المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[مسألة: المختار أنه عليه السلام كان متعبدا بالاجتهاد] - بيان المختصر شرح مختصر ابن الحاجب - جـ ٣

[أبو الثناء الأصبهاني]

فهرس الكتاب

- ‌[أركان القياس الأصل والفرع وحكم الأصل والوصف الجامع]

- ‌[شروط حكم الأصل]

- ‌[شُرُوطِ عِلَّةِ الْأَصْلِ]

- ‌[التَّعْلِيلِ بالعلةِالْقَاصِرَةِ]

- ‌[هل النقض قادح في العلة]

- ‌[هل الكسر قادح في العلة]

- ‌[النقض المكسور هل يبطل العلة]

- ‌[العكس]

- ‌[تعليل الحكم بعلتين أَوْ عِلَلٍ كُلٌّ مُسْتَقِلٌّ]

- ‌[تعليل حكمين بعلة]

- ‌[تعليل الحكم الشرعي بالحكم الشرعي]

- ‌[تعداد الوصف ووقوعه]

- ‌[هل الحكم ثابت بالعلة أو بالنص]

- ‌[من أركان القياس الفرع]

- ‌[شُرُوطُ الْفَرْعِ]

- ‌[مَسَالِكُ الْعِلَّةِ]

- ‌[المسلك الأول والثاني الإجماع والنص]

- ‌[المسلك الثالث السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]

- ‌[الْمَسْلَكُ الرَّابِعُ الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ]

- ‌[قَدْ يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ مِنْ شَرْعِ الْحُكْمِ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا]

- ‌[الْمَقَاصِدُ ضَرْبَانِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ انْخِرَامُ الْمُنَاسَبَةِ بِمَفْسَدَةٍ]

- ‌[المناسب مؤثر وملائم وغريب ومرسل]

- ‌[تَثْبُتُ عِلِّيَّةُ الشَّبَهِ بِجَمِيعِ الْمَسَالِكِ]

- ‌[الطَّرْدُ وَالْعَكْسُ]

- ‌[الْقِيَاسُ جَلِيٌّ وَخَفِيٌّ]

- ‌[جواز التعبد بالقياس]

- ‌[مسلك النظام ورده]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ قَائِلُونَ بِالْوُقُوعِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ النَّصُّ عَلَى الْعِلَّةِ لَا يَكْفِي فِي التَّعَدِّي دُونَ التَّعَبُّدِ بِالْقِيَاسِ]

- ‌[مسألة جريان القياس في الْحُدُودِ وَالْكَفَّارَاتِ]

- ‌[مسألة جريان القياس في الْأَسْبَابِ]

- ‌[مسألة جريان القياس في جميع الأحكام]

- ‌[الِاعْتِرَاضَاتُ الْوَارِدَةُ عَلَى الْقِيَاسِ]

- ‌[الاستفسار]

- ‌[فَسَادُ الِاعْتِبَارِ]

- ‌[فَسَادُ الْوَضْعِ]

- ‌[مَنْعُ حُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[التَّقْسِيمُ]

- ‌[مَنْعُ وُجُودِ الْمُدَّعَى عِلَّةٌ فِي الْأَصْلِ]

- ‌[مَنْعُ كَوْنِ الْوَصْفِ عِلَّةً]

- ‌[عَدَمُ التَّأْثِيرِ]

- ‌[الْقَدْحُ فِي الْمُنَاسَبَةِ]

- ‌[الْقَدْحُ فِي إِفْضَاءِ الْحُكْمِ إِلَى الْمَقْصُودِ]

- ‌[كَوْنُ الْوَصْفِ خَفِيًّا]

- ‌[كَوْنُ الوصف غَيْرَ مُنْضَبِطٍ]

- ‌[النَّقْضُ]

- ‌[الْكَسْرُ]

- ‌[الْمُعَارَضَةُ فِي الْأَصْلِ]

- ‌[سُؤَالُ التَّرْكِيبِ]

- ‌[التَّعْدِيَةُ]

- ‌[مَنْعُ وَجُود الوصفِ فِي الْفَرْعِ]

- ‌[الْمُعَارَضَةُ فِي الْفَرْعِ بِمَا يَقْتَضِي نَقِيضَ الْحُكْمِ]

- ‌[الْفَرْقُ]

- ‌[اخْتِلَافُ الضَّابِطِ فِي الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ]

- ‌[اخْتِلَافُ جِنْسِ الْمَصْلَحَةِ]

