الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استيلاء الإفرنج على طرابلس الغرب
كان أهل طرابلس الغرب لما انحلّ نظام الدولة الصنهاجية بإفريقية وتقلص ظلها عنهم قد استبدّوا بأنفسهم وكان بالمهدية آخر الملوك من بني باديس وهو الحسن بن علي بن يحيى بن تميم بن المعز فاستبدّ لعهده في طرابلس أبو يحيى بن مطروح ورفضوا دعوة الحسن وقومه وذلك عند ما تكالب الإفرنج على الجهات فطمع رجار في ملكها وبعث أسطوله في البحر فنازلها آخر سنة سبع وثلاثين وخمسمائة فنقبوا سورها واستنجد أهلها بالعرب فأنجدوهم وخرجوا إلى الإفرنج فهزموهم وغنموا أسلحتهم ودوابهم ورجع الإفرنج إلى صقلّيّة فتجهزوا إلى المغرب وطرقوا جيجيل من سواحل بجاية وهرب أهلها الى الجبل ودخلوها فنهبوها وخربوا القصر الّذي بناه يحيى بن العزيز بن حماد ويسمى النزهة ورجعوا إلى بلادهم ثم بعث رجار أسطوله إلى طرابلس سنة إحدى وأربعين فأرسى عليها ونزل المقاتلة وأحاطوا بها برا وبحرا وقاتلوها ثلاثا وكان أهل البلد قد اختلفوا قبل وصول الإفرنج وأخرجوا بني مطروح وولوا عليهم رجلا من أمراء لمتونة قام حاجا في قومه فولوه أمرهم فلما شغل أهل البلد بقتال الإفرنج اجتمعت شيعة بني مطروح وأدخلوهم للبلد ووقع بينهم القتال فلما شعر الإفرنج بأمرهم بادروا إلى الأسوار فنصبوا عليها السلالم وتسنموها وفتحوا البلد عنوة وأفحشوا في القتل والسبي والنهب ونجا كثير من أهلها إلى البربر والعرب في نواحيها ثم رفعوا السيف ونادوا بالأمان فتراجع المسلمون إلى البلد وأقروهم على الجزية وأقاموا بها ستة أشهر حتى أصلحوا أسوارها وفنادقها وولوا عليها ابن مطروح وأخذوا رهنه على الطاعة ونادوا في صقلّيّة بالمسير إلى طرابلس فسار إليها الناس وحسنت عمارتها.
استيلاء الإفرنج على المهدية
كانت قابس عند ما اختلّ نظام الدولة الصنهاجية واستبدّ بها [1] ابن كامل بن جامع من قبائل رياح إحدى بطون هلال الذين بعثهم الجرجرائي وزير المستنصر بمصر على المعز بن باديس وقومه فأضرعوا الدولة وأفسدوا نظامها وملكوا بعض أعمالها واستبدّ آخرون من أهل البلاد بمواضعهم فكانت قابس هذه في قسمة بني دهمان هؤلاء وكان لهذا العهد
[1] كذا بياض بالأصل، ولم نعثر على اسمه في المراجع التي بين أيدينا.
