الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مِثْلَ تَعْلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ بِالْمَشَقَّةِ، وَقَطْعِ السَّارِقِ بِالزَّجْرِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُعَلَّلَ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَإِنَّهَا غَيْرُ مُنْضَبِطَةٍ، تَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ وَالْأَحْوَالِ.
وَمَا هَذَا شَأْنُهُ، فَعَادَةُ الشَّارِعِ فِيهِ رَدُّ النَّاسِ إِلَى الْأَوْصَافِ الْمُنْضَبِطَةِ احْتِرَازًا عَنِ الْعُسْرِ وَالْحَرَجِ.
وَجَوَابُ هَذَا الِاعْتِرَاضِ إِمَّا بِأَنْ يُبَيِّنَ الْمُسْتَدِلُّ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُعَلَّلَ بِهِ مُنْضَبِطٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِضَابِطٍ لِلْحِكْمَةِ، كَضَبْطِ الْحَرَجِ بِالسَّفَرِ، وَنَحْوِهِ كَالْمَرَضِ.
[النَّقْضُ]
ش - الِاعْتِرَاضُ الثَّالِثَ عَشَرَ: النَّقْضُ، وَهُوَ وُجُودُ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ مَعَ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ عَنْهُ.
مِثَالُهُ: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ زَكَاةِ الْحُلِيِّ: الْحُلِيُّ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ، فَلَا يَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، قِيَاسًا عَلَى ثِيَابِ الْبِذْلَةِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: هَذَا مَنْقُوضٌ بِالْحُلِيِّ الْغَيْرِ الْمُبَاحِ، فَإِنَّهُ مَالٌ غَيْرُ نَامٍ مَعَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ، وَدَفْعُهُ إِمَّا بِمَنْعِ وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، وَإِمَّا بِمَنْعِ تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِيهَا.
فَإِذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ يُمْكِنُ الْمُعْتَرِضَ مُطْلَقًا ; لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا يَتَقَرَّرُ بِالدَّلَالَةِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُطْلَقًا ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَرِضُ مُسْتَدِلًّا.
وَثَالِثُهَا: يُمْكِنُ الْمُعْتَرِضَ فِي الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ ; لِأَنَّهُ يَقْدَحُ فِيهِ،
مِنْ نَقْضِ الْعِلَّةِ إِلَى نَقْضِ دَلِيلِهَا.
وَفِيهِ نَظَرٌ.
أَمَّا لَوْ قَالَ: يَلْزَمُكَ إِمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِكِ، أَوِ انْتِقَاضُ دَلِيلِهَا، كَانَ مُتَّجِهًا.
وَلَوْ مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ، فَفِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ، (ثَالِثُهَا) : يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ (طَرِيقٌ أَوْلَى)، وَالْمُخْتَارُ: لَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنَ النَّقْضِ.
وَثَالِثُهَا: إِلَّا فِي الْمُسْتَثْنَيَاتِ.
لَنَا: أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدَّلِيلِ. وَانْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لَيْسَ مِنْهُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّهُ وَارِدٌ، وَإِنِ احْتَرَزَ اتِّفَاقًا.
وَجَوَابُهُ: بِبَيَانِ مُعَارِضٍ اقْتَضَى نَقِيضَ الْحُكْمِ، أَوْ خِلَافَهُ لِمَصْلَحَةٍ، كَالْعَرَايَا وَضَرْبِ الدِّيَةِ، أَوْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةٍ آكَدَ، كَحِلِّ الْمَيِّتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، فَإِنْ كَانَ التَّعْلِيلُ بِظَاهِرٍ عَامٍّ، حُكِمَ بِتَخْصِيصِهِ وَتَقْدِيرِ
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمَانِعِ كَمَا تَقَدَّمَ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَيَحْصُلُ فَائِدَةٌ، وَلَا يُمَكَّنُ فِي الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ ; لِأَنَّ التَّمْكِينَ فِيهِ انْتِقَالٌ مِنَ الِاعْتِرَاضِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ، وَلَا تَجِدُ فِيهِ نَفْعًا ; لِأَنَّهُ بَعْدَ بَيَانِ الْمُعْتَرِضِ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ يَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَخَلُّفُ الْحُكْمِ لِوُجُودِ مَانِعٍ أَوِ انْتِفَاءِ شَرْطٍ، فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ جَمْعًا بَيْنَ الدَّلِيلَيْنِ: دَلِيلِ الِاسْتِنْبَاطِ وَدَلِيلِ التَّخَلُّفِ، فَلَا تَبْطُلُ الْعِلَّةُ، بِخِلَافِ الْحُكْمِ الْعَقْلِيِّ، فَإِنَّهُ لَا يَتَمَشَّى فِيهِ ذَلِكَ.
