الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْمُسْتَنْبَطِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا لَا يَكُونُ مُسْتَلْزِمَةً لِتَعْلِيلِهَا بِالْوَزْنِ أَوِ الطَّعَامِ، وَاخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ فِي صِحَّةِ التَّعْلِيلِ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:
أَوَّلُهَا: لَا يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا.
وَثَانِيهَا: يُشْتَرَطُ مُطْلَقًا.
وَثَالِثُهَا: الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ الْمُنَاسَبَةُ إِنْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ بِطَرِيقِ الْإِيمَاءِ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، كَمَا فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ مِنْ وُجُوهِ الْإِيمَاءِ.
وَإِنْ لَمْ يُفْهَمِ التَّعْلِيلُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ لَا يُشْتَرَطُ ; لِأَنَّهُ لَوْ فُهِمَ التَّعْلِيلُ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، امْتَنَعَ فَهْمُ التَّعْلِيلِ بِدُونِ الْمُنَاسَبَةِ فَيَكُونُ الْمُنَاسَبَةُ شَرْطًا، بِخِلَافِ مَا إِذَا لَمْ يَفْهَمِ التَّعْلِيلَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا فِي إِفَادَةِ التَّعْلِيلِ، فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى اشْتِرَاطِ الْمُنَاسَبَةِ.
[المسلك الثالث السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ]
ش - الْمَسْلَكُ الثَّالِثُ: السَّبْرُ وَالتَّقْسِيمُ، وَهُوَ حَصْرُ الْأَوْصَافِ فِي الْأَصْلِ الْمَقِيسِ عَلَيْهِ، وَإِبْطَالُ بَعْضِهَا، فَيَتَعَيَّنُ الْبَاقِي لِلْعَلِيَّةِ.
وَلَا يَلْزَمُ الْمُسْتَدِلَّ بَيَانُ حَصْرِ الْأَوْصَافِ بِالتَّرْدِيدِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، وَلَا بِالْإِجْمَاعِ، بَلْ يَكْفِي أَنْ يُقَالَ: بَحَثْتُ عَنِ الْأَوْصَافِ فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَ مَا ذُكِرَ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا سِوَاهَا.
فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ، لَزِمَ الْمُسْتَدِلَّ إِبْطَالُ ذَلِكَ الْوَصْفِ حَتَّى يَتِمَّ اسْتِدْلَالُهُ، وَلَا يَلْزَمُ انْقِطَاعُ الْمُسْتَدِلِّ لِأَنَّهُ أَبْطَلَهُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوَّلًا.
هَذَا إِذَا كَانَ مُسْتَدِلًّا عَلَى غَيْرِهِ، أَمَّا إِذَا كَانَ مُجْتَهِدًا، فَيَرْجِعُ إِلَى ظَنِّهِ، فَمَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حَصْرُ الْأَوْصَافِ وَبُطْلَانُ الْبَعْضِ كَفَاهُ.
فَإِنْ بَيَّنَ الْمُعْتَرِضُ وَصْفًا آخَرَ، لَزِمَ إِبْطَالُهُ لَا انْقِطَاعُهُ، وَالْمُجْتَهِدُ يَرْجِعُ إِلَى ظَنِّهِ، وَمَتَى كَانَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ قَطْعِيًّا، فَقَطْعِيٌّ، وَإِلَّا فَظَنِّيٌّ.
ص - وَطُرُقُ الْحَذْفِ مِنْهَا: الْإِلْغَاءُ، وَهُوَ بَيَانُ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْمُسْتَبْقَى فَقَطْ، وَيُشْبِهُ نَفْيَ الْعَكْسِ الَّذِي لَا يُفِيدُ وَلَيْسَ بِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ لَوْ كَانَ الْمَحْذُوفُ عِلَّةً، لَا تَبْقَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ: لَوْ كَانَ الْمُسْتَبْقَى جُزْءَ عِلَّةٍ، لَمَا اسْتَقَلَّ، وَلَكِنْ يُقَالُ: لَا بُدَّ مِنْ أَصْلٍ لِذَلِكَ، فَيُسْتَغْنَى عَنِ الْأَوَّلِ.
ص - وَمِنْهَا: طَرْدُهُ مُطْلَقًا، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى ذَلِكَ الْحُكْمِ، كَالذُّكُورَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ.