رشيد أميرا بها كما ذكرنا ذلك في أخبار الدولة الصنهاجية من أخبار البربر وتوفي رشيد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة ونصب مولاه يوسف ابنه الصغير محمد بن رشيد وأخرج ابنه الكبير معمرا واستبد على محمد وتعرض لحرمة سرّا وكان فيهن امرأة رشيد وساروا إلى التمحض بصاحب المهدية يشكون فعله وكاتبه الحسن في ذلك فلم يجبه وتهدّده بإدخال الإفرنج إلى قابس فجهز إليه العساكر وبعث يوسف إلى رجار صاحب طرابلس بطاعته وأن يوليه على قابس كما ولي ابن مطروح على طرابلس وشعر أهل البلد بمداخلته للإفرنج فلما وصل عساكر الحسن ثاروا به معهم وتحصن يوسف بالقصر فملكوه عنوة وأخذ يوسف أسيرا وملك معمر قابس مكان أخيه محمد وامتحن يوسف بأنواع العذاب إلى أن هلك وأخذ بنو قرة أختهم ولحق عيسى أخو يوسف وولد يوسف برجار صاحب صقلّيّة واستجاروا به وكان الغلاء قد اشتدّ بإفريقية سنة سبع وثلاثين ولحق أكثر أهلها بصقلية وأكل بعضهم بعضا وكثر الموتان فاغتنم رجار الفرصة ونقض الصلح الّذي كان بينه وبين الحسن بن علي صاحب المهدية [1] لسنين وجهز أسطوله مائتين وخمسين من الشواني وشحنها بالمقاتلة والسلاح ومقدّم الأسطول جرجي بن ميخاييل أصله من المنتصرة وقد ذكرنا خبره في أخبار صنهاجة والموحدين فقصد قوصرة وصادف بها مركبا من المهدية فغنمه ووجد عندهم حمام البطاقة فبعث الخبر إلى المهدية على أجنحتها بأن أسطول الإفرنج أقلع إلى القسطنطينية ثم أقلع فأصبح قريبا من المرسي في ثامن صفر سنة ثلاث وأربعين وقد بعث الله الريح فعاقتهم عن دخول المرسي ففاته غرضه وكتب إلى الحسن بأنه باق على الصلح وإنما جاء طالبا بثأر محمد بن رشيد ورده إلى بلده قابس فجمع الحسن الناس واستشارهم فأشاروا بالقتال فخام عنه واعتذر بقلة الأقوات وارتحل من البلد وقد حمل ما خف حمله وخرج الناس بأهاليهم وما خف من أموالهم واختفى كثير من المسلمين في الكنائس ثم ساعد الريح أسطول الإفرنج ووصلوا إلى المرسي ونزلوا إلى البلد من غير مدافع ودخل جرجي القصر فوجده على حاله مملوءا بالذخائر النفسية التي يعز وجود مثلها وبعث بالأمان إلى كلّ من شرد من أهلها فرجعوا وأقرّهم على الجزية وسار الحسن بأهله وولده إلى المعلقة وبها محرز بن زياد من أمراء الهلاليين ولقيه في طريقه حسن بن ثعلب من أمراء الهلاليين بمال انكسر له في ديوانه فأخذ ابنه يحيى رهينة به ولما وصل محرز بن زياد أكرم لقاءه وبرّ مقدمه جزاء بما كان يؤثره على العرب ويرفع محله وأقام عنده شهرا ثم عزم على المسير إلى مصر وبها يومئذ الحافظ فأرصد له جرجي الشواني في البحر
[1] المهدية: مدينة بإفريقية منسوبة إلى المهدي، وبينها وبين القيروان مرحلتان والقيروان في جنوبيها.
فرجع عن ذلك واعتزم على قصد عبد المؤمن من ملوك الموحدين بالمغرب وفي طريقه يحيى بن عبد العزيز ببجاية من بني عمه حماد فأرسل إليه أبناءه يحيى وتميما وعليا يستأذنه في الوصول فأذن له وبعث إليه من أوصله إلى جزائر بني مذغنة ووكل به وبولده حتى ملك عبد المؤمن بجاية سنة أربع وأربعين وخبرهم مشروع هنالك ثم جهز جرجي أسطولا آخر إلى صفاقس وجاء العرب لإنجادهم فلما توافوا للقتال استطرد لهم الإفرنج غير بعيد فهزموهم ومضى العرب عنهم وملك الإفرنج المدينة عنوة ثالث عشري صفر وفتكوا فيها ثم أمنوهم وفادوا وأسراهم وأقروهم على الجزية وكذا أهل سوسة [1] وكتب رجار صاحب صقلّيّة إلى أهل سواحل إفريقية بالأمان والمواعد ثم سار جرجي إلى إقليبية من سواحل تونس واجتمع إليها العرب فقاتلوا الإفرنج وهزموهم ورجعوا خائبين إلى المهدية وحدثت الفتنة بين رجار صاحب صقلّيّة وبين ملك الروم بالقسطنطينية فشغل رجار بها عن إفريقة وكان متولي كبرها جرجي بن ميخاييل صاحب المهدية ثم مات سنة ست وأربعين فسكنت تلك الفتنة ولم يقم لرجار بعده أحد مقامه والله تعالى أعلم [2] .