وَرَابِعُهَا: يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَرِضِ طَرِيقٌ آخَرُ أَوْلَى بِالْقَدَحِ مِنَ النَّقْضِ تَحْقِيقًا لِفَائِدَةِ الْمُنَاظَرَةِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ طَرِيقٌ أَوْلَى، فَلَا يَتَمَكَّنُ.
وَقَالَ أَهْلُ الْمُنَاظَرَةِ: لَوِ اسْتَدَلَّ الْمُسْتَدِلُّ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ بِدَلِيلٍ مَوْجُودٍ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، فَنَقَضَ الْمُعْتَرِضُ الْعِلَّةَ، فَمَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، فَقَالَ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُكُ حِينَئِذٍ ; لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، وَالْعِلَّةُ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِيهِ عَلَى زَعْمِكَ، لَمْ يُسْمَعْ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ انْتَقَلَ مِنْ نَقْضِ الْعِلَّةِ إِلَى نَقْضِ دَلِيلِ الْعِلَّةِ.
مِثَالُهُ فِي قَوْلِ الْحَنَفِيِّ فِي مَسْأَلَةِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ: أَتَى بِمُسَمَّى الصَّوْمِ، فَيَصِحُّ، كَمَا فِي مَحَلِّ الْوِفَاقِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى وُجُودِ الصَّوْمِ بِأَنَّهُ إِمْسَاكٌ مَعَ النِّيَّةِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ الْعِلَّةُ فِيمَا إِذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لَا نُسَلِّمُ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِيمَا إِذَا نَوَى بَعْدَ الزَّوَالِ. فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يَنْتَقِضُ دَلِيلُكُ الَّذِي اسْتَدْلَلْتَ بِهِ عَلَى وُجُودِ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ التَّعْلِيلِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ الْمُعْتَرِضَ فِي مَعْرِضِ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ، فَتَارَةً يَقْدَحُ فِيهَا، وَتَارَةً يَقْدَحُ فِي دَلِيلِهَا، وَالِانْتِقَالُ مِنَ الْقَدْحِ فِي الْعِلَّةِ إِلَى الْقَدْحِ فِي دَلِيلِهَا جَائِزٌ، وَالِانْتِقَالُ الَّذِي لَا يَكُونُ جَائِزًا هُوَ الِانْتِقَالُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ إِلَى الِاسْتِدْلَالِ.
قِيلَ: كَانَ الْقَائِلُ بِعَدَمِ السَّمَاعِ نَظَرَ إِلَى خِلَافِ مَا أَقَرَّ الْمُعْتَرِضُ بِهِ أَوَّلًا، فَإِنَّ نَقْضَ الْعِلَّةِ بِدُونِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ لَا يُتَصَوَّرُ، وَنَقْضُ دَلِيلِ الْعِلَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; فَإِنَّ الْمُعْتَرِضَ إِنَّمَا نَقَضَ دَلِيلَ الْعِلَّةِ بِعَدَمِ وُجُودِ الْوَصْفِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عَلَى زَعْمِ الْمُسْتَدِلِّ، فَلَا يَلْزَمُهُ خِلَافُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوَّلًا.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
أَمَّا إِذَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ ابْتِدَاءً: يَلْزَمُكَ إِمَّا انْتِقَاضُ عِلَّتِكَ، أَوِ انْتِقَاضُ دَلِيلِ عِلَّتِكَ ; لِأَنَّكَ إِنِ اعْتَقَدْتَ وُجُودَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، انْتُقِضَ عِلَّتُكَ، وَإِنِ اعْتَقَدْتَ عَدَمَ الْعِلَّةِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ، انْتُقِضَ دَلِيلُكَ، كَانَ مُتَّجِهًا مَسْمُوعًا، وَإِذَا مَنَعَ الْمُسْتَدِلُّ تَخَلُّفَ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ، فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي تَمْكِينِ الْمُعْتَرِضِ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى تَخَلُّفِ الْحُكْمِ فِي صُورَةِ النَّقْضِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُطْلَقًا.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُطْلَقًا.
وَثَالِثُهَا: يُمْكِنُ مَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُعْتَرِضِ طَرِيقٌ أَوْلَى بِالْقَدْحِ مِنَ النَّقْضِ.
وَدَلَائِلُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ مَا مَرَّ، مِثَالُهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الثَّيِّبِ الصَّغِيرَةِ: ثَيِّبٌ، فَلَا تُجْبَرُ كَالثَّيِّبِ الْكَبِيرَةِ.
فَيَقُولُ الْمُعْتَرِضُ: يُنْتَقَضُ بِالثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ.
فَيَقُولُ الْمُسْتَدِلُّ: لَا نُسَلِّمُ جَوَازَ إِجْبَارِ الثَّيِّبِ الْمَجْنُونَةِ. وَقَدِ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِ احْتِرَازِ الْمُسْتَدِلِّ فِي دَلِيلِهِ عَنِ النَّقْضِ عَلَى
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَوَّلُهَا الْمُخْتَارُ: أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مِنَ النَّقْضِ.
وَثَانِيهَا: أَنَّهُ يَجِبُ الِاحْتِرَازُ مُطْلَقًا ; لِقُرْبِهِ مِنَ الضَّبْطِ.
وَثَالِثُهَا: يَجِبُ الِاحْتِرَازُ إِلَّا إِذَا كَانَ النَّقْضُ مِمَّا وَرَدَ بِطَرِيقِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الِاحْتِرَازُ حِينَئِذٍ.
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْمُخْتَارِ بِوَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُسْأَلُ الْمُسْتَدِلُّ عَنِ الدَّلِيلِ الْمُعَرِّفِ لِلْحُكْمِ، وَانْتِفَاءُ الْمُعَارِضِ لَيْسَ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ ذِكْرُهُ.
الثَّانِي: أَنَّ النَّقْضَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ تَمَّ الدَّلِيلُ بِدُونِ التَّعَرُّضِ ; لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، وَإِنْ كَانَ حَاصِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَقَدْ وَرَدَ النَّقْضُ، وَإِنِ احْتَرَزَ الْمُسْتَدِلُّ عَنْهُ لَفْظًا بِالِاتِّفَاقِ.
قِيلَ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّ لِلْخَصْمِ أَنْ يَقُولَ: لَا نُسَلِّمُ أَنَّ انْتِفَاءَ الْمُعَارِضِ لَيْسَ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الدَّلِيلِ: مَا يَلْزَمُ مِنَ الْعِلْمِ بِهِ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ بِالْمَدْلُولِ، وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ أَوِ الظَّنُّ بِالْمَدْلُولِ إِلَّا بَعْدَ التَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ.
وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النَّقْضَ إِنْ لَمْ يَكُنْ حَاصِلًا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، يَتِمُّ الدَّلِيلُ بِدُونِ التَّعَرُّضِ لِانْتِفَاءِ الْمُعَارِضِ، فَإِنَّهُ مَا لَمْ يَذْكُرِ الْمُسْتَدِلُّ انْتِفَاءَ النَّقْضِ، وَلَمْ يُقِمِ الدَّلِيلَ عَلَيْهِ، لَمْ يَتِمَّ الدَّلِيلُ.