ص - وَمِنْهَا: أَنْ لَا تَظْهَرَ مُنَاسَبَتُهُ، وَيَكْفِي الْمُنَاظِرَ: بَحَثْتُ، فَإِنِ ادَّعَى أَنَّ الْمُسْتَبْقَى كَذَلِكَ، يُرَجَّحُ سَبْرُ الْمُسْتَدِلِّ بِمُوَافَقَتِهِ لِلتَّعْدِيَةِ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
وَكُلَّمَا كَانَ الْحَصْرُ وَالْإِبْطَالُ قَطْعِيَّيْنِ، كَانَ التَّعْلِيلُ قَطْعِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا قَطْعِيَّيْنِ، أَوْ يَكُونُ أَحَدُهُمَا قَطْعِيًّا وَالْآخَرُ ظَنِّيًّا، كَانَ التَّعْلِيلُ ظَنِّيًّا.
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْحَصْرِ، شَرَعَ فِي طُرُقِ الْحَذْفِ، أَيْ طُرُقِ إِبْطَالِ بَعْضِ الْأَوْصَافِ.
مِنْهَا: الْإِلْغَاءُ، وَهُوَ بَيَانُ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى دُونَ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ فِي صُورَةٍ.
كَمَا يُقَالُ: حُرْمَةُ الرِّبَا فِي الْبُرِّ، إِمَّا الطَّعْمُ أَوِ الْقُوتُ.
وَالثَّانِي بَاطِلٌ ; لِتُحَقِّقِ حُرْمَةِ الرِّبَا فِي الْمِلْحِ بِدُونِ الْقُوتِ، فَلَوْ كَانَ الْقُوتُ مُعْتَبَرًا فِي الْعِلِّيَّةِ، لَمَا تَحَقَّقَ الْحُكْمُ بِدُونِهِ، فَيَتَحَقَّقُ أَنَّ حُرْمَةَ الرِّبَا لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِالطَّعْمِ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: تَحَقُّقُ الْحُكْمِ فِي صُورَةٍ بِدُونِ الْوَصْفِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
الْمَحْذُوفِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصْفَ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ بِمُعْتَبَرٍ فِي الْعِلِّيَّةِ ; لِجَوَازِ كَوْنِ الْعِلَّةِ أَخَصَّ مِنَ الْمَعْلُولِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنِ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ انْتِفَاءُ الْمَعْلُولِ.
وَالْإِلْغَاءُ يُشْبِهُ نَفْيَ الْعَكْسِ الَّذِي لَا يُفِيدُ، وَلَيْسَ الْإِلْغَاءُ نَفْيَ الْعَكْسِ.
أَمَّا بَيَانُ أَنَّهُ يُشْبِهُ نَفْيَ الْعَكْسِ ; فَلِأَنَّ الْعَكْسَ انْتِفَاءُ الْحُكْمِ لِانْتِفَاءِ الْوَصْفِ، فَنَفْيُ الْعَكْسِ إِثْبَاتُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ، وَفِي الْإِلْغَاءِ أَيْضًا تَحَقَّقُ الْحُكْمِ بِدُونِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ.
وَأَمَّا بَيَانُ أَنَّ الْإِلْغَاءَ لَيْسَ نَفْيَ الْعَكْسِ ; فَلِأَنَّ الْمُسْتَدِلَّ قَصَدَ فِي نَفْيِ الْعَكْسِ أَنَّ الْوَصْفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلَّةً، لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ.
وَفِي الْإِلْغَاءِ لَمْ يَقْصِدْ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عِلَّةً، لَانْتَفَى الْحُكْمُ عِنْدَ انْتِفَائِهِ، بَلْ قَصَدَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِلْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ جُزْءَ عِلَّةٍ، لَمَا اسْتَقَلَّ بِدُونِ الْمَحْذُوفِ.
ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَكِنْ بِمُجَرَّدِ إِثْبَاتِ الْحُكْمِ بِالْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى بِدُونِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ فِي صُورَةٍ، لَا يَلْزَمُ كَوْنُ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً ; إِذْ غَايَةُ الْإِلْغَاءِ أَنْ يُفِيدَ أَنَّ الْوَصْفَ الْمَحْذُوفَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ لِلْحُكْمِ عَلَى تَقْدِيرِ تُحَقِّقُ الْحُكْمِ بِدُونِهِ، وَلَا يَلْزَمُ عَدَمُ عِلِّيَّةِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ كَوْنَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً، بَلْ لَا بُدَّ لِذَلِكَ، أَيْ لِبَيَانِ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
كَوْنِ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً مِنْ أَصْلٍ آخَرَ، يُفِيدُ اسْتِقْلَالَ الْوَصْفِ الْمُسْتَبْقَى فِي الْعِلِّيَّةِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَغْنِي عَنِ الْإِلْغَاءِ.
قَالَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ: وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: بَعْدَ مَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ، وَحُصِرَ الْأَوْصَافُ وَأُلْغِيَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهَا بِوُجُودِ الْحُكْمِ دُونَهُ، وَبِعَدَمِ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ، فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً، وَلَا حَاجَةَ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ.
وَفِيهِ نَظَرٌ ; إِذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْوَصْفُ الْمَحْذُوفُ جُزْءًا مِنَ الْعِلَّةِ، وَأَعَمَّ مِنَ الْمَعْلُولِ، وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحُكْمِ دُونَهُ، وَعَدَمُ الْحُكْمِ عِنْدَ وُجُودِهِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَبْقَى عِلَّةً مُسْتَقِلَّةً.
ش - وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ: طَرْدُ الْمَحْذُوفِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنَ الْأَوْصَافِ الَّتِي عُلِمَ مِنَ الشَّارِعِ عَدَمُ اعْتِبَارِهَا، إِمَّا مُطْلَقًا، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَإِمَّا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحُكْمِ الْمَطْلُوبِ، وَإِنْ كَانَ مُنَاسِبًا، كَالذُّكُورَةِ فِي سَرَايَةِ الْعِتْقِ، مِثْلَ قَوْلِهِ عليه السلام: " «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدِ قَوْمٍ، عَلَيْهِ نَصِيبُ شَرِيكِهِ» ،. فَإِنَّهُ وَإِنْ أَمْكَنَ بَيَانُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الذُّكُورَةِ وَسَرَايَةِ الْعِتْقِ،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا عُهِدَ مِنَ الشَّارِعِ عَدَمُ اعْتِبَارِ الذُّكُورَةِ فِي أَحْكَامِ الْعِتْقِ، أُلْغِيَ صِفَةُ الذُّكُورَةِ فِي سَرَايَةِ الْعِتْقِ.
ش - وَمِنْ طُرُقِ الْحَذْفِ أَنْ لَا تَظْهَرَ مُنَاسَبَةُ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ، فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ عَنْ دَرَجَةِ الِاعْتِبَارِ، وَيَكْفِي لِلْمُنَاظِرَ الْمُسْتَدِلَّ: بَحَثْتُ عَنِ الْوَصْفِ الْمَحْذُوفِ، فَمَا وَجَدْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحُكْمِ مُنَاسَبَةً، فَإِنِ ادَّعَى الْمُعْتَرِضُ أَنَّ الْوَصْفَ الْمُسْتَبْقَى كَذَلِكَ، أَيْ بَحَثْتُ عَنْهُ وَلَمْ أَجِدْهُ مُنَاسِبًا لِلْحُكْمِ، احْتَاجَ الْمُسْتَدِلُّ إِلَى إِثْبَاتِ مُرَجِّحٍ يُرَجِّحُ بِهِ سَبْرَهُ عَلَى سَبْرِ الْمُعْتَرِضِ، بِأَنْ يُبَيِّنَ أَنَّ سَبْرَهُ مُوَافِقٌ لِلتَّعْدِيَةِ، وَسَبْرَ الْمُعْتَرِضُ قَاصِرٌ.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَيِّنَ الْمُنَاسَبَةَ بَيْنَ الْمُسْتَبْقَى وَالْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ انْتِقَالٌ مِنَ السَّبْرِ إِلَى الْمُنَاسَبَةِ، وَالِانْتِقَالُ مِنْ طَرِيقٍ إِلَى طَرِيقٍ آخَرَ غَيْرُ جَائِزٍ.
ش - لَمَّا فَرَغَ مِنَ السَّبْرِ وَالتَّقْسِيمِ، ذَكَرَ وُجُوبَ الْعَمَلِ بِالطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ مِنَ السَّبْرِ وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَالشَّبَهِ.