- ‌[مُخَالَفَةُ حُكْمِ الْفَرْعِ لِحُكْمِ الْأَصْلِ]

- ‌[الْقَلْبُ]

- ‌[الْقَوْلُ بِالْمُوجِبِ]

- ‌[تعدد الاعتراضات]

- ‌[الِاسْتِدْلَالُ]

- ‌[تعريف الاستدلال وأنواعه]

- ‌[القسم الأول مِنَ الِاسْتِدْلَالِ التَلَازُمٌ بَيْنَ حُكْمَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ عِلَّةٍ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّاني مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: الِاسْتِصْحَابُ]

- ‌[الْقِسْمُ الثَّالِثُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ: شَرْعُ مِنْ قَبْلَنَا]

- ‌[الْأَدِلَّةِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا]

- ‌[مذهب الصحابي]

- ‌[الاستحسان]

- ‌[المصالح المرسلة]

- ‌[الاجتهاد]

- ‌[تعربف الاجتهاد]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الاختلاف فِي تَجَزُّؤ الِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ ظَنًّا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْمُصِيبَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَاحِدٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْقَطْعُ لَا إِثْمَ عَلَى مُجْتَهِدٍ]

- ‌[الْمَسْأَلَةُ الَّتِي لَا قَاطِعَ فِيهَا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ تَقَابُلُ الدَّلِيلَيْنِ الْعَقْلِيَّيْنِ مُحَالٌ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: لَا يَسْتَقِيمُ لِمُجْتَهِدٍ قَوْلَانِ مُتَنَاقِضَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي الِاجْتِهَادِيَّات منهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُجْتَهِدُ قَبْلَ أَنْ يَجْتَهِدَ مَمْنُوعٌ مِنَ التَّقْلِيدِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ جواز أن يقال للمجتهد احكم بما شئت]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عليه السلام لَا يُقَرُّ عَلَى خَطَأٍ فِي اجْتِهَادِهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الْمُخْتَارُ أَنَّ النَّافِيَ مُطَالَبٌ بِدَلِيلٍ]

- ‌[التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ]

- ‌[تعريف التَّقْلِيدُ وَالْمُفْتِي وَالْمُسْتَفْتِي وَمَا يُسْتَفْتَى فِيهِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لا تَقْلِيدٌ فِي الْعَقْلِيَّاتِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُجْتَهِدِ يَلْزَمُهُ التَّقْلِيدُ وَإِنْ كَانَ عَالِمًا]

- ‌[مَسْأَلَةٌ الِاتِّفَاقُ عَلَى اسْتِفْتَاءِ مَنْ عُرِفَ بِالْعِلْمِ وَالْعَدَالَةِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِذَا تَكَرَّرَتِ الْوَاقِعَةُ لَمْ يَلْزَمْ تَكْرِيرُ النَّظَرِ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ: خُلُوُّ الزَّمَانِ منْ المُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ إِفْتَاءُ مَنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ بِمَذْهَبِ مُجْتَهِدٍ]

- ‌[مَسْأَلَةٌ لَا يَرْجِعُ عَنْهُ بَعْدَ تَقْلِيدِهِ اتِّفَاقًا]

- ‌[الترجيح]

- ‌[تعريف الترجيح]

- ‌[الترجيح بأمور تتعلق بالسند]

- ‌[الترجيح بأمور تعود على المتن]

- ‌[الترجيح العائد إلى المدلول]

- ‌[الترجيح العائد إلى أمر خارجي]

- ‌[الترجيح بين المعقولين]

- ‌[التَّرْجِيحِ بِأُمُورٍ تَعُودُ إِلَى عِلَّةِ الْأَصْلِ]

- ‌[الترجيح الْعَائِدُ إِلَى الْفَرْعِ]

- ‌[تَرْجِيحِ الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ إِذَا تَعَارَضَا]

- ‌[تَرْجِيحِ الحدود السمعية بعضها على بعض]

الفصل: ‌[مسألة: المختار أنه عليه السلام كان متعبدا بالاجتهاد]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِالْحُكْمِ الْمَفْرُوضِ. فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنَ الِاجْتِهَادِ فِي الْحُكْمِ الْمَفْرُوضِ.

