يَعْنِي الْحُكْمَ، يَكُونُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، غَيْرَ مُسْتَغْنٍ ; لِأَنَّ حُصُولَ الْحُكْمِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا يُوجِبُ الِاسْتِغْنَاءَ عَنِ الْأُخْرَى.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْجَمْعُ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَعِيَّةِ، وَلَا تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِالتَّرْتِيبِ، إِذْ لَوْ حَصَلَتِ الْعِلَّتَانِ مَعًا أَوْ تَرَتَّبَا، فَإِنْ كَانَ تَأْثِيرُ الْكُلِّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مُعَيَّنٍ، كَانَ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ، وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِهِ لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ اخْتِصَاصَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ بِالتَّرْتِيبِ ظَاهِرٌ ; لِأَنَّ الْعِلَّتَيْنِ إِذَا حَصَلَتَا مَعًا، كَانَ فِعْلُهُمَا أَيْضًا مَعًا، فَلَا يُتَصَوَّرُ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ فِي فِعْلِ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ; لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ إِنَّمَا يُتَصَوَّرُ إِذَا حَصَلَ شَيْءٌ بَعْدَ حُصُولِهِ مَرَّةً أُخْرَى.
وَأَمَّا اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ، وَإِنْ كَانَ لَا اخْتِصَاصَ لَهُ بِالْمَعِيَّةِ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَلْزِمًا لِتَحْصِيلِ الْحَاصِلِ، وَتَحْصِيلُ الْحَاصِلِ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنَ اجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، لَمْ يَتَعَرَّضْ فِي التَّرْتِيبِ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ، بَلْ بَيَّنَ اسْتِلْزَامَهُ لِمَا هُوَ أَظْهَرُ فَسَادًا مِنْهُ.
ثُمَّ قَالَ: وَأَيْضًا لَمْ يَحْتَجْ فِي لُزُومِ الِاسْتِغْنَاءِ وَعَدَمِهِ إِلَى تَوَسُّطِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمِثْلَيْنِ، وَهُوَ حَقٌّ.
أَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِأَنَّ اجْتِمَاعَ الْمِثْلَيْنِ أَوْ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ إِنَّمَا يَلْزَمُ مِنَ الْعِلَّتَيْنِ الْمُسْتَقِلَّتَيْنِ فِي الْعِلَلِ الْعَقْلِيَّةِ الْمُفِيدَةِ لِوُجُودِ الْمَعْلُولِ، وَأَمَّا فِي الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي هِيَ دَلَائِلُ الْأَحْكَامِ فَلَا; لِأَنَّهُ جَازَ أَنْ يَكُونَ لِمَدْلُولٍ وَاحِدٍ دَلِيلَانِ، أَوْ دَلَائِلُ.
الثَّالِثُ: لَوْ جَازَ تَعْلِيلُ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ عِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ، لَمَا تَعَلَّقَتِ الْأَئِمَّةُ فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِالتَّرْجِيحِ، يَعْنِي تَرْجِيحَ عِلَلِهَا مِنَ الطَّعْمِ وَالْقُوتِ وَالْكَيْلِ، بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُمْ تَعَلَّقُوا بِالتَّرْجِيحِ.
بَيَانُ الْمُلَازِمَةِ: أَنَّ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ أَوْ عِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ، صِحَّةَ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْهَا بِالْعِلِّيَّةِ، وَالتَّرْجِيحُ يُنَافِي صِحَّةَ الِاسْتِقْلَالِ ; لِأَنَّهُ إِذَا صَحَّ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، جَازَ أَنْ يَكُونَ الْجَمِيعُ عِلَّةً، فَلَا وَجْهَ لِلتَّرْجِيحِ.
أَجَابَ بِأَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلطَّعْمِ وَالْقُوتِ وَالْكَيْلِ ; لِإِبْطَالِ كَوْنِ الْغَيْرِ عِلَّةً بِالتَّرْجِيحِ.
وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ ; لِامْتِنَاعِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، بَلْ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا، أَيْ فِي الرِّبَا، وَإِلَّا - أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ - لَزِمَ جَعْلُهَا - أَيْ جَعْلُ عِلَلِ الرِّبَا - أَجْزَاءً لِلْعِلَّةِ ; لِأَنَّهُمْ لَمَّا أَجْمَعُوا عَلَى اتِّحَادِ الْعِلَّةِ هَاهُنَا، لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُجْعَلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً.
فَلَوْ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلتَّرْجِيحِ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرَّاجِحُ لِلْعَلِيَّةِ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهَا جُزْءَ عِلَّةٍ ; لِأَنَّ جَعْلَ أَحَدِهِمَا عِلَّةً مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ مُحَالٌ، وَلَا قَائِلَ بِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهَا جُزْءَ عِلَّةٍ.
ش - قَالَ الْقَاضِي: لَا بُعْدَ فِي الْعِلَّةِ الْمَنْصُوصَةِ أَنْ تَكُونَ مُتَعَدِّدَةً ; لِأَنَّهُ إِذَا نَصَّ الشَّارِعُ عَلَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، جُعِلَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَامَةً لِلْحُكْمِ.
وَأَمَّا الْعِلَّةُ الْمُسْتَنْبَطَةُ فَإِنَّهَا إِذَا تَعَدَّدَتْ، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جُزْءًا لِلْعِلَّةِ; لِأَنَّ الْمُسْتَنْبِطَ إِذَا اسْتَنْبَطَ فِي الْأَصْلِ وَصْفَيْنِ، يَصْلُحُ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلْعِلَّةِ، فَإِنْ عُيِّنَ بِالنَّصِّ عِلِّيَّةُ كُلٍّ مِنْهُمَا، رَجَعَتِ الْعِلَّةُ مَنْصُوصَةً، وَالتَّقْدِيرُ بِخِلَافِهِ.
وَإِذَا لَمْ يُعَيَّنْ بِالنَّصِّ عِلِّيَّةُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَإِنْ أُسْنِدَ الْحُكْمُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، لَزِمَ التَّحَكُّمُ، وَإِنْ أُسْنِدَ إِلَى كُلٍّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، غَيْرَ مُسْتَغْنٍ، فَيَلْزَمُ التَّنَاقُضُ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يُسْنَدَ الْحُكْمُ إِلَيْهِمَا مَعًا، فَيَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جُزْءًا لِلْعِلَّةِ.
أَجَابَ بِأَنَّهُ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مَحَالِّ أَفْرَادِهَا، أَيْ ثَبَتَ الْحُكْمُ فِي مَحَالِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ، فَيُسْتَنْبَطُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةُ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى سَبِيلِ الِاجْتِمَاعِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، فَلَا يَلْزَمُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ كُلِّ
فَإِنْ عُيِّنَتْ بِالنَّصِّ، رَجَعَتْ مَنْصُوصَةً.
وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ الْحُكْمُ فِي مَحَالِّ أَفْرَادِهَا، فَتُسْتَنْبَطُ.
ص - الْعَاكِسُ: الْمَنْصُوصَةُ قَطْعِيَّةٌ، وَالْمُسْتَنْبَطَةُ وَهْمِيَّةٌ، فَقَدْ يَتَسَاوَى الْإِمْكَانُ، وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ.
ص - وَقَالَ الْإِمَامُ: إِنَّهُ النِّهَايَةُ الْقُصْوَى وَفَلَقُ الصُّبْحِ، لَوْ لَمْ يَكُنْ مُمْتَنِعًا شَرْعًا، لَوَقَعَ عَادَةً، وَلَوْ نَادِرًا ; لِأَنَّ إِمْكَانَهُ وَاضِحٌ، وَلَوْ وَقَعَ، لَعُلِمَ، ثُمَّ ادَّعَى تَعَدُّدَ الْأَحْكَامِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
ص - الْقَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ إِذَا اجْتَمَعَتْ فَالْمُخْتَارُ: كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ.