[1] سوسة بلد بالمغرب، وهي مدينة عظيمة بها قوم لونهم لون الحنطة يضرب إلى الصفرة.
[2]
تلاحظ ولا شك عدم الانسجام في سرد الحوادث، لذلك نقلنا ما كتبه ابن الأثير عن هذه الحادثة بالنص الكامل ليتمكن القارئ أن يتوصل إلى الحقائق التاريخية بعد المقارنة. عن كتاب الكامل ج 11 ص 125:(ذكر ملك الإفرنج مدينة المهدية بإفريقية) قد ذكرنا سنة إحدى وأربعين وخمسمائة مسير أهل يوسف صاحب قابس إلى رجار ملك صقلّيّة واستغاثتهم به فغضب لذلك، وكان بينه وبين الحسن بن علي بن يحيى بن تميم ابن المعز بن باديس الصنهاجي صاحب إفريقية صلح وعهود إلى مدة سنتين، وعلم أنه فاته فتح البلاد في هذه الشدة التي أصابتهم، وكانت الشدة ودوام الغلاء في جميع المغرب من سنة سبع وثلاثين إلى هذه السنة. وكان أشد ذلك منه سنة اثنتين وأربعين، فإن الناس فارقوا البلاد والقرى، ودخل أكثرهم إلى مدينة صقلّيّة وأكل الناس بعضهم بعضا وكثر الموت في الناس فاغتنم رجار هذه السنة فعمر الأسطول وأكثر منه فبلغ نحو مائتين وخمسين شينيا مملوءة رجالا وسلاحا وقوتا. وسار الأسطول عن صقلّيّة ووصل إلى جزيرة قوصرة وهي ما بين المهدية وصقلّيّة فصدفوا بها مركبا ووصل من المهدية فأخذ أهله وأحضروا بين يدي جرجي مقدّم الأسطول فسألهم عن حال إفريقيا. ووجد في المركب قفص حمام فسألهم هل أرسلوا منها فحلفوا باللَّه أنهم لم يرسلوا شيئا فأمر الرجل الّذي كان الحمام صحبته أن يكتب بخطه أننا لما وصلنا جزيرة قوصرة وجدنا بها مراكب من صقلّيّة فسألناهم عن الأسطول المخذول فذكروا أنه أقلع إلى جزائر القسطنطينية. وأطلق الحمام فوصل إلى المهدية فسر الأمير الحسن والناس، وأراد جرجي بذلك أن يصل بغتة. ثم سار وقدر وصولهم إلى المهدية وقت السحر ليحيط بها قبل ان يخرج أهلها، فلو تم له ذلك لم يسلم منهم أحد، فقدر الله تعالى ان أرسل عليهم ريحا هائلا فلم يقدروا على السير إلا بالمقاذيف، فطلع النهار ثاني صفر في هذه السنة قبل وصولهم فرآهم الناس. فلما رأى جرجي ذلك وأن الخديعة فاتته أرسل إلى الأمير الحسن يقول إنما جئت بهذا الأسطول طالبا بثأر محمد بن رشيد صاحب قابس ورده إليها. أما أنت فبيننا وبينك عهود وميثاق إلى مدة ونريد منك عسكرا يكون معنا فجمع الحسن الناس من الفقهاء والأعيان وشاورهم فقالوا نقاتل عدونا فإن بلدنا حصين فقال: أخاف أن ينزل إلى البر ويحصرنا برا وبحرا ويحول بيننا وبين الميرة وليس عندنا ما يقوتنا شهرا فتؤخذ قهرا. وأنا أرى سلامة المسلمين من الأسر والقتل