أَجَابَ بِأَنَّ الْغَرَضَ حُصُولُ جَمِيعِ أَمَارَاتِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فِي ظَنِّ الْفَقِيهِ عَنْ مُجْتَهِدٍ بِأَنْ يَطَّلِعَ عَلَى جَمِيعِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَبِأَنَّهُ بَعْدَ تَحْرِيرِ الْأَئِمَّةِ الْأَمَارَاتِ وَتَخْصِيصِ كُلِّ بَعْضٍ مِنَ الْأَمَارَاتِ بِبَعْضِ الْمَسَائِلِ، عَرَفَ الْفَقِيهُ أَنَّ مَا عَدَاهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تُعَلُّقٌ بِتِلْكَ الْمَسْأَلَةِ.

[مَسْأَلَةٌ: الْمُخْتَارُ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ]

ش - اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام هَلْ هُوَ مُتَعَبِّدٌ بِالِاجْتِهَادِ أَمْ لَا؟

ص: 293

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ.

وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ} [التوبة: 43]، وَبِقَوْلِهِ عليه السلام:" «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ» ".

أَمَّا وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِالْآيَةِ فَإِنَّهُ عَاتَبَ الرَّسُولَ عليه السلام فِي الْآيَةِ عَلَى الْإِذْنِ. فَلَوْ كَانَ الْإِذْنُ بِالْوَحْيِ، لَمَا عَاتَبَهُ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْوَحْيِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ عَنِ اجْتِهَادٍ ; لِأَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام لَا يَحْكُمُ عَنْ تَشَهِّي النَّفْسِ ; لِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ، لَمْ يَجُزِ ارْتِكَابُهُ.

وَأَمَّا التَّمَسُّكُ بِالْحَدِيثِ ; فَلِأَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ الصَّادِرَ مِنَ

ص: 294

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

الرَّسُولِ عليه السلام لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِالْوَحْيِ ; لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّسُولِ عليه السلام أَنْ يُبَدِّلَ الْوَحْيَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِالْوَحْيِ، تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِالِاجْتِهَادِ. كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْآيَةِ.

وَاسْتَدَلَّ أَبُو يُوسُفَ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ عليه السلام كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] .

وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا - كَمَا قَرَّرَهُ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ - أَنَّ الْإِرَاءَةَ إِمَّا مِنَ الرَّأْيِ الَّذِي هُوَ الِاجْتِهَادُ، أَوْ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ، أَوْ بِمَعْنَى الْعِلْمِ.

لَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْإِبْصَارِ ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِـ " مَا " فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى: " {بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] " هُوَ الْأَحْكَامُ، وَهِيَ لَا تَكُونُ مُبْصَرَةً.

وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ مِنَ الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْعِلْمِ، وَإِلَّا لَوَجَبَ ذِكْرُ الْمَفْعُولِ الثَّالِثِ ; لِوُجُودِ ذِكْرِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، وَهُوَ الضَّمِيرُ الرَّاجِعُ إِلَى الْمَوْصُولِ، وَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَلْفُوظِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الرَّأْيِ.

وَالْجَوَابُ أَنَّ " مَا " مَصْدَرِيَّةٌ لَا مَوْصُولَةٌ، وَقَدْ حُذِفَ الْمَفْعُولَانِ وَهُوَ جَائِزٌ.

ص: 295

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

وَأَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ " مَا " مَوْصُولَةً، جَازَ حَذْفُ الْمَفْعُولِ الثَّالِثِ عِنْدَ حَذْفِ الثَّانِي.

وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِأَنَّ الْعَمَلَ بِالِاجْتِهَادِ أَكْثَرُ ثَوَابًا ; لِأَنَّهُ أَشَقُّ مِنَ الْعَمَلِ بِالنَّصِّ، وَمَا هُوَ أَشَقُّ أَكْثَرُ ثَوَابًا ; لِقَوْلِهِ عليه السلام:" «أَفْضَلُ الْعِبَادَاتِ أَحَمَزُهَا» " أَيْ أَشَقُّهَا، وَمَا هُوَ أَكْثَرُ ثَوَابًا كَانَ أَوْلَى.

أَجَابَ بِأَنَّ دَرَجَةَ الْوَحْيِ أَعْلَى مِنَ الِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَطَرَّقْ إِلَيْهِ الْخَطَأُ، فَيَسْقُطُ الِاجْتِهَادُ ; لِأَنَّ مَا هُوَ أَعْلَى دَرَجَةً أَوْلَى.