وَتَقْرِيرُهُ: أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ - تَعَالَى - مُقْتَرِنَةٌ بِالْعِلَّةِ، وَإِنِ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّ اقْتِرَانَهَا بِالْعِلَّةِ بِطَرِيقِ الْوُجُوبِ أَوْ بِطَرِيقِ اللُّطْفِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَحْكَامَ لَا تَخْلُو مِنْ عِلَّةٍ ; لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي التَّعْمِيمِ، أَيْ كَوْنُ
ص - وَدَلِيلُ الْعَمَلِ بِالسَّبْرِ، وَتَخْرِيجِ الْمَنَاطِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عِلَّةٍ لِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَلِقَوْلِهِ - تَعَالَى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] ، وَالظَّاهِرُ التَّعْمِيمُ.
وَلَوْ سَلَّمْنَا فَهُوَ الْغَالِبُ ; لِأَنَّ التَّعَقُّلَ أَقْرَبُ إِلَى الِانْقِيَادِ، فَلْيُحْمَلْ عَلَيْهِ، وَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُهَا وَفِي الْمُنَاسَبَةِ.
وَلَوْ سَلَّمَ، فَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُهَا بِالْمُنَاسَبَةِ، فَيَجِبُ اعْتِبَارُهَا فِي الْجَمِيعِ ; لِلْإِجْمَاعِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالظَّنِّ فِي عِلَلِ الْأَحْكَامِ.
ص - الرَّابِعُ: الْمُنَاسَبَةُ وَالْإِخَالَةُ، وَتُسَمَّى تَخْرِيجَ الْمَنَاطِ، وَهُوَ تَعْيِينُ الْعِلَّةِ بِمُجَرَّدِ إِبْدَاءِ الْمُنَاسَبَةِ مِنْ ذَاتِهِ، لَا بِنَصٍّ وَلَا غَيْرِهِ، كَالْإِسْكَارِ فِي التَّحْرِيمِ، وَالْقَتْلِ الْعَمْدِ الْعُدْوَانِ فِي الْقِصَاصِ.
وَالْمُنَاسِبُ: وَصْفٌ ظَاهِرٌ مُنْضَبِطٌ يَحْصُلُ عَقْلًا مِنْ تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَقْصُودًا مِنْ حُصُولِ مَصْلَحَةٍ أَوْ دَفْعِ مَفْسَدَةٍ.
ــ
[الشرح]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الشرح]
جَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ رَحْمَةً لِلنَّاسِ.
فَلَوْ كَانَ جَمِيعُ الْأَحْكَامِ، أَوْ بَعْضُهَا خَالِيًا عَنِ الْعِلَّةِ، لَمَا كَانَتِ الْأَحْكَامُ رَحْمَةً ; لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِالْأَحْكَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ فِيهَا حِكْمَةٌ وَفَائِدَةٌ لِلْمُكَلَّفِ، يَكُونُ مَشَقَّةً وَعَذَابًا.
وَلَوْ سَلَّمْنَا عَدَمَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اقْتِرَانِ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ، وَعَدَمِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَيْهِ، فَثُبُوتُ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ هُوَ الْغَالِبُ فِي الشَّرْعِ عَلَى ثُبُوتِهِ بِدُونِهَا. وَإِنَّمَا غَلَبَ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِالْعِلَّةِ فِي الشَّرْعِ ; لِأَنَّ تَعَقُّلَ الْعِلَّةِ فِي الْحُكْمِ أَقْرَبُ إِلَى الِانْقِيَادِ وَالْقَبُولِ مِنَ التَّعَبُّدِ الْمَحْضِ، وَيُحْمَلُ الْحُكْمُ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ إِلْحَاقًا لِلْفَرْدِ بِالْأَغْلَبِ.
فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْحُكْمِ مِنْ عِلَّةٍ، وَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُ الْعِلَّةِ فِي الطُّرُقِ الدَّالَّةِ عَلَى الْعِلِّيَّةِ، وَفِي الْمُنَاسَبَةِ أَيْضًا عَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِ الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهُوَ أَنَّ الْحُكْمَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ عِلَّةٍ.
وَلَوْ سُلِّمَ عَدَمُ ثُبُوتِ تِلْكَ الْمُقَدِّمَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ ظُهُورُ الْعِلَّةِ بِالْمُنَاسَبَةِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ إِلَى الْمُقَدِّمَةِ الْمَذْكُورَةِ ; لِأَنَّ مُنَاسَبَةَ الْوَصْفِ لِلْحُكْمِ تُفِيدُ ظَنَّ كَوْنِهِ عِلَّةً.