وَقِيلَ: جُزْءٌ، وَقِيلَ: الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا.
لَنَا: لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً، لَكَانَتْ جُزْءًا، أَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً، وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ، وَالثَّانِي لِلتَّحَكُّمِ.
وَأَيْضًا: لَامْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَاحِدٍ مِنْهَا وَعَدَمُ اسْتِغْنَائِهِ عَنْهَا عِنْدَ اجْتِمَاعِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْعِلَلِ الْمُسْتَنْبَطَةِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَلَا يَكُونَ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ:" الْمُسْتَنْبَطَةِ إِنْ كَانَتْ مُتَعَدِّدَةً، يَلْزَمُ الْجُزْئِيَّةَ " أَنَّهُ يَلْزَمُ الْجُزْئِيَّةَ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، أَوْ عِنْدَ الِانْفِرَادِ، وَالْأَوَّلُ مُسَلَّمٌ، وَالثَّانِي مَمْنُوعٌ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِانْفِرَادِ، لِمَا ذَكَرْنَا.
وَأَيْضًا: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ، وَيَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ.
ش - الْعَاكِسُ - أَيِ الْقَائِلُ بِجَوَازِ التَّعْلِيلِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ فِي الْمُسْتَنْبَطَةِ دُونَ الْمَنْصُوصَةِ - احْتَجَّ بِأَنَّ الْمَنْصُوصَةَ قَطْعِيَّةٌ، فَلَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ، أَوْ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ عَلَى سَبِيلِ الْقَطْعِ.
وَأَمَّا الْمُسْتَنْبَطَةُ فِعِلِّيَّتُهَا وَهْمِيَّةٌ، أَيْ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ، فَقَدْ يَتَسَاوَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْإِمْكَانُ، أَيْ إِمْكَانُ التَّعْلِيلِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، فَلَا يُمْكِنُ أَلَّا يُجْعَلَ وَاحِدَةٌ مِنْهَا عِلَّةً، لِبَقَاءِ الْحُكْمِ بِلَا عِلَّةٍ، وَلَا أَنْ يُجْعَلَ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِلتَّسَاوِي، وَلَا أَنْ يُجْعَلَ الْمَجْمُوعُ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً ; لِثُبُوتِ الِاسْتِقْلَالِ فِي مَحَالِّ أَفْرَادِهَا، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً.
وَجَوَابُهُ وَاضِحٌ، لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمَنْصُوصَةَ قَطْعِيَّةٌ، وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهَا قَطْعِيَّةٌ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ الْقَطْعِيَّةِ مُحَالٌ ; لِأَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ دَلَائِلُ، وَيَجُوزُ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ الْقَطْعِيَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ.
ش - قَالَ إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إِمْكَانُ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ عَقْلًا وَامْتِنَاعُهُ شَرْعًا هُوَ النِّهَايَةُ الْقُصْوَى وَفَلَقُ الصُّبْحِ فِي الْوُضُوحِ ; لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَمْتَنِعْ شَرْعًا، لَوَقَعَ عَادَةً، وَلَوْ عَلَى سَبِيلِ النُّدْرَةِ ; لِأَنَّ إِمْكَانَهُ عَقْلًا وَاضِحٌ، وَلَوْ وَقَعَ، لَعُلِمَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُعْلَمْ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَلَمْ يَقَعْ، فَيَكُونُ مُمْتَنِعًا ضَرْعًا.
ثُمَّ ادَّعَى الْإِمَامُ تَعَدُّدَ الْأَحْكَامِ فِي الصُّورَةِ السَّابِقَةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُقُوعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ.
وَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَذْهَبَ الْإِمَامِ الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ، لَا الشَّرْعِيُّ.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ، وَالتَّعَدُّدُ فِي الْإِضَافَةِ، لَا فِي الْأَحْكَامِ، كَمَا ذَكَرْنَا.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ مَعْلُومًا، لَمْ يَتَعَرَّضِ الْمُصَنِّفُ لَهُ.
ش - الْقَائِلُونَ بِوُقُوعِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَلٍ، كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةٌ، اخْتَلَفُوا فِيمَا إِذَا اجْتَمَعَتِ الْعِلَلُ الْمُسْتَقِلَّةُ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ، كَاجْتِمَاعِ اللَّمْسِ وَالْمَسِّ وَالْمَذْيِ عَلَى نَقْضِ الْوُضُوءِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ عِلَّةٌ، وَقِيلَ: إِنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ جُزْءُ عِلَّةٍ، وَقِيلَ: الْعِلَّةُ وَاحِدَةٌ لَا بِعَيْنِهَا. وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ لَوْ لَمْ تَكُنْ عِلَّةً، لَكَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ جُزْءَ عِلَّةٍ، أَوْ كَانَتِ الْعِلَّةُ وَاحِدَةً، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ التَّالِيَيْنِ بَاطِلٌ.
أَمَّا الْمُلَازَمَةُ فَظَاهِرَةٌ ; إِذْ لَا قَائِلَ بِغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي الْأَوَّلَ ; فَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ جُزْءًا، لَمْ تَكُنْ مُسْتَقِلَّةً، وَقَدْ ثَبَتَ الِاسْتِقْلَالُ.
وَأَمَّا بُطْلَانُ التَّالِي الثَّانِيَ فَلِلُزُومِ التَّحَكُّمِ ; إِذْ لَا أَوْلَوِيَّةَ لِوَاحِدَةٍ مِنْهَا، لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مُسْتَقِلَّةً.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: ثُبُوتُ الِاسْتِقْلَالِ حَالَةَ الِانْفِرَادِ، لَا حَالَةَ الِاجْتِمَاعِ، فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُ التَّالِي الْأَوَّلَ.
ص - الْقَائِلُ بِالْجُزْءِ: لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مُسْتَقِلَّةً، لَاجْتَمَعَ الْمِثْلَانِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَأَيْضًا: لَزِمَ التَّحَكُّمُ ; لِأَنَّهُ إِنْ ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، فَهُوَ الْمُدَّعَى، وَإِلَّا لَزِمَ التَّحَكُّمُ.
وَأُجِيبَ: ثَبَتَ بِالْجَمِيعِ، كَالْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالسَّمْعِيَّةِ.
ص - الْقَائِلُ لَا بِعَيْنِهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ، لَزِمَ التَّحَكُّمُ أَوِ الْجُزْئِيَّةُ، فَتَتَعَيَّنُ.
ص - وَالْمُخْتَارُ: جَوَازُ تَعْلِيلِ حُكْمَيْنِ بِعِلَّةٍ بِمَعْنَى الْبَاعِثِ،
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، امْتَنَعَ اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ عَلَى مَدْلُولٍ وَاحِدٍ، وَالتَّالِي بَاطِلٌ.
بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ: أَنَّ الْعِلَلَ الشَّرْعِيَّةَ أَدِلَّةٌ لِلْحُكْمِ.
ش - الْقَائِلُ بِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا جُزْءُ الْعِلَّةِ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ احْتَجَّ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: لَوْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ، لَزِمَ اجْتِمَاعُ الْمِثْلَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْمُلَازَمَةِ وَانْتِفَاءِ التَّالِي.
وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي الدَّلِيلِ الثَّانِي لِلْمَانِعِينَ مِنْ جَوَازِ تَعْلِيلِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ بِعِلَّتَيْنِ مُسْتَقِلَّتَيْنِ، وَلَا يَحْصُلُ مُدَّعَى الْقَائِلِ بِالْجُزْءِ إِلَّا بَعْدَ