ش - الْمَانِعُونَ مِنْ تَعَبُّدِ الرَّسُولِ عليه السلام بِالِاجْتِهَادِ احْتَجُّوا بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:

الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ - تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3] ، فَإِنَّ الْآيَةَ اقْتَضَتْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ الصَّادِرُ عَنِ الرَّسُولِ عليه السلام بِالْوَحْيِ، وَالِاجْتِهَادُ لَيْسَ بِوَحْيٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَصْدُرَ عَنِ الرَّسُولِ الْحُكْمُ بِالِاجْتِهَادِ.

أَجَابَ بِأَنَّ قَرِينَةَ الْحَالِ تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ رَدُّ قَوْلِ الْكُفَّارِ: {افْتَرَى عَلَى اللَّهِ} [آل عمران: 94] ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ قُرْآنًا،

ص: 296

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الظَّاهِرَ رَدُّ قَوْلِهِمُ (افْتَرَى) وَلَوْ سُلِّمَ، فَإِذَا تَعَبَّدَ بِالِاجْتِهَادِ بِالْوَحْيِ، لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ.

قَالُوا: لَوْ كَانَ لَجَازَ مُخَالَفَتُهُ ; لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الِاجْتِهَادِ، وَأُجِيبَ بِالْمَنْعِ، كَالْإِجْمَاعِ عَنِ اجْتِهَادٍ.

قَالُوا: لَوْ كَانَ، لَمَا تَأَخَّرَ فِي الْجَوَابِ.

قُلْنَا: لِجَوَازِ الْوَحْيِ، أَوْ لِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ.

قَالُوا: الْقَادِرُ عَلَى الْيَقِينِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الظَّنُّ.

قُلْنَا: لَا يُعْلَمُ إِلَّا بَعْدَ الْوَحْيِ، فَكَانَ كَالْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ.

ص - (مَسْأَلَةٌ) : الْمُخْتَارُ وُقُوعُ الِاجْتِهَادِ مِمَّنْ عَاصَرَهُ ظَنًّا.

وَثَالِثُهَا: الْوَقْفُ.

وَرَابِعُهَا: الْوَقْفُ فِيمَنْ حَضَرَهُ.

لَنَا: قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ عَنْهُ: لَاهَا اللَّهِ إِذًا لَا يَعْمِدُ إِلَى أَسَدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَيُعْطِيكَ سَلَبَهُ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم:" «صَدَقَ» ".

وَحَكَمَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ، فَحَكَمَ بِقَتْلِهِمْ

ــ

[الشرح]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ص: 297

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[الشرح]

فَهُوَ مِنَ الْوَحْيِ، لَا أَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ عَنْهُ مِنَ الْوَحْيِ. وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ كُلَّ مَا صَدَرَ مِنْهُ بِالْوَحْيِ، فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ إِذَا ثَبَتَ بِالِاجْتِهَادِ، لَا يَكُونُ بِالْوَحْيِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَعَبَّدَ الرَّسُولُ عليه السلام بِالِاجْتِهَادِ بِالْوَحْيِ، لَمْ يَنْطِقْ إِلَّا عَنْ وَحْيٍ.

الثَّانِي: أَنَّ الرَّسُولَ لَوْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ، لَجَازَ مُخَالَفَتُهُ فِي الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالِاجْتِهَادِ ; لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالِاجْتِهَادِ مِنْ خَوَاصِّهِ جَوَازُ الْمُخَالَفَةِ.

وَالتَّالِي بَاطِلٌ.

أَجَابَ بِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالِاجْتِهَادِ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْحُكْمَ الثَّابِتَ بِالْإِجْمَاعِ الَّذِي يَكُونُ سَنَدُهُ اجْتِهَادًا اجْتِهَادِيٌّ، وَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ.

الثَّالِثُ: لَوْ كَانَ الرَّسُولُ عليه السلام مُتَعَبِّدًا بِالِاجْتِهَادِ، لَمَا تَأَخَّرَ فِي الْجَوَابِ.

وَالتَّالِي بَاطِلٌ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَوَقَّفَ فِي أَحْكَامِ الْوَقَائِعِ كَثِيرًا وَانْتَظَرَ الْوَحْيَ.

أَجَابَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَقَّفَ لِجَوَازِ الْوَحْيِ وَانْتِظَارِ النَّصِّ. فَإِنَّ الِاجْتِهَادَ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ يَثْبُتُ بِهِ الْحُكْمُ، أَوْ بِأَنَّهُ إِنَّمَا تَوَقَّفَ لِاسْتِفْرَاغِ الْوُسْعِ فِي الِاجْتِهَادِ.

ص: 298