الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَمِنَ الشَّارِحِينَ مَنْ جَعَلَ الْمَظِنَّةَ قِسْمًا مِنَ الْمُنَاسِبِ، وَالظَّاهِرُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هَاهُنَا أَنَّهَا قَسِيمٌ لِلْمُنَاسِبِ، وَقَدْ جَعَلَهَا الْمُصَنِّفُ قَسِيمًا لِلْمُنَاسِبِ صَرِيحًا حَيْثُ بَيَّنَ أَنَّ الْعَدَمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِلَّةً لِلْحُكْمِ الثُّبُوتِيِّ.
وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ الدَّبُّوسِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ: الْمُنَاسِبُ، مَا لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ، تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ، أَيْ لَوْ عُرِضَ عَلَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِأَجْلِ هَذَا الْوَصْفِ، تَلَقَّتْهُ بِالْقَبُولِ.
[قَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا]
ش - اعْلَمْ أَنَّ الْمَقْصُودَ قَدْ يَحْصُلُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا، وَقَدْ يَحْصُلُ ظَنًّا، وَقَدْ يَكُونُ حُصُولُ الْمَقْصُودِ وَنَفْيُهُ مُتَسَاوِيَيْنِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، وَقَدْ يَكُونُ نَفْيُ حُصُولِ الْمَقْصُودِ رَاجِحًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ.
مِثَالُ الْأَوَّلِ: الْبَيْعُ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ صَحِيحًا، حَصَلَ مِنْهُ الْمِلْكُ الَّذِي هُوَ الْمَقْصُودُ يَقِينًا.
وَالسَّفَرُ مَظِنَّةَ الْمَشَقَّةِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ، وَإِنِ انْتَفَى الظَّنُّ فِي الْمِلْكِ الْمُتَرَفِّهِ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ فَائِتًا قَطْعًا، كَلُحُوقِ نَسَبِ الْمَشْرِقِيِّ بِتَزَوُّجِ مَغْرِبِيَّةٍ، وَكَاسْتِبْرَاءِ جَارِيَةٍ يَشْتَرِيهَا بَائِعُهَا فِي الْمَجْلِسِ، فَلَا يُعْتَبَرُ، خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.
ص - وَالْمَقَاصِدُ ضَرْبَانِ:
ضَرُورِيٌّ فِي أَصْلِهِ، وَهِيَ أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، كَالْخَمْسَةِ الَّتِي رُوعِيَتْ فِي كُلِّ مِلَّةٍ: حِفْظُ الدِّينِ، وَالنَّفْسِ، وَالْعَقْلِ، وَالنَّسْلِ، وَالْمَالِ. كَقَتْلِ الْكُفَّارِ، وَالْقِصَاصِ، وَحَدِّ الْمُسْكِرِ، وَحَدِّ الزِّنَا، وَحَدِّ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ.
وَمُكَمِّلٌ لِلضَّرُورِيِّ، كَحَدِّ قَلِيلِ الْمُسْكِرِ.
وَغَيْرُ ضَرُورِيٍّ، حَاجِيٌّ، كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْقِرَاضِ
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
مِثَالُ الثَّانِي: الْقِصَاصُ، فَإِنَّهُ إِذَا رُتِّبَ عَلَى الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانُ، يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ صِيَانَةُ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ عَنِ الْفَوَاتِ ظَنًّا ; لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْمُكَلَّفَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ إِذَا قَتَلَ، اقْتُصَّ مِنْهُ، يَنْزَجِرُ عَنِ الْقَتْلِ، وَلَا يَجْتَرِي عَلَيْهِ، لَكِنْ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ يَقِينًا ; لِأَنَّ بَعْضَ الْمُكَلَّفِينَ قَدْ يُقْدِمُ عَلَى الْقَتْلِ مَعَ شَرْعِيَّةِ الْقِصَاصِ.
مِثَالُ الثَّالِثِ: حَدُّ شُرْبِ الْخَمْرِ، فَإِنَّ حُصُولَ الْمَقْصُودِ الَّذِي هُوَ حِفْظُ الْعَقْلِ، وَنَفْيُهُ مِنْ حَدِّ الشُّرْبِ مُتَسَاوِيَانِ، فَإِنَّ اسْتِيلَاءَ مَيْلِ الطِّبَاعِ إِلَى شُرْبِ الْخَمْرِ يُقَاوِمُ خَوْفَ عِقَابِ الْحَدِّ، فَلِهَذَا يُقَاوَمُ كَثْرَةُ الْمُمْتَنِعِينَ عَنْهُ كَثْرَةَ الْمُقْدِمِينَ.
مِثَالُ الرَّابِعِ: نِكَاحُ الْآيِسَةِ، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ التَّوَالُدُ، قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْصُلَ مِنْ نِكَاحِ الْآيِسَةِ، لَكِنَّ عَدَمَ التَّوَالُدِ أَرْجَحُ.
وَجَعَلَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ قِسْمًا وَاحِدًا، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْقِسْمَانِ الْأَخِيرَانِ ثَانِيًا وَثَالِثًا، وَجَوَّزَ التَّعْلِيلَ بِجَمِيعِ الْأَقْسَامِ.
وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضٌ جَوَازَ التَّعْلِيلِ بِالثَّانِي وَالثَّالِثِ، أَيِ الْقِسْمَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ بِنَاءً عَلَى الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَنَفْيِهِ، كَمَا فِي الثَّانِي، وَعَلَى مَرْجُوحِيَّةِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ، كَمَا فِي الثَّالِثِ.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَاحْتَجَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِمَا بِأَنَّ احْتِمَالَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَكْفِي فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ مَظِنَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعَاوُضِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ شَرْعُهُ، وَإِنِ انْتَفَى ظَنُّ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعَاوُضِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَكَذَلِكَ السَّفَرُ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ، وَقَدِ اعْتُبِرَ شَرْعُ الرُّخَصِ فِي السَّفَرِ، وَإِنِ انْتَفَى ظَنُّ حُصُولِ الْمَقْصُودِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، كَمَا فِي حَقِّ الْمَلِكِ الْمُتَرَفِّهِ.
وَالصُّورَةُ الْأُولَى مِثَالٌ لِلْمُنَاسِبِ، وَالثَّانِيَةُ لِمَظِنَّةِ الْمُنَاسِبِ.
قِيلَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: جَوَازُهُ حَيْثُ كَانَ لِأَجْلِ تَرَتُّبِ الْمَقْصُودِ فِي الْغَالِبِ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَتَّبْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، بِخِلَافِ مَحَلِّ النِّزَاعِ، فَإِنَّهُ كَمَا يُحْتَمَلُ التَّرَتُّبُ، يُحْتَمَلُ عَدَمُ التَّرَتُّبِ عَلَى السَّوَاءِ، أَوْ عَدَمُ التَّرَتُّبِ رَاجِحٌ، وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا وَارِدٌ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يُحْتَمَلْ حُصُولُ الْمَقْصُودِ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ، بَلْ كَانَ حُصُولُهُ فَائِتًا بِالْكُلِّيَّةِ، لَا يُعْتَبَرُ التَّعْلِيلُ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ.